"تعرفت إلى جسدي من خلال الرقص"، تقول تونيا، وهي مترجمة من لبنان، بشغفٍ وهي تنظر إلى القاعة في منزلها، يتوسطها عامود وضعته لتدريباتها الخاصة على الرقص القطبي، وتواصل: "بدأتُ مشواري مع الرقص القطبي بالصدفة، حيث التحقتُ باكراً بصفوف الرقص المعاصر، لأجد متدربات يرقصن على العامود. استغربت الأمرَ إذ لم أسمع بوجود هذه الرياضة في لبنان من قبل. أذكر يومها أنني هرعت إلى المنزل لأخبر عائلتي بأن من يتدربون على الرقص القطبي هم أشخاص يشبهوننا، وليسوا كما يصورهم المجتمع (راقصي إغراء). بعد ذلك قرّرت أن أدخل في التجربة التي ستصبح مع الوقت انطلاقتي الأولى لعالم الفن القطبي، وبدايتي الجديدة مع نفسي".
احتراف الرقص المثير
وتكمل تونيا: "لم يكن الأمر سهلاً من الناحية الاجتماعية؛ فكيف لبنات العائلات أن يحترفن الرقص المثير حسب مفهوم المجتمع؟ وللمفارقة أن من اعترض كانوا أصدقائي الذين استغربوا الأمر، ومنهم من قرر قطعَ علاقته بي لاعتبار أن ما أقوم به هو أمر معيب".
تمسك هاتفها وتفتح صوراً لها خلال التدريبات والعروض كمحاولةٍ لإبراز جمالية هذا الفن وأثره في حياتها، وتكمل حكايتها: "مررتُ بفترةٍ من الاكتئاب، وخسرت الكثيرَ من طاقتي، وكنتُ أحاول في شتى الطرق أن أتعافى، ولم يساعدني سوى الرقص، والرقص القطبي تحديداً، الذي ساعدني في التعبير عن نفسي وفي أن أتعرف إلى حواسي وداخلي، وأن أسمتع إلى جسدي، كما خلق لي محيطاً آمناً من أصدقاء يشبهونني، نتلاقى دوماً، ونتشارك الأنشطة، حتى بنينا صداقةً متينة في ما بيننا".
يعود تاريخ الرقص على العامود للقرن الثاني عشر في الهند، حيث يُعتبر من الرياضات الهندية التقليدية التي تعتمد على مبادئَ التحمل والقوة، ويؤدي من خلالها الرجال حيلًا تتحدى الجاذبية وهم يقفزون من قطب إلى آخر، على ارتفاع عشرين قدماً في الهواء
وتضيف تونيا: "هناك عدة عناصر تعتمد في الرقص القطبي، أهمُّها القوة الجسدية، والإرادة، وتليهما الليونة. عندما بلغتُ مرحلةً استطعت فيها حملَ جسدي، بدأتُ أختبر جمالية الرقص القطبي وسماع الموسيقى بهدوء وعمق، دون أن ننسى وقعَ وأثر هذه الرياضة على اختلاف الأجسام وطبيعتها ونقاط القوة والضعف لدى الاشخاص. وما يميز الرقص القطبي هو حرية اختيار أنواع الرقص على العامود، منها التانغو والفالي وcontemporary وغيرها من أساليب الرقص. كما يمكننا التحايل ضمن الرقصة بخلق بدايةٍ لرقصة ما واختتامها برقصة مختلفة".
"لم يكن الأمر سهلاً من الناحية الاجتماعية. وللمفارقة أن من اعترض كانوا أصدقائي الذين استغربوا الأمر، ومنهم من قرر قطعَ علاقته بي لاعتبار أن ما أقوم به هو أمر معيب"
أما عن الثياب المخصصة للرقص القطبي توضح تونيا: "نحن نستخدم ثياباً خاصة ومكشوفة، فنحن بحاجة لجلدنا كي نستطيع البقاء لمدة أطول على العامود، فالثياب الطويلة تعرقل حركتنا، وتتسبب بانزلاقنا عنه، كما أن العواميد المستخدمة إجمالاً في الرقص القطبي هي من نوع الستانلس، الكروم، وبراس، وأيضاً الخشب، لكن الكروم هو المشاع بشكل أكبر، فهو لا يتطلب جهداً أو طاقةً كبيرة، وتختلف الأقطار بقياساتها بين 50 مم، 48، 45، 42، 40، و38 مم.
تختم تونيا حديثها لرصيف22: "أحلامي اليوم كبيرة، عدا عملي في مجال الترجمة؛ أتمنى الوصول للعروض العالمية في فرنسا والمشاركة في السيرك العالمي Cirque de soleil".
تاريخ الرقص القطبي
تاريخياً، يعود تاريخ رقص العمود أو الرقص القطبي للقرن الثاني عشر في الهند ومن ثمّ في أمريكا. في الهند يُعتبر من الرياضات الهندية التقليدية "ملاخمب"، والتي تستخدم مبادئ التحمل والقوة بقطر خشبي أعرض من القطب القياسي الحديث. يستخدم القطب الصينيُّ قطبين يؤدي فيهما الرجال حيلاً تتحدى الجاذبية، وهم يقفزون من قطب إلى آخر، على ارتفاع عشرين قدماً تقريباً في الهواء.
أما في أمريكا فتعود جذور رقصة القطب إلى العروض الجانبية المتجولة "مصر الصغيرة" في تسعينيات القرن التاسع عشر، والتي تضمنت رقصات "كوتا كوتا" أو "هوشي كوتشيه" الحسية، التي يؤديها في الغالب راقصو الغوازي الذين ظهروا لأول مرة في أمريكا.
وكما رقص الرجال قديماً في الهند وأمريكا، أتقن ماريو (من لبنان) الرقصَ القطبي منذ عامين، وهو مهندس داخلي ومناظر بيئية وطبيعية، لم يخف شغفه بهذه الرياضة التي لا يتجرأ على ممارستها الكثير من الرجال في لبنان.
"اعتاد المجتمع على دور محدد للرجل، وأنا رفضت أن أوضع في قوالب اجتماعية تحدّ من هوايتي، فأنا أقول إن الإنسان يأتي مرة إلى هذه الحياة، فلمَ لا أقوم بما أحب؟"، يقول ماريو
يقول لنا ماريو: "لم تعترض عائلتي الصغيرة على دخولي مجال الرقص، فأنا من عائلةٍ تحترم الفنَّ والمجالات الفنية كافة، وهم من شجعوني لأمارس الهوايةَ التي أحبها، لكنني بالطبع واجهتُ بعض الاعتراضات من الأقارب الذين انتقدوا الفكرة في البداية، وحتى على صعيد العمل لم يكن الأمر هيناً".
ويضيف ماريو: "اعتاد المجتمع على دورٍ محدّد للرجل، وأنا رفضت أن أوضع بقوالب اجتماعية تحدّ من هوايتي، فأنا أقول إن الانسان يأتي مرة إلى هذه الحياة فلمَ لا أقوم بما أحب؟".
ويتابع: "أعتبر الرقصَ جزءاً من حياتي ومساحتي الآمنة، فأنا عندما أقوم بالرقص أتخلص من الكثير من الضغوطات والمشاكل العالقة في رأسي. زاد الرقص من ثقتي بنفسي، وقوتي الجسدية، وحتى صحتي النفسية أصبحت أكثر سلاماً وهدوءاً من السابق. أنا سعيد جداً بهذه التجربة، لأنها منحتني عالماً يشبهني من حيث الأشخاص والأحلام المشتركة، وأنا فخور جداً بما وصلت إليه".
ويؤكد ماريو: "لا أود تحويل هذه الهواية إلى عمل، لأنني أؤمن بأن الهواية عندما تتحول إلى عمل، تفقد حريتها وانسيابيتها. أود القيام بعروضٍ لإبراز مهارتي بالرقص، وهذا ما أقوم به أيضاً عبر صفحات التواصل الاجتماعي، حيث أتشارك بعض الرقصات مع المتابعين وألقى الكثير من الدعم".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 17 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 5 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين