ولكل امرأة حكاية مع تلك المهن "سيئة السمعة" سواءً أحبتها، أو لجأت إليها بحكم الظروف والاحتياجات، منهنّ قاومت المجتمع، واستمرت، ومنهنّ غادرن مهنتهنّ للأبد.
بار تندر: "لا تعني لا"
شيرين حجازي، في نهاية العشرينيات، قرَّرت خلال ضائقة مالية أصابتها أن تتقن مهنة لم تكن تعلم بشأنها من قبل، لتحصل على بعض المال لمساعدتها على تخطي الأزمة المالية، والسفر لإحدى المناطق السياحية لبدء عمل آخر.
تقول حجازي: "كنت بحاجة للعمل من أجل استكمال دراستي في أحد المعاهد الخاصة ذي التكاليف المرتفعة، فدفعتني الصدفة للعمل كبار تندر في محافظة الغردقة الساحلية، قبلت العمل في البار ولم أكن أعي جيداً ما أنا بصدده".
عملت حجازي لفترة قصيرة بنظام الثماني ساعات، من الثانية عشر ظهراً حتى الثامنة مساء، ولكن خلال العمل تعرضت إلى مضايقات من النزلاء.
تكمل حجازي: "كنا أربع فتيات، منا من تعمل لحبها للعمل، والبعض الآخر مثلي لظروف أخرى، وبرغم تحكم الظروف بنا، إلا أن المجتمع لم يرحمنا أبداً، فمثلاً إحدى العاملات معنا كانت أماً، وكانت تعمل لمساعدة زوجها في تكاليف المعيشة المرتفعة خاصة مع وجود أبناء، إلا أنها لم ترتح قط من مضايقات، وخناقات زوجها المتكررة معها لطبيعة عملها، معتبراً أنه عمل مناف لشرف المرأة، والمجتمع يرى كل من تعمل فيه عاهرة".
"لم أفهم إطلاقاً لماذا لا يفهم هؤلاء الرجال أنَّ (no means no)، عندما أدركت أنَّ هذا الأمر لا مفرّ منه، وأنهم لن يفهموا أبداً أن من حقي اختيار الوظيفة كبار تندر التي أحبها دون أن يكون لها دلالة جنسية، تركت العمل، وسافرت إلى شرم الشيخ"
أما عن تجربتها في عملها كنادلة في بار في الغردقة، مدينة سياحية المطلة على البحر الأحمر، تقول حجازي لرصيف22: "كنت في هذا الوقت 17 عاماً، والمرة الأولى لي في هذا المجال، إلا أنني تعرضت لكل أنواع التحرشات اللفظية، ولم أنج من العروض المالية لقضاء ليلة مع أحدهم، فقط لأني فتاة وتعمل (بار تندر) فكل شيء متاح، لم تنته العروض إطلاقاً ولم أتوقف عن الرفض".
"في إحدى المرات قدَّم لي أحد الزبائن شوكولا تحتوي على نوع من المخدرات، كنوع من جس النبض، ولم أفهم إطلاقاً لماذا لا يفهم هؤلاء الرجال أن (no means no)، عندما أدركت أن هذا الأمر لا مفر منه، وأنهم لن يفهموا أبداً أن من حقي اختيار الوظيفة التي أحبها دون أن يكون لها دلالة جنسية، تركت العمل وسافرت إلى شرم الشيخ للعمل في الاستقبال في فندق، لكني هناك تعرضت لعرض من نوع آخر، وهو قضاء ليلة مع مدير الريستون مقابل عملي، فرفضت ورجعت لموطني في الإسكندرية".
طبيبة ومحترفة رقص شرقي
تدربت سلمى (27 عاماً) بالرقص الشرقي منذ عام 2016، بالإضافة إلى رقصة الزومبي، ولكنها فضلت الشرقي الذي أفادها في دراسة الطب والتشريح وكيفية تحريك العضلات.
وتقدمت سلمى في الرقص الشرقي لدرجة أنها بدأت تقيم ورشاً خاصة.
توضح سلمى: "في البداية، تلقيت رفضاً شديداً بمجرد طرح الفكرة على المقربين، كوني طبيبة ومدربة رقص شرقي، لكن مع الوقت اعتادوا الأمر، وأصبح طبيعياً كما يحدث في كل الأمور تقريباً في حياتنا كفتيات، لكني لا أخفي أبداً كوني طبيبة ومدربة رقص شرقي، وأعرّف نفسي في بداية الورش دائماً كطبيبة".
وتستدرك سلمى: "لكني أملك سيرتين ذاتيتين، فلا أكتب أني مدربة رقص في أي تقديم لوظيفة لها علاقة بالطب، والعكس فيما يخص تدريب الرقص الشرقي".
تستكمل سلمى حديثها لرصيف22: "لن أتوقَّف عن تدريب الرقص أو العمل كطبيبة، مهما كانت نظرة المجتمع لي، وأستغرب ردود فعل الناس، لكني لا أعطي اهتماماً للأمر، فمن يرغب في عمل كهذا عليه ألَّا يبالي بكلام الناس".
مدلكة: "المجتمع يراني منحلة"
بعض الوظائف يرفضها المجتمع بالفعل، لكن هناك وظائف اعتبرها كثير من الناس منافية للآداب العامة، خاصة لو كانت العاملة امرأة، حتى وإن كانت لا تشمل فعلاً منافياً بحد ذاتها مثل مهنة التدليك.
تقول المدلكة مي اسم مستعار (29 عاماً): "رغم أنَّ القانون أقرّ مهنة المُدلِّك مع وضع بعض الشروط والضوابط فيما يتعلق بالعميل وأخصائي المساج معاً، والمكان المُخصَّص للجلسات، إلَّا أنَّ المجتمع لا يزال يراني فتاة مُنحلَّة اختارت مهنة تمكّنها من رؤية أجساد البشر والتلاعب بها".
"المجتمع لا يزال يراني فتاة مُنحلَّة، اختارت مهنة تمكّنها من رؤية أجساد البشر والتلاعب بها".
"أعاني دائماً من نظرة المجتمع السلبية، وبالتالي في أغلب الأوقات لا أذكر مهنتي من الأساس، وأكتفي بمدربة "فتنس"، رغم أن المركز الذي أعمل به هو مركز معروف وحاصل على كل معايير الجودة وشروط القبول، لكن المجتمع لا يعي ذلك جيداً، كل ما يتعلق في ذهنه هو الصورة النمطية للمدلكة في الأفلام الإباحية".
وترى مي أيضاً أن للسوشيال ميديا دوراً كبيراً في تشويه سمعة "المدلكة"، تقول لرصيف22: "حتى أنه بين الحين والآخر تظهر المقاطع الصوتية المسربة على منصات السوشيال ميديا، لفتيات يقدمن عروضاً جنسية للعملاء من خلال جلسات التدليك، وهو أمر يحزنني كثيراً، أن تكون هذه هي النظرة لمهنة أعمل بها منذ سبع سنوات بعد تدريب على يد أمهر المشرفين".
موديل: "أبيع مهاراتي وليس جسدي"
يمنى (26 عاماً) تعمل في إحدى الشركات الدعاية كموديل إعلانات، تقول لرصيف22: "يتم التعامل مع الموديلز كأنهن عبيد، يأمرون ونحن نطيع الأوامر، مع الوقت وضعت شروطي فيما يخص الملبس والمقابل المادي، لأن المخرجين أو العاملين داخل المجال يتعاملون مع الموديل معاملة سيئة للغاية، فضلاً عن الفكرة النمطية لدى الرجال بأن الموديل سهلة ومتاحة، وأسلوب التعامل دائماً ما يكون كذلك".
وتشدد يمنى على أن مهنة عارضة الأزياء تحتاج إلى مهارات عمل عديدة، تقول: "من أهم الشروط التي يجب توافرها في الموديل، أن تكون جميلة وبجسد متناسق بمعايير الاختيار الخاصة بالمخرجين، وجيدة في أخذ أوضاع التصوير، ولابد أن يكون بها ما يميزها، وما كان يميزني بعد توافر المعايير هو شعري كيرلي، فهو مميز ويحتاجونه كثيراً، كما أني حصلت على ورش تمثيل فكنت قادرة على أخذ ريآكشن".
"لن أتوقف عن تدريب الرقص الشرقي أو عن العمل كطبيبة، مهما كانت نظرة المجتمع لي، وأستغرب ردود فعل الناس، لكني لا أعطي اهتماماً للأمر، فمن يرغب في عمل كهذا عليه ألا يبالي بكلام الناس"
وتشير يمنى إلى أنها تعرضت لبعض المضايقات والتلميحات الجنسية، من بعض الأشخاص الحاصلين على رقم تلفونها من قبل إحدى الشركات التي عملت بها، ومرة أخرى تعرضت لتحرش بتلميح جنسي داخل موقع التصوير، واعترضت على ذلك وأبلغت المخرج، وبالفعل أخذ إجراء ضده بنفس الوقت.
ويرى المجتمع عارضات الأزياء، بحسب يمنى، بأنهن يبعن أجسادهن، تقول: "أنا أبيع مهارة تمثيلية لشخص قادر على التعامل مع الكاميرا، لكن هناك بعض الفتيات اللواتي يتعاملن مع المخرجين بشكل مبتذل، ويحصلن على الدور في الإعلان مقابل بعض التنازلات، ما يضر بباقي الفتيات".
رفض مجتمعي مؤقَّت
تعلق الدكتورة شيماء طايل سلامة، مدربة تعديل سلوك، على رفض المجتمع لأداء النساء لبعض المهن قائلة: "إن ثقافة المجتمع والتقاليد تلعبان الدور الرئيسي في النظرة المكونة تجاه هذه المهن وما يشبهها، حيث تركت مفهوماً خاطئاً، تربت عليه أجيال وحملت نفس العادات، فنجدهم ينظرون للممرضة على سبيل المثال أنها أقرب للانحراف لما لديها من فرصة في التأخير ليلاً، والنوم خارج المنزل وبالتالي سهولة انحرافها، وكذلك الأمر على المهن الأخرى".
وعن تأثير هذه المهن على الحالة الاجتماعية للفتيات العاملات بها، أكدت أنها قد تؤثر على حالتهن الاجتماعية، سواء كنّ متزوجات أم لا، لأن النظرة لهن تعتمد بالأساس على أنهن قابلات للانحراف، وسهل جداً قبولهن العروض الجنسية التي تقدم لهن مقابل المال، كما أنه يتم التحرش بهن، بحسب اعتقاد المجتمع، وهن أحياناً يضطررن إلى السكوت، حتى لا يحرمن من عملهنّ، وبالتالي يجعل فرصهنّ في الزواج ضعيفة، خاصة من الرجل الشرقي الرافض لعمل المرأة بالأساس.
وتشير طايل سلامة إلى أنه برغم من كل العقبات التي تواجه هذه المهن إلا أن اختفاءها صعب، وتنهي حديثها لرصيف22، قائلة: "هناك مشروعات كبيرة ويعمل بها قطاع عريض أيضاً، لكن يمكن القول إنه مع تطور الحضارة والثقافة ربما يكون هناك تقبل للمهن كما حدث مع مهنة المضيفة، ولكن ليس الآن".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.