"كيف نسافر حول العالم بميزانية محدودة؟"؛ سؤال طالما أرّق هواة السفر في عصرنا الحالي، وبخاصة أبناء عالمنا العربي، الذين أرهقتهم سبل العيش، وبات البحث عما يُقيم الأوَد هو شغلهم الشاغل، أما التفكير في اكتشاف العالم فأصبح ضرباً من الخيال.
إجابة هذا السؤال، أوردتها الكاتبة شيرين عادل، في كتابها الصادر عن دار الرواق، عام 2018، تحت عنوان "أساطير السفر السبعة".
قصة الزوجين ويلر... شحّاذان لفّا العالم
استهلّت شيرين عادل كتابتها عن الأساطير السبع المصاحبة للسفر، بسرد قصة ملهمة لشخص يُدعى توني ويلر، وزوجته مورين، قررا الاحتفال بشهر العسل بطريقة مجنونة، أو كما وصفتها الكاتبة بأنها "مهمة مستحيلة، بكل ما تحمله كلمتا "مهمة" و"مستحيلة" من الصعوبة والمشقة، بل والخطورة أحياناً، منه إلى شهر عسل حالم. لقد تركا كلَّ شيء وراءهما في لندن ووضعا في حقيبتيهما كلَّ مدخراتهما وما يملكانه من حطام الدنيا، وانطلقا في رحلة برية بسيارتهما المتهالكة، قطعا خلالها أوروبا من غربها إلى شرقها، ثم توغلا في قارة آسيا والشرق الأقصى، حتى استقرّا أخيراً في قارة أستراليا. استغرق الأمر عدة شهور، صرفا خلالها كلَّ ما معهما من مال حتى آخر بنس.
حمَل النصف الثاني من قصة توني مورين أمراً أكثر إثارة، حين اضطر الزوجان إلى العمل في مهن مختلفة، بل والشحاذة في بعض الأحيان من أجل الحصول على طعام، وحين وصلا أخيراً إلى المحطة الأخيرة، أستراليا، كانا دون مال ولا عمل ولا أي خطط مستقبلية.
لما انتهت تلك الرحلة الماتعة المُلهمة، "كانت الخطوة الأولى التي اتخذاها هي وضع كل خبراتهما التي اكتسباها في رحلتهما الطويلة تلك على الورق".
"لو سألت أيَّ شخص، من أي جنسية في العالم، عما يمنعه من السفر، فالإجابة لن تخرج عن عدد قليل من الأسباب، لعل أكثرها تردداً هو ما تمثله كلمة واحدة، يقولونها بجميع لغات العالم: إنها الـ(أرجن، والدينيرو، والسولدي، والبنجار، والمصاري، والفلوس)"
جلس الزوجان في إحدى الليالي بمطبخ شقتهما يدونان انبطاعاتهما عن الأماكن التي مرّا بها، وبعض الإرشادات والنصائح الخاصة بالمعاملات والتنقل في البلاد المختلفة، ثم جمعا كلّ ذلك في كتيب صغير أسمياه "عبر آسيا بطريقة اقتصادية"، ولقي كتيب الزوجين ويلر إقبالاً باهراً، فقد باعا منه 1500 نسخة في الأسبوع الأول فقط، وفقاً لشيرين عادل في كتابها "أساطير السفر السبعة".
السفر بميزانية رباط حذاء!
وصلت شيرين عادل إلى لُب الأزمة التي تعوق أي هاوٍ/ية للسفر، فتقول: "لو سألت أي شخص، من أي جنسية في العالم، عما يمنعه من السفر والترحال، فالإجابة لن تخرج عن عدد قليل من الأسباب، لعل أكثرها ترددا وشيوعا هو ما تمثله كلمة واحدة، يقولونها بجميع لغات العالم الحية والميتة: إنها الـ(أرجن، والدينيرو، والسولدي، والبنجار، والمصاري، والفلوس)".
لهذا السبب، لجأت شيرين إلى نظرية السفر برباط حذاء، التي قالت عنها: "لا نعلم بالتحديد من أين أتى تعبير (السفر برباط حذاء)، وهو تعبير شائع في اللغة الإنكليزية، يعبر عن الميزانية المنخفضة أو المحدودة، فيُقال إن هذا المطعم يُدار برباط حذاء، أي أن المطعم يُدار بميزانية منخفضة جداً".
وتضيف صاحبة "أساطير السفر السبعة": "هناك نظرية تربط هذا التعبير بألعاب المقامرة، فيُقال مقامر رباط الحذاء، أي مقامر لا يملك إلا رباط حذائه ليقامر به. ونظرية أخرى ترجع منشأ الكلمة إلى التشابه بين رباط الحذاء الذي يكون رفيعاً ويتمّ ربطه دائماً بإحكامٍ شديد، وبين الميزانية حين تكون ضئيلةً ومحكمةَ الإنقاق، حتى تكفي بالكاد للضروريات".
بعد ذلك التمهيد الجاذب الخاطف، قسّمت شيرين عادل كتابها إلى جزئين؛ الأول تحت عنوان "هادمو الأساطير" سردت خلاله عدداً من الرحالة المعاصرين عالمياً ومصرياً، مع مرور سريع على قصصهم المثيرة بهدف إيجاد الحافز والمُعين في حكاياتهم على قيام القراء برحلاتهم الخاصة "دون الخوف من تلك الأسطورة الكبرى، أسطورة المال، بل والكثير من الأساطير الأخرى كذلك، فكل قصة منها هي عبرة ومثال"، بحسب قولها.
هادمو الأساطير، من وجهة نظره شيرين عادل، كانوا سبعة أشخاص عالميين، وهم "الرواد المعاصرون"، كما وصفتهم، بدأتهم بغراهام هيوز، وكيرا سالاك، وتيد سايمون، وجوراست، وعائلة زاب، وميلاني كوبلاند، وديف برّ. لكل منهم قصته المثيرة والمحفزّة لهواء السفر الخائفين من التجربة.
وأوردت شيرين عادل في كتابها أربعة مصريين بقصصهم المختصرة، وهم فادي حنا، وعمرو بدوي، ومروان لطفي، وبسنت عراقي.
تركا كلَّ شيء وراءهما في لندن ووضعا في حقيبتيهما كلّ مدخراتهما وانطلقا في رحلة برية، قطعا خلالها أوروبا من غربها إلى شرقها، ثم توغلا في قارة آسيا والشرق الأقصى، حتى استقرّا أخيراً في قارة أستراليا
أما الجزء الثاني، ففندت خلاله الأساطير السبع المتعلقة بالسفر، وهي تلك الأساطير التي كونتها مجموعةٌ كبيرة وشائعة من المفاهيم الخاطئة، أو كما وصفتها: "المبالغات التي ينشرها البعض عن السفر عمداً أو جهلاً أو تكاسلاً عن معرفة حقيقتها (...) بطريقة عملية تماماً، عن طريق السرد التفصيلي لكيفية التغلب على جميع العقبات التي قد يواجهها المسافر، بداية من استخراج تأشيرة السفر وتخطيط رحلاته، وحتى تناوله الطعام على موائد الغُربة، مروراً بمشكلات اللغة والمواصلات، وأنسب الأماكن للإقامة، وطرق تفادي مخاطر السفر".
"أنا عايز أسافر بس مش عارف أبدأ منين"!
اختارت شيرين عادل سبعة أمور مؤرقة تخص السفر، وهي التخطيط، والمواصلات، والإقامة، والتأشيرة، واللغة، والأكل، والسلامة، ثم أفردت لكلٍّ منها ما يفندها من وجهة نظرها في 200 صفحة من كتابها البالغ 260 صفحة.
تحت كل "أسطورة" متعلقة بالسفر، أوردت الكاتبة ما ييسر على المسافر التعامل معها من خلال تجربتها، ونظريتها المتلخصة في أن كلَّ ما يثار عن هذه الأزمات السبع، ما هي إلا أساطير تسعى إلى تفنيدها بالجداول المرفقة، والتطبيقات الإلكترونية المشار إليها.
"أنا عايز أسافر بس مش عارف أبدأ منين"؛ بهذه الجملة لخّصت شيرين أولى الأساطير المتعلقة بالسفر، وهي "التخطيط" التي تواجه المسافرين، فهي في نظرها "أسطورة بُنيت على وهم كبير، يَفترض أن تنظيم رحلة هو عمل لا يقدر عليه سوى المتخصصين من وكلاء شركات السياحة أو ذوي الخبرة الطويلة في السياحة شرقاً وغرباً".
ولكن ترى شيرين أن "التخطيط لأيّ رحلة في مكان بالعالم، ما هو إلا عملية ممنهجة لا تتطلب إلا القليل من البحث والجهد والتنظيم حتى تصل إلى خطة مثالية، والأهم أنها ستكون خطتك أنت بالذات دون غيرك من المسافرين".
"التخطيط لأي رحلة في مكان بالعالم، ما هو إلا عملية ممنهجة لا تتطلب إلا القليل من البحث والجهد والتنظيم حتى تصل إلى خطة مثالية، والأهم أنها ستكون خطتك أنت بالذات دون غيرك من المسافرين"
داخل الكتاب، أعدت شيرين عادل جدولاً أنيقاً، يوضح أنواع المسافرين، والأماكن التي تناسبهم، فالمثقفون أو الفنانون، تناسبهم البلاد ذات التاريخ العريق والحضارة القديمة، مثل باريس، وروما، وفلورنسا، وبرلين، وجنوب إسبانيا، وفيينا، ومحبو الأكل تناسبهم بلاد الشرق الأقصى، مثل اليابان والصين، وجنوب شرق آسيا مثل الهند وتايلاند وإندونيسيا والبلاد الأوروبية المشهورة بطعامها الفريد، كإيطاليا وفرنسا.
يعجّ هذا القسم بالجداول التوضيحية لكلّ تفصيلة سيحتاج إليها المسافرون مهما بلغت ضآلة ميزانيتهم المُحددة سلفاً، فتكلفة زيارة قلعة شيون 15 دولاراً، وكاتدرائية لوزان والمتحف الأوليمبي عشرة دولارات، وكاتدرائية ميلانو مجانية.
لم تنسَ الكاتبة أن تُضيف مجموعةً من التطبيقات التي تُعين المسافرين على إنجاز مهام رحلاتهم بسهولة، مثل tripit، وtripadvisor، وtime out، وmytsa، وغيرها من عشرات التطبيقات بكل شروحاتها وخصائصها.
تنويه هام للسادة المسافرين!
بالاطلاع على تجربة شيرين عادل في الكتاب سنعلم أنها مرهونة بالزمان والمكان، أي أنها تتعلق بواقع الحال عام 2017، وفي الدول المذكورة في الكتاب، بما يعني احتمالية تغير كلِّ ما قيل بعد ساعات أو بعد عشر سنوات.
لم تدع الكاتبة ذلك التكهن أو التخوف دون التطرق إليه، فقالت: "المعلومات الواردة في هذا الكتاب ليست قرآناً منزلاً (...) لأنها تعتمد على خبرات الكاتبة الشخصية، وكل مسافر له (بل يجب أن تكون له) تجربته الخاصة المختلفة، حتى ولو اتبع آثارَ سابقيه بالحرف الواحد".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...