شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
مجازر مرورية تخطف أرواح الجزائريين يومياً... من المسؤول؟

مجازر مرورية تخطف أرواح الجزائريين يومياً... من المسؤول؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والحقوق الأساسية

الثلاثاء 6 سبتمبر 202202:31 م

لم يكن رمزي (13 عاماً)، يعلمُ أن حادث مرور وقع لعائلته قبل 7 سنوات، سيغير حياته فجأةً ومن دون سابق إنذار، بعد أن انتهت الحياة بوالديه وشقيقه الصغير نائمين على الرصيف نومتهم الأخيرة، ويسبحون في بحر من الدم.

يروي الطفل رمزي، المقيم حالياً عند خالته في بولوغين (بلدة صغيرة تقع في أعالي العاصمة الجزائرية)، لرصيف22، تفاصيل الحادث الأليم الذي قلب حياته رأساً على عقب، وجعله يعيش في اضطراب مستمر وغمّ وهمّ، لكونه وحيداً، ويقول: "وقع الحادث المرير قبل سبع سنوات تقريباً، عند مدخل محافظة البويرة (شرق العاصمة الجزائرية)، عندما اصطدمت سيارتنا التي كانت تقلّنا أنا ووالديَّ وشقيقي الصغير".

"تحطمت السيارة تماماً، وحينما استفقت من الجروح التي أصبت بها، وجدت نفسي وحيداً بعدما غادرت عائلتي الصغيرة الحياة، وتركتني للحياة الخالية منها، أتصارع مع الذكريات الأليمة التي ما زالت معلّقةً في خيالي، وتأبى مفارقتي إلى درجة أنني لم أعد قادراً على التخلص من التبول اللا إرادي بالرغم من بلوغي 13 عاماً".

يعيش الطفل رمزي أصعب فترة حالياً، تطغى عليها مشاعر اليأس والإحباط بسبب عجز خالته عن تأمين مستلزمات الدراسة بعد توقفها عن العمل، ويقول: "أشعر بالخوف كلما فكرت في المستقبل، وأفكر في أن أتوقف عن متابعة دراستي المدرسية بسبب أوضاعي المادية والنفسية".

حالة رمزي ليست الأولى من نوعها، ولن تكون الأخيرة طبعاً، في الجزائر الذي كثرت فيه حوادث السير ووصلت إلى درجة أننا كل ساعتين من اليوم تصلنا نحن الصحافيين معلومات عن مجازر مرورية تزهق أرواحاً وتسرق أعماراً ما زالت في مقتبل العمر وريعان الشباب.

في بداية أيلول/ سبتمبر الجاري، لقي 10 أشخاص حتفهم وأصيب 42 آخرون، بجروح متفاوتة الخطورة في حادث مروري مروع جنوب غرب العاصمة الجزائرية.

وحسب التفاصيل التي قدّمتها مصالح الدرك الوطني (قوة عمومية ذات طابع عسكري)، فإن الحادث نجم عن انحراف تبعه انقلاب حافلة لنقل المسافرين جنوب ولاية النعامة.

الإحصائيات الرسمية التي نشرتها "المندوبية الجزائرية للأمن في الطرقات"، تشير إلى تزايد مضطرد في أعداد ضحايا الحوادث المرورية، إذ بلغت 3،061 قتيلاً و30 ألف مصاب تقريباً، في 22 ألف حادث سير في مختلف مدن البلاد فقط في العام المنصرم 2021.

وقدّمت "المندوبية الجزائرية للأمن في الطرقات"، تفاصيل إضافيةً عن الطبيعة العمرية لضحايا حوادث المرور والمتسببين فيها، وثبت أن فئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم من 18 إلى 29 عاماً، هي "الأكثر تورطاً في حوادث المرور بنسبة تقترب من 35% من إجمالي حوادث السير المسجلة خلال الأشهر الـ7 الأخيرة من 2021.

"تحطمت السيارة تماماً، وحينما استفقت من الجروح التي أصبت بها، وجدت نفسي وحيداً بعدما غادرت عائلتي الصغيرة الحياة، وتركتني للحياة الخالية منها، أتصارع مع الذكريات الأليمة التي ما زالت معلّقةً في خيالي، وتأبى مفارقتي إلى درجة أنني لم أعد قادراً على التخلص من التبول اللا إرادي بالرغم من بلوغي 13 عاماً"

وتصدّر الأطفال والشباب الذين أعمارهم أقل من 29 عاماً، "ضحايا حوادث الطرقات"، بنحو 914 شاباً، أي ما يعادل 46.30% من الإجمالي العام للضحايا و11 ألفاً و386 جريحاً، أي ما يعادل 58.16% من المجموع الكلي للجرحى.

من المسؤول؟

ومن أكثر الأسئلة الشائعة التي تطرحها هذه الكوارث المهولة التي أصبحت لا تفارق ساعاتنا: من المسؤول عنها؟ وهل هي نتيجة ضعف الوعي أو ربما انعدامه وغياب الثقافة المرورية لدى الكثير من سائقي المركبات؟ أم أن الأمر يتجاوز التهور والعامل البشري؟ 

"الوضع الحالي يحتاج إلى دراسات وتحقيقات أكاديمية معمّقة تدقّق بشكل مفصل ومعمّق في هذه الظاهرة الخطيرة التي إن لم نسلّط عليها الضوء، فسنظلّ يومياً، إن لم أقل كل ساعة، نسمع عن خسائر إرهاب الطرقات"؛ هكذا يستهلُّ الدكتور امحمد كواش، خبير وباحث دولي في مجال السلامة المرورية، حديثه إلى رصيف22، ويقول: "هناك أربعة عوامل رئيسية تقف وراء الحوادث المميتة، وهي العامل البشري وعامل المركبة والطريق وعامل الظروف المناخية".

وبحسب الدكتور أمحمد كواش، فإن "العامل البشري هو السبب الرئيسي وراء الحوادث المميتة، فالسائق هو الذي يقدّر السرعة والظروف المناخية والتقلبات الجوية وهو الذي يقدّر نوعية الطريق التي سيستعملها".

وفي سياق حديثه عن العامل البشري، أثار الباحث الدولي في مجال السلامة المرورية، مسألة تكوين سائقين محترفين لقيادة مختلف المركبات والفحص الطبي والنفسي، متسائلاً: "هل الفحص الطبي في الجزائر كافٍ لتسليم رخص القيادة؟ بالأخص أن هذا الفحص مهم جداً بالنسبة إلى الأشخاص المصابين بالأمراض المزمنة، وسائقي الحافلات والشاحنات ذات الوزن الثقيل الذين يجب أن يخضعوا للفحص النفسي والدماغي".

ويدقق محدثنا أكثر في هذه النقطة بالقول: "بعض السائقين ينقلون مشكلاتهم النفسية والاجتماعية إلى الطرقات، فهناك أنواع من السائقين الذين نصادفهم يومياً، أبرزهم المتهورون الذين لا يتّبعون قانون المرور والسائقون العنيفون الذين يدخلون في شجارات يومية، وهناك المراهقون وكبار السن المصابون بأمراض مزمنة".

"هل الفحص الطبي في الجزائر كافٍ لتسليم رخص القيادة؟ بالأخص أن هذا الفحص مهم جداً بالنسبة إلى الأشخاص المصابين بالأمراض المزمنة، وسائقي الحافلات والشاحنات ذات الوزن الثقيل الذين يجب أن يخضعوا للفحص النفسي والدماغي"

حافلات مهترئة عمرها 25 سنةً

الشاحنات ذات الوزن الثقيل والحافلات لا تخضع للصيانة الدورية للأسف، وهو ما يؤثر على أدائها ويجعلها تتسبب في حوادث مأساوية".

أيضاً يشير الباحث الدولي في مجال السلامة المرورية، إلى حالة الطرقات التي تشهد تدهوراً ملحوظاً في المنعرجات والمرتفعات والمنحدرات، مثلما هو الحال في منحدر الجباحية في محافظة البويرة، ومنحدر "الأربعطاش" في محافظة بومرداس، ومنحدر "خميس مليانة" في محافظة عين الدفلى التي تُصنَّف في خانة النقاط السوداء.

وبسؤاله عن الحلول المطروحة لهذه المجازر المرورية اليومية، يقول أمحمد كواش، إنها "تشمل حلولاً استعجاليةً بسيطةً جداً، تتمثل في القضاء على الازدحام المروري، بالإضافة إلى تطبيق القوانين بصرامة لأنها هي من فرض النظام في الطرقات، فضلاً عن تعجيل العمل في رخصة القيادة بالتنقيط".

وسبق للباحث الدولي في مجال السلامة المرورية أن رفع للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، دراسةً علميةً مرفقةً بصور وفيديوهات وشروحات على شكل محاضرة علمية، تتضمن الحلول العاجلة لمواجهة ظاهرة إرهاب الطرقات في الجزائر.

وتهدف هذه الدراسة إلى إعادة الصورة الصحيحة للمجتمع الجزائري من خلال زرع الحس المدني والقومي والنضج الفكري المبني على روح المسؤولية وثقافة الوقاية وتجنب الأخطار تجسيداً لفكرة "احترام قانون المرور مقياس لتحضّر الشعوب". 

في لقاء ثانٍ مع رصيف22، قدّم رئيس الجمعية الجزائرية للسلامة المرورية علي شقيان، أسباباً أخرى تقف وراء هذه الكوارث المهولة، ويشير إلى "عدم تجديد حظيرة الحافلات، فهناك 2،000 حافلة على المستوى الوطني يتراوح عمرها بين 20 و25 سنةً، وتحوز أيضاً على محاضر سير سليمة بالرغم من أن معظمها مهترئ، والمطلوب اليوم تجديد الحظيرة بحافلات وطنية ذات جودة، والاستغناء عن الحافلات الأجنبية غير المطابقة لمعايير السلامة المرورية".

ثاني الأسباب التي تقف وراء هذه الكوارث الطرقية، كما يذكر علي شقيان: "استخدام قطع غيار السيارات غير الأصلية المقلّدة، والتي تنتج عنها مخاطر كثيرة تؤدي إلى الموت أحياناً وتكبّد الدولة خسائر ماليةً باهضةً".

وهُنا أشار رئيس الجمعية الجزائرية للسلامة المرورية، إلى قيمة هذه الخسائر، ويقول إنها "تقدَّر بنحو مليار دولار سنوياً، تذهب كلها للتكفل بالمصابين والتعويض عليهم".

نظام التنقيط هو الحل الأنسب

ويقترح علي شقيان: "تسريع اعتماد نظام القيادة بالتنقيط الوارد في القانون 17/ 05 المؤرخ في 22 شباط/ فبراير 2017، والمتعلق بحركة المرور عبر الطرق وسلامتها".

ووضع المشرّع الجزائري آليات عدة، من بينها الغرامة الجزافية ونظام الرخصة بالنقاط، بالإضافة إلى إعادة تكوين السائقين، إذ تم إنشاء بطاقة وطنية لرخصة القيادة بالنقاط توضع تحت تصرف وزارة الداخلية، وتُكلَّف هيئة مختصة بتسيير هذه البطاقة، وتُصنّف المخالفات حسب القواعد الخاصة بحركة المرور، ويتم سحب نقطة أو أكثر من رصيد السائق كلما خرق قانون المرور، ويتم استرجاع النقاط ضمن شروط وحالات حددها القانون سالف الذكر، وعند سحب كل النقاط تُسحب الرخصة منه ويحال السائق على التكوين من جديد، وعلى حسابه الخاص.

بالإضافة إلى هذا، يشدد علي شقيان، على ضرورة تزويد كل وسائل النقل الجماعي والشاحنات ذات الوزن الثقيل بجهاز مراقب للسرعة، وهذا ما يجعل السائقين دائماً تحت المراقبة لتفادي التهور في السرعة والتجاوزات الخطيرة والمناورات، بالأخص في المسافات الطويلة.

"كذلك يجب أن يستدعي الوضع الحالي إعادة النظر في منظومة التكوين، كما لا ينبغي أن نغفل عن ضرورة تواجد الأطباء العامين والأخصائيين النفسانيين يوم الامتحان".

ويختتم رئيس الجمعية الجزائرية للسلامة المرورية، حديثه بالقول: "لن تكلَّل الجهود بالنجاح إلا إذا تحلينا جميعاً بالوعي والصرامة والمسؤولية من أجل تجاوز هذه المجازر التي أصبحت تهدد استقرار المجتمع بأسره".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image