شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
منع الضرب في مدارس الأردن… تعميم يتكرر كل عام بلا فائدة

منع الضرب في مدارس الأردن… تعميم يتكرر كل عام بلا فائدة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والحريات الشخصية

السبت 10 سبتمبر 202206:08 م

منذ عام 2007، تجدد وزارة التربية والتعليم في الأردن تعميماً يحظر استخدام المعلمين أسلوب الضرب في المدارس في بداية كل فصل دراسي، لكن بلا جدوى حقيقية في ظل تكرار حوادث ضرب الطلاب التي تتسبب في بعض الأحيان في آثار جسدية ونفسية كبيرة.

في ذاك العام، صدر قانون التربية والتعليم الأردني، رقم 1 لسنة 2007، مفصّلاً "تعليمات الانضباط الطلابي في المدارس الحكومية والخاصة وتعديلاتها". نص القانون في أحكامه العامة على أنه "ينبغي عدم لجوء المدرسة إلى العقاب البدني بأي صورة من الصور"، بما في ذلك منع الطالب من تناول وجبة الطعام في موعدها.

ويبدو أن التنبيه المتكرر لوزارة التربية والتعليم على منع الضرب في المدارس من باب "فذكّر" لا سيما أن قصص ضرب الطلاب لم تتوقف، في تجاوز واضح لتعليمات الوزارة والعقوبة المقررة لمن يقوم بذلك والتي تراوح بين الخصم من الراتب والنقل من العمل وصولاً إلى الفصل التام.

في حديث مع رصيف22، عزا تربويون ومختصون استمرار ممارسة الضرب في المدارس رغم التعميمات الرسمية، إلى عدة عوامل بينها رفض فريق من المعلمين تلك التعليمات من باب أنها "تمس هيبة المعلم"، و"مباركة" بعض الأهالي لضرب المعلمين أبنائهم على اعتبار أن ذلك "وسيلة فُضلى لتربيتهم".

وأوصى أحدث تعميم لوزارة التربية والتعليم الأردنية، الصادر الأسبوع الماضي، بـ"منع حمل العصا أو ما شابهها كأدوات للعقاب البدني داخل المدرسة" و"ضرورة التزام مديري المدارس ومعلميها جميعهم بالأساليب التربوية وبدائل العقاب البدني وتطبيق تعليمات الانضباط الطلابي رقم 5 لسنة 2017".

بين "مباركة" بعض الأهالي وتمسك معلمين به بذريعة حماية "هيبة المعلم" ضد أي تطاول… تعليمات وزارة التربية والتعليم الأردنية السنوية بحظر الضرب في المدارس تفشل في وقفه. هل من بدائل تربوية؟

صودف أن، بعد يوم واحد فقط من صدور هذا التعميم الأخير، أعلن مدير تربية لواء الرصيفة، في محافظة الزرقاء، خالد الحجاج، تشكيل لجنة تحقيق للوقوف على ملابسات حادثة "الضرب المبرح" لطالب في إحدى المدارس الحكومية على يد معلمه بواسطة "بربيش مياه" أي خرطوم، ما ترك جروحاً على جسده. علماً أن المسؤول وصف حالة الطالب الصحية بأنها "جيدة".

كما صدر التعميم في خضم نقاش محموم في المجتمع الأردني بين معارض ومؤيد لإقرار مسودة قانون حقوق الطفل الذي ترنو منه الحكومة إلى مواكبة الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل التي صادق عليها الأردن.

ولم يتناول القانون صراحةً قضية ضرب الطلاب في المدارس، لكنه تضمن نصاً صريحاً يمنع الضرب التأديبي للأبناء من الوالدين إذ يرد فيه ألا "تشكّل صفة الوالدين أو الشخص الموكل برعاية الطفل، عذراً لارتكاب أي فعل من الأفعال الواردة والتي حددتها المادة السابقة بالحالات التي تشكل تهديداً للطفل"، قاصداً بذلك "تعريض الطفل للعنف وإساءة المعاملة والاستغلال".

إعاقات جسدية ونفسية

برغم التعميمات المنتظمة بشأن تجريم العقاب البدني، شهدت السنوات الأخيرة حوادث متكررة ترتب عليها إصابات بدنية ونفسية جسيمة لطلاب جراء ضرب معلميهم لهم. على سبيل المثال، تسبب معلم في مدرسة حكومية بمحافظة إربد، العام الماضي، بنزيف في العين لطالب ضرب رأسه بالمقعد مرتين متتاليتين قبل أن يكمل اعتداءه عليه بالعصا. تسبب ارتطام عين الطالب بحافة المقعد في النزيف. 

وشهد عام 2010 فقدان طالب بإحدى مدارس العاصمة عمان الحكومية، يدعى صالح الدويكات، عينه اليمنى إثر اعتداء عنيف بالضرب من قبل معمله حال دخوله غرفة المعلمين لشرب المياه. علاوة على فقدانه عينه، ظل الطفل يُعالج لفترة طويلة من "التهابات في خلايا الدماغ" فيما أنهت الوزارة خدمات المعلم آنذاك.

وكان عام 2009 قد شهد حادثةً مماثلة إذ تعرض طفل يُدعى محمد الهويمل، من منطقة الغور الجنوبي، لضرب مبرح بالعصا من قبل معلمه، ما أسفر عن فقدانه عينه اليمنى أيضاً.

ولرؤى إسماعيل (37 عاماً) تجربة نفسية مؤلمة مع الضرب بالمدرسة لا تزال تتذكرها حتى اللحظة كما تقول لرصيف22. حين كانت طالبة، كانت تحلم بالالتحاق بالفرع العلمي في الثانوية العامة حتى تتسنى لها دراسة طب الأسنان، لكن عنف معلمة الرياضيات معها كان سبباً في كراهيتها لمادة الرياضيات والتحاقها بالفرع الأدبي تبعاً لذلك.

"يعتقدون أن ذلك لن يحدث تحولاً مصيرياً في حياتنا"... تربويون يحذرون من دور الضرب بالمدارس في إنتاج أجيال معنفة و"مهزوزة نفسياً واجتماعياً" في #الأردن. إليكم عدة حوادث انتهت بإعاقات جسدية ونفسية لأطفال

وتضيف: "كانت معلمتي متشددة دينياً وتنتقد مظهري الخارجي باستمرار. لم أرُق لها لأنني كنت غير محجبة. ذات مرة، قامت بضربي وسحبي من رأسي إلى دورة المياه، ثم وضعت رأسي تحت المياه لتزيل ‘الجيل‘ (مسحوق تثبيت الشعر) من شعري".

تشدد رؤى، التي تعمل مترجمةً عوضاً عن حلم طفولتها، على أن تلك الحادثة وغيرها من عبارات السخرية والتعنيف من معلمتها ظلت راسخة داخلها، مردفةً "يعتقدون أن ذلك لن يحدث تحولاً مصيرياً في حياتنا. حتى اليوم، تمثل لي المسائل الحسابية أزمة حقيقية".

وتقول منظمة هيومن رايتس ووتش إن الأردن ودول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تشهد بعض أسوأ معدلات العقاب العنيف للأطفال في العالم، سواء أكان جسدياً أو لفظياً.

ليست ظاهرة؟

إلى ذلك، لا يعتبر الناطق الإعلامي باسم وزارة التربية والتعليم الأردنية، د. أحمد المساعفة، أن حوادث الضرب العنيف المتكررة في مدارس البلاد ترقى إلى اعتبارها ظاهرةً أو أزمة. يقول لرصيف22: "الوزارة تاريخياً تمنع ضرب الطلاب في المدارس، وربما تقع بعض الممارسات الفردية هنا أو هناك. لكن هذا لا يعني أن ضرب المعلمين للطلاب منتشر".

ويزيد: "لا تنسي أن هناك 4000 مدرسة حكومية و7500 مدرسة خاصة في الأردن، تضم كلها مليوني و200 ألف طالب وطالبة، وهو الرقم الذي يعادل نحو خمس سكان البلد، ومن الوارد جداً أن تحدث حالات فردية لمعلمين يضربون طلابهم. ونحن كوزارة، نشكل لجنة تحقيق فور وصول أي شكوى ضرب معلم لطالب إلينا".

عن العقوبات التي تتخذها الوزارة ضد المعلم الذي يثبت انتهاجه العقاب البدني، يقول المساعفة: "حسب نتائج لجان التحقيق. هناك عقوبات تذهب إلى خصم راتب المعلم، وقد يصل الأمر إلى فصله من عمله".

يختلف عايش النوايسة، أخصائي تربوي، مع المساعفة، إذ يعتبر تكرار تعميمات وزارة التربية والتعليم منع الضرب في المدارس سنوياً "دليلاً على أن هذا السلوك ما يزال مستمراً". ويضيف لرصيف22 أن "الجميع يعلم أن العقاب ليس الوسيلة الفضلى لتعليم الطلاب. يرد في القول المأثور: ‘قد تجبر الحصان على الوصول إلى الماء لكنك لن تستطيع أن تجبره على الشرب‘. واليوم كل منظومات التعليم التي حققت نجاحاً لا تمارس العقاب البدني".

يعرب النوايسة عن دهشته ممن يدافعون عن الضرب كأسلوب عقاب في المدارس بل يرفضون حظره، متهماً بعض الأهالي بـ"تشجيع التعليم الإقصائي الذي يشمل ضرب أبنائهم ويقولون: ‘لولا ضرب معلمينا لنا ونحن صغار لما تعلمنا!‘. هذا يتنافى مع كل المعايير العالمية السلوكية لتخريج أجيال سوية نفسياً".

ويبدي استغرابه أيضاً من اعتقاد الأردنيين بأن الضرب قد يؤدي إلى إنتاج شخصية قوية تمثل شخصية الأردني "النشمي"، لافتاً إلى أن الضرب "يمتهن الكرامة" ويؤدي إلى أجيال "مهزوزة نفسياً واجتماعياً".

يتفق مع هذا د. حسين الخزاعي، أخصائي علم الاجتماع، الذي يشدد على أن مشاهد ضرب المعلمين لطلابهم من اللحظات القاسية في حياة الإنسان والتي لا تمحوها الذاكرة، محذراً من أن "الدراسات الاجتماعية أثبتت أن من يتعرض للضرب في صغره إما أن يصبح متسلحاً بالعنف في الكبر أو يعيش على سلوك اللامبالاة بحيث لا يكترث بمن يقوم بإيذائه".

وبحسب الخبير الحقوقي رياض علاء الدين، فإن ضرب المعلم لطلابه ينتج أجيالاً مُعنِّفة في المجتمع الأردني. يقول لرصيف22: "المعلم الذي يضرب طالبه يجعله يتخرج من المدرسة وهو يتعامل مع العنف كأول أسلوب لحل أي مشكلة، هو نفس الطالب الذي عندما يمارس العنف سواء داخل أسرته أو مجتمعه.

ويردف مؤكداً: "هي منظومة كاملة ومتكاملة يجب علاجها من الأسرة ثم المدرسة. الأهل الذين يعطون الضوء الأخضر للمعلم بضرب أبنائهم يساهمون كذلك في إنتاج أجيال معنفة".

"لولا ضرب معلمينا لنا ونحن صغار لما تعلمنا"... لماذا يؤيد البعض الضرب كوسيلة للعقاب في المدارس؟ وهل من حلول تربوية للقضاء عليه؟

لماذا يدافع البعض عن الضرب؟

بينما يتقبل بعض أولياء الأمور الأردنيين الضرب كوسيلة شبّوا عليها، يتمسك بها فريق من المعلمين بذريعة الحفاظ على هيبتهم وتخويف الطلاب من الإقدام على أي تطاول على المعلم لا سيّما في المراحل التعليمية المتقدمة حيث يكون الطالب في مرحلة المراهقة.

من الرافضين لمنع العقاب البدني في المدارس الأردنية المعلمة أمل عيسى التي تقول إن ذلك "يعطي الطالب عين قوية في إهانة معلميه". تروي لرصيف22 تجربة خاصة تعرضت لها قبل بضعة أشهر: "أنا لست من المعلمين الذين يضربون طلابهم، لكن مرة تجاوز طالب حدود الأدب معي خلال الحصة أمام زملائه، وعندما هددته بالضرب قال لي: اسكتي يا خ... ما جعلني أوقف الحصة حتى لا أفقد أعصابي وأقوم بضربه".

وتستطرد: "أنا لا أضرب طلابي. لكن أتفهم المعلمين الذين يضربون طلابهم لأن هناك تجاوزات تتفوق كل الحدود من بعض الطلاب، ومثلما تعمم الوزارة باستمرار منع الضرب بالمدارس، عليها أن تلتفت أيضاً إلى تحسين الوضع الاقتصادي للمعلم وتوفير الحماية له داخل المدرسة من أي تطاول أو إهانة من الطلاب".

راتب المعلم لا يتجاوز الـ400 دينار أردني (نحو 560 دولاراً أمريكياً)، "لا يكفيه لمنتصف الشهر بالتالي قد يؤدي ذلك إلى حالة احتقان وضيق لدى المعلم قد تترجم إلى عنف على أسرته وحتى بيئة عمله".

تلفت المعلمة الأردنية إلى أن راتب المعلم لا يتجاوز الـ400 دينار أردني (نحو 560 دولاراً أمريكياً)، وهو راتب تقول إنه "لا يكفيه لمنتصف الشهر بالتالي قد يؤدي ذلك إلى حالة احتقان وضيق لدى المعلم قد تترجم إلى عنف على أسرته وحتى بيئة عمله".

البدائل التربوية

علاوة على توفير بيئة عمل صحية للمعلم والطالب على السواء، تعتقد د. سعاد غيث، الأخصائية التربوية، أن هناك عدة بدائل تربوية لعقاب الطالب المخطئ بعيداً عن الضرب والإيذاء البدني أو اللفظي أو النفسي. وتشدد في تحذيرها من أن "الضرب كوسيلة عقاب يترتب عليه كثير من المشكلات من بينها إفساد العلاقة بين الطالب ومعلمه".

وهي تقترح في حديثها لرصيف22: "علينا كتربويين ومعلمين أن نخلق بدائل تربوية بعيدة عن الضرب والامتهان لكرامة الطالب، وهذا واجب وزارة التربية والتعليم أيضاً بحيث تمنع الضرب وتضع البدائل".

ومن البدائل التي توصي بها "تكثيف الدورات التدريبية التوعوية للمعلمين لإتباع أساليب تربوية في تهذيب الطالب، وتقوية العلاقة بين الطالب ومعلمه بحيث تبنى علاقة ثقة بينهما. تلك الثقة التي تجعل للمعلم قدرة على امتصاص غضب الطالب ومعرفة نقاط ضعفه وقوته. وهذا الأمر يحتاج أيضاً إلى تفعيل دور المرشدين الاجتماعيين في المدارس، بحيث يكونون الملاذ الآمن لحل أي خلافات بين الطلاب ومعلميهم".



رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard