بينما تتواصل المحاولات الإسرائيلية لطرد السكان الفلسطينيين من القدس المحتلة وتهجيرهم قسراً، فإن استهداف هذا المكون العربي ليس قاصراً على المسلمين وإنما يشمل مسيحيي القدس الفلسطينيين أيضاً. وهو ما دعا قادة مسيحيون إلى إطلاق صرخة استغاثة: "وجودنا متزعزع ومستقبلنا في خطر".
يسكن القدس 901,300 ألف نسمة، وفق أرقام عام 2017، بينهم نحو 342 ألف مواطن عربي في شرق القدس، وقرابة 345 ألف يهودي في غرب القدس، و215 ألف يهودي مستوطن في شرق القدس. يقتصر الوجود المسيحي على 15,800 نسمة (12,600 مسيحيين عرب، و3200 مسيحيين غير عرب).
بحسب "مؤسسة القدس الدولية"، يتمركز السكان المسيحيون في القدس في أحياء: البلدة القديمة وبيت حنينا وبيت صفافا وجبل الزيتون وشعفاط وضاحية البريد وحي الشيخ جراح وأحياء كفر عقب والمطار وسميراميس.
و"مؤسسة القدس" هي منظمة عربية غير حكومية تهدف إلى إنقاذ مدينة القدس والحفاظ على هويتها العربية ومقدساتها الإسلامية والمسيحية من مخططات التهويد والأسرلة.
منذ عام 2012، بالتزامن مع تصاعد الاعتداءات ضد المجتمعات والمقدسات المسيحية في القدس، تكررت الاستغاثات من كنائس القدس ضد محاولات إسرائيل "تقويض" الوجود المسيحي في المدينة. إلا أن الاعتداءات والمخططات الأخيرة عليهم اعتبرت "غير مسبوقة" ومثيرة للقلق على نحو خاص.
تدنيس وتخريب مواقع مقدسة بينها كنائس، والاعتداء جسدياً ولفظياً على قساوسة ورهبان ومصلين… بطاركة ورؤساء الكنائس المسيحية في القدس يشكون وجود "محاولة منسقة لترويع المسيحيين وطردهم" من المدينة من قبل جماعات إسرائيلية
"ترهيب المسيحيين" و"تدنيس" مقدساتهم
قبل يومين، قال الأب فرانشيسكو باتون، حارس الأراضي المقدسة بالكنيسة الكاثوليكية وحارس الأماكن المقدسة المسيحية في القدس، في مقال عنوانه: "مسيحيو الأراضي المقدسة مهددون بالانقراض": "يشن المتطرفون الإسرائيليون حرب استنزاف ضد المؤمنين المسالمين الذين لا يرغبون في القتال. نحتاج إلى مساعدة خارجية للبقاء على قيد الحياة".
وأوضح الأب أنه بينما يعود الوجود المسيحي في فلسطين إلى أكثر من ألفي عام، بات "مهدداً فيما مستقبلنا في خطر. بعدما كنا نمثل 20% من سكان القدس، أصبح المجتمع المسيحي يشكّل اليوم أقل من 2%".
واتهم الأب باتون "الجماعات المحلية المتطرفة ذات الأيديولوجيات المتطرفة" بجعل "حياة العديد من المسيحيين لا تطاق" بتكرارها "جرائم الكراهية" والاعتداءات على الكهنة والرهبان والعُبّاد على السواء.
وحث في الختام على "عدم السماح للجماعات المتطرفة بتقويض وجود أي مجتمع أو التنوع الجميل الذي يجعل القدس العاصمة الروحية للعالم".
وتقر صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" بأن "نشطاء يهوداً متطرفين قاموا على مدى سنوات بأعمال تخريب لمواقع مسيحية في القدس ومناطق أخرى من إسرائيل، بما في ذلك كتابة عبارات كراهية وحرق متعمد. كما يستهدف المتطرفون الفلسطينيين".
والأسبوع الماضي، ناشد بطاركة ورؤساء الكنائس المسيحية في القدس الحكومات الإسرائيلية والفلسطينية والأردنية التصدى للمجموعات الراديكالية التي تهدد المجتمعات المسيحية المحلية.
في بيانهم، أشار القادة الكنسيون في القدس إلى تعديات جسدية ولفظية على الكهنة، واعتداءات ضد الكنائس، وأعمال تخريب وتدنيس للمقدسات، باعتبارها "تجاوزات مستمرة منذ عام 2012" بعدما باتت تشكّل محاولة منظمة ومنتظمة لطرد المجموعات المسيحية، التي تعد جزءاً لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي المحلي، من المدينة. وهو ما يشكل مخاطر محدقة بحرية العبادة في المدينة المحتلة.
"بعدما كنا نمثل 20% من سكان القدس، أصبح المجتمع المسيحي يشكّل اليوم أقل من 2%"... مسيحيو القدس يستنكرون "ترهيب المسيحيين" من قبل المجموعات الإسرائيلية المتطرفة الهادفة إلى إنهاء وجودهم في المدينة المحتلة
في حين لا توجد إدانة مباشرة للسلطات الإسرائيلية، إلا أن القادة المسيحيين لاموا تفلت الجماعات المتطرفة بجرائمها "دون رقابة أو عقاب"، وهو ما يجعل السلطات الإسرائيلية متواطئة على مسيحيي القدس.
كذلك، عبّر القادة المسيحيون عن قلقهم البالغ إزاء "عجز المسؤولين والأجهزة الأمنية عن وضع حد لنشاطات المجموعات الراديكالية التي تقوم بـ‘ترهيب المسيحيين‘" وشراء أفراد هذه المجموعات الممتلكات العقارية الإستراتيجية في الأحياء المسيحية بهدف "تقليص الوجود المسيحي" عبر اتفاقات بيع غير علنية، أو خطط لطرد السكان من بيوتهم، ووضع العراقيل أمام دروب الحج التاريخية بين بيت لحم والقدس.
برغم عدم تسميتها علناً في البيان، فإن الاتهام ينطبق على مخططات منظمة "عطيرت كوهانيم" الصهيونية التي تعمل على ملء المدينة القديمة ومختلف أحياء القدس الشرقية بسكان يهود بعد شراء العقارات من ملّاك غير يهود.
وبينما شددوا على أن الحج حق لجميع المسيحيين في العالم، لفت رؤساء كنائس القدس إلى فوائده الكبيرة لإسرائيل من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية.
وكانت دراسة لجامعة برمينغهام البريطانية قد أظهرت أن الحج والسياحة المسيحيَّين يسهمان في الاقتصاد الإسرائيلي بما قيمته ثلاثة مليارات دولار أمريكي. لكن هذا النشاط تراجع في الآونة الأخيرة في ظل حظر إسرائيل دخول السياح والحجاج المسيحيين حتى 22 كانون الأول/ ديسمبر، بذريعة احتواء جائحة كورونا والمتحور أوميكرون. علماً أنها سمحت بدخول مجموعات يهودية.
علاوة على ما سبق، نبّه البطاركة والأساقفة إلى أن المجتمع المسيحي في القدس برغم صغر حجمه يقدم خدمات هامة على الصعيد التربوي والصحي والإنساني في إسرائيل وفلسطين والأردن.
في ختام البيان، طالب القادة الدينيون: "أولاً، مواجهة التحديات التي تمثلها المجموعات الراديكالية في القدس بالنسبة للجماعات المسيحية المحلية ولدولة القانون، كي لا يعيش أي مواطن أو مؤسسة تحت تهديد العنف والترهيب" و"ثانياً، بداية حوار حول إنشاء منطقة ثقافية وتراثية مسيحية خاصة بغية الحفاظ على وحدة الحي المسيحي في القدس العتيقة".
منذ عام 2012، تصاعدت الاعتداءات ضد المجتمعات والمقدسات المسيحية في القدس، وتكررت الاستغاثات ضد محاولات إسرائيل "تقويض" الوجود المسيحي في المدينة. إلا أن الاعتداءات الأخيرة عليهم اعتبرت "غير مسبوقة" ومثيرة للقلق على نحو خاص
وفي مقال مشترك، حذّر رئيس أساقفة كانتربري البريطاني جاستن ويلبي ورئيس أساقفة القدس الأنجليكاني حسام نعوم من وجود "محاولة منسقة لترويع المسيحيين وطردهم". واعتبرا أن الزيادة في مجتمعات المستوطنين الإسرائيليين، والقيود المفروضة على الحركة المرتبطة بالجدار العازل الذي أقامته إسرائيل "عمقّتا عزلة القرى المسيحية".
أصداء واسعة
وأثارت الاستغاثات المتتالية من مسيحي القدس تفاعلاً واسعاً من المجتمع الكنسي العالمي إذ أعرب مجلس الكنائس العالمي، الذي يمثل 349 كنيسة، عن دعمه لهم، مشدداً في بيان على ضرورة "احترام وتقدير المسيحيين في الأراضي المقدسة كجزء من تراث المنطقة ومستقبلها على السواء".
بدورها، شددت منظمة "الكنائس من أجل السلام في الشرق الأوسط"، ومقرها في الولايات المتحدة، على أهمية المجتمعات المسيحية في الأراضي المقدسة.
ووفق بحث حديث لـ"مؤسسة القدس الدولية"، أطلقته مطلع الشهر الجاري، فإن مسارات التهويد الإسرائيلية تسير في عدة مسارات متزامنة هي: مسار التهويد الديني والعمراني بما يشمل المعالم الدينية والثقافية والعمرانية، ومسار اختراع هوية يهودية للقدس، ومسار التهويد الديموغرافي، ومسار تهويد القطاعات الحياتية للمقدسيين من تعليم وصحة ومؤسسات اقتصادية ومدنية.
وقد حذّر البحث من خطورة تهجير السكان الفلسطينيين، المسلمين والمسيحيين، من أحياء مثل الشيخ جراح وسلوان وغيرهما، بذريعة ملكية يهود لمنازلهم أو أراضيهم قبل عقود طويلة، أو بحجة المنفعة العامة، التي هي أخطر أدوات خطة تهويد القدس.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 4 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 5 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ اسبوعينخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين