عندما كنّا صغاراً، كان الفرح يغطي وجوهنا بمجرد أن نعلم أن والدتي ووالدي مدعوان لحضور حفل زفاف، وذلك لكوننا سنحصل على علبة حلوى الزفاف التي تضم ثلاثة أو أربعة أنواع من أشهى الحلويات الجزائرية، وحبة الدراجي بالشوكولا أو اللوز.
ليلة حضور العرس كنت أتودد لوالدتي وألاطفها بالحديث حتى يكون من نصيبي حلوى "مقروط اللوز" الجزائرية، بخاصة وأن الأطفال الصغار لا يحصلون على مثل هذه العلب الراقية، ودائماً كنا نتصارع أنا وشقيقاتي للحصول على هذه الحلوى التي حظيت باحترام عالمي.
في المرتبة الرابعة عالمياً
أظهر تصنيف "تيست أتلاس" الذي يصدر بين الحين والآخر ترتيباً لمختلف أصناف الأكل والأطباق في العالم، أن "مقروط اللوز" جاء في المرتبة الرابعة على المستوى العالمي، محتلاً بذلك صدارة الترتيب، عربياً وإفريقياً، ضمن إحصاء شمل هذه المرة قائمة تضم 50 نوعاً من الحلوى الأفضل في العالم.
عندما كنّا صغاراً، كان الفرح يغطي وجوهنا بمجرد أن نعلم أن والدتي ووالدي مدعوان لحضور حفل زفاف، وذلك لكوننا سنحصل على علبة حلوى الزفاف التي تضم ثلاثة أو أربعة أنواع من أشهى الحلويات الجزائرية
تقول الشيف سامية جزايرية، أشهر النساء الطاهيات الجزائريات، والتي ارتعش قلبها فرحاً بعد سماعها الخبر: "للحلوى سحر خاص لا يدركه إلا من يعدّها ويتذوقها، فهي من بين الحلويات الضاربة في جذور تاريخ المطبخ الجزائري، لها علاقة وطيدة بأفراح الجزائريين/ات ومناسباتهم/نّ التقليدية الدينية".
ما سر نجاح هذه الحلوى؟
"أول سر من أسرار نجاح هذه الحلوى هو أنه يمكن إعدادها بالفول السوداني، لكن سحرها الخاص يكمن في اللوز الذي يجب أن يُطحن مثل طبق الكسكس أو الكسكسي، ولا يجب أن يكون مثل الدقاق"، وتضيف سامية، صاحبة الوجه البشوش والابتسامة المشرقة: "يتم مزج اللوز المطحون بالسكر العادي، وهنا بإمكاننا طحن اللوز مع السكر وهذه هي الوصفة الأصلية".
ومن العناصر الرئيسية التي لا يمكن إطلاقاً الاستغناء عليها، تذكر الشيف المختصة في صناعة الحلويات التقليدية التي تتربع على عرش الحلويات في المناسبات الدينية والأعراس: "مسحوق الفانيلا ومبشور الليمون، فالطبقة الخارجية الخضراء من القشر تحتوي على رائحة وزيوت لذيذة".
وتستكمل حديثها بالقول: "في المرحلة الأولى، يتم مزج هذه المكونات بشكل جيّد حتى يمتزج عطر الليمون باللوز، ليضاف بعدها صفار بيضتين وحبة بيض في كمية قليلة تقدر بـ 500 غ فقط من اللوز، فهذه الحلوى تستمد لونها الأصفر الذهبي الساطع من صفار البيض أما الزلال فلا يجب الإكثار منه".
ومن الأسرار الأخرى التي تحفظ طراوة حلوى اللوز وتجعلها تتمتع بفترة صلاحية طويلة جداً، تشير سامية إلى "ضرورة إضافة الزبدة وكمية قليلة من ماء الزهر أو الورد المقطر الذي يسافر بنا في رحلة إلى دويرات القصبة العتيقة الشاهدة على ما تفنّنت النسوة الجزائريات في تحضيره وإعداده لسنوات خلت".
تشكل هذه الحلوى بطريقة سهلة وبسيطة، وتوضح الشيف سامية أنه "يتم تشكيل حربوش متوسط الحجم، لكن مع ارتفاع قياسي حتى تحافظ حبة الحلوى على شكلها، وبعد طهيها لمدة لا تتجاوز 12 دقيقة على 180 درجة مئوية في الفرن، يتم تغطيس حبات الحلوى في محلول ماء الزهر والسكر الناعم"، مشددة على ضرورة عدم ترك الحبات داخل ماء الزهر لوقت طويل، وبعد ذلك يمسح فائض السكر ليترك منه طبقة رقيقة جداً، ويقدم مع الشاي الصحراوي الأصيل.
نحن الأصل
منذ انتشار خبر تصنيف الحلوى التقليدية الجزائرية "مقروط اللوز" في المرتبة الرابعة ضمن قائمة أفضل 50 نوعاً من الحلويات في العالم، تراقصت مواقع التواصل الاجتماعي على أوتار اللايكات والتعليقات الإيجابية.
في هذا الصدد، كتبت الناشطة الجزائرية، ليلى لعبيدي، على فيسبوك: "نعم، نبقى نحن الأصل والباقي تقليد. مقروط اللوز يحتل المرتبة الأولى عربياً والرابعة عالمياً كأفضل الحلويات، وتبقى حلوياتنا ومأكولاتنا التقليدية الجزائرية تأبى الانقراض رغم تعرضها للسرقة في كل مرة، وهي الأكثر رواجاً في الوسط العربي والعالمي".
وبدورها، كتبت الشيف سامية، على صفحتها في فيسبوك: "مقروط لوز العاصمة يحتل المرتبة الرابعة لأفضل حلوى في العالم، يا فرحتي ومزال بإذن الله الحلويات الجزائرية تتصدر أحسن المراتب".
ما هي أصولها؟
في حديثها مع رصيف22، تقول الشيف مديوني سمية، المتخصصة في صناعة الحلويات التقليدية، إن "الجزائر هي مهد هذه الحلوى المميزة، ويشاع أن من ابتكرتها هي السيدة سعيدة رزقي، وتعرف بالسيدة رزق، خبيرة في الطبخ الجزائري، عكس التشاراك المسكر، فأصل هذه الحلوى التقليدي (تشريك) كلمة تركية وتعنى هلال".
"نبقى نحن الأصل والباقي تقليد. مقروط اللوز يحتل المرتبة الأولى عربياً والرابعة عالمياً كأفضل الحلويات، وتبقى حلوياتنا ومأكولاتنا التقليدية الجزائرية تأبى الانقراض رغم تعرضها للسرقة"
وتشير سمية إلى أن "هذه الحلوى كانت، خلال فترة تواجد العثمانيين في البلاد، عبارة عن حلوى جافة، لكن سيدات القصبة العريقة قمن بتطويرها وأبدعن"، وتضيف: "نساء القصبة كنّ يدهن الجدران بالأبيض عند اقتراب عيد الفطر، بعدها تولدت الفكرة لديهنّ بتزيين الحلوى بالسكر الأبيض الناعم فرحاً بحلول العيد".
وعن سر حلاوة مذاق "مقروط اللوز"، تقول مديوني إن "الأمر يعود إلى الخلطة السحرية التي تعتمد على مزج حبات اللوز المطحونة بفاكهة القارص الحمضية التي تلعب دورين مهمين، يتمثل الأول في منحها ذوقاً مميزاً ومغايراً لباقي الحلويات التقليدية، أما الدور الثاني فيتمثل في الحفاظ على الحلوى بمذاقها".
"للحلوى سحر خاص لا يدركه إلا من يعدّها ويتذوقها، فهي من بين الحلويات الضاربة في جذور تاريخ المطبخ الجزائري، لها علاقة وطيدة بأفراح الجزائريين/ات ومناسباتهم/نّ التقليدية الدينية"
وابتُكرت من هذه الحلوى الأصل أشكال أخرى تعدّ بنفس الطريقة، تذكر مديوني من بينها حلوى "تاج العروسة"، وهي حلوى تقليدية بلمسة عصرية راقية، بحيث تشكل كريات بحجم 60 غرام، وفي وسط هذه الكريات يُترك فراغ صغير يوضع فيه ورد اصطناعي: "عادة ما تكون هذه الحلويات حاضرة في صينية العروس التي يحضرها أهل العروسة إلى بيت العريس في اليوم التالي من العرس، وتتضمّن الصينية أربعة أصناف، من كل صنف 40 حبة، مثلاً حلوى الكفتة والدزيريات وكعيكعات، إضافة إلى ملء محبس نحاسي بمقروط العسل واللوز أو الفول السوداني، على اعتبار أن هذه الحلوى تعد أيضاً من أهم الحلويات التي تأخذها العروس إلى بيتها".
وقبل ابتكار مقروط اللوز، تقول الشيف سمية إن النساء كن يحضّرن حلوى شبيهة كثيراً اسمها "بوسو"، مميزة بهشاشتها وطراوتها، كانت تصنع قديماً بالزبدة الحرة، واستوحى لونها الأبيض أيضاً من جدران القصبة المطلية باللون الأبيض، مثلها مثل "مقروط اللوز" و"تشاراك المسكر".
ويعد "مقروط اللوز" أحد أنواع حلوى المقروط المعروفة كثيراً في الجزائر، وأكثرها شهرة "مقروط العسل" الذي يُعد بواسطة طحين القمح المتوسط (السميد) والسمن البلدي والغرس (التمر المطحون) والقرفة وماء الزهر والعسل، ويمكن استبدال التمر المطحون بأحد أنواع المكسرات، ويتفرع منه نوع آخر وهو "المقيرط" العادي و "مقيرط تلمسان" نسبة إلى محافظة تلمسان (مدينة جزائرية تقع شمال غرب البلاد، تلقب بجوهرة الغرب الجزائري ولؤلؤة تاج الشمال الإفريقي).
وحسبما ورد في كتاب "الطبخ في المغرب العربي والأندلس في عهد الموحدين" للمؤلف الأندلسي المجهول، فإن أصل حلوى "المقروط" من محافظة بجاية الساحلية التي تقع شرق الجزائر منذ القرن الـ 12 ميلادي، وكان يلقب حينها بـ "الخوشكلان".
في الختام، يُعتبر المطبخ الجزائري واحداً من ألمع المطابخ العربية، ويزخر بمجموعة من الأطباق الشعبية التي صمدت طويلاً في وجه الأطباق العصرية والمأكولات السريعة، فعلى سبيل المثال نجد الكسكسي الذي صُنّف ضمن القائمة الممثلة للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية، في كل من الجزائر وتونس والمغرب وغيرهم من دول المنطقة المغاربية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع