عام 1991، صادق الأردن على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة، والتي تضمنت ضرورة اتخاذ الدول الأطراف التدابير التشريعية والإدارية وغيرها من التدابير الملائمة، لإعمال الحقوق المعترف بها في الاتفاقية.
وعلى مرّ أكثر من 20 سنةً، كانت هناك طروحات تتعلق بسنّ قانون يحمي حقوق الأطفال في المملكة، وانتهت في أدراج مجلس النواب؛ لذا وللمرة الأولى في تاريخ الأردن، ناقش النواب مشروع قانون حقوق الطفل لسنة 2022، يوم الأربعاء الماضي، بعد عمل مختلف الجهات عليه.
القانون يحارب الدين
مناقشة النواب خلطت الحابل بالنابل، إذ تحدث البعض عن المادة 14 في الاتفاقيّة المتعلقة بحق حرية الفكر والوجدان والدين من دون الإشارة من قِبلهم إلى أنَّ الأردن تحفّظ على هذه المادة، وعدّ البعض الآخر أنَّ نصوص القانون تسيء إلى الأسرة الأردنيّة وقيمها، بالإضافة إلى مخالفته للشريعة الإسلامية.
فيما رأى آخرون أنَّ الحكومة تسعى إلى تقليد العالم الغربيّ، ونسخ قوانينه من دون الاطلاع على البعد العربيّ، وإبعاد الأطفال عن الدين، خاصةً بعد إغلاق مراكز تحفيظ القرآن التابعة لجمعيّة المركز الإسلامي، وبلا شك كانت هناك أصوات باركت القانون وأيّدت نصوصه، إلا أنَّ الصوت الأعلى -على ما يبدو- كان للتيار المعارض.
وزيرة الدولة للشؤون القانونية وفاء بني مصطفى، أكدت خلال الجلسة، مراعاة الحكومة للخصوصيّة الأردنيّة في صياغة نصوص مشروع القانون، مشيرةً إلى تحفّظ البلاد على مواد في اتفاقية حقوق الطفل ومن ضمنها تلك المتعلقة بالحق في اختيار الدين أو تغييره.
وقالت إن ذلك التحفظ ينعكس في نصوص القانون، قائلةً إن "الخصوصية الأردنية تمت مراعاتها عند وضع هذا القانون، وأُخذت بعين الاعتبار في مواده كافة".
"الجدل الحاصل هو نتيجة النصوص التي تدعو الأطفال للتطاول على آبائهم. كيف يمكنني أن أسمح بأن يتقدم طفلي بشكوى ضدي؟ القانون يريد تحطيم العلاقة بين الطفل ووالديه، ومع ذلك أرجو ألا يتم إقراره كما هو"
قانون أنانيّ
ما حدث تحت قبة البرلمان، انعكس وقعه على الشارع الأردني، وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مناقشات النواب وتعليقاتهم على القانون، إذ عدّه البعض أنانيّاً ومعززاً لمبدأ الفرديّة، فيما أشار آخرون إلى أن السبب في ردود الفعل السلبية يكمن في انعدام الثقة بين الشعب والحكومة، وانتقد البعض الآخر استهتار الناس بالقانون وعدم التعامل معه بجدية، أو فهمه.
لماذا كانت هناك معارضة؟
يقول النائب سليمان أبو يحيى، لرصيف22، إنَّ الدين هو الحاكم للعلاقات بأشكالها كافة، سواء تعلّق ذلك بالطفل أو بالمرأة، بالإضافة إلى وجود النظام العشائري الأخلاقيّ والعادات والتقاليد التي تحكم المجتمع، والتي لا تتماشى مع نصوص القانون.
ويضيف أن القراءة الأوليّة للقانون أوضحت أنَّ هناك تمكيناً للطفل وحريته بدرجة كبيرة، مشيراً إلى أن الأطفال "غير مدركين وغير واعين لمصلحتهم؛ لذا من غير الجيد إعطاؤهم السلطة".
ويلفت أبو يحيى، إلى أن طبيعة المجتمع الأردني الشرقية لا تتشابه مع الغرب، متهماً الحكومة بتقليد القوانين الأوروبية في جزئيّة "الانفلات" وتشجيع الطفل على تقديم شكوى في حق والديه والتمرّد عليهما.
مناقشة النواب لمشروع القانون خلطت الحابل بالنابل، إذ تحدث البعض عن المادة 14 في الاتفاقيّة المتعلقة بحق حرية الفكر والوجدان والدين من دون الإشارة من قِبلهم إلى أنَّ الأردن تحفّظ على هذه المادة، وعدّ البعض الآخر أنَّ نصوص القانون تسيء إلى الأسرة الأردنيّة وقيمها
هل القانون متفلت؟
من جانبها، تؤكد الناشطة والصحافيّة الحقوقيّة نادين النمري، لرصيف22، أن الجدل المُثار حول مشروع القانون، دفع بالحقوقيين إلى نفي الشائعات وتفنيدها بدلاً من التركيز على نقد القانون، قائلةً: "تم جرّنا إلى معركة وهميّة لا أدري ما الهدف منها".
وتتابع بأن المقصود بكلٍ من الرقابة والخصوصية والسرية في القانون، هو عدم وجود أيّ تغوّل من الوالدين على الطفل، أو تداول محادثات خاصة بين الأطفال وابتزازهم (على سبيل المثال)، منبّهةً إلى أن الذين حاولوا الاعتراض على القانون، إمَّا قاموا باجتزاء مواده مع إدراكهم ذلك، أو تطرقوا إلى ذكر اتفاقية حقوق الطفل والبنود المتحفظ عليها من قبل الأردن.
وتشدد النمري، على أنَّ ما تم خلال الفترة الماضية هو شيطنة للقانون وإخراج مواد غير موجودة فيه واجتزاء النصوص، مؤكدةً أن "ما حدث من شيطنة لن يدفع ثمنها أحدٌ آخر غير أطفال الأردن!".
محاربة الأسرة
تنفي المديرة التنفيذية لمركز العدل للمساعدة القانونية هديل عبد العزيز، خلال حديثها إلى رصيف22، احتواء القانون نصوصاً تهدف إلى محاربة الأسرة، مشيرةً إلى أنَّ المطلب الأساسيّ يكمن في حماية الطفل من الأخطار والاستغلال.
وتقول إنَّ المخاوف من القانون جاءت عقب نوعٍ من المناقشات بين الحكومة الأردنيّة وأطراف سياسية، بالرغم من احتوائه مواد تنص على حق الطفل في الصحة والتعليم والترفيه، وتأسيس أول مركز لمعالجة الإدمان للأطفال في المملكة؛ لذا فإن القانون بمثابة استحقاق وطني مع كل المتعاملين مع الأطفال منذ سنين، وتكمن أهميته في تشكيل مظلة لتنظيم حقوق الطفل.
ما الحاجة إلى القانون؟
يؤكد الأمين العام للمجلس الوطني لشؤون الأسرة محمد المقدادي، لرصيف22، أنَّ الحاجة إلى هذا القانون تكمن في إلزام الدولة والمؤسسات بتوفير الخدمة لأطفال الأردن، لافتاً إلى أن القانون يُرتّب على الدولة التزامات كبيرةً وهو ما دفع الحكومات لتجنبه.
ويصف مشروع القانون بأنه استثمار في الأطفال، متطرقاً إلى عقد المجلس ورشاتٍ مع المؤسسات الحكوميّة وغير الحكوميّة حول الحاجة إلى القانون والبدء بصياغته وعرضه على ديوان التشريع والرأي طوال ثلاث سنوات، وإجراء التعديلات عليه قبل عرضه من قبل الحكومة على مجلس النواب.
في حين يقول خبير شؤون الحماية الأسرية سيد الرطروط، لرصيف22، إنَّ التأخر في طرح مشروع القانون يعود للكيانات الرئيسيّة التي لم تقم بعمليات الطرح والمتابعة، والتساؤل الشائع حول ضرورة الحاجة إلى مثل هذا القانون، مضيفاً: "آمل بالابتعاد، خلال نقاشه، عن اللغة التشكيكيّة التي لا أساس لها".
ما سبب الجدل؟
يرى المقدادي، أن الجدل أُثير لتضليل الناس، خاصةً أن المجتمع يبدي رأيه بناءً على قراءة الآخرين وملاحظة أن القانون لم يُحدث فجوةً بين الأسرة والطفل، بل تكلّف عن العنف والاستغلال، مشيراً إلى أنَّ "أكثر من 14 ألف طفل دون سنّ الـ18 راجعوا إدارة حماية الأُسرة عام 2021، بسبب العنف الجنسي".
ويتساءَل عن سبب عدم نظر المعترضين إلى الجوانب الإيجابية في القانون، أو اقتراح تعديل النصوص بدلاً من رفض القانون عموماً، قائلاً: "هل من المعقول حرمان غالبية أطفال الأردن من القانون بدل تعديله!"، مشيراً إلى أن الغالبية العظمى من أطفال الأردن لا يتلقون الخدمات أو لا يمكن لأهاليهم إرسالهم إلى الحدائق والترفيه عنهم.
في حين يوضح الرطروط، أن سبب الجلبة كان نتيجة سوء تأويل المفاهيم في القانون، منبهاً إلى أننا "نحتاج إلى استيعاب آراء النواب ومحاولة تقديم بديل إيجابي، وعلى الرغم من ذلك فهناك من سيعترض على القانون".
ويلفت النائب أبو يحيى، إلى أن الجدل الحاصل هو نتيجة النصوص التي تدعو الأطفال للتطاول على آبائهم، متسائلاً: "كيف يمكنني أن أسمح بأن يتقدم طفلي بشكوى ضدي؟ القانون يريد تحطيم العلاقة بين الطفل ووالديه، ومع ذلك أرجو ألا يتم إقراره كما هو".
وبحسب تقرير نشره البنك الدولي أواخر حزيران/ يونيو من العام الحالي، فإنَّ نسبة الأطفال الذين يعانون من فقر التعلّم في الأردن بقيت عند نسبة 52%، داعياً الحكومة إلى الاهتمام بذلك وتحسين نواتج عملية التعليم بشكل عام، وتراكم رأس المال البشري على المدى الأطول.
فيما نصّت مواد من مشروع القانون الذي تمت مناقشته على ضرورة تحسين نوعية التعليم وعلاج التسرّب المدرسي، ودمج الأطفال ذوي الإعاقة في التعليم، كما تضمن أحد النصوص ضرورة تثقيف الأًسر من قِبل وزارة الصحة في ما يتعلق بالتغذية، خاصةً مع إشارة تقرير حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم 2021، إلى أن سوء التغذية لدى الأطفال تشكّل تحدياً.
لذا، وبعد أن وصل مشروع القانون إلى هذه المرحلة، فإن السؤال الذي يظل مطروحاً هو حول ما إذا كان سيتم تعديله وإقراره للعمل به بعد افتقار الأردن إلى قانون خاص بالأطفال طوال تلك السنوات، أم ستعلو الأصوات المعارضة وتساهم في عدم إقراره؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...