شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
كيف تواجه التونسيات الرجعية والعنف المسلّط عليهنّ؟

كيف تواجه التونسيات الرجعية والعنف المسلّط عليهنّ؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والنساء

الخميس 22 سبتمبر 202211:15 ص

هذا التقرير أُنتج ضمن مشروع "المدافعات عن حقوق المرأة"، بدعم من منظمة Civil Rights Defenders.

قبل مدة، احتفلت تونس باليوم الوطني لعيد المرأة، وهي مناسبة تذكّر التونسيات بالحقوق التي حصلن عليها تدريجياً منذ استقلال البلاد في 1956. لنفهم ما يعنيه عيد المرأة في تونس، علينا العودة في الزمن إلى أيام بشيرة بن مراد، رائدة الحركة النسوية أيام كانت النساء يُطلقنّ بالظهار، وإن كنّ غير مطيعات وُضعن في منزل الرعب "دار جواد"، سجيناتٍ رهن رضا الزوج بعد أن يتم تأديبهنّ. عيد المرأة في الواقع ليس عيداً، وإنما احتفال بصدور مجلة الأحوال الشخصية التي وضعت حداً لمعاناة التونسيات، وجاءت تتويجاً لما قامت به الحركة النسوية. لكن بعد عشر سنوات من الثورة، أين نحن من الاحتفال بالمرأة في تونس؟

مقارنةً بدول عدة في المنطقة العربية، حصلت المرأة التونسية على قوانين عدة تحميها وتعطيها حقوقاً مدنيةً تحفظ لها مواطنتها، مثل الحق في التعليم وإلزاميته، والحق في الصحة وفي اتخاذ القرارات الصحية اللازمة بما في ذلك الصحة الإنجابية، والحق في منح الجنسية للأطفال المولودين من أبٍ غير تونسي، وتحديد سن الزواج (17 عاماً)، وإعطاء صيغة وحيدة قانونية للزواج وانهاء الزواج العرفي (على العرف الجاري، أي بقراءة الفاتحة فقط ومن دون توثيق)، وخاصةً منع تعدد الزوجات وجعلها جريمةً يعاقب عليها القانون، وجعل الطلاق مقنّناً لا يتم إلا بحكم المحكمة، والحق في إعطاء اسم العائلة للطفل في حالات الأمهات العزبات.

مقارنةً بدول عدة في المنطقة العربية، حصلت المرأة التونسية على قوانين عدة تحميها وتعطيها حقوقاً مدنيةً تحفظ لها مواطنتها

في السنوات الأخيرة، تم وضع الكثير من القوانين خلال مسيرة تونس نحو المصادقة على اتفاقية سيداو، مثل حق الأم في السفر مع الأطفال من دون إذن الزوج، وكذلك إعطاء ترخيص لسفر الأطفال القُصّر، كما تم الاستغناء عن القانون الذي يسمح للمغتصب بالزواج من ضحيته. في 2018، عملت لجنة الحقوق والحريات الفردية على تقديم مقترح لتعديل المجلة بإدراج مزيد من القوانين التي تعزز المساواة، لكن المشروع تم إجهاضه.

كل هذه القوانين وغيرها مما لم يتم ذكرها، كانت حصيلة مجهود عظيم قامت به الحقوقيات التونسيات منذ عقود من الزمن من دون كلل أو ملل. هذا الإرث النضالي يقبع الآن بين يدي حقوقيات، ونسويات، وناشطات، وسياسيات، ومواطنات فاعلات، أملهنّ تخطّي الحواجز التي تمنع المساواة التامة التي نص عليها دستور 2014، وتصل إلى تهديد مكتسبات المرأة ووجودها في العهد الجديد.

حين نتحدث عن المرأة التونسية، تتراءى لنا صور عدة للمرأة رائدة الأعمال، والمثقفة، والعاملة أو القيادية. لكن هناك أيضاً عاملات المنازل والفلاحات اللواتي يتركن المنزل مع طلوع الفجر ليعملن بكل كدٍّ وجدّ طلباً للعيش الكريم

حين نتحدث عن المرأة التونسية، تتراءى لنا صور عدة للمرأة رائدة الأعمال، والمثقفة، والعاملة أو القيادية. لكن هناك أيضاً عاملات المنازل والفلاحات اللواتي يتركن المنزل مع طلوع الفجر ليعملن بكل كدٍّ وجدّ طلباً للعيش الكريم. هؤلاء الفلاحات يركبن يومياً النقل غير المؤهل للبشر، ويتعرضن لحوادث السير من دون أن يعدن بما يسد رمق العائلة. في فترة ما بين 2016 و2019، ماتت 40 عاملةً وجُرحت 492، خلال حوادث شاحنات نقل العمال، حسب المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية. خلّفت الاحتجاجات على هذه الأرقام المفزعة، القانون عدد 51 لسنة 2019، وهدفه حماية عاملات القطاع الفلاحي من التهميش، لكن عدد الضحايا بقي مرتفعاً، وبين 2019 و2021 تم تسجيل سبع وفيات و160 جريحةً خلال حوادث النقل.

إذاً المشكلة ليست فقط في سنّ القوانين التي تأتي دائماً كرد فعل على تحركات الحقوقيات في الأساس. ما ينقص هي الرغبة في التغيير وتسخير الآليات المناسبة لذلك.

مواطنة تحت التهديد

قد يبقى القانون التونسي كما هو حالياً، يشوبه الكثير من النواقص لتحقيق المساواة بين الجنسين وتحسين أوضاع النساء من جميع الطبقات وخاصةً المتوسطة منها وما دونها، لكن الأكيد أن الوضع لم ولن يتغير ما لم يتغير المجتمع ونظرته إلى المساواة وعقليته الذكورية تجاه المرأة. يبقى طموح أغلب النساء هو معاملتهنّ كمواطنات كاملات لا ينقصن عقلاً ولا مواطنةً. الخوف كل الخوف الآن، ليس في بقاء الوضع كما هو عليه، أو حتى عدم التقدم أكثر في تفعيل القوانين، مثل قانون القضاء على العنف ضد المرأة الذي صدر سنة 2017، وما زال تفعيله يشهد نواقص عدة على المستوى الوطني. الخوف من العودة على الأعقاب تدريجياً، بما أن تفعيل القوانين متعثر. في السابق، تم قبول هذا القانون الأساسي بكثير من الفرحة والأمل بالحد من العنف المتزايد الذي يطال المرأة في تونس، وقد وصفته بعض المنظمات الوطنية بالثورة الثانية في مجال القوانين التي تتعلق بالمرأة. لكن إلى اليوم، العنف المسلّط على النساء يشهد نسقاً تسارعياً مثل بقية الدول العربية. ما زاد الطين بلةً هو عصر الحجر الصحي، ولكن إلى الآن الحالات تزداد عدداً وبشاعةً.

إذاً المشكلة ليست فقط في سنّ القوانين التي تأتي دائماً كرد فعل على تحركات الحقوقيات في الأساس. ما ينقص هي الرغبة في التغيير وتسخير الآليات المناسبة لذلك.

المرأة بين مطرقة العنف الذكوري وسندان الأسرة والمجتمع

من حالات الاعتداءات، استوقفتني حكاية رحاب فرج، البنت التي ضربها أخوها على وجهها أكثر من عشرين مرةً، لأنها ذهبت إلى صالون التجميل من دون علمه. ما يختلف في حكاية رحاب، أنها قررت إيقاف العنف المسلّط عليها من قبل أخيها، واللجوء إلى استخدام القانون. استهجنت عائلتها وكثيرون من المجتمع جرأتها واصطفّ متلقّو الخبر بين المعارضة والتأييدات المحتشمة، مرددين شعار "عليها المحافظة على الروابط الأسرية مهما حدث".

ما يلفت الانتباه هو الفرق بينها وبين الكثيرات اللواتي يعشن المعاناة نفسها، وحكاياتهنّ تعج بها صالونات التجميل والمجموعات النسائية على موقع فيسبوك، فرحاب ذهبت إلى قسم الشرطة واشتكت على أخيها ولم تستحِ من نقل صورتها على فيسبوك، ليتناقلها الكثير من الناس والإعلام. للأسف، الكثير من النساء اللواتي يؤمنّ بالقانون ويلتجئن إليه، يتم إجبارهن على التخلي عن القضية، إما من طرف الأهل أو من طرف الأمن في حال كان الزوج من سلك الأمن مثلاً.

سواء كانت شاحنات النقل أو صالون التجميل أو الحجر الصحي، يبقى شعار الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات صحيحاً وواقعياً: "لا عزاء للنساء... العنف يقتلهن أكثر من الوباء"، إلى حين كسر حاجز الخوف وفتح قلعة الذكورية.

صامدات في وجه عاصفة الذكورية الرجعية

إذاً، إن لم يكن الأمن والفضاء الافتراضي مناصرين للمرأة في معركتها ضد العنف المسلّط عليها، ماذا يمكن أن تفعل؟ ماذا يمكننا أن نفعل لنساعد بعضنا البعض؟ هي أسئلة طرحتها على فريال جرادي شرف الدين، رئيسة جمعية كلام والمدافعة عن النساء ضحايا العنف والباحثة في المجال الجندري والتي تتعامل كثيراً مع الناجيات من العنف الأسري أو بالأحرى العنف الذكوري.

من خلال جمعية كلام، تعمل فريال جرادي شرف الدين، على استخدام الفن والمجال الرقمي لتوعية النساء بحقوقهنّ كمواطنات (حق التعليم، والنفاذ إلى المعلومة، والصحة الجنسية، والصحة النفسية)، كما تعمل على مساعدة ضحايا العنف إما بالتأطير القانوني أو بالإحاطة النفسية أو بالتحويل إلى الجمعيات المختصة لتأمين ملجأ مؤقت مثل جمعية بيتي. كان قد جمعني العمل الحقوقي بشرف الدين قبل سنوات، وتعرفت فيها على الجانب الإنساني لتلك التي تصرخ بأعلى صوتها في كل مظاهرة، تلك التي كلماتها أحدّ من السيف ضد المتحرشين. ولكن ما جعلني أطرح تساؤلاتي عليها شخصياً هو أنها تعرضت للعنف الرقمي، كما العنف المادي، من قبل مجهولين انتقاماً على آرائها. بدأت قصة فريال حين انتفضت لمناصرة الفتاة التي تم اغتصابها من قبل عدد من الشبان ثم قاموا بوشم جسدها. إذ تلقت هذه المدافعة رسائل عدة من تونسيات عانين من التعذيب والاغتصاب من قبل عائلاتهن أو من قبل غرباء، فأعطت مساحة حساباتها الاجتماعية لنقل هذه القصص وأطلقت حملةً إلكترونيةً تحت مسمّى: "وشمولي".

إذاً، إن لم يكن الأمن والفضاء الافتراضي مناصرين للمرأة في معركتها ضد العنف المسلّط عليها، ماذا يمكن أن تفعل؟ ماذا يمكننا أن نفعل لنساعد بعضنا البعض؟

منذ انطلاق هذه الحملة في 2017، عاشت فريال في حملة مضادة كان لها أثر على نفسيتها وعلى عائلتها خاصةً حين وصف أحد الحاقدين عليها في منشور على فيسبوك، كيف سيقوم باغتصابها، وقام أحدهم بالإشارة إلى أخيها الصغير (16 عاماً). استمرت الحملة لمدة طويلة، فتعرضت فريال جرادي شرف الدين إلى محاولة الضرب بقارورة بلور في إحدى الحانات في العاصمة، وغيرها من المواقف التي واجهت فيها العنف الذكوري. تواصل فريال عملها لمساندة النساء مؤمنةً بأن الذكور يريدوننا أن ندفع ثمن اقتحامنا لما يسمونه المجال الذكوري، ومثلها الكثيرات من الحقوقيات، لكن غالباً لا يلقى عملهنّ الكثير من الصدى نظراً إلى أنهنّ يحاولن تغيير المعتقدات والعقلية الذكورية الراسخة والخروج عن المألوف والسائد لدى المجتمع. ولنساند بعضنا البعض، تشاركني فريال شرف الدين بالإيمان بالعمل الجماعي والتشاركي بين كل الجمعيات النسوية ومناصريها.

بسبب الوضع العام الذي تشهده تونس، والمناخ العدائي الذي تواجهه النساء، والتغيير الجذري للقوانين والدستور، تحالف العديد من الجمعيات، مثل جمعية كلام وبيتي والنساء الديمقراطيات وغيرها، لإنشاء حركة نسوية جديدة تُدعى "الديناميكية النسوية المستقلة". هذه الحركة ليست المبادرة الوحيدة التي نشأت مؤخراً، فهناك مثلاً مبادرة فردية قامت بها نايلة دريس، مستشارة قانونية وحقوقية وناقدة سنيمائية، للعمل مع كل أطياف النساء من قرب، لتوعيتهن بحقوقهن والتشديد على خطورة الوضع الحالي الذي يتنافى مع تاريخ النضال النسوي والرغبة السياسية السابقة في تحسين وضع المرأة والتقليص من الفجوة بين الجنسين.

بسبب الوضع العام الذي تشهده تونس، والمناخ العدائي الذي تواجهه النساء، والتغيير الجذري للقوانين والدستور، تحالف العديد من الجمعيات، مثل جمعية كلام وبيتي والنساء الديمقراطيات وغيرها، لإنشاء حركة نسوية جديدة تُدعى "الديناميكية النسوية المستقلة"

عمل دريس، يأتي إيماناً منها بأهمية معرفة الحقوق والتشبع بها، والخطر الذي يهدد مكتسبات المرأة في ظل قضاة عليهم الالتزام بالشريعة الإسلامية المنصوص عليها في الدستور الجديد، للنطق بأحكامهم، مما سيفتح باب التأويل ويعطي مساحةً للقضاة الرجعيين. الابتعاد عن الشعارات الرنانة والاجتماعات في المكاتب أو النُزل في العاصمة والذهاب إلى حيث توجد النساء من كل الطبقات الاجتماعية، أصبحا أولويةً، وهو لبّ المبادرة التي انطلقت فيها نايلة دريس حين لمست من خلال محادثاتها مع الكثير النساء بأنهن لسن على دراية بحقوقهن، وبما تملكه المرأة التونسية من مكتسبات مقارنةً بالسنوات الماضية، ومقارنةً بالدول العربية الأخرى، وما يمكنها أن تناضل لأجله.

خلال عشرية الثورة التونسية، شهدنا بعض التغييرات الإيجابية والانتصارات الصغيرة لحقوق المرأة، لكن مع بداية العشرية الثانية، ومع تفشّي الوباء، أصبحت التغييرات سلبيةً، ونسبة التراجع في الحقوق والحريات أصبحت الكابوس الذي ينتاب الحقوقيات في تونس

خلال عشرية الثورة التونسية، شهدنا بعض التغييرات الإيجابية والانتصارات الصغيرة لحقوق المرأة، لكن مع بداية العشرية الثانية، ومع تفشّي الوباء، أصبحت التغييرات سلبيةً، ونسبة التراجع في الحقوق والحريات أصبحت الكابوس الذي ينتاب الحقوقيات في تونس. تعيش البلاد في أول أيام الدستور الجديد الذي يشرّع استناداً إلى المقاصد الخمسة (حفظ النفس، والدين، والمال، والعرض، والحرية بدل العقل)، في كل القوانين والتشريعات، وإن تعارضت التشريعات والقوانين مع قراءة هذه المقاصد تنتفي الحرية. لهذا، قررتُ كتابة هذا المقال ليس فقط للتعبير عن رأيي، بل لدعوة الناشطات وحلفاء الحراك النسوي لكي يواصلن/ وا النضال. هذا المقال أردته أيضاً توثيقاً للظلم المسلّط على النساء والعمل النسوي الجبار لمكافحته. هذه وثيقة للأجيال القادمة لتعرف جيداً أن وجودها كفاح متواصل منذ الأزل، وأن الطريق ليست سهلةً أمامنا لتحقيق التغيير الفكري اللازم وبلوغ برّ المساواة التامة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image