شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
أسرلة التعليم..سلاح إسرائيلي لتدمير الوعي الفلسطيني

أسرلة التعليم..سلاح إسرائيلي لتدمير الوعي الفلسطيني

سياسة

الخميس 29 سبتمبر 202204:39 م

عملية التهويد الممنهجة التي ينتهجها الاحتلال الإسرائيلي تجاه مدينة القدس، لم تقتصر فقط على أن تطال كل شكل أو رمز عربي بهدف هدمه أو تزويره أو طمسه، بل امتد الأمر إلى محاولات تهويد الوعي وإعادة صياغته بما ينسجم مع الرواية الإسرائيلية. فبعد محاولات تغيير التركيبة السكانية وأسرلة أسماء الشوارع وتهويد المعالم التاريخية العربية بشقيها المسيحي والإسلامي، بدأ الاحتلال في مشروع استهداف التعليم كآلية من آليات الأسرلة والدمج ضد سكان القدس، وإذ أعلن الإضراب يوم الاثنين في المدارس الفلسطينية في مدينة القدس الشرقية، وذلك رفضاً للمحاولات الإسرائيلية في فرض الكتب الدراسية التي من شأنها "شطب الهوية الوطنية ومسخ المناهج التعليمية، لتصبح مدخلاً لتدجين الأجيال الفلسطينية الجديدة".

إثر ذلك، أغلقت الغالبية العظمى من المدارس أبوابها، في إضراب ليوم واحد استجابة لدعوة القوى والفصائل الوطنية والإسلامية في مدينة القدس التي قالت في بيانها: "نؤكد على رفضنا المطلق والتام لمحاولات فرض منهاج مزيف أو مستحدث على أبنائنا في جميع المدارس على اختلاف مرجعياتها الأكاديمية، وأننا لن نقبل بغير المنهاج الفلسطيني لتعليم أبنائنا".

وأضافت: "نؤكد على حقنا الثابت كشعب تحت الاحتلال باختيار المنهاج الذي يتم تدريسه لأبنائنا الطلبة، وندعو المؤسسات الدولية ذات الصلة بالوقوف عند مسؤولياتها وكبح جماح تغوّل الاحتلال وأذرعه التنفيذية على مدارسنا، كما وندعوهم لحماية مؤسساتنا التعليمية".

رسالة الإضراب

إن الإجماع ووحدة الموقف المقدسي حول الإضراب والالتزام به، يحملان رسائل هامة كما عبر عنها أحمد غيث، الناشط السياسي المقدسي، لرصيف22: "الشارع الفلسطيني بالقدس يدرك حجم الهجمة الإسرائيلية، ومن هذا المنطلق كان هذا التفاعل من قبل الأهالي والطلاب في الالتزام بالإضراب، الذي أوصل عدة رسائل أهمها أن المقدسيين بكل أطيافهم واختلافاتهم موحدون في مواجهة محاولات الاحتلال، والرسالة الثانية هي رفض واضح للمنهاج المحرف الذي يحاولون فرضه على طلابنا من أجل شطب الهوية الوطنية والدينية".

 أغلقت الغالبية العظمى من المدارس أبوابها، في إضراب ليوم واحد استجابة لدعوة القوى والفصائل الوطنية والإسلامية في مدينة القدس التي قالت في بيانها: "نؤكد على رفضنا المطلق والتام لمحاولات فرض منهاج مزيف أو مستحدث على أبنائنا في جميع المدارس على اختلاف مرجعياتها الأكاديمية، وأننا لن نقبل بغير المنهاج الفلسطيني لتعليم أبنائنا"

وأضاف: "أولياء الأمور والطلاب هم من قادوا هذا الإضراب بمساندة المؤسسات الأهلية والقوى الوطنية والإسلامية، وهذا يدلل على سلامة الوعي الوطني الفلسطيني الذي نجح وسينجح في المجابهة المستمرة التي يخوضها المقدسيون رفضاً لسياسات الاحتلال الإسرائيلي".

ليؤكد من خلال هذا الإجماع على ما كتبه فكتور هوغو في نهاية كتابه "قصة جريمة" عن حصار القوات الألمانية للعاصمة الفرنسية باريس فى العام 1870: "إن من الممكن هزيمة الجيوش، ولكن من غير الممكن هزيمة الأفكار، فى إشارة إلى أفكار الثورة الفرنسية".

خلفيات محاولة الأسرلة

لم تكن محاولات الاحتلال لأسرلة التعليم في مدينة القدس جديدة، بل لها تاريخ يمتد منذ العام 67، حينما أُصدر قانون خاص يُخضع التعليم لسلطاته، تؤكد ديمة السمان، مديرة عامة لوحدة شؤون القدس في وزارة التربية والتعليم، لرصيف22: "معركة المناهج في القدس هي معركة قديمة جديدة تتجدد في كل عام بأسلوب جديد من قبل الاحتلال، منذ عام 67 حاولت إسرائيل السيطرة على التعليم في القدس، وبالفعل حولت المناهج الأردنية في ذاك الوقت إلى مناهج إسرائيلية، وفرضتها على جميع مدارس القدس التابعة لها، وكان هناك رفض من قبل المجتمع المقدسي بكل مكوناته وأطيافه، ورفض إرسال أبنائه إلى المدارس، وعلى إثرها فتحت المدارس التابعة للأوقاف الإسلامية واستوعبت جميع طلبة القدس، جنباً إلى جنب مع المدارس الأهلية والمدارس الخاصة الوطنية وبعد أن تفرغت مدراس القدس التابعة للاحتلال، اضطر إلى اعادة المناهج الأردنية تدريجياً إلى المدارس".

لم تكن محاولات الاحتلال لأسرلة التعليم في مدينة القدس جديدة، بل لها تاريخ يمتد منذ العام 67، حينما أُصدر قانون خاص يُخضع التعليم لسلطاته

وتضيف: "ما زال الاستهداف مستمراً بوضع الخطط الممنهجة الإستراتيجية من أجل الوصول إلى أهدافهم، خطتهم الخمسية تسعى إلى أن يصل نسبة الطلبة الذين يدرسون المناهج الاسرائيلية 98%، و2% يدرسون المناهج الأجنبية، وأن لا يكون هناك مناهج فلسطينية على الإطلاق. في عام 2000 كان الفلسطينيون لأول مرة يدرسون المناهج الفلسطينية، وإسرائيل جن جنونها من هذه المناهج، وقامت بحملات تحريضية على مستوى دولي، والدول المانحة التي كانت تمول طباعة كتب المناهج الفلسطينية أوقفت تمويلها، وفتحت تحقيقاً إذ كانت المناهج بالفعل تحريضية وتؤثر على عملية السلام، مع أن جميع الدراسات أثبتت أن المناهج الفلسطينية هي مناهج متوازنة وحديثة تتماشى مع التكنولوجيا الحديثة والتطور في العالم، إلا أن إسرائيل لا تزال تشكو أن المناهج الفلسطينية هي مناهج تحريضية تتعارض مع عملية السلام وتتهم المناهج بأنها السبب في العنف من قبل الفلسطينيين تجاه الاسرائيليين".

الأسرلة سياسية وليس تربوية

تضيف السمان: "على الرغم من أن قضية التعليم والمناهج تبدو تربوية تعليمية، إلا أن الواقع سياسي، التعليم والسيطرة على التعليم أخذا اهتماماً كبيراً من قبل الاحتلال، لأنه اولاً هو سيادة، وثانياً لأن التعليم والثقافة لهما علاقة مباشرة في فكر الإنسان ووعيه، وهناك محاولات لضرب الوعي ومحو الهوية الفلسطينية وتجهيل الطلبة، إذا ما تحدثنا عن المناهج الاسرائيلية، فمشكلتها أولاً على مستوى وطني، لأنها كما ذكرت تقدم الرواية الاسرائيلية المزورة، وثانياً المستوى الأكاديمي، المناهج الإسرائيلية هي مناهج ضعيفة جداً، المناهج الاسرائيلية التي تقدم لأبنائهم هي مناهج قوية، عكس ما يقدم للمقدسيين داخل القدس المحتلة، الفرق بين منهاجهم والمنهاج الذي يقدم للطلبة المقدسيين حوالي خمس سنوات اكاديمية دراسية، أي إذا انتهى الطالب المقدسي حتى الصف 12 يعني هو فعلياً في الصف الثامن في مدارسهم، تحاول إسرائيل أن تروج إلى أن المناهج الإسرائيلية هي الأفضل والأسهل، وأنه من الممكن استيعاب الطلاب بعد الانتهاء من الثانوية العامة في الجامعات العبرية ودراسة ما يشاؤون من تخصصات تفتح لهم المجال في العمل، وتأمين حياة كريمة، ولكن كل هذه أكاذيب، لأن بهذا المستوى المتدني لن يستطيع الطالب أن يلتحق بالجامعة ولن يستطيع النجاح، وبالتالي هي تهدف إلى أن يذهب طلابنا وأبناؤنا الى سوق العمل الاسرائيلي بأيدي عاملة رخيصة، إذن الهدف هو التجهيل، ومحاولة زجهم في المجتمع الاسرائيلي بشكل او بآخر، لا تتعامل معهم كمواطنين ولكن كأقلية ليس لهم اي اعتبار".

وحول العنصرية والتحريض على العنف والقتل التي تحملها المناهج الإسرائيلية تضيف: "العنصرية الإسرائيلية وصلت إلى أعلى حد، هم يعتبرون أنهم أسياد والجميع عبيد لهم، وهذا ما يدرسونه لأبنائهم، والمناهج الإسرائيلية هي تحريضية بالدرجة الأولى، وهناك دعوات مباشرة إلى أن من يقتل الفلسطيني يُثاب ولا يأثم، نلاحظ أيضاً المناهج الإسرائيلية فيها صورة الفلسطيني المشوهة جداً، والتي تظهره بالإنسان القذر والقاتل والمغتصب البشع، ويجب معاملته كالكلب المسعور، يعني ذلك صفات بشعة جداً موجودة في المناهج الاسرائيلية".

أما عن الإجراءات المرتبطة في جوهر المقررات التعليمية التي أقدمت عليها حكومة الاحتلال تمثلت بعدة مضامين أهمها: ظهور العلم الإسرائيلي في صفحات الكتاب المقررة، بالإضافة للتأكيد على أن مدينة القدس عاصمة إسرائيل الأبدية، وحذف خريطة فلسطين وتحويلها بأكملها خريطة إسرائيلية، كذلك عرض ما يسمى بوثيقة الاستقلال الإسرائيلية.

سيادية التعليم في القدس

وكانت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية قد أطلقت هذا العام شعار "سيادية التعليم في القدس" ، وأكد محمد اشتية، رئيس الوزراء الفلسطيني: "هذا العام سيكون "عام سيادية التعليم في القدس" لمواجهة كافة محاولات الاحتلال من أجل أسرلة التعليم في القدس والحرب على المنهاج الفلسطيني واستبداله بالمنهاج الإسرائيلي، وأهمية انتظام العملية التعليمية"، مشيراً إلى أن قضايا التعليم في صلب اهتمام الحكومة وعلى رأس أولوياتها، والتزام الحكومة بتنفيذ كافة القضايا المتعلقة بقطاع التعليم".

الإجراءات المرتبطة في جوهر المقررات التعليمية التي أقدمت عليها حكومة الاحتلال تمثلت بعدة مضامين أهمها: ظهور العلم الإسرائيلي في صفحات الكتاب المقررة، بالإضافة للتأكيد على أن مدينة القدس عاصمة إسرائيل الأبدية، وحذف خريطة فلسطين وتحويلها بأكملها خريطة إسرائيلية، كذلك عرض ما يسمى بوثيقة الاستقلال الإسرائيلية

وقالت السمان: " في هذا العام الدراسي 2022-2023 افتتحت وزارة التربية والتعليم عامها الدراسي تحت شعار سيادية التعليم في القدس لأنها تعي تماماً مدى خطورة الوضع التعليمي في القدس واستهدافه من قبل الاحتلال، ووفق قرار مجلس الوزراء، فقد صدر قرار بإنشاء صندوق خاص بالتعليم في القدس، وتعهدت وزارة التربية والتعليم بأنها لن تترك المدارس المقدسية وحدها، إذ ستدعمها بكل ما أوتيت من قوة وبجميع الإمكانيات الممكنة، والمجتمع المقدسي يتجه نحو خطوات تصعيدية في حالة إصرار الاحتلال على فرض المناهج التي يرفضها الأهالي، أما بالنسبة للإضراب، فكان له هدفان، الأول رسالة للاحتلال بأن المجتمع المقدسي يتوحد بكلمة واحدة، لا للمناهج المبتورة ولا للمناهج الإسرائيلية، وأننا نتمسك بالمناهج الاصلية الفلسطينية، أما الهدف الآخر فهو توعوي، لأن هناك بعض فئات المجتمع لا تعلم تماماً ما الذي يجري، ويتم التفسير لهذه الفئة لماذا كان الإضراب، وما خطورة أن نرضى كمقدسيين بفرض المناهج الإسرائيلية على الطلبة المقدسيين".

وبالرغم من هذه التصريحات والجهوزية التي يتم الإعلان عنها، تبقى العقبات قائمة أمام المواجهة الحقيقية لعملية الأسرلة، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار عمليات التطوير المستمرة التي تنفذها حكومة الاحتلال للمدارس الواقعة تحت سيطرتها في مقابل انعدام هذا الأمر في المدارس الفلسطينية.

يؤكد الناشط الشبابي حسن زقوت لرصيف22: "على السلطة الفلسطينية أن تتحمل مسؤولياتها في اتخاذ سياسات واضحة لدعم التعليم في القدس، من خلال تحديث وإعادة تأهيل المدارس التابعة لها، وعدم الاكتفاء بالتصريحات الإعلامية التي لن تكون كافية في مواجهة سياسة الأسرلة".

ويضيف: "نحن بحاجة لإطلاق حملات لزيادة الوعي حول المخاطر التي سيعايشها الوعي الفلسطيني بفعل المنهاج الإسرائيلي وأهدافه التي تمرر ثقافة الهزيمة، وعلينا أن نعمل لإطلاق صندوق مالي لدعم المدارس المتضررة".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard