لم يمر زواج رشيد بويدوة (رشيد السكيكدي) من امرأتين في يوم واحد، مرور الكرام على الجزائريين/ات، وأثار الخبر جدلاً واسعاً في العالم الافتراضي تخطى حدود الوطن.
تساؤلات عديدة باتت لسان حال الجزائريين/ات منذ انتشار الخبر الذي يُعدّ سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ البلاد: هل الحادثة حقيقية أم محض أحاديث كاذبة؟ وإذا كانت حقيقية، كيف تمكّن رشيد من إقناع الزوجتين بالتعدّد في نفس اليوم وحتى التوقيت؟
الزواج كان عفوياً
في حوار خاص أجراه مع رصيف22، تحدث رشيد بويدوة، وهو شاب جزائري من مواليد 1987، وينحدر من حي "الإخوة بوحجة"، في قلب محافظة سكيكدة، عن الواقعة التي أصبحت حديث العام والخاص في الشوارع: "بعد أن أنهيت مشواري الجامعي وحصلت على شهادة مهندس دولة في الجيولوجيا، اتجهت نحو فرنسا، حيث استقرّيت فيها لفترة لإكمال الدراسة، وبعد سنوات عُدت إلى الوطن وأنا أحمل شهادة ماستر. عملت في مجال التنقيب عن الذهب الأسود ثم قرّرت فتح وكالة للسياحة والأسفار، وعندما انتهت رحلة اللهث وراء العلم، دخلت في رحلة أخرى بحثاً عن المرأة التي ستقاسمني حلو العيش ومُرّه، تكون متفهّمة وتقدّر الحياة الزوجية".
تساؤلات عديدة باتت لسان حال الجزائريين/ات منذ انتشار الخبر الذي يُعدّ سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ البلاد: هل الحادثة حقيقية أم محض أحاديث كاذبة؟
وتابع: "في البداية لم أكن أفكر إطلاقاً في تعدّد الزوجات، تعرّفت على الكثير من الفتيات، لكنني تعلقت بحنان ومريم اللتين درستا معي في الابتدائية، صعُب عليَّ التوفيق بين الاثنتين، فصارحتهما بحبّي لهما ورغبتي في الزواج منهما".
وأوضح رشيد أنه في البداية كان الردّ متردّداً بين القبول والمعارضة: "هذا أمر طبيعي، لأن أي أنثى ترغب في أن تقترن بشخص يجعلها ملكة داخل قصره، بالإضافة إلى الأفكار التي كانت تستحوذ على تفكيرهما بسبب كثرة القصص التي سمعاها عن علاقات زوجية باءت بالفشل".
المهر... مصحف ومليون سنتيم جزائري
واصل رشيد قص حكايته قائلاً: "بعد فترة مليئة بالمواقف الصعبة والمحبطة بسبب التردّد الذي انتاب حنان ومريم في البداية، كُلِّل الطلب بالموافقة، لأن علاقتي بهما لم تكن مبنية على مغالطات وأسس كاذبة".
وعن مراسيم الزواج، قال رشيد، الذي أصبح بين ليلة وضحاها موضوع الرأي العام المحلي والعربي، إنها "رحلة بدأت بالتكليمة (الخطوبة) وانتهت بالزواج من الاثنتين في نفس اليوم، وكان هذا بعد حصولي على التصريح الرسمي من الجهات المحلية"، أما بالنسبة للمهر فكان بسيطاً، وهو عبارة عن مصحف ومليون سنتيم جزائري (50 دولار أميركي) حتى أن حفل الزفاف كان بسيطاً واقتصر الحضور على الأصدقاء.
ونفى رشيد امتلاكه لمسكن خاص: "استأجرت بيتاً مكوناً من 3 غرف وهو حالياً يخضع للترميم، وسيكون جاهزاً بعد عودتي من شهر العسل".
الفارس المغوار
أصبح رشيد في نظر رواد السوشال ميديا "الفارس المغوار" الذي خالف الأعراف واستطاع أن يجمع بين متناقضات عديدة.
وانتشرت بالمقابل تعليقات طريفة على هامش هذا الحدث، يقول بعضها إن "سي رشيد هو الوحيد القادر على حلّ الخلاف بين روسيا وأوكرانيا، ما دام قد استطاع أن يجمع بين متناقضتين في حياة زوجية واحدة، نسبة نجاحها قد تكون ضئيلة جداً".
في هذا السياق، كتب الناشط الجزائري عبد الرزاق غداهب، على صفحته في فيسبوك: "إذا استمرّ زواج رشيد السكيكدي لمدة طويلة، واستطاع أن يحقّق المعجزة، سننتخبه رئيساً للجزائر... نعم لرشيد رئيساً للجزائر".
جدل ديني
لا شك أن هناك حالة استغراب وذهول تسيطر على الرأي العام المحلي.
تعليقاً على هذه النقطة، قال أحمد زغب، أستاذ الأدب الشعبي والأنثروبولوجيا، لرصيف22، إن: "الحالة الاجتماعية التي تصعّب الزواج والضربة العكسية لهذا الاستعراض جلبا الانتباه، لكنها تبقى في نهاية المطاف حالة نادرة، من الصعب جداً انتشارها في المجتمع الجزائري، لأن المرأة ترفض رفضاً قاطعاً التعدّد، حتى وإن كان بعد مدة من الزواج، وهناك سبب آخر وهو أن الزواج بامرأتين ممكن نظرياً فقط أما تطبيقياً فهو مستحيل".
"سي رشيد هو الوحيد القادر على حلّ الخلاف بين روسيا وأوكرانيا، ما دام قد استطاع أن يجمع بين متناقضتين في حياة زوجية واحدة، نسبة نجاحها قد تكون ضئيلة جداً"
ولكن هل ما قام به رشيد جائز من الناحية الشرعية؟ رد إبراهيم خياري، دكتور في الشريعة الإسلامية بالقول: إن "ما فعله الشاب الجزائري مكروه ولو التزم بالضوابط، لما في ذلك من سلبيات".
وشرح خياري لرصيف22 هذه النقطة قائلاً: "يجوز للرجل الواحد أن يعقد عقد الزواج على أكثر من زوجة في وقت واحد بما أباحه الله من التعدد، لكن الأصل أنه من حق كل زوجة امتلاك بيت مستقل عن الأخرى، وليس للرجل أن يجمع بين امرأتيه في مسكن واحد بغير رضاهما، صغيراً كان المنزل أو كبيراً؛ لأن عليهما ضرراً لما بينهما من العداوة والغيرة واجتماعهما يثير المخاصمة، وتسمع كل واحد منهما حسّه إذا أتى إلى الأخرى أو ترى ذلك، فإن رضيتا بذلك جاز، لأن الحق لهما، فلهما المسامحة بتركه".
وتابع ابراهيم بالقول: "إضافة إلى ذلك، يكره أن تُزفّ امرأتان في ليلة واحدة، لأنه لا يمكن الجمع بينهما في إيفاء حقهما، وتستضرّ التي يؤخّر حقها وتستوحش، ولأن حق المرأة المدخول بها أن يبيت عندها زوجها سبع ليال، ثم بعد ذلك يقسم بين نسائه، فإن فعل وزفّ زوجتين في ليلة، بدأ بالتي تدخل عليه أولاً، فوفاها حقها لأنها أسبق، فإن أدخلتا عليه معاً أقرع بينهما، فقدّم من تخرج لها القرعة، ثم ثنى بصاحبتها في تلك الليلة، ثم قسم بعد ذلك القسم الشرعي المعروف بين الزوجات، فيَقْسِمُ بَيْنَ نِسَائِهِ ليلة بليلة أو ليلتين بليلتين والنهار تابع لليل".
وأكد خياري أنه "لا يجوز أن تكون زوجتاه معه في غرفة واحدة، بحيث يقع بينه وبينهما ما يقع بين الزوج وزوجته ليلة الدخول، قال ابن قدامة في المغني: وَإِنْ رَضِيَتَا بِأَنْ يُجَامِعَ وَاحِدَةً بِحَيْثُ تَرَاهُ الْأُخْرَى، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ فِيهِ دَنَاءَةً وَسُخْفاً وَسُقُوطَ مُرُوءَةٍ، فَلَمْ يُبَحْ بِرِضَاهُمَا".
ولذلك رأى خياري أنه "لا يُنصح الرجل أن يتزوج ويدخل بامرأتين ليلة واحدة، ولو كان ذلك جائز شرعاً، لما في ذلك من الحرج والتضييق الذي يلحق الزوج وزوجتيه في تلك الليلة كما سبق بيانه، وليس هناك ما يلزمه بفعل ذلك، والأمر واسع ولله الحمد، فيدخل بالأولى ثم بعد أيام يدخل بالثانية".
حدث لحظي عابر
من جهتها، اعتبرت الدكتورة غنية بن عبد الله، أستاذة التعليم العالي، تخصص علم الاجتماع بجامعة "مرسلي عبد الله" بمحافظة تيبازة، أن "زواج فرد جزائري رشيد بزوجتين في توقيت واحد هو عبارة عن حدث شخصي لم يرق إلى ظاهرة اجتماعية، والتي لها شروطها، وبالتالي لا يمكن النظر إليها سوى أنها حدث شخصي فردي لحظي عابر".
"إذا استمرّ زواج رشيد السكيكدي لمدة طويلة، واستطاع أن يحقّق المعجزة، سننتخبه رئيساً للجزائر... نعم لرشيد رئيساً للجزائر"
وقالت غنية بن عبد الله لرصيف22، إن "النظر للحادثة وتداولها من طرف مستهلك، واعتبارها إنجازاً أو حتى متنفساً مقارنة بما يجب الانبهار به في مجتمعاتنا، والتي من المفروض أن تقوم بتقدمها وتطورها وهو ما يجب النظر إليه والاهتمام به، بيد أننا صرنا ندعم كل ما هو تافه. ما يجب تسليط الضوء عليه في هذا الحدث العابر هو الكينونة الأنثوية للزوجتين معاً وليس الزوج، كونه إذا زالت غيرتهما، وهي طبيعة بشرية وخاصة ليلة الدخلة، فما الذي يمنع من الزواج بأربع، بغض النظر عن أنه مستأجر للبيت؟".
وأكدت الدكتورة غنية بن عبد الله أن "التفاخر الاجتماعي الذي استقطب المجتمع الذكوري باتجاه فرد يحاول إثبات رجولته بالدخول بزوجتين، وجعل مسألة الجنس هي محور الزواج، هو ما يجب تحليله وليس الحدث في ذاته".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...