شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
بين التانغو والبريك دانس والرقص الحرّ...

بين التانغو والبريك دانس والرقص الحرّ... "شفاه" يزن الهجري

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الخميس 15 سبتمبر 202212:36 م

هل وصلت الأغنية العربية، إلى حائط مسدود، بعدما تشابهت الكثير من الأغنيات، سواء من حيث اللحن أو التوزيع، أو حتى الكلمات التي أصبحت أمراً ثانوياً في مارثون الأغنية السريعة؟ هل انتهت الأغنية العربية بعدما اجترت نفسها لسنوات طوال، ودارت كثيراً حول نفسها، لا سيما في الثلاثين سنة الأخيرة، وخاصة بعد أن دخلنا في زمن الاستنساخ الثقافي ليس على صعيد الأغنية فحسب، بل على أصعدة كثيرة أخرى؟

الأمر الذي يذكرنا بتشابه الكثير من اللوحات العالمية، التي تم استنساخها، وربما يتمّ حتى الآن، بهدف بيعها بمبالغ طائلة، حيث جرى في السنوات الأخيرة استنساخ كثير من الأغنيات العربية عن أغنيات عالمية، بمجرد تعريبها وتبديل كلماتها، أو تقليد بعض الأغنيات الناجحة، عدما يتمّ قصد نفس الملحن أو الموزع، أو الشاعر و إن بنسبة أقل، لصناعة أغنية مشابهة لتلك الأغنية التي نالت حظها من الشهرة و الانتشار، و في ذلك ما ينافي الخلق والإبداع. نعود و نسأل نفس السؤال: هل وصلت الأغنيةُ العربية لحائطٍ مسدود؟ 

عصر الاستهلاك

 انتهى ما سمي بالزمن الجميل منذ سنوات بعيدة، فالأغنية التي كانت تأخذ شهوراً وربما سنوات، صارت تُنجز خلال أيام قليلة وأحياناً في ساعات محدودة، مع أن حدث وأن صُنعت أغانٍ قليلة، بدت وكأنها هاربة من زمنها.

إلا أننا وفي السنوات الأخيرة، دخلنا في زمن الأغنية التي إن حدث، وحققت نجاحاً ما، فسرعان ما تنطفئ وتبهت وتتلاشى في زحمة الحياة المعاصرة، ناهيك عن الكثير من الأغاني، التي مرت دون أثر. كثير من المسؤولية يتحملها صانعو الأغنيات، الذين استسلموا لعصر الاستهلاك وقيمه ومتغيراته السريعة، إلا قلة قليلة منهم من بقي، يبكي على زمنٍ ذهب وما من أملٍ بعودته، أو من مات وفي قلبه حسرة. من جهةٍ أخرى يحتاج الدارسون لحال الأغنية العربية، إلى دراسة سيكولوجية وثقافية للجمهور الذي تغير بدوره وتغيرت ذائقته، وذلك لأسباب كثيرة لسنا بصدد الخوض فيها الآن.

استطاع أن يستفيد ويستثمر مزيجاً  من العناصر الإبداعية التي أسَرَت شغفه، من التأليف الموسيقي والتصوير الزيتي والفيديو آرت والكولاج والموسيقى ببعديها الشرقي والغربي، بالإضافة إلى الكتابة الشعرية الغنائية... الفنان السوري يزن الهجري

كان هناك بعضَ المحاولات الشبابية، سواءً من خلال تشكيل فرق موسيقية جوالة، وبعضهم يحاول حتى الآن، أو من خلال مشاريع فردية شخصية؛ فقد تم تقديم أغنيات جميلة في حساسيتها ومختلفة في ذائقتها، لكنها لم تستمر لتنضج وتترسخ، إنما بقيت تجاربَ عابرةً وسريعة، وبعض منها نُسيت تماماً، في خضم تشتت أعضاء الفرقة وعدم تقديم أي جديد، فمن أهم عوامل النجاح الاستمرار، لا سيما أن لدينا جمهوراً جديداً متخبطاً في عصر الاستهلاك والحداثة، وفي حروب وصراعات لا تنتهي.

كل ذلك أفضى إلى ذائقة هشة، فالأغنية العربية جزء لا يتجزأ من أزمة ثقافية وجودية سياسية، يعاني منها جمهور اليوم، لكن لكيلا يبدو المشهد قاتماً، تبقى هناك محاولات، ومواهب كثيرة لم تأخذ فرصتها، أو ما زالت تتلمس طريقها، في خضم واقع صعب، على كافة الأصعدة.

تجربة الفنان السوري يزن الهجري

ما نحن بصدده الآن هو إضاءة على تجربة الفنان السوري يزن الهجري. فالهجري يمثل شريحةً من جيل الشباب اليوم الذي يحاول أن يفعل شيئاً إزاء حالة الجمود التي أصابت الأغنية العربية، فها هو الفنان المقيم في أمريكا، الأكاديمي والدارس الجاد للموسيقى، والذي قبل ذلك بسنوات كان في بيروت وقدّم آنذاك مع فرقته "هات لنشوف" تجاربَ غنائيةً متنوعة، وممسرحة، بكثير من الأغاني التي كتبها ولحنها بنفسه.

تلك الفرقة تشتت بفعل ظروف موضوعية كثيرة. كما أنه قبل بيروت أيضاً كان في مسقط رأسه دمشق، التي قضى فيها معظم سنوات حياته، مشكلاً لشخصيته الثقافية والفنية، ومبلوراً لذاته. ولطالما كان هذا الشاب منشغلاً بالفن بكلّ اتجاهاته، حيث درس الفنون الجميلة في دمشق، متابعاً للموسيقى الغربية، وعلى الجانب الآخر أي الموسيقى الشرقية أو الفن الغنائي العربي كان هناك ما يقابل ذلك من قامات فنية كبيرة تبدأ بسيد درويش مروراً بالمدرسة المصرية واللبنانية الرحبانية وما دار في فلكها، وصولاً إلى أي تجربة فنية جديدة مغامرة ومعاصرة، في المغرب أو تونس أو أي مكان من العالم.

يمثل شريحة من جيل الشباب اليوم الذي يحاول أن يفعل شيئاً إزاء حالة الجمود التي أصابت الأغنية العربية... الفنان السوري يزن الهجري

كذلك استطاع أن يستفيد ويستثمر مزيجاً من العناصر الإبداعية التي استحوذت على اهتمامه وأسرَت شغفه، من التأليف الموسيقي والتصوير الزيتي والفيديو آرت والكولاج والموسيقى ببعديها الشرقي والغربي، بالإضافة إلى الكتابة الشعرية الغنائية. فالأغنية استحوذت على اهتمامه باكراً، وأضافة إلى كل ذلك، الرقص والتعبير من خلال الجسد، مشكلاً بذلك خلطة فنية شاملة ومتكاملة، ستكون منصة إبداعية لكثير من أعماله في ما بعد.

كما قدم يزن مجموعة من الأغاني والألحان، أو التوزيع، لفنانين نذكر منهم على سبيل المثال، هبة طوجي، سميح شقير، مكادي نحاس، بسمة جبر، وناي البرغوثي، بالإضافة إلى الكثير من الأغاني التي قدمها هو بصوته. كما عُزفت بعضٌ من مؤلفاته الموسيقية الأوركسترالية في موسكو وبودابست.

في عمله الأخير بعنوان "شفاه"، قدم الفنان يزن الهجري عملاً تضمن ثلاثةَ إلى أربعة مستويات من الفنون المختلفة، من الرقص المتنوع بين التانغو، والبريك دانس، والرقص الحر، بالإضافة إلى القصيدة العربية، ثم الموسيقى التي تبدأ تقليدية بتانغو كلاسيكي، ثم تتحول تدريجياً إلى الروك، ثم ما يعرف بالفيوجن أو الفونك، ثم يعود للتانغو، بكل رشاقة ومرونة، محاولاً دمج العناصر الثقافية، والانفعالية، المرتبطة ببعضها بعضاً، والتي تتمثل بالمكان والبيئة المحيطة بالفنان.

بالإضافة إلى كل ما ساهم بتكوين شخصيته الفنية والثقافية من شرق و غرب، فالتانغو كما هو معروف موسيقى أرجنتينية، لكن ثمة تقارب بينها وبين الموسيقى العربية، تتعلق بالمشاعر والانفعال، والقفلات الموسيقية بنفس الوقت. ثم هناك موسيقى الروك، الموسيقى الشبابية الأمريكية، أو القومية، حيث يعيش الفنان، بالإضافة إلى الموسيقى الكلاسيكية، حيث يعتبرها يزنُ الموسيقى الأقربَ إلى قلبِه وذائقته.

يقول يزن لرصيف22: "الأغنية تعبر عن حالة من التماوج الثقافي بين تيارات متعددة، وبيئة جديدة، بالإضافة إلى ذائقة الفنان الخاصة". ويضيف: "كل ذلك يخلق حالةً أو بيئة تذوب فيها كلُّ تلك التناقضات والأسئلة والأمزجة المختلفة. كل ذلك في لحظة خلق تنصهر فيها كلُّ تلك العوالم وتمتزج، حيث يتجلى الفن الخالص الهارب من كل الانتماءات".

و عن رأيه في المتلقين العرب إن كانوا غير متقبلين لدمج عناصر فنية قد تكون غريبة بعض الشيء عليهم في الذائقة أو الأذن الموسيقية أم لا، يعتبر يزن أن المتلقين خلاقون بالضرورة، ولا تكتمل عملية الخلق إلا بهم ومن خلالهم، وذلك بالتخلي عن العقلية التي قد تشكل حالة من الرفض المسبق لأي تغيير أو دمج بين القوالب والثقافات الموسيقية المختلفة، فكما يقول أينشتاين "الإبداع هو الذكاء عندما يكون مرحاً"، لا بد من المرح والمرونة والتخلي عن الآراء المسبقة، فكل جديد لا بدّ أن يحمل في طياته بعضَ الغرابة، فالموسيقى جواز سفر يحملنا إلى خارج المألوف واليومي والعادي.

"شفاه" مجموعة من الفنون 

في عمله "شفاه" مجموعة من الفنون التي تكاد تتعايش، أو تتناقض أحياناً، كل ذلك تبعاً لأثرها في المتلقين وذائقتهم، فكل تلك المفردات من الجاز والفيوجن والأزياء والشعر العربي والأوركسترا، لها جمالياتها المختلفة والمغايرة لبعضها بعضاً، فسماع الأوركسترا وبناؤها وتذوقها لا بد أن يبعث النشوة المختلفة عن أغنية البوب أو الروك مثلاً.

في عمله "شفاه" مجموعة من الفنون التي تكاد تتعايش، أو تتناقض أحياناً، كل ذلك تبعاً لأثرها في المتلقي وذائقته، فكل تلك المفردات من الجاز والفيوجن والأزياء والشعر العربي والأوركسترا، لها جمالياتها المختلفة والمغايرة لبعضها البعض

كما يقدم يزن الهجري في الفيديو المرافق للأغنية، لوحات مرئية وموسيقية مرسومة تعتمد على فن الكولاج والآرت فورم، كعناصر بصرية تعبر وتنقل الانفعالات المطلوبة، حيث تتحول الصور والأشياء إلى انفعالات بصرية. فالفيديو المقدم هنا، يختلف عن الفيديو كليب التقليدي، وهو في كل ذلك يتيح التعبير عن موضوع الأغنية، التي تتحدث عن سلطة الجمال و فلسفته. فالجمال يعادل أعلى القيم، كالذكاء والثراء. يقول الهجري: "ذلك الجمال المتأهب والمتأصل في الجينات البشرية، ذلك ما نحتاج إليه. فالجمال قد يكون أحد أسباب دمار العالم، كما قد يكون أحد أسباب سعادته. فهو أعمق مما نتخيل، وأجمل من كل تصوراتنا، وهو كذلك مرتبط بالتطور وبالذكاء وبالوجود الإنساني".

هكذا يأخذنا يزن الهجري في "شفاه"، إلى عالم كثيف بالمشاعر، والحبّ الجنوني، ويصور لنا جوانبَ مختلفة، من الحب والعلاقة بالمرأة والجمال، كما يلقي الضوء على الجانب الانفعالي في كلّ ذلك، في ذروة العشق وذروة الفتنة والجنون، بما في ذلك حديثه عن المرأة وقوتها الكبيرة، ويظهر ذلك من خلال صور نساء كان لهن الكثير من الأهمية والقوة والحضور عبر التاريخ، من خلال ما تمتعن به من ذكاء حاد وكاريزما عالية وأنوثة شفافة وطاغية.

جدير بالذكر، أن العمل نفسه تمّ تقديمه، مرفقاً بالأغنية، ضمن أحد القوالب الغربية كمتتالية موسيقية، وسيتم إطلاقه كعملٍ مستقل قريباً.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard