بات سؤال الجمال أكثر إلحاحاً مع العولمة، ومع محاولة المهزوم تقليد المنتصر كما يقول ابن خلدون. فبمراجعة سريعة وتفنيد لما أصبح يعتبر جمالاً اليوم، نجد أن الملامح المطلوبة هي غربية وأن ما يقدم على أنه الجسد الأنثوي الجميل يخصع للمعايير الغربية بالأساس، فلا هو قصير كعرق شرق آسيا، ولا هو ممتلئ كالإفريقي، وإن أضفت هوليوود ودور الأزياء الأوروبية صفة التنوع العرقي على تصورهما للجمال من خلال ألوان الشعر ولون البشرة، لكن الإطار هو إطار غربي كما يرى كثيرون.
ظلّت فكرة التجميل عبر العصور تعمل على الجزء الخارجي من جسد الإنسان دون أن تتجرأ على التدخل في تغيير الجسد نفسه، فالملابس وأنماط الشعر والكحل وأدوات الزينة والحلي كلها على السطح، لكن المئة عام الأخيرة من تاريخ البشرية غيّرت كل شيء، وتجرأ علم التجميل أكثر فأكثر على الدخول إلى تحت الجلد، فالدهون، فالعضلات وحتى العظام وإعادة تشكيل شكل الجسد والوجه.
محظوظون أم ملعونون إذ نعيش في زمن التجميل؟
يأتي أصل كلمة "cosmetic" من الإغريق، إذ كانت اللفظة تطلق على النساء اللواتي يمارسن مهنة التجميل، أما بداية طب التجميل الحديث أو الغربي إن صح التعبير فجاءت من الهند، حين قام الطبيب سوسروثا باختراع أول تقنية جراحية تجميلية لترقيع الجلد والتي استمرت حتى القرن الثامن عشر، لذا يعتبره العديدون الأب الروحي لجراحات التجميل الحديثة.تلاه في فترة الحرب العالمية الثانية الجراح النيوزيلاندي هارولد غيلز الذي طور من جراحات التجميل بهدف معالجة رضوض وكسور وجروح الجنود المصابين في المعارك، خلفه تلميذه أرشيبالد ماكيندو الذي اختص في علاج الحروق الشديدة.
ظلّت فكرة التجميل عبر العصور تعمل على الجزء الخارجي من جسد الإنسان دون أن تتجرأ على التدخل في تغيير الجسد نفسه، فالملابس وأنماط الشعر والكحل وأدوات الزينة والحلي كلها ظلت على السطح، لكن المئة عام الأخيرة غيّرت كل شيءخلال عقود قليلة تطورت الجراحات التجميلية في العالم، وفي العقدين الأخيرين تحديداً انتشر ما سمي بالتجميل اللاجراحي كثورة قائمة بذاتها، فقلّت الكلفة لتصبح في متناول فئات أكثر، وزادت موازنات البحث العلمي التي تنفق على التجميل وعلى هذا العلم، وفي بعض الأماكن صار التمييز صعباً بين ما يعتبر تجميلاً تجارياً وما يعتبر طباً تجميلياً، فهل المشرط هو ما يرسم الحد الفاصل بينهما؟ ويظل السؤال الأكبر هل نحن محظوظون لأننا نعيش في زمن تطورت فيه علوم وتقنيات التجميل، أم هل صودر منا الحق بأن نشيخ؟
قبل أي شيء... ما لم يجد له الطب حلاً
قبل التحدث عما وصله التجميل، لا بد من الإشارة إلى المشاكل التجميلية التي لم يجد لها الطب حلولاً علاجية بعد، والتي يتعرض أصحابها لأشكال من الابتزاز وأحياناً النصب تحت مسمى الحلول التجميلية.في بعض الأماكن صار التمييز صعباً بين ما يعتبر تجميلاً تجارياً وما يعتبر طباً تجميلياً، فهل المشرط هو ما يرسم الحد الفاصل بينهما؟
فحتى مع تفرع علوم هذا الطب وتطوره السريع لم تزل هناك بعض المستعصيات مثل الطول الشديد، والقصر الشديد، وكتلة العظام العريضة التي تختلف من شخص إلى آخر، وبعض المشاكل الوراثية التي تخص الشعر.
يروي طبيب الجلد ماجد الشيخ لرصيف22 عن العديد من الأمراض التي تقع ضمن اختصاصه وليس لها حل طبي علاجي، كالصلع الوراثي، وكالثعلبة التي تعتبر مرض مناعة ذاتياً يتسبب بفقدان الشعر من بعض مناطق فروة الرأس، وهو منتشر بين الرجال والنساء على حد سواء، حيث تهاجم خلايا الدم البيضاء خلايا الشعر وبصيلاته، وقد يحدث في أي مرحلة عمرية.
أما البهاق فهو من الأمراض المناعية المزمنة ويحدث حين يهاجم الجسم صبغة الميلانين المسؤولة عن لون الجلد، وقد يصيب الجنسين من كل الأعمار، وليس له علاج بالتقنيات التجميلية الحديثة لأن مسببه مرض مناعي، وأشبه لما يحدث نتيجة تناول أدوية العلاج الكيميائي لمرضي السرطان والأورام وبعض العلاجات الخاصة بأمراض الروماتويد والذئبة الحمراء، فكلها تعتمد على أدوية خاصة بتثبيط عمل الجهاز المناعي مما يتسبب بتساقط الشعر.
التقنيات والعمليات التجميلية الأكثر انتشاراً في مصر
البوتكس والفيلر
يعمل البوتوكس على إضعاف وتقليل نبض العضلات، بحيث يثبط ويمنع إفراز الأعصاب لمادة "Acetylcholine" التي تعمل على انقباض العضلات المسؤولة عن ظهور التجاعيد، كما يستخدمه أخصائيو الأعصاب لمعالجة شلل العصب السابع للوجه، وتشير الألفي إلى أنه كلما جاء استخدام البوتكس والفيلر مبكراً كوسيلة وقاية من التجاعيد تمت المحافظة على نضارة الوجه والبشرة. مؤخراً توسع استخدامه، لإزالة التعرقات، ولعلاج الشقيقة، وظهر بوتكس المعدة الذي يشعر من يتلقاه بالشبع لفترات طويلة وبكمية أكل أقل.أما الفيلر فيستخدم غالباً في الوجه، بالرغم من وجود بعد الأنواع الخاصة بالجسم، وأكثر المواد المستخدمة هي "الهايلورنيك أسيد" و "هيدروكسيلابتيت الكالسيوم" و"الكولاجين" و"دهون الجسم" نفسه، فلكل جزء نوع خاص به يكون أكثر ملاءمة من حيث الكثافة ودرجة الذوبان، لذا ينصح الأطباء أي شخص يرغب بالخضوع لحقن الفيلر التأكد من أن نوع المادة هو الصحيح للجزء المطلوب تحسينه من الجسم من خلال مراجعة المواقع الطبية وليس الإعلامية، وأن على المريض/ـة التأكد أن المادة أصلية، والأهم غير منتهية الصلاحية.
تبلغ تكلفة الجلسة من 100 إلى 125 دولاراً.
رفع الجفون بالجراحة أو بالليزر
نجح التجميل اللاجراحي في تحقيق مزيد من الانتشار كونه أقل كلفة وخطورة، وتحول الإقبال عليه إلى حالة عالمية من الجنسين، تقول اختصاصية الأمراض الجلدية والتجميل الدكتورة لمياء الألفي لرصيف22: "من العمليات التي صارت تلاقي مؤخراً رواجاً كبيراً هي رفع الجفون، ونلاحظ أنها غير مرتبطة بالتقدم بالسن لأنها تتعلق بعوامل وراثية أكثر من عوامل العمر، الـ"Eyelift" هي عملية بسيطة نجريها تحت البنج الموضعي بهدف تحسين شكل جفون العين بدلاً من ترهلها وتهدلها. أما عملية شد الجفون بالليزر والتي تعتبر بديلاً أكثر أماناً وسهولة فتبلغ تكلفتها من 100 إلى 125 دولاراً.ينصح الأطباء أي شخص يرغب بالخضوع لحقن الفيلر التأكد من أن نوع المادة هو الصحيح للجزء المطلوب تحسينه من الجسم من خلال مراجعة المواقع الطبية وليس الإعلامية
هذه التقنيات السريعة لا تستغرق الوقت الذي كانت تستغرقه العمليات الكبرى من دخول العمليات إلى تعالج المريض/ـة وفترات النقاهة الطويلة.
شد الوجه الجراحي
انتشرت عمليات شد الوجه في العالم في العقد الأخير مع تحسن التقنيات وتراكم المعرفة وانفجار الأبحاث الطبية في الدوريات والمؤتمرات، فصارت أقرب إلى إعادة عقارب الساعة إلى الوراء منها إلى تغيير شكل الوجه، وصات تقام تحت البنج الموضعي في كثير من الأحيان، وتنقسم إلى نوعين، عملية شد الوجه المصغرة التي تشمل منطقة حول الفم ويسحب الجلد فيها إلى ما وراء الأذن، ويبلغ متوسط تكلفتها في مصر 1000 إلى 2000 دولار.شفط دهون الجسم
يميز جراح التجميل محمد عبد القادر لرصيف22 "بين نوعين من الجراحات التجميلية، الأول وهو الـ"plastic surgery" ويهدف إلى إصلاح وإعادة بناء الأجزاء غير الطبيعية في الجسم والناجمة عن عيوب خلقية كالشفة الأرنبية والحوادث أو الأورام، أما النوع الثاني وهو الـ"cosmetic surgery" فهو الجراحات التي يتم من خلالها تغيير مظهر الشخص السليم لأنه يسعى إلى الحصول على مظهر أكثر جمالاً وجاذبية".شفط دهون الجسم وشده يقعان ضمن الجزء الثاني، وتقبل عليهما النساء بكثرة لا سيما بعد الولادة أو بعد خسارة وزن كبيرة، بهدف إزالة الدهون العنيدة تحت الجلد والمتمركزة في مناطق البطن والأرداف والوركين. ويشير إلى أن الإقبال على التجميل متزايد من الجنسين، لكن الاعتقاد السائد أن الرجال لا يخضعون للعمليات التجميلة خاطئ، إذ يقبلون على عمليات محددة كعملية شفط دهون البطن، كذلك عملية إزالة "التثدي" الذي قد يصيب الرجل نتيجة تناول بعض الأدوية أو زيادة الوزن وأحياناً لعوامل وراثية.
تبلغ تكلفتها من 3000 إلى 4000 دولار في مصر.
تجميل نفسي
يرى استشاري الأمراض النفسية والعصبية د. محمد عزت سليم أن هناك علاقة بين تقبل الذات والثقة بالنفس، ويضيف في تصريحه لرصيف22: "كلما ازدادت الثقة بالنفس تعززت فرص الاندماج في علاقات اجتماعية بصفة مستمرة، واحترام الفرد لذاته".الاعتقاد السائد أن الرجال لا يخضعون لعمليات التجميل خاطئ، إذ يقبلون على عمليات محددة كعملية شفط دهون البطن، وإزالة "التثدي" الذي قد يصيب الرجل نتيجة تناول بعض الأدوية أو زيادة الوزن وأحياناً لعوامل وراثية
يأتي من عالم مختلف د. أحمد بركات أستاذ كلية الفنون الجميلة، ليعيد التذكير بأن الجمال والقبح مفهومان نسبيان، يقول لرصيف22: "مفهوم الجمال يختلف في معناه ومستوياته وثقافته من شخص إلى آخر، بل من مجتمع إلى آخر، ليس هناك وحدة قياس متفق عليها أو معتقد ثابت هنا، فالفنان مثلاً عندما يرسم لوحة وتعجبه، لكن ليس من الضروري أن تعجب كل من يراها".
خطورة المضاعفات
إلى جانب احتمالات الحصول على نتائج غير مرضية أو أسوأ من الوضع الأصلي تبعاً لحالة المريض/ـة الصحية والجينية واحترافية الطبيب وظروف العملية، يقول الدكتور محمد عبد القادر: "عمليات التجميل غير مؤلمة بالصورة الكبيرة التي يعتقدها البعض، ولو كانت مؤلمة بشكل لا يطاق لما كان هذا الإقبال العالمي عليها، ولكن هناك بعض المضاعفات التي لا تتعدى نسبة حدوثها طبياً 2% مثل التجمع الدموي الذي يظهر في عمليات تكبير الثدي لدى النساء وعمليات تصغير الثدي لدى الرجال، ولكنه يصيب الرجال بنسبة أعلى من السيدات، بالإضافة إلى العدوى البيكتيرية التي كانت تكوّن مشكلة كبرى قديماً لكن حالياً يتم السيطرة عليها بسهولة داخل المراكز والعيادات والمستشفيات الطبية عن طريق المضادات الحيوية، أما التورم الموضعي فغالباً ما يحدث عقب إجراء عملية شفط دهون البطن، ويتم علاجه أيضاً بالمضادات.ويضيف أن الفريق الطبي المتمكن من الجراحات التجميلية يكون على دراية تامة ويتنبأ بمثل هذه المضاعفات من خلال الفحوص الطبية المسبقة للمريض/ـة التي يتم اجراؤها قبل العملية، وإعداد الأدوية اللازمة بعد الجراحة.
الخطر الأكبر في مصر هو العيادات غير المرخصة
في نيسان/أبريل 2022 نشرت "BBC" تحقيقاً استقصائياً عن العيادات التجميلية غير المرخصة في مصر بعنوان "حقيقة الجمال القبيحة" والكوارث الصحية التي تتسبب بها وقد تصل إلى الوفاة.من جهته يقول الدكتور عبد القادر: "يجب الابتعاد عن عيادات (تحت السلم) أي المراكز والعيادات الطبية غير الآمنة وغير المرخصة لأنها تضع حياة المريض في خطر صحي كبير، فمعداتها الطبية والعاملين فيها غير مؤهلين لهذه العمليات، فينبغي اختيار طبيب صاحب خبرة عملية ولديه درجة علمية في جراحة التجميل كدرجة ماجستير أو دكتوراه أو أية درجة تخصص معتمدة وشهادة ممارسة في فرع من فروع التجميل".
اللافت فعلاً أن من يلجؤون لهذه العيادات غير المرخصة وغير الآمنة هم الطبقة الأقل دخلاً، وهو ما يضع كل طب التجميل في شبهة الطبقية، ويطرح سؤالاً عما إذا كان التجميل الآمن سيصبح متاحاً للأغنياء فقط.
يجب الابتعاد عن عيادات (تحت السلم) أي المراكز والعيادات الطبية غير الآمنة وغير المرخصة لأنها تضع حياة المريض في خطر صحي كبير، فمعداتها الطبية والعاملين فيها غير مؤهلين لهذه العمليات
وينصح بضرورة تأكد المرضى من حصول المركز الطبي أو العيادة أو المستشفى الخاص بالجراحة التجميلية على شهادات اعتماد الجودة مثل شهادة الآيزو، بالإضافة إلى ضرورة وجود أجهزة طبية حديثة وعلى درجة عالية من الدقة، وشهادات طبية خاصة بمكافحة العدوى والتي تضمن سلامة عملية التعقيم في غرف العمليات لضمان سلامة المريض وتجاوز فترة النقاهة بعد العملية الجراحية بأمان تام.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع