شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
عن العلاقات المتشابكة حول تعدد النساء بين الزواج والجنس

عن العلاقات المتشابكة حول تعدد النساء بين الزواج والجنس

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الجمعة 18 يناير 201905:37 م

لطالما كانت العلاقة معاكسة ومتشابكة بين رؤية العلماني في حرية الرجل أن تتعدد علاقاته الجنسية بعيدًا عن الزواج، ورؤية المسلمين، خاصة الحريصين على نقل الأحكام بحذافيرها دون المساس بها إطلاقًا أو تعديلها، في حرية الرجل أن تتعدد علاقاته الجنسية عن طريق الزواج، فالطرف الأول يضع الطرف الثاني في قفص الاتهام بإهانة المرأة، وكذلك يفعل الطرف الثاني مع الأول، وفي كلتا الحالتين تقف المرأة في مجتمعاتنا لا حول لها ولا قوة في غالب الأوقات ما بين الخوض في حقوقها ومشاعرها على سواء.

في الحقيقة الحديث الحقوقي يجب أن لا يختلط بحديث المشاعر في تلك القضية ولكن يجب أن يبقى المعيار هو فقط هامش الحريات، أو كما يقول فيلسوف جنيف جان جاك روسو: "ليست الحرية أن أفعل ما أريد ولكن ألا أكون مضطرًا أن أفعل ما لا أريد"، وذلك يعني أن كلا الطرفين يمتلكان الحرية الكاملة في تعدد العلاقات سواء كان ذلك عن طريق الزواج أو بدونه شريطة ألا يكون الطرف الآخر مُجبرًا على تقبل الأمر والاستمرار في العلاقة، وذلك تحديدًا ما يضيق صدر العلماني به في أمر تعدد الزوجات، وأعني بذلك اضطرار الزوجة لقبول الاستمرار في زواجها لأن إقدام شريك حياتها على الزواج من أخرى لا يُعد سببًا كافيًا للانفصال إلا إذا أراد هو (الزوج) أن يُنهي علاقته معها، وعلى الرغم من الخطوات المتقدمة في تسهيل إجراءات الطلاق بإرادة الأنثى في المجتمعات العربية، ولكن ذلك لا يحدث بالسهولة المنتظرة أو للأسباب المنطقية، إذ تضطر الزوجة إلى الكذب في ساحات محاكم الأسرة وذِكر سبب آخر غير سبب التعدد إذا ما أرادت نيل حريتها ورفضت أن يُصبح زوجها شريكًا جنسيًا لأخرى، فتقول مثلًا أنه يتم ضربها والاعتداء عليها (بالطبع بعض الأحيان يحدث ذلك أيضًا)، حتى يكون للقاضي مساحة جيدة لإتمام عملية الانفصال مع حفظ حقوق الزوجة المتفق عليها قبل الزواج.

لذا الأمر ليس معقدًا، والطرف العلماني لم يكن موقفه متناقضًا من تلك الرؤية التي يمكن تلخيصها في القول بأن من حق الرجل أن تتعدد علاقاته الجنسية سواء بالزواج أو بغيره، وكذلك يجب أن يكون من حق المرأة رفض هذا التعدد دون أن تواجه التعقيدات الاجتماعية والقانونية أثناء اتخاذها قرارًا من حقها تمامًا، وهو الانفصال عن شريكها، خاصة أن الأحكام في تلك المسائل، إذا ما تطرقت للجانب الشرعي، فسوف يكون الحكم بعدم منح الزوجة الأولى حقها في الانفصال، لأنه شرعًا، لا يجوز للزوجة الأولى أن تطلب الطلاق بسبب قرار زوجها بالتعدد، ولا حتى يُشترط علمها بالزواج أو أخذ إذنها فيه، وهذا تحديدًا ما يرفضه العلماني ويعتبره إكراهًا للمرأة على الاستمرار في الزواج بسبب تدخل الأحكام الدينية في تنظيم العلاقات المدنية، وبالطبع هذا التعقيد ليس حاضرًا في العلاقات الجنسية التي تستطيع فيها المرأة الانفصال عن شريكها دون الحاجة إلى أوراق تُعطي لها حرية المضي قدمًا بعيدًا عن تلك العلاقة غير المُرضية لها في وجود أخريات.

هل ذلك يعني أنه لو وافقت أنثى على أن تكون نصف أو ثلث أو ربع شريكة حياة لرجل ما فإن الأمر صار مقبولًا؟ من وجهة نظري نعم طالما جميع الأطراف راضية وغير مجبرة حتى ولو كنت أرى في ذلك انتقاصًا منها وعبثًا بمشاعرها، ولكن في النهاية إرادة الإنسان هي ما تحد قراراته وتضع علامة الصح أو الخطأ على اختياراته، شريطة أن يضع الشخص بنفسه العلامة دون إجبار أو تدخل أو تخويف على الأقل بالقانون.

قصّة من الحقيقة

كنت أود ألا أتطرق في المقال لنماذج بعينها، ولكن أثناء كتابتي هذه السطور شهدت مصر في الأوساط الإعلامية تحديدًا حالة من الانقسام بسبب ظهور قصة زواج الكاتبة ياسمين الخطيب والمخرج البرلماني الشهير خالد يوسف على الساحة مُجددًا، ولأن تلك المرة هي الأولى التي يُذكر فيها الأمر رسميًا بعد تداول صورة مجهولة المصدر بالنسبة لناشرها تظهر فيها ياسمين في مشهد رومانسي مع خالد يوسف (المتزوج بسيدة أخرى)، فقد انطلق من كان يتحفظ على إصدار أحكامه لحين التأكد من الأمر في كيل الاتهامات لياسمين بخيانتها مبادئ النسوية، وتعدّيها على حق زوجة خالد يوسف الأولى في أن تكون شريكة كاملة له وكذلك موافقتها على ما اعتبروه انتقاصًا من حجم ياسمين ذاتها.

وأقول هنا أن الفيصل الوحيد في اتخاذ قرار يتهم أو يبرئ ياسمين الخطيب هو ردة فعل زوجة خالد يوسف، هل كانت تعلم؟ هل وافقت؟ ما نعلمه أنها مستمرة إلى الآن في زواجها من المخرج الشهير، لذا من منطلق أن كلًا من خالد يوسف وزوجته وياسمين الخطيب أشخاص بالغون يمتلكون حرية قراراتهم، فمن الطبيعي ألا نضع أحدًا في قفص الاتهام قبل معرفة تفاصيل القصة، إلا أن ما خرجت زوجة خالد يوسف تطلب ذلك مثلًا، وإلا أصبحت النسوية عائقًا أمام حرية المرأة بطريقة أو بأخرى، وهنا يبقى سؤال واحد: هل النسوية لا تعني حرية المرأة بالاختيار؟

قد يعود من يتهمون الفكر العلماني بالهجوم على الدين دون هدف حقوقي بالفعل، ويقولون أن بعض النسويات لا يحترمن حق المرأة في قبولها الوضع كما أن القانون لا يحترم حقها في رفضه، وهنا ينبغي أن تُراجع بعض النسويات أنفسهن مع الأخذ في الاعتبار أن موقفهن مفهوم ومبرر بما أن الواقع يجعل القبول إجباريًا إلى حدّ كبير، حتى ولو مجتمعيًا على الأقل (وسوف نناقش ذلك بتوسع في نهاية المقال).

لذا لنهمس في أذن الأمثلة المقصودة أعلاه من النسويات، بأن النسوية مساواة لا تنمرّ، بكل منطق لا بد أن تكون الحرية هي المفهوم الأعم والأشمل الذي تنطلق منه جميع المفاهيم الأخرى ومن ضمنها النسوية، بل إن ما يُحدد ملامح النسوية هو الحرية ذاتها وإلا أصبحت النسوية أشبه بالمطالب الفئوية والجماعات السرية التي تطارد كل من لا يُدين لها بالولاء حتى ولو تكلف الأمر التنكر من الجماعة الأم (الحرية).

وبالعودة لموضوع المقال الرئيسي، أرى أن تعدد الزوجات من حق الرجل طالما وافقت المرأة، وأن العلاقات العاطفية بين رجل وامرأة يجب أن لا تخرج عن إطار باقي العلاقات في تحديداتها مثل الصداقة تمامًا، فلا قانون يمنع الانفصال بسبب التعدد ولا قانون يُجبر على عدم التعدد، ولكن مع الأخذ في الاعتبار الحقوق التي هي مثار حديثنا من الأساس وأينما كان حق المرء حيثما كان يجب عليه أن يضع علامة الصح الخاصة به دون أن يخشى مطرقة القانون القائم على إشباع رغبات الرجال أو مطرقة النسوية إذا تنكرت من ميزان الحرية.

الإشكالية المطروحة يجب أن لا يتم قفل باب مناقشتها بإغفال أمرين في غاية الأهمية، هل للمرأة القدرة على الرفض بالفعل واقعيًا إذا ما قُدم إليها قانون يسمح لها بذلك؟ والأمر الآخر هو تعدد العلاقات الجنسية للمرأة أسوة بالرجل.
لطالما كانت العلاقة معاكسة ومتشابكة بين رؤية العلماني في حرية الرجل أن تتعدد علاقاته الجنسية بعيدًا عن الزواج، ورؤية المسلمين، خاصة الحريصين على نقل الأحكام بحذافيرها دون المساس بها إطلاقًا أو تعديلها، في حرية الرجل أن تتعدد علاقاته الجنسية عن طريق الزواج.
حتى مع وجود قانون يسمح للمرأة بتطليق زوجها بسبب التعدد، مع الاحتفاظ بحقوقها المتفق عليها قبل الزواج، ربما ستمنعها أشياء أخرى من فِعل ذلك، أهمها ختم (مطلقة) الذي يضعها في خانة اجتماعية منبوذة إلى حد كبير من محيطها.

وأخيرًا.. ماذا عن أرض الواقع؟

الإشكالية المطروحة يجب أن لا يتم قفل باب مناقشتها بإغفال أمرين في غاية الأهمية، هل للمرأة القدرة على الرفض بالفعل واقعيًا إذا ما قُدم إليها قانون يسمح لها بذلك؟ والأمر الآخر هو تعدد العلاقات الجنسية للمرأة أسوة بالرجل، وكلاهما يدوران في نفسك الفلك تقريبًا بين حَكمين هما المساواة والمجتمع.

بالنسبة للأمر الأول، فحتى مع وجود قانون يسمح للمرأة بتطليق زوجها بسبب التعدد، مع الاحتفاظ بحقوقها المتفق عليها قبل الزواج، ربما ستمنعها أشياء أخرى من فِعل ذلك، أهمها ختم (مطلقة) الذي يضعها في خانة اجتماعية منبوذة إلى حد كبير من محيطها، لذا قد يرى البعض أنه يجب منع التعدد من الأساس مثلما حدث في بعض الدول الأوروبية مسبقًا لحماية المرأة التي لا تستطيع مواجهة المجتمع إذا ما استخدمت حقها (الذي نطلبه) في تطليق زوجها مع السماح له قانونًا بالتعدد، وفي تلك النقطة سوف أجيب على السؤال بسؤال آخر، لنفترض أنه قد صدر بالفعل قانون يمنع التعدد، فماذا لو قرر الزوج الخوض في علاقات جنسية أخرى دون زواج؟ أليس حينها سوف تقف المرأة في نفس موقفها السابق تتردد في الانفصال خشية من رد فعل المجتمع؟ بكل وضوح أرى أن المعركة لن تفلح إذا لم تشارك المرأة نفسها في مغبتها، وليكن الوضع المنطقي الذي لا يتعارض مع حرية الرجل والمرأة هو أن نحارب من أجل وجود قانون يحمي حرية المرأة في الانفصال بشكل طبيعي إذا ما رفضت التعدد، وتحارب هي لاستخدام ذلك الحق، ونحارب نحن الإثنين ضد المجتمع الذي سيتحرش بنا معًا دفاعًا عن ذكوريته.

أما عن حريتها في تعدد العلاقات الجنسية داخل أو خارج منظومة الزواج، فإذا ما قررنا أن للرجل حرية فعل ذلك، وبما أننا الآن نعرف يقينًا أن المساواة بين الرجل والمرأة ليست منحة، ولكنه حق يزداد في الوضوح كلما مرت السنوات والأحداث، فبالطبع المرأة يجب أن تُصبح حرّة في تعدد شركاء حياتها كما أن الرجل حر في تعدد شريكات حياته، ولكن لا ينبغي أن يُصبح ذلك سيفًا تشهره المرأة لتهديد الرجل وإلا وقعت في فخ تحجيم المشكلة في الحاجة الجنسية فقط، وبكل بساطة، أنتما في علاقة واحدة إذا لم تكن تلك العلاقة مُرضية فيجب عدم إحداث المزيد من الشقوق في جدرانها طالما يمتلك الجميع حرية الرحيل دون أن يضطر للتنازل عن شيء ما بسبب قانون مُجحِف أو مجتمع لم يُدرك أن محطة المساواة قد فاتته وأدركها عدد كبير من المجتمعات بدونه بالفعل.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image