لسنوات طويلة، كان المسرح بالنسبة للفنان الفلسطيني كامل الباشا، وما زال، همه الأكبر. هو ممثل شديد التأمل، ومخرج ومؤلف ومترجم للعشرات من الأعمال المسرحية.
عن دوره في فيلم "حظر تجول" للمخرج المصري، أمير رمسيس، حاز مؤخراً ضمن مهرجان "جمعية الفيلم" في مصر، على جائزة "أفضل ممثل دور ثان"، هو الذي عمل في التمثيل في فلسطين منذ سنوات، إلا أن نجمه "العربي" قد سطع مؤخراً بعد مشاركته في أعمال فنية عربية ومصرية عدة.
"القدس مدينة لا تشبه المدن. هي قداسة، ورابط الأرض مع السماء، ومرتع الطفولة والصبا"
لم يلتفت صنّاع السينما العربية إليه قبل حصوله على جائزة أفضل ممثل من مهرجان فينيسيا السينمائي عام 2017، عن دوره في فيلم "قضية رقم 23"، للمخرج زياد دويري. عندها انتبهوا لهذه الموهبة التي أهّلته لأن يكون بعد هذا الفيلم حديث الوسط الفني في العالم العربي، وخاصةً في مصر، ثم كانت مشاركته المهمة في فيلم "حظر تجول" إلى جانب النجمة إلهام.
وُلد كامل الباشا عام 1962، في حي المالحة في القدس الشرقية، ودرس المسرح في بغداد، ثم عاد بعدها إلى القدس ولم يتركها. زوجته الفنانة الفلسطينية ريم تلحمي، وابنته مريم الباشا تظهر بقوة في مشاركات سينمائية عربية مؤخراً.
من خلال هذا اللقاء الخاص، تحدث كامل الباشا عن القدس، والطفولة، والسينما والأسرة والعديد من الأمور الأخرى.
قبل الإبحار في الحديث عن الحياة الفنية، تحدثنا عن ذكريات طفولته في القدس، في حيّ الثوري، ووادي الربابة تحديداً. عنها قال: "القدس مدينة لا تشبه المدن. هي قداسة، ورابط الأرض مع السماء، ومرتع الطفولة والصبا. في شهر رمضان من كل عام مثلاً، كنت أتجول في المدينة، منطلقاً من الحي الثوري المنتسب إلى المجاهد أحمد بن جمال الدين القرشي، المعروف بأبي ثور، وأحد رجالات صلاح الدين الأيوبي محرر القدس، الحي المطل من مسافة جوية لا تتجاوز كيلومتراً واحداً عن قبة الصخرة المشرفة وقبة المسجد الجنوبي للأقصى. كنت أنطلق طفلاً ثم شاباً عبر وادي الربابة المليء بأشجار التين والزيتون واللوز، ثم صعوداً إلى حيث باب النبي داوود، عليه السلام، حيث مسقط رأس جدي، ثم نزولاً إلى باب المغاربة لأدخل المسجد الأقصى وقت صلاة الظهر وحتى العصر متنقلاً بين ساحاته ما بين سجود وتلاوة، ومسامرة، ثم أغادر المسجد إلى باب الواد، لألتف منه إلى خان الزيت ممتعاً البصر برؤية خليط عجيب من البشر القادمين من كل بلاد العالم، للعبادة أو السياحة، ممتّعاً السمع بكل لغات العالم ومتمتعاً بالروائح الزكية لما تنتجه أرض فلسطين، من خيرات".
ويتابع وصفه: "أتسكع متابعاً السير بالقرب من حي النصارى، ثم باب الخليل أو يافا، وأتّخذ طريق الجنوب حتى محطة قطار خط الحجاز، ثم أعود إلى البيت... هذه كانت رحلتي اليومية وكنت أحب أن أكون وحيداً، لأن الارتباط بالآخرين كان يحرمنى من متعة التفكير والتأمل الذي لا ينغّصه سوى وجود جنود الاحتلال المدججين بالسلاح".
لسنوات طويلة، كان المسرح بالنسبة للفنان الفلسطيني كامل الباشا، وما زال، همه الأكبر. هو ممثل شديد التأمل، ومخرج ومؤلف ومترجم للعشرات من الأعمال المسرحية
الشاشة أقرب إلى الناس من المسرح
من الجولة المحكية التي أخذنا فيها كامل الباشا في مدينته القدس، انتقلنا للحديث عن الفن. أشار إلى أن دوره في فيلم "القضية 23"، غيّر كثيراً في مسيرته، حسب رأيي، وذلك بعد أن عمل لسنوات طويلة في المسرح. على هذا علّق الباشا: "حالياً، وسابقاً ومستقبلاً، ستبقى الشاشة هي وسيلة التواصل الأكثر فاعليةً بين الفنان والجمهور، لأنها تنقل فنه بسرعة إليه، سواء أكان ذلك عن طريق التلفزيون أو السينما أو المنصات الافتراضية مؤخراً، وتالياً هي تصنع ما لا يمكن أن يصنعه المسرح، ولكن لا يمكن أن تصنع فناً بنفس قدره".
ويتابع الباشا: "في المسرح تُصقل الموهبة، وتتشكل بالتدريب العملي، والتكوين النظري المرافق لها، وبنظرة إحصائية سريعة إلى أفضل ممثلي الشاشة، يمكن التأكد من ذلك، مع عدم إنكار بعض الاستثناءات النادرة".
الشهرة والجمهور العربي
ينتقل بنا الباشا ليكشف عن تنوع موهبته، فيقول: "كنت منذ نعومة أظافري متيماً بالمسرح، ولا زلت. كتبت وأنا صغير، وأخرجت، ولي تجارب كثيرة كمؤلف، ومدرس للتمثيل، والإخراج، ولولا العثرات التي اعترت المسرح لما توقفت، وسأحاول ألا أتوقف". قدّم كامل الباشا أكثر من 50 عملاً فنياً منها 23 مسرحيةً ممثلاً، ومؤلفاً ومخرجاً لثلاثة عشر مسرحيةً، ومؤلفاً ومترجماً ما يقارب خمس مسرحيات إلى العربية.
قدّم كامل الباشا أكثر من 50 عملاً فنياً منها 23 مسرحيةً ممثلاً، ومؤلفاً ومخرجاً لثلاثة عشر مسرحيةً، ومؤلفاً ومترجماً ما يقارب خمس مسرحيات إلى العربية.
ويكمل كلامه عن أعماله التي تُعد محطات مهمةً للشهرة، فيقول: "العمل الدرامي 'السهام المارقة' أسهم كثيراً في شهرتي، وقد عُرض على تليفزيونات عربية منها أبو ظبي، وعلى الرغم من أنني قدّمت قبله أعمالاً كثيرةً منها 'حالة' و'ليش صابرين'، والوثائقي 'الحلم'، إلا أن مسلسل 'السهام المارقة' الذى عُرض عام 2017، ولأهمية موضوعه، حقق لي شهرةً واسعةً، ثم جاء فيلم 'القضية 23' و'التقرير عن سارة سليم' و'الحب والسرقة وأشياء أخرى'، وهما من إخراج الفلسطيني مؤيد عليان، والفيلم المصري 'حظر تجوال' مع صديقي أمير رمسيس، لتتحقق لي من خلالها الشهرة عربياً بشكل جيد، والاقتراب من الجمهور العربي أكثر".
الأعمال الفنية والنقاشات حولها
على مدار السنوات، ومع عروض أفلام فلسطينية في مهرجان عربية عديدة، أثارت بعضها جدلاً، وُجهت إلى بعضها انتقادات بسبب المواضيع "الحساسة" التي تطرحها. عن هذا يعلّق كامل الباشا: "حسب رأيي، كل ما هو فلسطيني يثير الجدل، وهذا طبيعي بالنسبة لنا، كما أنه من الإيجابي أن يثير عمل فني نقاشاتٍ عديدةً، بالإضافة إلى اصطفافات معه أو ضده. إلا أن المشكلة تكون عندما يتحوّل النقاش من إطار موضوعي إلى تبادل الاتهامات، وتُستخدم لغة التهديد والترهيب، والتخوين بحجة الدفاع عن الوطن، أو الدين أو الموروث الاجتماعي أو غير ذلك... بغض النظر عن مهنة الإنسان والحق في أن يقول رأيه، فالفنان إنسان يسعى دائماً إلى تحريك المياه الراكدة في أعماله".
ويتابع: "موضوعاتنا تعكس نواحي حياتنا، ومن واجبنا طرح السلبي والإيجابي، والجمهور هو الحكم، وله الحق في الاحتفاء، أو نقد أي عمل ورفضه".
أسرة فنيّة بالوراثة
من أسرة كامل الباشا وريم تلحمي الفنية، ما بين التمثيل والموسيقى، نتابع هذه الأيام موهبةً جديدةً في العائلة، ألا وهي ابنتهما مريم الباشا. وفي إجابة عن سؤال حول الدور الذي لعبه والدها ووالدتها في هذا الاحتراف، قال الباشا: "تربّت مريم في بيئة فنية، في المسرح وقاعات العروض وفي البيت. والدتها (ريم تلحمي) ممثلة ومغنية ملتزمة، ومعظم أصدقائنا من الوسط الفني. ومنذ أن كانت في سنّ الأربع سنوات، شاركت في ورش تدريبات مسرحية وتلفزيونية، كل هذا أثّر في تكوينها وبناء شخصيتها وأسهم في تميّزها كإنسانة. لذا بالتأكيد كان لي ولوالدتها تأثير عليها بحكم أننا فنانان، لكنها الآن هي تنطلق وحدها بقوة".
كامل الباشا لرصيف22: "إلا أن المشكلة تكون عندما يتحوّل النقاش من إطار موضوعي إلى تبادل الاتهامات، وتُستخدم لغة التهديد والترهيب، والتخوين بحجة الدفاع عن الوطن، أو الدين أو الموروث الاجتماعي أو غير ذلك..."
تجربة السجن
قضى كامل الباشا في سجون الاحتلال الإسرائيلي 20 شهرا، بين العامين 1983 و1985، على خلفية نشاطه السياسي، كما أنه مُنع من السفر مدة خمس سنوات، وفي إجابة عن السؤال عن كيف أثّرت تجربة السجن على مسيرته واختياراته الفنية، قال: "بالتأكيد لهذه السنوات تأثير عليّ، فقد كنت خلالها في مواجهة مع المحتل. بدأت فترة نضالي منذ الصبا، وعرفت بأن هناك عدواً، وفي أثناء وجودي في العراق لدراسة المسرح لم أهدأ، فأنا لي وطن أدافع عنه، والفن رسالة واليوم كل عمل هادف، أحرص على تقديمه، لأني تعلمت أن الفن له رسالته المهمة التي يجب أن يبحث عنها الفنان".
يختم كامل الباشا حواره متفائلاً بالمستقبل، ويقول: "أنا دائماً متفائل ولدي ما يدفعني إلى ذلك. كما أني دائم البحث، أحاول على الرغم من كل هذه السنوات أن أواصل تطوير أدواتي، وأشاهد أعمالاً فنيةً عربيةً وعالميةً لأتعلّم، وأشارك الناس في كل شيء، لأكون جزءاً فعالاً في هذا المجتمع".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...