سطح القمر مساحة لاستعراض سياسات الهويّة
شهد هذا الأسبوع خبرين مثيرين للجدل. بصورة أدق، هما خبران يدفعاننا للتفكير حين تأملّهما؛ الأول عن إعلان ناسا تكليفها الفلسطينية نجود الفاهوم، بإدارة مشروع "أرتيموس 1"، الذي يهدف إلى هبوط أول "امرأة" "ملونة " على سطح القمر.
والخبر الثاني عن استقالة أرييل كورين من غوغل بسبب مشروع نيبموس الذي يسهل مراقبة الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، ويساعد في زيادة انتشار المستوطنات. ويجدر بالذكر أن كورين نفسها رفضت توقيع غوغل لعقد مع وزارة الدفاع الإسرائيلية.
ما يمكن فهمه إذاً هو التالي: يمكن تهديد حياة الفلسطينيين، والتضييق عليهم، وتسخير التكنولوجيا لقمعهم، لكن في ذات الوقت، ولتبييض الوجه، يتمّ التخطيط لإرسال امرأة فلسطينية-أمريكية إلى سطح القمر، من أجل الانتصار للتعددية وتطبيق سياسات التمثيل. أي يمكن قمع فئة من جهة، ثم التغني بحرية التمثيل عبر تقديم أفراد للواجهة، بل إرسالهم لسطح القمر، من جهة أخرى، كدلالة على التسامح. وكأن الأفراد ليسوا إلا فئات، يتم التلاعب بهم وترقيتهم حسب الشروط التمثيلية.
هذه السياسة الهوياتيّة تحولت إلى تقنية سياسية وأسلوب للردّ على الاتهامات التي يمكن توجيهها للسلطات في الولايات المتحدة، ويمكن اختزالها بالتالي.
لا مشكلة في أن تتسبب الولايات المتحدة بخراب بلد ما، لكن ولإرضاء "الجمهور" تحول سطح القمر والجهود العلميّة إلى مساحة لاستعراض الهويات للتأكيد على سياسات التمثيل والاحتواء والتركيز على "امرأة" و"ملونة"، عوضاً عن كفاءتها العلمية واستحقاقها لهذا المنصب.
ننتظر حالياً أول امرأة أفغانستانيةّ كوزيرة للتعليم، وأول رجل عراقي مستشار لشؤون الدفاع، ذلك كي تكتمل التشكيلة، ويصبح بإمكاننا القول إن كل أقلية أو بلد ساهمت الولايات المتحدة بتهديد حياته له/ا مُمثل في الفضاء العام.
نرجو من المخابرات المصرية أن تتحول إلى شركات تجارية بشكل كامل، والتخلي عن اختصاصها بحفظ الأمن وقمع الأجساد وحرية التعبير، كونها أعمالاً ذات ربح ضئيل، وترك الأمر لجهات أكثر اختصاصاً ورحمة، وأكثر قدرة على مراعاة حاجات المواطنين... المقتطف الجديد
الحياة السريّة لإيمانويل ماكرون
لطالما لاحقت الإشاعاتُ والانتقاداتُ المشينة الحياةَ الشخصية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، سواءً عبر التهكم من فارق العمر بينه وبين زوجته، أو تلك التي تنسب له المثلية الجنسية، وتقول إن زواجه ليس إلا محاولة للـ"تستر" على مثليته السريّة.
لكن الشأن بلغ مستوى جديداً، إذ يبدو أن تنبؤاتنا عن محتويات الملفت السرية التي يمتلكها ترامب كانت خاطئة، إذ كُشف مؤخراً أن من بين التقارير التي وجدتها الـFBI في منزل ترامب، وثائق تحمل عنوان " معلومات: رئيس فرنسا".
الملفت أن محتوى الوثائق ما زال مجهولاً، أما المزاعم على أنها عن حياة ماكرون الجنسية، فليست حقيقة، بل تعليقات ضمن مقال الرولينج ستونس من مقربين من ترامب، نقلوا عن لسانه تباهيه بمعرفة "تفاصيل" عن حياة الرئيس الفرنسي الماجنة، دون أي مصدر سوى كلام هذه المصادر.
ما نعرفه إذاً، أن هناك ملفات سرية عن ماكرون، وثرثرة على لسان ترامب عن حياة جنسية حافلة. و هنا المفارقة في الموضوع؛ ترامب ماكينة تضخ الذكورية، أينما توجهت تثرثر وتوزع الاتهامات وتنشر الإشاعات، ولا نحاول هنا الدفاع عن ماكرون، لكن هذا النوع من الأخبار يثير الغضب، كونه لا يحمل أي قيمة سوى الفضائحيّة، والتذكير بحقيقة مهمة، فكل الصوابية السياسية و حركة "أنا أيضاً"، وكل تغيرات العصر، لم تغير من أسلوب العمل السياسي، فما زال التهديد بالفضيحة الجنسية سلاحاً، حتى إن كان الأمر بأكمله مجرد ثرثرة.
سيناريوهات لتغريدات معدلة
يطلق تويتر قريباً ميزة تعديل التغريدات لمن اشتركوا بـميزة Twitter Blue، أي يمكن للمغرّدين أن يعدلوا كلماتهم بعد نشرها؛ الشأن الذي أثار موجةً من الجدل، مع العلم أن فترة السماح بالتعديل لا تتجاوز الـ30 دقيقة، مع ذلك، ستتسبب إمكانية التعديل بالكثير من المناوشات، خصوصاً مع تحول التغريدات إلى أداة للخطاب السياسية، ووثائق تنبش من الماضي لتهديد المستقبل.
ما يثير الجدل في حكاية ميليسا التي تتنافس على لقب ملكة جمال بريطانيا: هل تريد الفوز بالمسابقة عبر مغامرة تسويقية (أي عدم ارتداء المكياج)؟ أم تريد الانتصار للنساء والنسوية ضمن مسابقة مشبعة بالذكورية؟... عصارة الأسبوع في المقتطف الجديد
والأهم، تحول التغريدات إلى أداة قانونية، أي تُعتبر التغريدة ذات قيمة تشابه الكلام، وتعديلها يعني إمكانية إعادة النظر في آثارها وتوجيهها بالشكل الأنسب، لتتحول الدقائق الثلاثين قبل ثبات التغريدة إلى ما يشبه المعركة مع الرأي العام، يتم تعديل التغريدة خلالها حسب تفاعل الجمهور، و هنا مثال على هذه المقاربة، التي يغرّد فيها أحدهم التالي:
" لن أسمح لابني بدخول مدرسة تكون الآنسة فيها غير محجبة".
- موجة تعليقات غاضبة، مع دعم كبير من المتشددين.
التعديل الأول بعد 10 دقائق:
"لن اسمح لابني بدخول مدرسة تكون الآنسة غير محجبة... هههههه".
- موجة تعليقات ضاحكة، مع غضب مضاعف من المعلِّقين.
التعديل الثاني بعد 17 دقيقة:
"لن اسمح لأطفالي دخول مدرسة لا تحترم معتقدات أسرتهم!".
- لا تفاعل مع التغريدة، وسكرين شوتس للتعديلات عليها.
التعديل الثالث بعد 25 دقيقة:
"أفضل أن يدرس أطفالي في المنزل على دخول مدرسة تفرض عليهم نظرية التطور".
- موجة من النقاشات حول حقيقة وجود الله، ودور المدرَسة بترسيخ العلم أو الدين.
التعديل الرابع بعد الدقيقة 29 :
"التعليم من المنزل أشدّ فائدة للأطفال كونه يسهل انتقال المعلومات والقيم والأخلاق الحميدة".
- موجة من تعليقات المهللين ومنتقدي المؤسسة التعليمية بوصفها مكلفةً، وتغسل العقول.
المخابرات المصريّة: درس في الاستثمار لا بدّ من الاستفادة منه
تعتمد، عادةً، المؤسسات الاستخباراتية في اقتصادها الخفي على قدرتها بالتحكم بأجهزة الدولة وسياساتها من أجل مراكمة الثروة، فضلاً عن الأعمال الجانبية كالابتزاز، والخطف، ولإخفاء، وتسهيل عمليات التهريب، وغيرها من الشؤون التي ترفد خزينتها المتواضعة. لكن الواضح أن المخابرات في مصر تمتلك أحلاماً أوسع، تتجاوز توظيف مهاراتها في السيطرة على أجساد المواطنين.
يمكن القول إن استثمارات جهاز المخابرات المصريّة شهدت توسعاً منذ فترة، فبعد دخول المخابرات في قطاع الإنتاج التلفزيوني، والتعهدات والبناء، قامت بالاستيلاء على صناعة التبغ في البلاد، واحتكار رخص تصنيع السجائر التقليدية والعادية.
لا نعلم كيف ستتحكم أو تدير المخابرات السوق، لكن نشجع هذه الخطوة، بل ونطلب من المخابرات المصرية التخلي عن أعمالها القديمة، وخصخصتها عبر مناقصات تطرح للشركات الخاصة، ما يخفف عنها أعباء إدارة المعتقلين والتنصت وتلفيق الأشرطة الجنسية، وترك الشأن لمنظمات المجتمع المدني، في خطوة سابقة من نوعها في العالم، والتي يمكن أن تغير أسلوب عمل المخابرات بشكل كامل. فعوضاً عن القمع، ليدخلوا المنافسة في السوق، وليتركوا أمن الدولة لمن هم أكثر قدرة على الحفاظ على حياة الأفراد.
في قضية مسلسل "مو" وأزمة "الطعام"
تستهدف السعوديّة منصات البث الرقمية كلما شعرت بأن هناك تهديداً لأخلاق المجتمع السعودي، ولا يمكن إنكار سطوتها على هذه المنصات، كما حصل حين دفعت شبكة ديزني + لإزالة فيلم "Buzz light year" من قائمة المشتركين في السعودية، لكن السؤال: ما هو المحتوى المثالي الذي ترغب به المملكة؟
نطرح التساؤل السابق بسبب التقرير التلفزيوني السعودي الذي ينتقد بشدة مسلسل "مو" الذي أثار ضجة مؤخراً، كونه يتناول حكاية لاجئ فلسطيني في الولايات المتحدة، و لكن سبب استياء المملكة هو أن ممثلاً سعودياً يظهر في أحد المشاهد وهو يقبل عروسته.
تتجاهل المملكة "كلّ" ما هو على نيتفليكس، وتستهدف "مو" دون أي منطق، سوى الخوف على أخلاق المواطنين، ومؤيد النفيعي فقط هو من تجرأ وقبّل سيدةً ضمن دور متخيل، وبسبب هذه القبلة ستتلاشى أخلاق المملكة.
يقع مسلسل "مو" الذي بثته نيتفليكس ضحية للصورة النمطية، التي مفادها أن المهاجرين ممن صارعوا وقاتلوا في سبيل وجودهم، لابد لهم من العودة إلى "الطعام"، والبحث عن المذاق المفقود في بلدان الاغتراب... عصارة الأسبوع في المقتطف الجديد
نستفيد من هذا الخبر لنوجه انقاداً إلى مسلسل "مو" الذي نال احتفاءً لا يصدق في وسائل الإعلام العربية، دون الإشارة إلى أنه للجمهور الأمريكي، ويتبع سياسات التمثيل هناك، ولا نقول إنه مسلسل رديء أو أساء تمثيل الفلسطينيين، لكنه ببساطة، وربما دون قصد، جعل مصير المهاجرين يرتبط بصناعة "الطعام".
لا يمكن تجاهل دلالات الزيت والزيتون في العلاقة مع القضية الفلسطينية، ولكن ليست أي شجرة زيتون في العالم هي محطّ "نضال" الفلسطيني. كذلك يا "مو"، الطريق الوحيد أمام اللاجئين ليس التحول إلى طهاة وصناع متبل ومسبحة، وسندويش حلال وزيت بلدي. هذا في حد ذاته ترسيخ للصورة النمطية، التي مفادها أن المهاجرين ممن صارعوا وقاتلوا في سبيل وجودهم وحقوقهم، لابد لهم من العودة إلى "الطعام"، والبحث عن المذاق المفقود في بلدان الاغتراب.
مع أو بدون "مكياج": إشكالية ملكة الجمال
أعلنت البريطانية ميلسيا رؤوف التي تنافس على لقب ملكة جمال إنكلترا هذا العام، أنها ستخوض المسابقة دون استخدام أي مساحيق تجميل، في رسالة مفادها أن مساحيق التجميل ليست إلا نتاج الضغط الاجتماعي والتحديقة الذكورية.
لا ننفي أبداً ما تقوله ميلسيا، ولكن على الطرف المقابل، تقع حريةُ المرأة التي قاتلت في سبيلها النساء، قائمةً على أساس أن تكون المرأة قادرة على التصرف بجسدها كما تريد. وهذا ما حرك الانتقادات الموجهة لرؤوف، بوصفها تدين النساء اللاتي يضعن المكياج، وتحكم عليهن دون احترام حريتهن بأن يفعلن ما يردن بأجسادهم كي يظهرن بشكل أجمل من وجهة نظرهن.
كلا الرأيين إشكاليان، بل وجزء من النقاش النسويّ، لكن الملفت أن المشكلة الرئيسية في كل هذا الموضوع بقيت غائبة، مع مكياج أو بدون مكياج. فمسابقات ملكات الجمال، مهما حاولت تعديل صيغتها ما زالت قائمة على مفهوم "الأجمل"، لا الأشد كفاءة، وتحويل الجمال، طبيعياً كان أم اصطناعياً، إلى مساحة للمنافسة لنيل لقب "الأجمل" بأعين لجنة التحكيم، وبصورة أخرى، أعين الرجال. وهذا بالضبط ما يثير الجدل في حكاية ميليسا، هي تريد الفوز بالمسابقة عبر مغامرة تسويقية (أي عدم ارتداء المكياج)، أم أنها تريد الانتصار للنساء والنسوية ضمن مسابقة مشبعة بالذكورية؟
جسد اللاجئ المُعذب: علامة على فساد العالم
هناك إصرار لدى الدول التي تستقبل اللاجئين وتدعي أن لديها مشاكل في الهجرة على التكشير عن أنيباها بوجه أجساد اللاجئين العزل، أولئك الذين لا يمتلكون حقوقاً، المنفيون من بلدانهم، والمعلّقون بانتظار ورقة ما أو خلاص ما. إذ لا تكفي سياسات العزل والمماطلة بالحصول على الأوراق، بل أيضاً هناك التعذيب في السجون والمخيمات، ولا نتحدث فقط عن اللاجئين السوريين الذين قُتلوا تحت التعذيب في سجن رومية في مزرعة لبنان، بل نشير أيضاً إلى طالبي اللجوء في بريطانيا الذين سيتم ترحيلهم إلى راوندا، إذ كشفت تقارير عن تعرضهم أيضاً للتعذيب.
تعنيف أجساد اللاجئين الهاربين من العنف المطبق على أجسادهم أيضاً، ليس إلا علامة على العطب الشديد في عالمنا، حيث لا مساحة للاستقرار والأمان. بصورة أدق، كل الأرض أمام اللاجئين خطرةٌ، وكأن رحيلهم من العنف في بلادهم، ليس إلا فاتحة إلى ميتات متعددة. لا يوجد ما يمكن قوله تجاه سياسات من هذا النوع، لكن تهديد حق النجاة بالحياة والدفاع عن نفس، يعني أن العالم كله فخّ وقعنا به.
يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...