شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
لا يوجد صاحب ظل طويل في حياتي يا جودي آبوت... لكن أهلاً بالخريف!

لا يوجد صاحب ظل طويل في حياتي يا جودي آبوت... لكن أهلاً بالخريف!

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة

الأربعاء 28 سبتمبر 202202:04 م

لا أعلم ما إذا كنت أحب فصل الخريف أم لا، لكنني أعلم أن مشاعري فيه مثل مشاعر من يسمعون طبول الحرب، ومثل مشاعري وأنا أشاهد حروب غزة وأشلاء شهداء أطفال سوريا، وضحايا اليمن، ومثل العلاقة الطردية العجيبة التي تجمع الحرب بالحب: أخاف وأحزن وأشتاق وأتشبث بالأمل.

يقال إن طبول الحرب تؤجج مشاعر الحب والاشتياق، وهكذا أنا في فصل الخريف، المعروف بأنه فصل التقلب المزاجي، ويسبب لكثيرين الاكتئاب، لكنني عندما أستيقظ في هذا الفصل على "لسعة" برد، وأشاهد شيئاً من الاختباء الخجول لغيمتين وراء الشمس، وعندما أتعثر بورقة حمراء يميل طرفها إلى اللون الأصفر، وعندما أقف طويلاً أمام خزانتي غير قادرة على تحديد نوع اللباس الذي سأرتديه، وعندما تمر أمامي روزنامة تذكرني باقتراب شهر تشرين الأول/ أكتوبر الذي خطف روح والدي، كل ذلك وأكثر يجعلني أسمع طبول حرب لم أخضها، لكنني أخذت منها شيئاً من مشاعر الحنين.

لا أعلم ما إذا كنت أحب فصل الخريف أم لا، لكنني أعلم أن مشاعري فيه مثل مشاعر من يسمعون طبول الحرب... ومثل العلاقة الطردية العجيبة التي تجمع الحرب بالحب: أخاف وأحزن وأشتاق وأتشبث بالأمل

لا أعرف "لمين؟"، تماماً مثل السيدة فيروز في قولها: "أنا عندي حنين ما بعرف لمين". هكذا أشعر في فصل "ورقو الأصفر شهر أيلول تحت الشبابيك"، أجدني في حاجة إلى أن أرمي نفسي في حضنٍ لا أنظر إلى عيون صاحبه، بل أنشغل بما هو أهم بالنسبة لي في تلك اللحظة، وأسرد أسماء من اشتقت إليهم/ ن، وأستذكر قصص شغبي التي لا تنتهي في الصف العاشر، وأدندن أغنية "شو بحب هالعيون كيف ما كانت تكون"، لتانيا صالح، وأحاول استحضار دموعي التي هي من الأشياء التي اشتقت إليها في الوقت الذي جفّت فيه منذ أن رحلت والدتي، وأقلد أصوات صديقاتي، وأضحك على نكتة سخيفة أسردها بطريقة سخيفة.


ثقيل هو فصل الخريف، بحلوه ومرّه وغموضه المستفز. أشعر بأن علامات الاستفهام دائماً ما تحوم حوله. يجعلني في لحظة مجنونة معبّأةً بالطاقة، وفي اللحظة ذاتها يباغتني السكون كغفوة طفل رضيع بعد حمام دافئ، ويكشف عن أنياب الماضي ويطبطب على واقع الحاضر، ويذكرني دوماً بأنني اشتقت إلى شيء كدت أنساه: اشتقت إلى أن أحب!

حفّزتني خاطرة قرأتها قبل أيام على كتابة هذا المقال. الخاطرة لواحدة صرت كلما كبرت أكثر يقيناً بأنها هي السبب في زرع صفة الرومانسية فيّ، وهي شخصية "جودي آبوت" في المسلسل الكرتوني الذي يحمل اسم تلك الفتاة الفقيرة صاحبة الجدائل ذات اللون الأحمر التي خاضت كل ما تتطلبه مشاعر الحب من واجبات: الصبر، واللهفة، والإخلاص، والأمل، والخيال، وترجمتها جميعاً في رسائلها إلى حبيبها مجهول الهوية "صاحب الظل الطويل".

تقول الخاطرة: "عزيزي يا صاحب الظل الطويل، لقد حلّ الخريف من جديد: فصل الحنين والرحيل، وما زال ظلك بعيداً عني، وأوراق عمري تتساقط ورقةً ورقة، وما زلت أنتظر قدومك، وأخاف من أن يكون عمري خريفاً تلو خريف ولا ربيع يأتي! العالم يدور من حولي، وأنا ما زلت أدور حول ظلك. أفتقدك جداً، أخبرني متى سيزهر ربيعي؟".

 لكنني مثلها أنتظر أن يزهر ربيعي بومضات قلب متسارعة وخصلة من شعري ألجأ إليها للّعب بها حتى أخفي توتري وأنا جالسة أمام من أحب

لا يوجد صاحب ظل طويل في حياتي، ولا أكترث لمضيّ العمر الذي تتساقط أوراقه كما تكترث له "جودي آبوت"، لكنني مثلها أنتظر أن يزهر ربيعي بومضات قلب متسارعة وخصلة من شعري ألجأ إليها للّعب بها حتى أخفي توتري وأنا جالسة أمام من أحب، أنتظر بكل فضول أن أشعر بفضول ما هو مكتوب على بطاقة صغيرة معلّقة على غصن وردة داخل باقة من الورود تُهدى إلي. أنتظر أن تعود إلى مخيلتي صورة شخص "كل ما الدني بدها تعتم"، مثل ما جاء في أغنية "بتذكرك بالخريف"، وأتحلى بقوة الأمل بقول رياض الصلح حسن: "غداً تأتي الغيمة وتبلل القلب المعطوب"!


كتبت هذا النص قبل أيام من الموعد الرسمي، حسب خريطة علماء الطقس في الأردن، لانتهاء فصل الصيف ودخول فصل الخريف، متشوقةً إلى حيرتي أمام خزانة ملابسي، ومشتاقة إلى غيمة تبلّل قلبي المعطوب، وعلى يقين كما يقيني في كل عام بأن "هذا الخريف سيكون غير". سوف يكون غير، هذا وعد.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard