من عاداتي السيئة التي حاولت مراراً التخلص منها، عادة قضم الأظافر. عندما أفكر أو أشعر بالتوتر أجدني قضمتها دون وعي، ثم أشعر بالندم الشديد لأن هذه العادة تشوه شكل يدي، كما أنها تجرح أصابعي، فيسبب الجرح بعض الآثار والعلامات.
من عاداتي السيئة التي حاولت مراراً التخلص منها، عادة قضم الأظافر.
في بداية انتشار فيروس كورونا، حاولت التخلص من تلك العادة امتثالاً لتعليمات الوقاية من المرض. لكن، بعد مرور عام مثلاً على بعض المحاولات الناجحة، عُدت مرة أخرى لهذه العادة.
نعم، بصورة أقل من ذي قبل. لكني عدتُ، مما جعلني أركز أكثر على أنه يجب التخلص من هذه العادة السيئة. ليس لأنها غير صحية وسيئة ومزعجة فحسب، بل لأحافظ على شكل يدي، التي أخشى أن يعلق أحدهم على شكلها.
الخوف من العلامات
الفترة الماضية التحقت بعمل يتطلب مني ارتداء ملابس رسمية، من بينها الأحذية الجلدية التي ترهقني، وخاصة إذا كانت ذات كعب عالٍ، فأصيبت قدمي بأكثر من جرح، إذ لم أتعود من قبل على ارتدائها. انتبهت إلى العلامات التي خلفها الجرح على قدمي، وكيف أنها تجعل شكل قدمي غير لائق. لم أنتبه للألم الذي ما زال الجرح يسببه لقدمي بقدر انتباهي للعلامات التي خلفها. تذكرت حينذاك أمي عندما قالت لي ذات مرة تعليقاً على آثار بسيطة للإصابات التي تصيب الجسد: "لا بد أن أشتري لكِ شيئاً يزيل أثر هذه العلامات، حتى لا تبقى ملتصقة بجسدك".
أثناء إعدادي لطعام الغداء قبل أيام، أصابت نقاط الزيت الساخن أجزاء متفرقة من فخذي. أول ما ذكرته لصديقتي زينب أنه الآن سيترك الزيت آثره لفترة حتى يبدأ في التلاشي ببطء. فأعطى عقلي للمرة الثانية أولوية للأثر لا للشعور والألم، خاصة أن جسدي حساس جداً. ومن السهل أن تترك أي كدمة أثرها عليه. أتذكر واقعة طريفة تحكيها دائماً صديقتي زينب لأصدقائنا عندما جُرحت ركبتي ونزفت بسبب عود نعناع صلب بعض الشيء، وظلت آثاره على جلدي عدة أشهر، تسخر منها صديقتي كل يوم لآن هذه الندبة خلفها عود نعناع.
تذكرت حينذاك أمي عندما قالت لي ذات مرة تعليقاً على آثار بسيطة للإصابات التي تصيب الجسد: "لا بد أن أشتري لكِ شيئاً يزيل أثر هذه العلامات، حتى لا تبقى ملتصقة بجسدك"
أظن أنه ترسب في عقلي غير الواعي منذ زمن بعيد الشعور بالخجل من هذه الآثار الناتجة عن أية إصابات لأن أحداً سوف يراها في يومٍ من الأيام، إن بقيت، وبالأحرى سيكون زوجي. وخوفي من ألا يفكر هذا الرجل في سبب وجود أي علامة، بقدر ما سيفكر في كونها موجودة من الأساس.
العلامات لا تدعو للخجل
تحدثت مع صديقة لي متزوجة ولديها ابنة بخصوص الأمر وعن ولادتها القيصرية، سألتها هل كانت تخجل من وجود علامة الولادة القيصرية على جسدها. فقالت: "لا، لا أركز على الأمر أبداً". بل فاجأتني أكثر بالاعتراف أن لديها ثلاث علامات أخرى نتيجة عملية المرارة. ورغم وجود العلامات إثر الولادة والعملية، ترتدي صديقتي ملابس البحر المكشوفة دون أن تفكر في أنها لا بد أن تخفي تلك العلامات.
يُصاب الأطفال كثيراً أثناء اللعب، لكن بعض الأمهات يخشين على البنات أكثر من الأبناء. فمثلما نسمع " الفتاة لا تتأخر ليلاً"، "الفتاة لا تضحك بصوتٍ عالٍ" أيضاً نسمع "متلعبيش اللعبة دي هتتعوري". عندما تطرقت في الحديث مع صديقتي عن ابنتها التي تبلغ من العمر الآن حوالى تسعة أعوام، وسألتها أتخشين أن تُصاب ابنتك أثناء اللعب فتترك الإصابة آثارها على جسدها؟ قالت صديقتي إنها تخشى فقط أن تُصاب ابنتها فيقلل ذلك من ثقتها في نفسها، أو يؤذي الأمر صحتها النفسية. وحكت لي أن ابنتها أصيبت قبل عامين نتيجة وقوعها على وجهها، فأحدث ذلك جرحاً حول عينها، مما أزعجها كثيراً، وجعلها ترفض الخروج، أو رؤية أحد اعتقاداً منها أن جرح وجهها يخيف الآخرين.
يُصاب الأطفال كثيراً أثناء اللعب، لكن بعض الأمهات يخشين على البنات أكثر من الأبناء. فمثلما نسمع " الفتاة لا تتأخر ليلاً"، "الفتاة لا تضحك بصوتٍ عالٍ" أيضاً نسمع "متلعبيش اللعبة دي هتتعوري"
ثم استوقفتني جملة صديقتي عندما قالت: "اشتغلت مع بنتي على فكرة أن شكلها ما بيخوفش، وعادي الناس تشوفها كدة، وأن الجرح ده ممكن يكون جزء من ملامحها، وشخصيتها". وعندما سألتْ ابنتها عن الجرح ونحن نتحدث أجابتها أنها لا تتذكره من الأساس.
كان هذا رد ابنة صديقتي لأن والدتها عرفت كيف تعالج معها الأمر شيئاً فشيئاً، ولأنها هي نفسها غير مقتنعة أن أي علامة في الجسد تعني أي شيء سوى أننا نحيا، بعكس والدة صديقتي الأخرى التي حكت لي عن أحد الأيام التي لا تنساها أبداً في صغرها. وذلك عندما ذهبت إلى إحدى الحدائق للتنزه مع والدتها وأخوتها وجيرانهم. وفي بداية اليوم، سقط براد الشاي الساخن من يد أمها على قدميها، لكن صديقتي قررت ألا تخبر أحداً أنها تتألم حتى يستطيعوا إكمال اليوم، إلى أن عادت إلى البيت، ورأت أمها كيف أن الصغيرة تتألم، وأن قدمها أصابها أذى شديد. وبدلاً من أن تحتضنها، ضربتها لأنها لم تخبرها من البداية أنها تتألم لتلك الدرجة، قائلة لها "عجبك كدة، شكلها بقى مُقرف، وهتسيب علامة في جسمك".
رغم كل ما حكيتُ، وما حُكي لي، وما زالتُ أسمعه حتى الآن من الخوف من أي علامات تُصيب الجسد، لا أراها سوى علامة على الحياة فقط.
علامة على الحياة
رغم كل ما حكيتُ، وما حُكي لي، وما زالتُ أسمعه حتى الآن من الخوف من أي علامات تُصيب الجسد، لا أراها سوى علامة على الحياة فقط. بالطبع، يجب أن نحافظ على أنفسنا ضد أي أذى، ونحاول قدر الإمكان ألا يصيبنا أي مكروه. لكن، مثلاً صديقتي التي ترك الحمل علامة على بطنها لا أراها سوى علامة على أنها تحيا وتساعد على استمرارية الحياة بإنجابها طفلة تعطيها أجمل ما فيها. وابنتها التي أصابت وجهها لم تكن لتحيا وهي تثق في نفسها هكذا، وتتعلم التعايش مع كل الظروف التي تطرأ عليها لولا هذا الجرح التي علّمتها أمها كيف تتعامل معه.
وقضمي لأظافري بالتأكيد هو عادة سيئة يجب التخلص منها لكننا إذا عدنا إلى السبب الكامن وراءه وهو التوتر والتفكير مما يعني أنني موجودة، "أنا أفكر إذاً أنا موجود" كما يقول الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت. وحتى إصابات قدمي بسبب الحذاء الجلدي دليل التجربة والمحاولات. ربما لو بقيت هذه العلامات سأتذكر يوماً محاولة السعي هذه كلما نظرت إليها، وسأسعى مرة ثانية، وثالثة حتى أظل أحيا وأخلف علامات أخرى على جسدي من دون خجل.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ يومحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 4 أيامtester.whitebeard@gmail.com