شغل الملحن والمغني والمممثل الراحل منير مراد اهتمام محبي فنه في أرجاء العالم العربي خلال اليومين الماضيين، ووجد محبوه فرصة لاستعادة فضله على التراث الموسيقي العربي، باعتباره أحد رواد الموجة الثالثة للتجديد الموسيقي، لكن السبب الذي جعله يطفو على سطح الاهتمام لم يكن سبباً إيجابياً، بل استعيد بعد تردد أبناء عن قيام مهرجان الأسكندرية السينمائي بإلغاء حفل تكريمه، مع تلميح إلى أن سبب "الإلغاء" المعلن، والمتصل بعدم قدرة معدي الاحتفالية على التوصل لتاريخ الميلاد الحقيقي لمراد، ليس هو السبب الحقيقي وراء هذا الإلغاء، وإنما لوجود وجهات نظر داخل إدارة المهرجان تتخوف من تكريم مراد الذي نشأ في بيت يهودي مصري قبل أن يتحول للإسلام.
تشكيك لمياء مختار في السبب الذي أعلنه المهرجان لتأجيل التكريم، وحديثها عن أن هناك أسباباً خفية تقف وراء "الإلغاء"، دفع عديدون إلى التكهن بأن كون مراد نشأ يهودياً قبل أن يتحول لاحقاً إلى الإسلام، هو السبب الحقيقي وراء "إلغاء" تكريمه
وللقلائل الذين قد يقرؤون هذا التقرير من دون معرفة جيدة بمنير مراد، نوضح أن الملحن الراحل يعد نموذجاً فريداً للفنان الشامل. دخل عالم السينما كعامل كلاكيت ثم مساعد مخرج، قبل أن يصبح ملحناً وممثلاً ومغنياً وراقصاً وكاتباً وأحياناً منتجاً، بالإضافة إلى تفوقه في فن التقليد، ويشهد على هذا أوبريت "ما حدش شاف" والعديد من تسجيلاته الإذاعية التي تشهد بخفة ظله وموهبته الفريدة، لكنه على الرغم من كل هذا لم يحظ بالتقدير المناسب لمواهبه الفذة سواء في حياته أو بعد مماته، فالجائزة الوحيدة التي حازها هي وسام العلوم والفنون من الرئيس جمال عبد الناصر في ستينيات القرن الماضي، ووصفه الباحث الراحل وسام الدويك في كتابه "التياترجي" الصادر عن المجلس الأعلى للثقافة أنه "المظلوم حياً وميتاً"، رغم أنه قدم لعالم الفن أكثر من 3000 لحن، و400 أغنية واستعراض في أفلام متعددة.
إلغاء أم تأجيل؟
بدأت عجلة الجدل والتكهنات في الدوران عندما نشر موقع "اليوم السابع" الإخباري، المملوك لشركة المتحدة للخدمات الإعلامية (مملوكة لأحد الأجهزة الأمنية السيادية) خبراً يفيد بأن مهرجان الأسكندرية السينمائي قرر تأجيل احتفالية تكريم منير مراد، لأن الناقد والباحث أشرف غريب المسؤول عن إعداد كتاب الاحتفالية "لم يتمكن من التوصل إلى تاريخ ميلاد متفق عليه" لمنير مراد.
ونشرت روائية وكاتبة مقال مصرية، تدير صفحة خاصة على فيسبوك تهتم بتراث منير مراد وشقيقته الفنانة الراحلة ليلى مراد، وهي لمياء مختار، مشككة في صحة السبب الذي أعلنته إدارة المهرجان برئاسة الأمير أباظة لتأجيل التكريم.
اللافت أن الكاتبة التي شككت في الدوافع التي ساقها المهرجان حول صعوبة التأكد من تاريخ ميلاد منير مراد، أكدت في منشور لها أن كلا من حفيد الراحل وابنة شقيقته لم يتمكنا من تأكيد سنة ميلاده، وأنها كانت تعاونهما في البحث ولم تتوصل إلى معلومة مؤكدة
وفي منشورها قالت مختار إن النية كانت منعقدة داخل إدارة المهرجان على تأجيل التكريم منذ عدة أسابيع، ووعدت بأن "تحكي ما حدث" وما تعرفه يوماً ما. وبعد يومين من هذا المنشور، كتبت رداً على ما قاله غريب في موضوع تبرير إدارة المهرجان للتأجيل، وأقر بأن إدارة المهرجان استعانت بها فعلاً للتواصل مع حفيد مراد "موريس مراد" للتعرف على تاريخ الميلاد الحقيقي لمنير مراد، إلا أنها قالت في هذا المنشور إن إدارة المهرجان لم ترجىء التكريم وإنما "ألغته" نهائياً.
اللافت أن لمياء على الرغم من تشكيكها في الدوافع التي ساقها المهرجان حول صعوبة التأكد من تاريخ ميلاد منير مراد، أكدت في المنشور أن كلا من موريس مراد والسيدة زينب شطا ابنة شقيقة منير مراد (ابنة شقيقته سميحة) لم يتمكنا من تأكيد سنة ميلاده وأنها كانت تعاونهما في البحث ولم تتوصل إلى معلومة مؤكدة، وهو ما عادت وأكدت في حديثها مع رصيف22، إذ قالت إن موريس - الحفيد الوحيد لمنير مراد عبر زواجه الأول من سيدة يهودية إيطالية- أكد لها أنه لا يمكلك أية وثائق تتصل بتاريخ ميلاد منير مراد بشكل مؤكد.
ونوهت مختار في المنشور نفسه إلى أنها تعمل حالياً على كتاب عن الموسيقار الراحل وأن كتابها قد يصدر قريباً.
تشكيك لمياء مختار في السبب الذي دفع به المهرجان لتأجيل التكريم، وحديثها عن أن هناك أسباباً خفية تتردد في الإفصاح عنها تقف وراء "الإلغاء"، دفع عديدون إلى التكهن بأن كون مراد ولد في بيت يهودي ونشأ يهودياً قبل أن يتحول لاحقاً إلى الإسلام هو السبب الحقيقي وراء "إلغاء" تكريمه.
دعم ذلك الاعتقاد كون قرار التأجيل جاء بعد شهر تقريباً من إعلان اختيار منير مراد للتكريم في الدورة الـ33 من المهرجان، المنتظر أن تقام في الفترة الممتدة من 5 إلى 10 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.
تراجع متأخر؟
بعد أيام من الغضب الذي خرج عن دائرة المهتمين التقليديين بالفنون إلى الجمهور العام، كتبت مختار معلقة على مرتادي صفحتها، وتراجعت عن اتهام إدارة المهرجان بتعمد إلغاء احتفالية التكريم، وعزت "التأجيل" إلى "التخبط وسوء التنظيم".
وتقول مختار لرصيف22 إن عضب الجمهور كان مبرراً، إذ "لا يصح التراجع عن التكريم بعد الإعلان عنه أياً كانت الأسباب، فكان الأولى أن يتحول إلى تكريم فقط من دون احتفال بالمئوية طالما أن المئوية وارتباطها بتاريخ الميلاد هما المشكلة، بدلاً من أثارة الجدل والتساؤلات حول هذا السبب غير المقنع". وأكدت أنها عاتبت الناقد أشرف غريب المسؤول عن تنظيم الاحتفالية، "لأنه كان يجب التوثق من تاريخ الميلاد قبل الإعلان عن التكريم وليس بعده".
وأضافت مختار في تصريح لر2صيف22 أنه الإعلان المفاجئ عن التأجيل فتح باب التكهنات أمام البعض وأثار شائعات كاذبة عن أن السبب غير المعلن هو أن إدارة المهرجان عنصرية وقامت بإلغاء التكريم لأن منير مراد كان يهودياً، بينما تنفي هي عن غدارة المهرجان أية تحيزات عنصرية. مشيرة إلى أن منير عانى كثيراً من مثل هذه الشائعات الكاذبة في حياته وبعد مماته، إذ قيل عنه إن لديه ميولاً صهيونية وكان يكره مصر ومات في باريس وغيرها من الشائعات القاسية، مؤكدة أنه مات في بيته مع زوجته الأخيرة مرفت جودة ودفن على أرض مصر وخرجت جنازته من مسجد عمر مكرم، إلى جانب ما قدمه من أغانٍ وطنية لكبار المطربين.
واختتمت حديثها بأنها تكن الاحترام والتقدير للناقد والمؤرخ السينمائي أشرف غريب وتنتظر كتابه الذي يواصل إعداده عن منير مراد.
أزمة مصطنعة
الناقد والمؤرخ السينمائي أشرف غريب تحدث إلى رصيف22 مبدياً اندهاشه من "تحول الموضوع إلى أزمة كبيرة بهذا الشكل، واستغلال البعض شائعات حول ديانة الراحل ليس لها أساس من الصحة".
وأضاف: "إذا كان المهرجان يتعامل وفق اعتبارات سياسية واجتماعية ليس لها علاقة بالفن، أو لديه تحفظ ما على منير مراد لما اتخذ قرار التكريم من البداية، فهو قامة فنية كبيرة تستحق العديد من التكريمات".
وعن كواليس قرار التكريم ثم تأجيله قال غريب إنه مع بداية التحضير لدورة المهرجان لعام 2022، ناقشت إدارة المهرجان التكريمات ووقع الاختيار على منير مراد للاحتفال بمئويته على اعتبار أن التاريخ الشائع والمعروف في المصادر الإلكترونية وبعض المصادر الورقية لميلاده هو 13 يناير/ كانون الثاني 1922، وأن له بصمات مهمة ومميزة في تاريخ السينما والموسيقى. وكلف الناقد الأمير أباظة رئيس المهرجان أشرف غريب بإعداد كتاب عن منير مراد بهذه المناسبة وإعداد برنامج الاحتفالية، "أي أن الفكرة كلها قائمة على أن معلومة تفيد بأن مئويته تصادف هذا العام".
وأكمل: "أعمل غي التاريخ السينمائي منذ اكثر من 35 عاماً، وقدمت للمكتبة السينمائية ما يقرب من 28 كتاباً، ومنهجي في العمل لا يعتمد على (حلاوة السرد) وإنما دقة التوثيق".
وشرح أنه بدأ العمل على تاريخ منير مراد، واكتشف أنه لا يوجد تاريخ ميلاد مؤكد، وقد اختلفت المصادر محددة عدة تواريخ هي 1920، و1922، و1924، و1928.
رفض إعلان سنة ميلاده
وزاد غريب: "حتى في حواراته الإذاعية اعتاد الراحل تمييع الحقيقة، ففي كل مرة يُسأل فيها لا يقدم إجابة واضحة، بالإضافة إلى أن بعض الحقائق الأخرى المرتبطة بحياة شقيقته ليلى مراد، تشير إلى أنه من الصعب أن يكون من مواليد عام 1922. وأنا شخص يهتم بتدقيق المعلومات وأصبحت كتاباتي مرجعية لزملائي على مدار السنوات، لهذا لا أستطيع أن أنظم احتفالاً بمئوية فنان وهناك شك في تاريخ مولده، من الممكن تكريمه في وقت آخر ولكن لا يمكن تحت مسمى مئوية، ولا أستطيع انهاء كتابي من دون تدقيق التاريخ، لا أقبلها على اسمى وتاريخي لأن هذا تزييف للحقيقة، ولا أقبلها لمهرجان الإسكندرية أيضاً. لذلك تقرر تأجيل التكريم. ومن الممكن أن يصدر الكتاب في العام المقبل، بينما نحتفل هذا العام بمئوية الموسيقار علي إسماعيل، المعروف بشكل واضح لا يقبل الجدل أنه من مواليد 1922".
حسب لائحة مهرجان الأسكندرية، يلتزم المهرجان بتكريم الفنانين عند مرور50 عاماً، أو 100 عام على الوفاة أو الميلاد، ما يعني أن اقتراح الكاتبة لمياء مختار بالاكتفاء بتكريم منير مراد من دون انتظار التأكد من تاريخ ميلاده، غير ممكن وفقاً للائحة المهرجان
وأكد أنه هو من طلب من الناقد الأمير أباظة رئيس المهرجان تأجيل احتفالية منير مراد، وأن الأخير "تفهم الأمر لأنه حريص على مصداقية المهرجان، ولا توجد مؤامرة في الأمر، ولكن مع الأسف استغل عدد من الزملاء في المواقع الالكترونية الخبر في افتعال أزمة، بحثاً عن الترافيك واجتذاب القراء. هذا من جانب، وعلى الجانب الآخر غضب عشاق منير مراد لأنهم يرغبون في حصوله على التكريم المستحق، وهو حقهم ولكن ليس تحت مسمى مئوية. وللأسف هذا غير ممكن في مهرجان الإسكندرية".
وحسب لائحة مهرجان الأسكندرية، يلتزم المهرجان بتكريم الفنانين عند مرور50 عاماً، أو 100 عام على الوفاة أو الميلاد، ما يعني أن اقتراح الكاتبة لمياء مختار بالاكتفاء بتكريم منير مراد من دون انتظار التأكد من تاريخ ميلاده، غير ممكن وفقاً للائحة المهرجان.
وثيقة قد تحسم الجدل
وسعى غريب – بحسب تصريحاته لرصيف22- إلى جمع وثائق تثبت تاريخ ميلاد الراحل، وتواصل مع جمعية المؤلفين والملحنين بحثاً عن وثيقة عضويته، على أمل أن تتضمن تاريخ الميلاد الحقيقي، لكن "وجدت أن منير كتب فيها أن عمره 35 عاماً والورق غير مؤرخ، وهذه الوثيقة إما ترجع لعام 1959 وهذا معناه أنه ولد في عام 1924، أو أن الوثيقة من عام 1963 وهذا معناه أنه من مواليد 1928 ولا يوجد أي شيء في هذه الوثيقة يشير إلى عام 1922، بينما لا يوجد ملف باسمه في الأرشيف الإلكتروني أو الورقي لنقابة الموسيقيين".
على الجانب الآخر، أكد الشاعر فوزي إبراهيم وكيل جمعية المؤلفين والملحنين لرصيف22، أن كل أعضاء الجمعية مسجلون بتاريخ ميلادهم، وأن الوثيقة الخاصة بمنير مراد مسجل فيها تاريخ ميلاده المعروف، أي 13 يناير/ كانون الثاني 1922، إلا أنه رفض إطلاعنا على صورة من الوثيقة بسبب قواعد داخلية للجمعية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه