يعيشون في محافظة درعا، في جنوب سوريا، منذ نهايات القرن التاسع عشر على أقل تقدير. محلياً، يُطلَق عليهم اسم "المتاولة"، أو باللغة العربية "المتأوّلة"، وهو لقب أُطلق على شيعة جبل عامل وجبل لبنان وبعلبك، في لبنان، ويجد أصله في عبارة "مُت ولياً لعلي"، أو عبارة "التولّي لعلي"، حسبما يذكر السيد محسن الأمين في كتابه "خطط جبل عامل". هم شيعة درعا الذين يتبنّون المذهب الشيعي الاثني عشري.
على مدى عقود، عاش شيعة درعا إلى جانب بقية المكونات الدينية والمذهبية في المنطقة، من مسلمين سنّة ومسيحيين، إذ تُعرف درعا كما مناطق سورية كثيرة بتعدديتها. وحتى سنوات قريبة، كانوا يؤدون "الصلاة" جنباً إلى جنب مع السنّة في مساجد السنّة. وحتى اليوم، لا يزال بينهم مَن يصلّي في المساجد السنّية.
وبالرغم من وجود روايات ودراسات "محدودة" عن تاريخ وجود الشيعة في درعا، إلا أنه لا يُعرف على وجه الدقة متى قدِموا إلى المحافظة. تروي إحدى العائلات التي سكنت بلدة المزيريب في ريف درعا الغربي أنها قدِمت إلى المنطقة بين نهايات الحكم العثماني وبداية الانتداب الفرنسي، هي وعائلات عدة لا تزال موجودةً فيها حتى اليوم، من بينها الغبشة، ونصر الله، وسلامة، وملكة.
وبحسب الرواية، عملت هذه العائلات في صناعة الخبز التقليدية، أي ما يُعرف بـ"خبز التنور"، وبيعه للأهالي وللجنود الفرنسيين، وبعد ذلك انتقل أفرادها إلى العمل في التجارة المحلية في الوقت الذي لم يكن أحد يعمل في هذا المجال، ما مكّنهم من الاستقرار بين الأهالي ثم تطورت العلاقات بينهم إلى نسب ومصاهرة.
جمعية المرتضى وبدايات الانقسام
يتابع المفكر الفرنسي ميشيل سورا، في كتابه "سوريا الدولة المتوحشة"، كيف عمل النظام الإسلامي في إيران على "تصدير الثورة" إلى دول الجوار. في هذا السياق، تشكلت في سوريا، في العام 1981، "جمعية المرتضى"، برئاسة جميل الأسد، شقيق الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، والذي أطلق على نفسه لقباً دينياً هو "الإمام المرتضى". وعُدّت هذه الجمعية أول جمعية لنشر التشيّع في سوريا.
وعمل جميل الأسد على فتح فروع للجمعية في المحافظات السورية، وركّز على العائلات والعشائر الكبرى في درعا ومنطقة الجزيرة السورية والقامشلي، بالإضافة إلى النشاط في الساحل السوري. وراحت الجمعية تبحث عن العائلات ذات الأصول الشيعية للعمل على إعادتها إلى مذهبها السابق.
وعلى الرغم من دعوات "جمعية المرتضى"، إلا أن قسماً كبيراً من الشيعة من أبناء درعا لم يتأثروا بها وبقوا مرتبطين بمرجعيات دينية عربية.
الاندماج الذي بدأ مع بدايات وصول الشيعة إلى درعا لا يزال مستمراً في أشكال متعددة حتى اليوم، ولا يزال معظمهم يؤدون عباداتهم في مساجد المدن والبلدات التي يعيشون فيها، كما افتتحوا عدداً من الحسينيات والمساجد، أبرزها مسجد الرسول الأعظم في حي المطار في درعا والذي افتتحه المرجع الديني اللبناني الراحل محمد حسين فضل الله.
بين غزوين
كان لحرب الخليج الثانية التي تلت غزو العراق للكويت، ثم الحصار الدولي على العراق، دور مهم في دفع آلاف العراقيين من الشيعة والسنّة إلى سوريا. توزعوا على مختلف المحافظات، وكان لدرعا نصيبٌ مهم منهم. ومع بدء وصولهم، كانوا يعملون في التجارة بشكل محدود من خلال بضائع يعرضونها فوق سياراتهم، ثم ما لبثوا أن افتتحوا سوقاً خاصاً بهم عُرف بـ"سوق العراقيين"، وسط ترحيب كبير من أبناء المحافظة.
حتى تلك الفترة، لم تبرز أية مظاهر تتعلق بالدين أو المذهب. ولكن بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، عام 2003، بدأت الأمور بالتغير، إذ ازداد النفوذ الإيراني في العراق وسوريا، وبدأت الدعوات إلى التشيع على طريقة المرشد الإيراني تصير علنيةً أكثر من أي وقت مضى. وترافق ذلك مع أموال إيرانية كان لها أثر في ما بعد في انقسامات بعضها حدث بين شيعة درعا أنفسهم.
في تلك الفترة، كان لقدوم الدعاة الشيعة العراقيين دور في تغيير قسم من الشيعة للمراجع التي يقلّدونها (يسيرون على فتاويها) من مرجعيات عربية إلى مرجعيات إيرانية من علماء الدين المقيمين في حوزة "قُم". وكان أبرز الدعاة الذين عملوا في درعا "أبو جعفر العراقي" الذي قدِم إلى المحافظة قبل سقوط نظام صدام حسين، وكان من خطباء الشيعة المتميزين في مسجد الرسول الأعظم.
استهدف أبو جعفر في دعواته فئات محددةً على رأسها الأغنياء والأكاديميين، وعمل على تسيير رحلات مجانية إلى إيران، ودعم الفقراء والطلاب، ولكنه عاد إلى العراق بعد العام 2003، ليخلفه كاظم التميمي الذي كان نشاطه أقل على مستوى مدينة درعا، ولكنه أوسع في ريفها، خاصةً من خلال بناء علاقات شعبية، إذ كان يزور معظم مجالس العزاء برفقة متشيعين نافذين من أبناء المحافظة، بالإضافة إلى إحياء العديد من المناسبات والولائم وغيرها.
التغلغل الإيراني
بعد اندلاع الثورة السورية، بدأت المحاولات الإيرانية الفعلية للتغلغل في محافظة درعا باتّباع وسيلتين: الأولى تحريك قسم من شيعة درعا عسكرياً، وهم شيعة بصرى الشام الذين وقفوا بغالبيتهم منذ البداية مع النظام، بالإضافة إلى أفراد آخرين من مناطق مختلفة من المحافظة، معظمهم تشيّعوا بعد العام 2011، وشكّلوا مجموعات مقاتلة مرتبطة بحزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني.
بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، عام 2003، بدأت الأمور بالتغير في محافظة درعا السورية، إذ ازداد النفوذ الإيراني في العراق وسوريا، وبدأت الدعوات إلى التشيع على طريقة المرشد الإيراني تصير علنيةً أكثر من أي وقت مضى، وترافق ذلك مع ضخ أموال إيرانية
أما الوسيلة الثانية فكانت قد سبقت العام 2011، وهي الدعوة إلى التشيع عن طريق بعض رجال الدين، ومنهم محليون من أبناء المحافظة، بالإضافة إلى توزيع كتب ألّفها علماء دين شيعة بارزون، مجاناً، من قبل المستشارية الثقافية الإيرانية في دمشق.
وبقيت الدعوات إلى التشيع بحاجة إلى مركز وثقل في المحافظة، توفّرها شخصية محلية قادرة على قيادة الدعوة من جهة، وتكون محمية أمنياً من جهة ثانية، إلى أن وجدت إيران ضالتها في زيدان الغزالي الذي أصبح لاحقاً أبرز شخصية دعوية وأمنية تابعة لإيران في درعا.
قبل غزو العراق بسنوات، كان زيدان الغزالي، وهو من بلدة قرفا في ريف درعا الشمالي، وابن عم اللواء رستم الغزالي الذي حكم لبنان أمنياً خلال السنوات الأخيرة للتواجد العسكري السوري في لبنان، قد بدأ رحلة تحوّله إلى واحد من أهم رجال إيران في الجنوب السوري.
عُرف الغزالي، خلال دراسته الفلسفة في جامعة دمشق، بميوله إلى حركة الإخوان المسلمين، وأصبح عضواً فيها في نهاية سبعينيات القرن الماضي. ولكن مع بدء نشاط جمعية المرتضى، عام 1981، التحق بها ليسافر بعد ذلك إلى إيران حيث بقي سنوات عدة قبل أن يعود إلى سوريا في العام 1997، مزوّداً بدعم إيراني ديني ومالي كبيرين، بجانب الدعم الأمني الذي أمّنه له رستم الغزالي، واستمر عبر آخرين بعد مقتله.
وفي مرحلة نشاط الغزالي، بدأ التشيع في درعا يأخذ اتجاهاً آخر، وتنامى عدد المتشيعين من أبناء المحافظة، خاصةً في بصرى الشام. وحين اندلعت الثورة السورية، كان المجتمع الشيعي الدرعاوي متنوعاً بين موالين لإيران ومعارضين لها، بعضهم فرّ من سوريا إلى لبنان لأنه وجد نفسه مستهدفاً في الوقت نفسه من المتطرفين الشيعة المرتبطين بإيران ومن المتطرّفين السنّة المنتمين إلى تنظيمات داعش والقاعدة وغيرها، قبل أن يعود بعد تسوية العام 2018.
شيعة درعا بعد الثورة
شكلت الثورة السورية، في آذار/ مارس 2011، مرحلة انعطاف مهمة بالنسبة إلى الشيعة في درعا. في البداية، برز تخوف لدى معظمهم من وقوع مواجهة مع الثائرين في وجه نظام الأسد الذي دعمته كل من إيران وحزب الله "الشيعيين".
الوضع الجديد أدى إلى انقسام غير متوقع بينهم. توزّعوا على ثلاثة أقسام: القسم الأول انقلب على الأهالي والتحق بالنظام ولاحقاً بحزب الله والحرس الثوري؛ والثاني أخذ موقف الحياد ولاحقاً غادر معظم أفراده المحافظة إثر جريمة طالت أبرز وجوهه، محمد حسن نصر الله، عام 2014؛ والثالث التحق بالثورة والتظاهرات، ثم بفصائل معارِضة معتدلة مسلحة، خاصة في "لواء المعتز بالله" الذي تحوّل لاحقاً إلى "جيش المعتز بالله".
ولكن في بصرى الشام، شرقيّ درعا، حيث تواجد الشيعة بكثرة وكانوا يشكّلون كثافة عددية أكثر مما في بقية مناطق المحافظة، كان المشهد أحادياً إلى حد بعيد، ومختلفاً عن باقي مناطق المحافظة.
لم تقتصر فئات الشيعة في درعا على مَن وقفوا في صف النظام والميليشيات الإيرانية، أو مَن بقوا على الحياد، فهناك فئة منهم تبنّت الثورة ضد النظام منذ اليوم الأول وانتسب بعض أفرادها إلى فصائل معارضة مسلحة
يقول أكاديمي من بصرى الشام فضّل عدم كشف اسمه لرصيف22 إن "تاريخ الشيعة في بصرى الشام يعود إلى بدايات القرن العشرين حين وصل إلى بصرى الشام عدد من العائلات الشيعية، قادمةً من لبنان، بالإضافة إلى عائلات أخرى توزعت في مدن وبلدات أخرى من المحافظة. وبعد استقرارهم في المدينة، جمعتهم بالسكان الأصليين علاقات نسب وتآلف لسنوات طويلة، وكان عددهم حتى نهاية العام 2010 يبلغ نحو 3،000 شخص، واستمرت العلاقات الجيدة حتى انطلاق الثورة السورية، حين بدأت الاعتداءات من قبل هذه العائلات على العائلات السنّية".
لم تمضِ أشهر قليلة على اندلاع الثورة حتى بدأ الانقسام الطائفي يظهر بوضوح بين أهالي بصرى الشام. ووقفت غالبية شيعة المدينة إلى جانب النظام، وخلال أشهر شكّل قسم منهم أول ميليشيا خاصة بهم، بدعم من حزب الله اللبناني، وقام بعضهم بنصب حواجز وسواتر ترابية واعتقلوا العديد من أبناء المدينة، إلى أن آلت السيطرة عليها إلى قوات "شباب السنّة" التابعة للمعارضة المسلحة في العام 2015.
كما انتسب بعض شيعة بصرى الشام إلى ميليشيا الـ"313" التابعة للحرس الثوري الإيراني، والتي درّب حزب الله عناصرها، وأُطلق عليها لاحقاً اسم قوات "العرين"، واستطاعت السيطرة لسنوات على جزء من المدينة من ضمنه القلعة الأثرية.
ويُعدّ اللواء 313، أو ما سُمي لاحقاً بـ"قوات العرين"، من أبرز التشكيلات المرتبطة بإيران وحزب الله في جنوب سوريا. أسس هذا اللواء في العام 2013، شخص يُدعى ماجد فياض، يتحدر من بصرى الشام، وكانت من مهامه مواجهة المتظاهرين، وتورَّط في اعتقال ناشطين كثراً.
بعد مقتل فياض، في منتصف العام 2014، تولى محمود الكاظم المكنّى بـ"أبو خضر" قيادة اللواء، وكان عدد مقاتليه آنذاك نحو 75 عنصراً، وجاء اسم "313" الذي أُطلق على اللواء، من عدد أصحاب الإمام المهدي المنتظر، بحسب الأدبيات الشيعية.
وفي المعركة التي خاضتها قوات المعارضة لاستعادة السيطرة على بصرى الشام عام 2015، قُتل "أبو خضر" وعدد من عناصر مجموعته، لينتشر مَن تبقّى منهم في مناطق مختلفة حتى أُعيد تشكيل اللواء لاحقاً، بقيادة من خارج بصرى الشام، ولا يزال ضمن قوامه عدد كبير من شيعة المدينة.
تشتت شيعة بصرى الشام
في العام 2015، شنّت قوات المعارضة السورية هجوماً واسع النطاق على المدينة، أُطلق عليه اسم "القادسية"، تيمّناً بمعركة القادسية ضد الفرس في العام 636م، كما أوضح الأكاديمي الدرعاوي، وعُدّت من أهم المعارك التي خاضتها المعارضة في محافظة درعا، إذ كانت المدينة أكبر تجمع للإيرانيين وحزب الله في ذلك الوقت.
وبعد معركة استمرت أياماً، استطاعت المعارضة السيطرة على كامل المدينة، ما أدى إلى هروب المقاتلين الشيعة مع عائلاتهم إلى السويداء، ثم إلى مناطق في دمشق أهمها السيدة زينب وجرمانا، ليتطوع قسم منهم في صفوف حزب الله وقوات العرين (اللواء 313 سابقاً).
شكلت المعركة صدمةً كبيرةً للحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني، إذ تعرضت الميليشيا المرتبطة بهما لهزيمة سريعة وغير متوقعة على الرغم من الدعم الكبير الذي قُدِّم لها.
تهدف جمعية "الزهراء" من الناحية الشكلية إلى تقديم المساعدات الإنسانية للفقراء، لكنها في الحقيقة تعمل على نشر التشيع، عبر ضخ أموال كثيرة، بالإضافة إلى الإشراف على شراء العقارات، والقيام بأعمال أمنية، من خلال التنسيق مع الفرقة الرابعة
وبعد عملية التسوية في تموز/ يوليو 2018، أُعيد فتح ملف الشيعة من بصرى الشام من أجل إعادتهم إلى المدينة، وعُقدت اجتماعات عدة بين وجهاء من المدينة وبين اللجان الأمنية التابعة للنظام، إلا أن أهالي المدينة ووجهاءها، وبدعم من اللواء الثامن، رفضوا عودتهم بشكل قاطع.
بين مَن بقي ومَن هاجر
في مدينة درعا وفي ريف درعا الغربي، يعيش عدد من العائلات الشيعية التي تتحدر من لبنان أيضاً، ولطالما كانت على وفاق تام مع أهالي المنطقة، ومع بدء التظاهرات في العام 2011، اتخذ قسم منهم موقفاً حيادياً نظراً إلى الحساسية التي يمكن أن يشكلها وقوفهم مع طرف ضد الآخر، وفي حقيقة الأمر لم يكونوا ضد الثوار السوريين.
ولكن في العام 2014، إثر جريمة قتل محمد حسن نصر الله، وقع نوع من الانقسام دفع بقسم منهم للخروج من المنطقة إلى لبنان ودمشق ومدينة درعا وحتى إلى دول أوروبية، فيما بقي قسم آخر في المنطقة رافضاً الخروج.
ونصر الله من مواليد بلدة المزيريب عام 1947، عمل مدرساً للغة العربية في مدارس عدة في محافظة درعا، ومديراً لثانوية بلدة المزيريب لسنوات عدة، وهو من الشخصيات القريبة من أهالي بلدته والمحافظة. وفي يوم الجمعة، 14 شباط/ فبراير 2014، اختطفه ثلاثة أشخاص ملثمين كانوا يستقلون سيارة أجرة صفراء من نوع سابا، من أمام محل بقالة يملكه، وفي اليوم التالي اتصل أحد الخاطفين بذويه طالباً منهم دفع فدية قدرها خمسة ملايين ليرة سورية. رفض ذوو نصر الله دفع الفدية معتقدين أن الخاطفين لن يلحقوا الأذى به، ولكن بعد عشرين يوماً عُثر على جثته وتبيّن أنه تعرض لتعذيب شديد قبل أن يُقتل.
هذه الحادثة أدت إلى مغادرة نحو 50 شخصاً من عائلات الغبشة ونصر الله وسلامة من الريف الغربي إلى لبنان ودمشق ومدينة درعا، ومنهم مَن وصل إلى أوروبا، خوفاً من أي عمليات مماثلة، وبعد عملية التسوية عاد قسم منهم لزيارة منازلهم ولكن لم يستقر معظمهم فيها حتى الآن.
في الوقت نفسه، بقي عدد من العائلات في المنطقة، رافضين المغادرة، واستمروا في ممارسة حياتهم بشكل طبيعي، وبحماية من فصائل المعارضة.
رفض المغادرة
علي حسين، شيعي من ريف درعا الغربي، يعمل مُدرّساً، يروي لرصيف22، رفضه وعائلته مغادرة البلدة التي يقطنها. يقول: "كنت أفضّل الموت على ترك بيتي الذي بنيته حجراً فوق حجر. درعا وطني الصغير ولا أتخيل العيش بعيداً عنها، كما لا أتخيل أن يأتي شخص آخر ويتملك بيتي. رفضت حتى العيش في محافظة أخرى، وأنا على قناعة بأن ما يجري في سوريا خطأ كبير. سوريا وطننا جميعاً ولا يمكن أن نبدّلها بأي وطن آخر".
وحول تعرضهم لضغوط، تحدث علي عن دعوات غير مباشرة من قبل النظام للانضمام إلى صفوفه، أو على الأقل لتشويه المعارضة ولو بالكلام، مضيفاً: "كان جوابنا الرفض مهما كانت النتائج، لأنه بحسب قناعتنا فإننا في البلدة جميعاً أهل وأقارب وجميعنا مسلمون وسوريون، وحتى من الناحية الشرعية لا يجوز أن يحارب بعضنا بعضنا الآخر".
وأشار علي إلى أن الشيعة الباقين لم يتعرضوا لأي تهديدات أو ضغوط من أي نوع من فصائل المعارضة المسلحة، وأضاف: "معظم قياديي وعناصر المعارضة هم من أصدقائنا وكانوا دائماً من أشد المدافعين عنا، خاصةً في وجه الإسلاميين (المتطرفين)، الذين هددونا بشكل مباشر وحاولوا أكثر من مرة إخراجنا من بيوتنا، ولكن أصدقاءنا من الفصائل (مثل لواء المعتز بالله) كانوا دائماً يقفون في وجهمم ويدافعون عنا، وفي مقابل ذلك لم تصدر عنا أي إساءة لهم في أي يوم وكنا دوماً على الحياد وهم يعرفون ذلك، ولكن كانت هناك أطراف، من بينها المتطرفون، يريدون تصيد أي خطأ من أي طرف لإشعال الفتنة بيننا، لكنهم لم ينجحوا".
الشيعة الثائرون
لم تقتصر فئات الشيعة في درعا على مَن وقفوا في صف النظام والميليشيات الإيرانية، أو مَن بقوا على الحياد، فهناك فئة منهم تبنّت الثورة ضد النظام والمطالبة بإسقاطه منذ اليوم الأول.
قاسم الأمين، شيعي من ريف درعا، يؤكد لرصيف22، أن الثورة السورية على حق، لأنها قامت نتيجة تراكم الضغوط والظلم على الشعب السوري من قبل النظام، ويضيف أنه مع عدد من أبناء العائلات الشيعية، انخرطوا في التظاهرات منذ بدايتها واعتُقل مع شقيقه لأكثر من شهرين، وتعرّضا للتعذيب والإهانة كبقية المعتقلين، مشيراً إلى أنه لا يزال مطلوباً حتى الآن لفرع الأمن العسكري ولأمن الدولة ولمحكمة مكافحة الإرهاب.
ويروي أنه بعد تشكيل فصائل المعارضة المسلحة، أو ما يفضِّل حتى الآن تسميته بـ"الجيش الحر"، انضم مع آخرين إلى هذه الفصائل، وبلغ عددهم ما لا يقل عن 25 شخصاً، وقاتلوا قوات النظام والميليشيات الشيعية في العديد من المعارك، مشيراً إلى أنهم تعرضوا في مرحلة ما للضغوط من قبل "جبهة النصرة" التي قامت بتكفيرهم، إلا أن فصائل المعارضة المعتدلة كانت دائماً في صفهم.
"جمعية الزهراء" ودورها
لم ينجح النظام وإيران قبل العام 2018 في استمالة جميع الشيعة في محافظة درعا، ولكن بعد تسوية 2018، كانت الفرصة ملائمة للعمل على خط مختلف، وهو خط الدعوة إلى التشيع بأساليب جديدة، خاصةً في مدينة درعا. وهنا يأتي دور جمعية الزهراء.
تأسست الجمعية، في حلب في العام 2013، بدوافع خيرية معلنة، تستهدف علاج الجرحى وتقديم المساعدات الإنسانية، وهي إحدى أهم البوابات التي تدخل منها إيران، لكنها لم تفتح فرعها في محافظة درعا حتى استعاد النظام السيطرة عليها في تموز/ يوليو 2018.
وتُعدّ جمعية الزهراء في درعا أحد أوجه القوة الإيرانية الناعمة في سوريا. افتتح فرعها في مدينة درعا، في نهاية تشرين الأول/ أكتوبر 2018، ممثل الخامنئي في سوريا، آية الله أبي الفضل الطبطبائي.
وتعمل الجمعية على نشر التشيع في المحافظة، وفي سبيل ذلك تقوم بضخ أموال كثيرة، وأيضاً تقوم بأعمال أمنية، من خلال التنسيق مع الفرقة الرابعة ومكتب الأمن التابع لها، والمشاركة في بعض العمليات الأمنية من خلال ذراعها الأمنية المعروفة بـ"أسود جمعية الزهراء"، الذين شاركوا في حملة على بلدة الكرك الشرقي في ريف درعا الشرقي في العام 2020، بحسب مصادر محلية تحدثت إلى رصيف22.
وبحسب معلومات أفاد بها مصدر في دائرة السجل العقاري في درعا، ولم نستطع التحقق منها بشكل خاص، تقوم الجمعية، عبر بعض أعضائها بشراء عقارات، وخاصةً في مدينة درعا ومحيطها، وعلى الأوتستراد الدولي، وتُسجَّل العقارات بأسماء أشخاص محليين، وبتسهيل من دائرة السجل العقاري في مديرية العقارات في المحافظة التي باتت إحدى أهم بؤر الفساد.
وفي سياق الحديث عن شراء الأراضي، يتداول البعض اسم عاطف شحادة الطلب، وهو من سكان مدينة درعا وتاجر عقارات قديم وتربطه علاقات قوية بالأجهزة الأمنية، خاصةً بفرع الأمن العسكري.
وتشير معلومات إلى أن الجمعية تعمل على تجنيد عناصر من أبناء المحافظة في جناحها العسكري، "أسود جمعية الزهراء"، وتوكل لهم مهام أمنية مثل إجراء دراسات لمصلحة مكتب أمن الفرقة الرابعة التي ترتبط بها الجمعية من خلال رئيسها محمد الصيدلي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه