شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
أمي قالت:

أمي قالت: "المدرسة لا تعلّمك شيئاً" وانطلقتُ... إنجازات الشابّ الإيراني غير المكترث باحتياجاته الخاصة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 13 سبتمبر 202201:58 م

"أقصى فترة زمنية ستعيشها هي حتى الـ27 عاماً"؛ هكذا عَلِم وحيد رَجب لُو عن طول فترة حياته من الأطباء، وذلك بسبب إصابته بمرض SMA منذ ولادته، وهو مرض عصبي نادر، ناجم من زواج الأقارب.

ولكن وحيد تجاوز 35 ربيعاً حتى الآن، جاهد المرض ليواصل اليوم عمله كواحدٍ من أشهر أصحاب الشركات الناشئة الإيرانية، كما ضمته الغرفة الفتية الدولية (JCI)، إلى قائمة أكثر 20 شخصية شبابية مؤثرة لعام 2020.

لم يكن مرض SMA معروفاً للأطباء، فهو مرض مميت لا علاج له، وكلما كان يتقدم في العمر، كانت تنهار عضلات جسمه، وبسبب خطأ طبي في إجراء عمليات جراحية على العمود الفقري وعظام الحوض، تطور مرضه وبات غير قادر على الحركة.

طالت فترة علاجه 7 سنوات، وكان يدخل المستشفى بسبب العدوى مرةً كلَّ شهرين، ولكنه يقول لرصيف22: "أنا موجود هنا لأنني لم أستسلم".

دور الأمّ في تحقيق الأحلام

وكما قامت والدة توماس إديسون بقرار كبير، حيث لم تخبره بطرده من المدرسة، بل قامت بتعليمه في المنزل، جلست أمُّ وحيد أمامه بعد مشوار طويل من الرفض أمام تسجيل ابنها في المدارس، لترفع من معنوياته ومعنوياتها أيضاً، قائلة له: "وحيد، ليس للمدرسة شيء لتعلمك إياه، كونك ذكياً جداً لدرجة أنك لست مضطراً أن تذهب لها". يتحدث لنا وحيد أن تلك الكلمات كانت النقطة المفصلية لانطلاقته واعتماده على ذاته وقدراته.

"أقصى فترة زمنية ستعيشها هي حتى الـ27 عاماً"، هكذا عَلِمَ وحيد رَجب لُو عن طول فترة حياته من الأطباء وذلك بسبب إصابته بمرض SMA منذ ولادته، ولكنه اجتاز 35 ربيعاً حتى الآن، جاهد المرض ليواصل عمله اليوم كواحد من أشهر أصحاب الشركات الناشئة الإيرانية

وهكذا عزمت الامُّ برفقة ابنتها، لتبدأ بتدريب وحيد على الكتابة والقراءة وكان قد تجاوز الـ13، غير أنه سرعان ما أكمل المرحلة الابتدائية خلال سنة ونصف فقط، ومن ثم دخل مرحلة الإعدادية مع مدّرس خاص في المنزل، ولأن تكلفة المعلم كانت باهظة، فلم يكمل الثانوية بعد.

بقاؤه في الغرفة متنقلاً بين كرسيه وسريره لأوقات طويلة جداً، كانت تحطّ من معنوياته، خاصة وأن الدراسة قد انتهت، ولكن للتلفزيون والمجلات والكتب أثرت في تنمية إبداعاته وابتكاراته في فنون متعددة، فمارس الخطَّ والنحت وصناعة الفخار عبر التعليم الذاتي.

من النحت والفخار إلى البرمجة وتصيم المواقع

وفي ما بعد بدأت مرحلة جديدة في حياة وحيد؛ فعندما أصرّ على والده لشراء جهاز كمبيوتر، أتقنها بسرعة وبات كمهندس كمبيوتر مختص، إذ حول غرفته إلى مشروع محل الخدمات الكمبيوترية، ولأن نافذة غرفته تطلّ على الشارع، فكان أهالي الحيّ في مدينة كَرَج بالقرب من العاصمة طهران يتوافدون عليه ويقدمون له طلباتهم.

طباعة الأوراق، تثبت الويندوز Windows، الكتابة في برنامج "أوفيس"، وإجراء أبحاث لتلامذة المدارس، أصبحت ضمن أبرز أعماله في مشروعه الجديد، حيث أنه يعطي الأوامر التقنية، ليتم تنفيذها على والدته أو شقيقه مجيد.

تطور مرض وحيد حتى بات غير قادر على تحريك يده اليسرى، فصعب الأمر أمام تقديم الخدمات للزبائن، وفرضت عليه الأجواءُ الجديدة طريقاً آخر، فقضى عاماً كاملاً في تعليم البرمجة الكمبيوترية على يد صديقه، حتى أصبح بارعاً فيها، ليبدأ مساراً جديداً عبر تصميم المواقع الإلكترونية، وقد صمم أكثر من 200 موقع لشركات ومتاجر وأفراد، كان يتقاضى أمامها مبلغاً مناسباً مكنه من شراء كرسي متحرك حديث وجهاز لابتوب، ودفعِ جزءٍ من تكاليف علاجه.

لم تتوقف طموحات وحيد عند هذه المرحلة من تحقيق الأرباح، ولأنه ناشط على منصات التواصل الاجتماعي، ومطّلع على معاناة الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، فأطلق شركة ناشئة لتقديم الخدمات الصحية لهؤلاء الأشخاص والمرضى والمتقدمين في العمر، عبر تطبيق أسماه "تَوانِي تو" (أنت تستطيع)، يعمل فيه 40 شاباً، ويوفر فرصَ عملٍ لنحو ألفي شخص بشكل غير مباشر.

أشهر تطبيق مختص في شؤون ذوي الاحتياجات الخاصة والمرضى

أهدته رئاسة الجمهورية محلاً لإقامة شركته لفترة سنتين، كما جذب استثماراتٍ من القطاع الخاص، وما زال يحتفظ بذكرى البدايات، حيث أطلق شركته بمليونين تومان (ما يعادل 66 دولار)، ولكن بعد تطويرها وصلت أسهمها اليوم إلى 13 مليار تومان نحو 433 ألف دولار، حسب قوله.

"كان هذا المشروع مربحاً، وقادني إلى الاستقلال عن العائلة منذ أربع سنوات"؛ هكذا يصف وحيد شعوره تجاه العمل الذي يقدم الخدمات في مجال الصحة والتأهيل والتعليم والخدمات العامة لنحو 14 ألف شخص.

لا يخلو منزل وحيد من الببغاوات الملّونة، فبدأت حكايته معها عبر تدشين متجر إلكتروني لأحد مستوردي العصافير، وكان قد استلم مقابل تصميمه للموقع، ببغاءً، وهكذا نما عنده حبُّ هذا الطائر حتى تمكن من تربية الببغاوات وتحقيق أرباح عبر ذلك، لفترة وجيزة.

يعمل بـ2% من جسمه

مع تقدمه في العمر، استمرّ هذا المرض العصبي النادر يفتك به، حتى توقف 98 بالمئة من جسد وحيد عن الحركة تماماً، ليبقى دماغه فعالاً فحسب، لكن الأفكار والمشاريع فمستمرة دون توقف، فيعمل على إطلاق أكاديمية في مجال توفير العدالة التربوية، ولعله يريد أن ينتقم من النظام التعليمي الذي حرمه لذة التواجد في المدرسة في طفولته.

كما دشن مؤسسته الخيرية، ليساعد عبرها عشراتٍ من ذوي الاحتياجات الخاصة في شراء كراسٍ متحركة أو معدات أخرى في سبيل صحتهم، عبر جمع التبرعات، بعد الدعاية على حساباته الشخصية في منصتي تويتر وإنستغرام.

جلست أمُّ وحيد أمامه بعد مشوار طويل من الرفض أمام تسجيل ابنها في المدارس، قائلة له: "وحيد، ليس للمدرسة شيء لتعلمك إياه، كونك ذكياً جداً لدرجة أنك لست مضطراً أن تذهب لها". يتحدث وحيد أن تلك الكلمات كانت النقطة المفصلية لانطلاقته واعتماده على ذاته وقدراته  

كما يساعد وحيد على توظيف ذوي الاحتياجات الخاصة في الشركات الناشئة والمعرفية والمصانع، لما له من ثقة لدى أصحاب المشاريع ورواد الأعمال.

"بدأنا طريقاً يقضي على التمييز، ونتحرك نحو المساواة في المجتمع، وأطلب من جميع المعنيين ورجال الأعمال والشعب أن يساندوننا في ذلك"؛ هذه هي كلمة وحيد التي حظيت بحفاوة الجمهور في ذكرى إطلاق مؤسسته الخيرية.

يعمل هذا الشاب الذي أصبح صوتاً وسفيراً لذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع وعلى منصات التواصل، نحو 6 ساعات وأحياناً 10 ساعات يومياً، ويعتبر أن علم الإدارة من أهم مشاريعه التعليمية في الوقت الراهن.

لم تنس السينما الإيرانية بدورها أن تؤدي دينها وتسلط الضوء على سيرة ومسيرة وحيد، فقد قام المخرج الإيراني محسن هادي بإنتاج فيلم وثائقي عنه بعنوان "أحد أحلامي"، وجاء هذا العمل الفني بهدف التعريف بهذه الشخصية الملهمة للأجيال.

عن الحب والغزل وشريكة الحياة 

وعن الحب ألقى وحيد محاضرةً في مؤتمر "تِدِكس" بإحدى جامعات العاصمة طهران، ليتحدث عن حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة في الحبّ ومرافقة شریكة حياة ومواعيد الحب، كما طالب المجتمع أن يحترم آراءهم دون الترحم وإصدار الأحكام.

الحالة الصحية الصعبة لوحيد تتطلب مراقبةً في كل لحظة، فشقيقه مجيد الذي ساعده منذ مشروعه الأول في غرفة المنزل قبل أكثر من عقد من الزمن، ما زال مسانداً له. والعلاج والرعاية الصحية متواصلان مما حمل الشابَّ تكاليف باهظة شهرياً، ولكن بطلّ الحكاية لم يتقاعس من الوصول إلى أهدافه وأحلامه، عارفاً بمكانته بين مجتمع ذوي الاحتياجات الخاصة.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard