فُتِحَ بابُ القاعة ..
دخل الحلاَّج يجرُّ قيوده... ثلاثةَ عشر قيداً...
ثابت الخطوة...
صوت الحديد في رجليه يزيد مشيته وقاراً..
وقف وسطَ القاعة.. راسياً.. رمحاً لا ينحني
نظر إل حامد..
أدرك ما يحدث..
المحاكمة ليست في المسجد الجامع ولا في دار القضاء..
ولا شهود..
التفت ينظر إلى الوجوه.. وجهاً وجهاً.. كأنه يقول.. لا
تجتمع هذه الوجوه على خير..
نظر الوزير إلى القاضي..
فهم القاضي الإشارةَ فبدأ الكلام..
- الحلّاج.. الحسين بن منصور.. نسألُك فيما بلغنا
عنك مما يخالف الشرعَ الحنيف
- إذن فأنتم بحاجةٍ إلى بضع أوراقٍ تعطي الشرعية لما
حكمتم به بالأمس..
ارتبك أبو عمر..
صمت حامدٌ وارتبك..
كأن الحلاج كان معنا ليلة أمس.. يرى ويسمع..
- كسر الصمت صوت الحلاج..
أقول كما دائماً
وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً
وما أنا من المشركين..
اسأل يا أبا عمر فإنك مأمور..
صدرت مؤخراً رواية "أوراق من محاكمة الحلاج" لعباس أرناؤوط عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، والتي يستعيد فيها الكتاب محاكمة شهيد الصوفية وموقفه الحازم من خصومه الذين قرروا إنهاء حياته
قال القاضي..
بلغنا أنك دخلت المسجد مع بعض مريديك..
أذّن المؤذّن.. الله أكبر الله أكبر
لم تقل معه ما يقول.. كما أمرنا.. "إذا سمعتم المؤذن
فقولوا مثل ما يقول..."
بل قلت.. كذب.. كذب..
سمعك من كان في المسجد وشهدوا عليك.. ما قولك
في تكذيب المؤذّن..
قال الحلّاج... يُحاكم القاضي
- تبحث في الأوراقِ القديمة يا أبا عمر..
هذه من فِتَن ابن داود الظاهري يومَ أرادَ محاكمتي قبل
سنين.. أقول كما قلت
من لم يوافق حالهُ مقالهُ فقد كذب..
من قال.. الله أكبر.. ما غرّتُه دنيا ولا آخرة..
ما طَمِعَ في جنةٍ ولا خافَ نار..
وما رأى إلا قِبلةً واحدةً.. الله..
الله أكبرُ من الكلِّ..
الكلُ مخلوقٌ وهو الخالق..
ومن عرف الله لا تنظر عيناه إلى سواه.. فلا سوى..
ما عرف الله إلا الله..
من ظنَّ أنه عَلِمَ فقد جَهِلَ..
ومن عرف أنه جَهِلَ فقد عَلِم..
أولُ العلم جهلٌ وآخر العِلم جهل..
العلم مجازٌ والجهلُ حقيقتُه..
من ظن أنه عرفَ فقد توهَّم..
ومن عرف فقد توهَّم..
ومن ظن أنه لم يَعرَف فقد توهّم..
من قال.. أعرفُ.. فقد ادّعى..
ومن قال.. لا أعرفُ.. فقد نسي..
الروح تعرف بارئها.. تذكر لمسته الأول..
وعلّم آدم الأسماء كلها..
من ظنَّ أنه وصل فقد تاه.. فلا طريق..
الطريقُ بين اثنينِ وليس هناك إلا واحد..
ومن ظنَّ أنه لا يَصِلُ فقد نسي أنه بين يدي الله..
الله لا تَصِفُه الكلمات وتضيقُ عنه العِبارة..
لو كَشَفَ عنّا حجاباً من حُجُبِه ما قال أحدٌ.. اللّه..
يذوبُ في الجمالِ أو.. يُصعَقُ في الجَلال..
جَعلَهُ دكاً وخرَّ موسى صَعِقاً..
الأرواحُ تهمسُ للأرواح..
الفراشُ بالنُّور يطوفُ..
الكلماتُ تُكتَبُ بالمداد..
أو.. تُكتَبُ بالنور..
الله أكبرُ..
أكبرُ ممن.. أكبرُ مماذا.. ولا أَحَد غيره..
نحن نشهد على أنفسنا.. يوم أشهدهم على أنفسهم../نذكّرها بيوم الذّر..كيف يشهدُ الفاني للباقي../المُحدث للقَديِم../المحدود للمطلق../من له أول وآخر لمن لا أول ولا آخر له...
صمتَ الحلّاج لحظةً.. أكمل..
- يردد المؤذّن.. أشهد أن لا إله إلا الله..
من ظنّ أنه يشهد لله بالوحدانيّة فقد أَشرك..
جعل من نفسه لله نداً.. يشهد له..
إنَّ العبدَ إذا وحَّد ربَّه تعالى فقد أثبتت نفسُه.. ومن
أثبتت نفسهُ فقد أتى بالشِركِ الخفيِّ.. وإنما اللهُ تعالى هو
الذي وحَّد نفسه على لسانِ من شاء من خلقه..
نحن نشهد على أنفسنا.. يوم أشهدهم على أنفسهم..
نذكّرها بيوم الذّر..
كيف يشهدُ الفاني للباقي..
المُحدث للقَديِم..
المحدود للمطلق..
من له أول وآخر لمن لا أول ولا آخر له..
ما وحّد الله من يرى غيرَ الله
ما وحّدَ الله من لا يرى الله في كلِّ شيء..
كيف نشهدُ لمن لا نَعرف..
وما عَرَفَ من ظن أنه عرف..
...
الغلاف الخلفي للكتاب
قصةٌ خياليّةٌ بنيت على الواقع..
أو..
قصة واقعية بُنيت على الخيال..
قصة لم تحدث..
أو..
تحدثُ كلَّ يوم..
...
عباس أرناؤوط: مخرج وكاتب أردني درس الإخراج في بريطانيا ثم عاد ليعمل في الوطن العربي. تخصص في الإخراج الدرامي والوثائقي للتلفزيون. أخرج عدداً من المسلسلات والأفلام، وصدر له 3 مجموعات قصصية و4 روايات.
....
جميع الحقوق محفوظة للمؤسسة العربية للدراسات والنشر.
الكتاب متوافر في أفرع المؤسسة العربية للدراسات والنشر والمكتبات.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...