قبل 40 عاماً، كُتِبَ فصل جديد من التاريخ المأساوي للبنان، عندما اجتاحت إسرائيل هذا البلد، في صيف 1982. حوصرت بيروت وقُصفت وفُرض خروج منظمة التحرير الفلسطينية ورئيسها، ياسر عرفات، من العاصمة اللبنانية، في فصل من الحرب يمكن قراءة بعض صفحاته في الأرشيف الدبلوماسي الفرنسي.
في السادس من حزيران/ يونيو 1982، اجتاحت إسرائيل الجنوب اللبناني. كان الهدف الأول المُعلن يتمثل بإبعاد القوى الفلسطينية المسلحة لمسافة 40 كيلومتراً نحو الشمال، بما يساهم في حماية أمن المستوطنات الإسرائيلية. هذا الهدف تحقق بسرعة. مُنِي الفلسطينيون بهزيمة أولى. ولكن الإسرائيليين أكملوا تقدمهم. الوجهة النهائية: بيروت. والهدف النهائي: سحق منظمة التحرير الفلسطينية وإخراج جميع المقاتلين الفلسطينيين من لبنان.
أصدر مجلس الأمن الدولي القرار 508، في اليوم الأول للاجتياح، مطالباً بوقف القتال فوراً. وفي نفس اليوم، صدر القرار 509 داعياً إسرائيل إلى الانسحاب الفوري وغير المشروط، لكن من دون إدانة أممية للاجتياح. وحال "الفيتو" الأمريكي على مشروع قرار إسباني في مجلس الأمن، في الثامن من حزيران/ يونيو، دون أي إدانة للدولة العبرية.
مهمة حبيب والصدام مع سوريا
تخطي نهر الأوّلي، شمالي صيدا، كان يعني أن احتكاك الإسرائيليين لم يعد مع الفلسطينيين وحلفائهم اللبنانيين فقط، بل بات مع الجيش السوري أيضاً. قصفت القوات الإسرائيلية بطاريات صواريخ "سام-6" (السوفياتية) التابعة للسوريين في البقاع اللبناني. ووقع صدام مباشر وعنيف بين الجيشين السوري والإسرائيلي. هذا ما دفع الولايات المتحدة للتحرك بسرعة.
أرسلت واشنطن المبعوث الدبلوماسي، فيليب حبيب، إلى الشرق الأوسط اعتباراً من السابع من حزيران/ يونيو. مهمته الأولى كانت تتمثل في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار بين سوريا وإسرائيل. في إطار جولاته المكوكية، "حبيب أفهم (الرئيس السوري) حافظ الأسد بأن ليس لديه أي خيار آخر سوى القبول بوقف إطلاق النار، على الأقل في مرحلة أولى لوقف المقتلة الحاصلة"، بحسب ما ورد في برقية دبلوماسية فرنسية، رقمها 1479، مُرسلة من سفارة باريس في واشنطن بتاريخ 11 حزيران/ يونيو 1982. الهدف تحقق في نفس ذلك اليوم. أرادت واشنطن تجنُّب توسيع نطاق الحرب واحتمال أن يؤدي ذلك إلى تدخل موسكو عسكرياً وبالتالي إلى صدام مباشر أمريكي-سوفياتي.
المبعوث الأمريكي وحصار بيروت
تهدئة جبهة القتال بين الإسرائيليين والسوريين كان قد سبقها وصول القوات الإسرائيلية إلى مشارف العاصمة اللبنانية، بحلول 10 حزيران/ يونيو، ليبدأ حصار بيروت اعتباراً من منتصف الشهر نفسه. هنا، واصل المبعوث الأمريكي وساطته، مع مهمة تهدف ليس إلى التوصل إلى وقف إطلاق النار بين إسرائيل والفلسطينيين وحسب، بل أيضاً إلى حل مشكلة حصار بيروت من خلال إيجاد حل نهائي للوجود الفلسطيني المسلح في لبنان.
هكذا، دخلت مهمة فيليب حبيب في مرحلة مفاوضات طويلة، معقدة، على وقع القصف العنيف لبيروت. انطلق في مساعيه مستنداً إلى رؤية أمريكية تعتبر أن "أي حل يمر بالضرورة بخطوات ثلاث"، بحسب ما ورد في البرقية نفسها، رقم 1479: لا بد من وقف إطلاق النار، أولاً، والعمل على تمتينه. الخطوة الثانية تتمثل بالانسحاب الإسرائيلي، وهو أمر طالب به مجلس الأمن. وواشنطن كانت "عازمة على المساهمة" في تحقيق هذا الانسحاب، لكن كان لديها موقف متفهم لحسابات وأهداف تل أبيب، بحسب ما تظهره تلك البرقية الدبلوماسية الفرنسية. الإدارة الأمريكية كانت تعترف بأن "الإسرائيليين لن يقبلوا أبداً بالعودة إلى الستاتيكو السابق، أي أن تعود منظمة التحرير وتنشر قواتها في جنوب لبنان، وأن ينشر السوريون من جديد أنظمة الصواريخ (سام-6) في البقاع. أما الخطوة الثالثة المهمة، في نظر الأمريكيين، فكانت تتمثل في إعادة إعمار لبنان".
لم يكن ممكناً الحؤول دون العودة إلى الوضع السابق في الجنوب، إلا من خلال خروج المسلحين الفلسطينيين من لبنان، وهو هدف سعى فيليب حبيب إلى تحقيقه من دون كلل. لكن بأي ثمن؟ وكيف؟ هل من خلال ترك القوات الإسرائيلية التي كانت يقودها وزير الدفاع، أرييل شارون، تسحق هؤلاء في "بيروت الغربية" وتغتال عرفات؟ أم من خلال التفاهم مع الأخير على تسوية ما؟
غضب سعودي وخلاف أمريكي داخلي
أثناء بحث هذه الإشكالية، كانت دوائر صنع القرار الأمريكي مدركة أن الدول العربية، لا سيما تلك الحليفة لها، لا تستطيع تحمّل وقْع هزيمة مذلة لـ"منظمة التحرير" وتصفية عرفات. في الواقع، انقسمت الإدارة الأمريكية بين تيارين: الأول يمثله وزير الخارجية ألكساندر هيغ الذي كان يؤيد الاستراتيجية الإسرائيلية الرامية إلى سحق "منظمة التحرير" وقيادتها. لكن آخرين، مثل وزير الدفاع كاسبار واينبرغر، ونائب الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب، كانوا يرفضون ذلك، مُفضّلين موقفاً يراعي مصلحة وأمن إسرائيل من دون إثارة نقمة الحلفاء العرب.
تخطي الإسرائيليين لمدينة صيدا كان يعني أن احتكاكهم لم يعد مع الفلسطينيين وحلفائهم اللبنانيين فقط، بل بات مع الجيش السوري أيضاً. وقع صدام مباشر وعنيف بين الجيشين السوري والإسرائيلي، ما دفع واشنطن للتحرك بسرعة
هذه الخشية كانت جدية، لأن الانزعاج العربي، المصري والسعودي كان ملموساً، في أواخر حزيران/ يونيو. هذا ما تكشفه برقية دبلوماسية فرنسية، رقمها 1606، أرسلها السفير الفرنسي في واشنطن، برنار فورنييه-فالييز، يوم 26 حزيران/ يونيو، ليُخبر حكومة بلاده بأن السفير المصري أبلغه بأن الملك السعودي، فهد بن عبد العزيز آل سعود، "أرسل للتو" رسالة إلى الرئيس الأمريكي رونالد ريغان، "تصب في نفس اتجاه رسالة" الرئيس المصري حسني مبارك قبل يوم، في 25 حزيران/ يونيو. وهذا يعني أن السعودية انضمت إلى مصر لممارسة الضغط على الإدارة الأمريكية بشأن الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وفق ما ورد في البرقية.
كان الأمر يتعلق بالمصالح النفطية الأمريكية في الشرق الأوسط والتي كان من الممكن أن تتضرر لو حصل هجوم إسرائيلي كاسح على "بيروت الغربية". السعوديون لوحوا بسلاح النفط. "اللوبي" النفطي الأمريكي الذي لديه مصالح في المملكة ضغط ضد "اللوبي" المناصر للسياسة الإسرائيلية المتطرفة. في 24 حزيران/ يونيو، استقال الوزير هيغ، وعُيّن جورج شولتز بدلاً منه.
شولتز كان مقرباً من مجموعة نفطية أمريكية لديها مصالح في السعودية. الخطوة كانت مريحة للدول العربية. جسّد شولتز تحولاً جزئياً في الخطاب الأمريكي حيال المسألة الفلسطينية، لا سيما حين صرّح في 13 تموز/ يوليو بأن أي حل لمشكلة الشرق الأوسط تتطلب "إرضاء الطموحات السياسية للفلسطينيين"، لكن من دون أن يأتي على ذكر "حل الدولتين".
هذه الالتفاتة الأمريكية الرسمية، رغم عدم كفايتها، ساهمت في تسهيل عملية التوصل إلى اتفاق حول مصير الفلسطينيين في بيروت من دون سحقهم وإذلالهم.
ضغط فرنسي-مصري
بالتوازي مع مهمة فيليب حبيب، طرحت فرنسا مشروع قرار أمام مجلس الأمن ينص على تحييد بيروت وانسحاب القوات الإسرائيلية من محيطها وانسحاب القوات الفلسطينية منها إلى مكان يُحدَّد لاحقاً، ويدعو الأمين العام للأمم المتحدة إلى تقديم اقتراح حول نشر قبعات زرق في بيروت. لكن هذا المشروع الفرنسي سقط بـ"الفيتو" الأمريكي في 25 حزيران/ يونيو.
تعمَّق التباين بين الحليفين الغربيين أكثر عندما تعاونت فرنسا مع مصر من خلال تقديم مشروع مشترك أمام مجلس الأمن يربط بين مسألة حل مشكلة حصار بيروت والتوصل إلى حل نهائي للمسألة الفلسطينية. هذا المنطق كان مرفوضاً عند الأمريكيين. فيليب حبيب كان مكلفاً بتحقيق هدف واحد، يتمثل في التوصل إلى اتفاق ينص على خروج عرفات ومقاتليه من بيروت، وذلك تحت تهديد القوة الإسرائيلية. كان المطلوب خروج منظمة التحرير من بيروت بحماية "قوات متعددة الجنسيات" وليس قوات أممية، ومن دون ربط ذلك بحل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.
يخرجون... إلى أين؟
مهمة فيليب حبيب قطعت شوطاً كبيراً خلال شهر تموز/ يوليو. كان البحث كان يتمحور حول فكرتين أوّليتين: أي دول ستشارك في قوات متعددة الجنسيات؟ وما هي الوجهة التي سيغادر الفلسطينيون إليها، وأيّ دول مستعدة لاستقبالهم؟
في 25 تموز/ يوليو، التقى فيليب حبيب بوزير الخارجية الإيطالي، إميليو كولومبو، في روما. وأبدت إيطاليا استعدادها للمشاركة في قوات متعددة الجنسيات للإشراف على خروج الفلسطينيين وحمايتهم، لكن "إذا توفرت ثلاثة شروط: موافقة جميع الأطراف المعنية؛ أن يتعلق الأمر بمجرد قوات فصْل بين المتحاربين؛ ألا تكون إيطاليا البلد الأوروبي الوحيد المشارك في هذه القوات إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية"، كما جاء في برقية فرنسية رقمها 845، مرسلة من سفارة فرنسا في روما، يوم 27 تموز/ يوليو.
سعى المبعوث الأمريكي فيليب حبيب إلى إخراج المسلحين الفلسطينيين من لبنان. لكن بأي ثمن؟ وكيف؟ هل من خلال ترك القوات الإسرائيلية التي كانت يقودها أرييل شارون تسحق هؤلاء في "بيروت الغربية" وتغتال عرفات؟ أم من خلال تسوية؟
أما حبيب، فقد أبلغ كولومبو بأنه "حتى الآن، المشكلة تتمثل في إيجاد وجهة ليغادر الفلسطينيون إليها". وأكد له أنه "شأنه شأن الحكومة اللبنانية، يرفض أن ينسحب الفلسطينيون للتمركز في شمال لبنان أو سهل البقاع، بحسب ما اقترح وزيرا خارجية الرياض ودمشق، الأمير سعود الفيصل وعبد الحليم خدام، خلال زيارتهما إلى واشنطن (في 20 تموز/ يوليو)".
وكان لدى حبيب اقتراح طرحه على الرئيس حسني مبارك في القاهرة، في 26 تموز/ يوليو، حين "أعطى تلميحات حول (فكرة) توزيع (الفدائيين) بين مصر والأردن وسوريا والعراق"، بحسب برقية فرنسية، رقمها 616، مرسلة من السفارة الفرنسية في القاهرة في اليوم نفسه. لكن في المحصلة، لم يوافق عرفات على الخروج براً نحو سوريا، في حين أن تونس هي التي أبدت استعدادها لاستقبال "منظمة التحرير".
مشاكل عملية
في ما يتعلق بالقوات متعددة الجنسيات، اتُّفق على أن تتألف من قوات أمريكية وفرنسية وإيطالية، ضمن مهمة تمتد زمنياً إلى 30 يوماً، بحسب ما ورد في برقية دبلوماسية فرنسية، رقمها 1884، في 5 آب/ أغسطس، مُرسلة من السفارة الفرنسية في واشنطن. فقد أبلغ أحد الدبلوماسيين في وزارة الخارجية الأمريكية ممثلي عدد من سفراء الدول الغربية بأن المفاوضات التي يجريها فيليب حبيب "تتمحور من الآن فصاعداً حول المشاكل العملية، لا سيما الجدول الزمني والتوقيت الدقيق لعملية خروج" الفلسطينيين من بيروت.
كانت هناك أيضاً مشكلة تتعلق بتوقيت انتشار القوات متعددة الجنسيات، بحسب برقية رقمها 1915، واردة من سفارة باريس بواشنطن في التاسع من آب/ أغسطس. في مرحلة أولى، كانت واشنطن تؤيد انتشار هذه القوات في بيروت بعد خروج المقاتلين الفلسطينيين. أما باريس، فكانت تريد نشرها قبل بدء عملية الخروج، إذ كانت تحذّر من تعرض الفلسطينيين لعمليات انتقام وهم يغادرون.
لم يكن من السهل حلّ هذه العقدة. المفاوضات بشأنها تزامنت مع تشدد إسرائيلي لعدة أيام، تجسد بقصف عنيف لبيروت، لا سيما في 12 آب/ أغسطس، وسط محاولات لاغتيال عرفات. أثار ذلك سخطاً أمريكياً، بحسب برقية فرنسية رقمها 1933، مرسَلة من واشنطن في اليوم عينه. التصرف الإسرائيلي كان من شأنه أن يعرقل مهمة فيليب حبيب، الذي، وبعد لقاءاته في إسرائيل، يوم الأربعاء 11 آب/ أغسطس، عاد إلى بيروت حيث استُقبل بالقصف الإسرائيلي "المريع".
ضمانات فرنسية
كان هناك إصرار فلسطيني على وصول القوات الفرنسية أولاً إلى بيروت بالتزامن مع بداية انسحاب الفدائيين. هذا مضمون الرسالة التي أبلغها المسؤولون الأمريكيون للدبلوماسيين الفرنسيين في واشنطن، بحسب برقية تحمل رقم 1946، في 14 آب/ أغسطس. كان الأمريكيون يؤيدون حصول تسوية، ويدعون الإسرائيليين للتراجع عن شرطهم بشأن الجدول الزمني لانتشار القوات الغربية بعد بدء عملية انسحاب الفلسطينيين.
وشرح فيليب حبيب لرئيس الوزراء الإسرائيلي، مناحيم بيغن، أن "منظمة التحرير والحكومة اللبنانية ترفضان التنازل عن مبدأ التزامن بين بداية عمليات الإجلاء وبداية انتشار القوات متعددة الجنسيات، وعن جنسية القوة التي ستنتشر (أي أن تكون فرنسية). هذا ما تؤكده برقية رقم 1963، مرسلة من سفارة باريس في واشنطن، في 16 آب/ أغسطس.
في المحصلة، تم تخطي "الاعتراض الإسرائيلي من خلال الضمانات التي أعطتها فرنسا إلى أمريكا بشأن نيّة فرنسا سحب قوتها في حال لم تلتزم منظمة التحرير بالتزامها بمغادرة لبنان"، كما ورد في نفس البرقية التي تضيف أن "الضمانات الفرنسية دفعت بيغن إلى إعلان موافقة الحكومة الإسرائيلية على خطة حبيب".
حبيب يرفض مطالبَ إسرائيلية
تكشف البرقية رقم 1963 عن تفاصيل أخرى مهمة في كواليس المفاوضات التي قادها فيليب حبيب. تفيد بأن "حبيب رفض اقتراح لبيغن يميل إلى إدخال قوات متعددة الجنسيات إلى داخل بيروت الغربية، إذ بالنسبة لحبيب، يجب على هذه القوات أن تبقى في النقاط الاستراتيجية، وعلى الجيش اللبناني أن يفرض سيطرته على بيروت الغربية". أكثر من ذلك، تشير البرقية إلى أن حبيب "رفض عرضاً من قبل شارون، الذي أراد إرسال جنود إسرائيليين بلباس مدني إلى بيروت الغربية، للتحقق من خروج كل المقاتلين الفلسطينيين". وبرر حبيب رفضه بالقول إنه هذا الأمر "سيكون من مهمة الجيش اللبناني".
لم يكن حبيب يشارك الإسرائيليين "مخاوفهم" بشأن "إقدام عرفات على ترك بعض المقاتلين في بيروت". بل كان المبعوث الأمريكي يستبعد ذلك "لأن منظمة التحرير تدرك مدى خطورة ترك مقاتلين فلسطينيين في بيروت، كعناصر سريين، لأن هؤلاء سيُلاحقهم الكتائبيون"، وفق ما جاء في البرقية الدبلوماسية الفرنسية، رقم 1963.
الأمتار الأخيرة
حتى 17 آب/ أغسطس، بقيت بعض المسائل عالقة، قبل الإعلان عن الاتفاق النهائي. تشير برقية فرنسية رقمها 1970، أُرسلت من واشنطن، في 17 آب/ أغسطس، إلى أن إسرائيل اشترطت أن تسلم "منظمة التحرير" طيّاراً إسرائيلياً وجثامين تسعة جنود آخرين، قبل بدء تطبيق خطة إجلاء الفلسطينيين. العقدة كانت تتمثل في أن "منظمة التحرير طلبت أن يتم ذلك بواسطة الصليب الأحمر الدولي. لكن بيغن كان يخشى أن تشترط منظمة التحرير حصول مقايضة، أي عملية تبادل بين هؤلاء وأسرى فلسطينيين، وهو أمر كان يرفض البحث به رفضاً قاطعاً".
لكن حبيب استبعد أن يطرح عرفات عملية تبادل كهذه، بما من شأنه تعريض المفاوضات وخطة الإجلاء لخطر النسف، وتأخير الخروج بسبب "مطالب غير منطقية". هكذا، نجح المبعوث الأمريكي في حل هذه المسألة، إذ أبلغت وزارة الخارجية الأمريكية الفرنسيين بأنه اتُّفق على أن تقوم "منظمة التحرير" بتسليم الطيار وجثامين الجنود في اليوم الأول لبدء عملية الإجلاء، وفق برقية، رقم 1979، مرسلة من واشطن في 18 آب/ أغسطس. كذلك، وافق الإسرائيليون على مسألتين أخريين: أن تتولى وزارة الداخلية اللبنانية عملية التدقيق بخروج كل المقاتلين الفلسطينيين؛ ألا تشمل خطة حبيب الجنود السوريين، وبالتالي يُسحب مَن بقي منهم في بيروت الغربية فقط، من دون حصول انسحاب كامل للجيش السوري من لبنان.
هكذا، انتزع فيليب حبيب اتفاقاً تاريخياً، من 14 بنداً، حول خروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت. جرى الإعلان عن "خطة حبيب" في 20 آب/ أغسطس. وفي اليوم التالي، بدأت عملية إجلاء الفلسطينيين، وانتهت في الأول من أيلول/ سبتمبر.
خرج أكثر من 2500 مقاتل ينتمون إلى جيش التحرير الفلسطيني، التابع لنظام الأسد، براً نحو الأراضي السورية. لكن ياسر عرفات، شأنه شأن أكثر من 11 ألف مقاتل ينتمون إلى فصائل "منظمة التحرير"، خرج من بيروت عبر البحر... وصولاً إلى تونس.
أما لبنان، فظن أنه طوى صفحة مأساوية من تاريخه، ليكتشف بعد ذلك أنه على موعد مع مأساة أخرى لم تنته فصولها بعد.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 4 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ اسبوعينخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين