شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
المحكمة الإدارية في تونس.. هل تتم الإطاحة باستقلالها؟

المحكمة الإدارية في تونس.. هل تتم الإطاحة باستقلالها؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 31 أغسطس 202205:04 م

بعد تصريحاته، خلال ختم الدستور الجديد، والتي رفض فيها قرارات المحكمة الإدارية بإيقاف تنفيذ قراره المتعلق بإعفاء عدد من القضاة، أظهر الرئيس قيس سعيّد أنه قد وضع المحكمة الإدارية "نصب عينيه"، بحسب كثيرين.

وقال سعيّد إن "مثل هذا الموقف مألوف في دول أخرى فكيف لسلطة مؤسَسة أن تراقب إرادة السلطة التأسيسية"؟ رداً على قرار المحكمة الإدارية التي أوقفت تنفيذ الإيقاف بحق عدد من قرارات إعفاء قضاة، بعد صدور قرار عزلهم بأمر رئاسي في الأول من حزيران/ يونيو 2022، وتشكيكاً في صلاحيتها في الإشراف على الاستفتاء.

"تحرّش وتستّر على الإرهاب"

خلُص سعيّد إلى أنه لن يتم تنفيذ قرار المحكمة الإدارية بخصوص القضاة المعزولين بالرغم من أن الفصل 41 في القانون المؤسِّس لها، يقول إنه "بمجرد إعلام الأطراف المعنية، يعلّق فوراً تنفيذ قرار الإعفاء"، بمعنى رجوع الوضعية إلى ما كانت عليه قبل صدور القرارات، وهو الاتجاه الذي تحرص على تنفيذه وزارة العدل.

واصلت الوزارة التصعيد ضد قرارات المحكمة الإدارية ومضت في إجراءاتها الجزائية ضد القضاة المعفيين بالرغم من صدور حكم قضائي لفائدتهم من طرف الإدارية.

في رد على هذه الخطوة التصعيدية، قال رئيس جمعية القضاة الشبان مراد المسعودي، إن امتناع السلطة التنفيذية عن تنفيذ قرارات المحكمة الإدارية بخصوص القضاة المعزولين يُعدّ جريمةً طبقاً للفصل 315 وفي الوقت نفسه يُعدّ خيانةً للشعب وتشريعاً لدولة الغاب وخروجاً عن دولة القانون والمؤسسات.

وأكد المتحدث في تصريح لرصيف22، أنه لا خيار أمام السلطة التنفيذية إلا تنفيذ هذا الحكم، والالتزام بالقوانين والتشريعات، وإذا لم يلتزم رئيس الجمهورية بقرار المحكمة إعادة القضاة المعفيين إلى وظائفهم، فهذا يعني أنه لم يلتزم بالشعار الذي رفعه "الشعب يريد"، والشعب يريد دولة القانون والعدالة وإذا لم تنفّذ وزيرة العدل هذا الحكم تكون قد خانت رئيس الجمهورية لأن الأحكام تنفَّذ باسمه.

"امتناع السلطة التنفيذية عن تنفيذ قرارات المحكمة الإدارية بخصوص القضاة المعزولين يُعدّ جريمةً طبقاً للفصل 315 وفي الوقت نفسه يُعدّ خيانةً للشعب وتشريعاً لدولة الغاب"

أكدت وزارة العدل في بلاغ لها السبت 20 آب/ أغسطس، أن استمرارها في المتابعات الجنائية ضد القضاة "المعزولين"، تم "عملاَ بأحكام المرسوم عدد 35 لسنة 2022، المؤرخ في 1 حزيران/ يونيو 2022، وذلك خلافاً لما يتم تداوله في بعض وسائل التواصل الاجتماعي من قبل أطراف تسعى إلى تعطيل مسار المحاسبة وتدّعي عدم وجود ملفات"، وفق نص البلاغ.

أضافت أن النيابة العمومية المختصة تعهدت بالملفات (109 ملفات)، ووافقت على إحالة عدد مهم منها على الأقطاب القضائية المختصة في الجرائم الإرهابية والفساد المالي.

تابعت الوزارة أنه تم فتح أبحاث تحقيق في هذا الملفات من أجل "جرائم" عدة يُشتبه في أن القضاة "المعزولين" متورطون فيها. وهي الشبهات التي برّر الرئيس بها إعفاءهم من مهامهم.

من ضمن ما تحدثت عنه الوزارة شبهات "الفساد المالي والرشوة وغسيل الأموال والجرائم الاقتصادية والديوانية (الجمارك)". بالإضافة "إلى جرائم ذات صبغة إرهابية كالتستر على تنظيم إرهابي وتعطيل الإجراءات والانحراف بها. زيادةً على جرائم أخرى كمساعدة شخص على التنصّل من تفتيش السلطة العمومية وإخفاء ما تثبت به الجريمة والتفريط في وسائل الإثبات الجنائي وغيرها من الجرائم المتمثلة في التدليس واستغلال خصائص الوظيفة والإضرار بالإدارة وجرائم التحرش الجنسي ومخالفة القوانين المنظمة للأسلحة والذخيرة".

"خط أحمر"

يرى ملاحظون أن قيس سعيّد، قد فتح جبهة صراع جديدةً مع المحكمة الإدارية، وعدّ نفسه الجهة التشريعية الوحيدة في البلاد، ولا يمكن، بحسب تقديره، لـ"سلطة مؤسسة أن تراقب إرادة السلطة التأسيسية".

فهو بهذا أشار إلى رقابة المؤسسة على الاستفتاء، لكن مراقبة العملية في شقها التنظيمي والإداري، تعود بسلطة القانون، ولم تقم المحكمة بحسب قضاتها في التدخل بأي شكل من الأشكال في سلطة أخرى.

قيس سعيّد يصعب عليه الإضرار بالمحكمة الإدارية أو وضع يده عليها، لكن يمكنه أن يقوم بإعفاء الرئيس الأوّل للمحكمة الذي وقع تعيينه سياسياً أو بعض قضاتها، لأن لرئيس الجمهورية سلطات الإعفاء

تلميح الرئيس التونسي إلى أن قضاة المحكمة يتخذون قرارات خارج سلطاتهم، قد يعني مرحلة تضييق جديدةً على المؤسسة المستقلة، لكن كثيرين ممّن عملوا فيها ومن القضاة يؤكدون على أن المحكمة لم تتدخل في العملية السياسية على الإطلاق، وكانت حريصةً على الحفاظ على استقلالها عن المؤسسة السياسية.

قال الرئيس الشرفي لاتحاد القضاة الإداريين، القاضي الإداري السابق أحمد صواب، إن قيس سعيّد يصعب عليه الإضرار بالمحكمة الإدارية أو وضع يده عليها، لكن يمكنه أن يقوم بإعفاء الرئيس الأوّل للمحكمة الذي وقع تعيينه سياسياً أو بعض قضاتها، لأن لرئيس الجمهورية سلطات الإعفاء.

وأكد صواب، في تصريح لرصيف22، أن المحكمة الإدارية لديها مشروعية تاريخية منذ سبعينيات القرن الماضي، "فقد خاضت صراعات عديدةً منذ حقبة الرئيس الحبيب بورقيبة إلى زين العابدين بن علي، وحتى بعد الثورة مع الأحزاب السياسية الحاكمة خاصةً مع الترويكا والنهضة والمجلس الوطني التأسيسي، وكان الغنوشي قد صرَّح وقتها بأن المحكمة الإدارية تعطّل الانتقال الديمقراطي، ولكن صمدنا ولم نخضع للضغوط".

أضاف المتحدث أن مشروعية المحكمة الإدارية فوق كل اعتبار، وفوق حتى مشروعيّة قيس سعيّد نفسه، فعندما كانت المحكمة في مواجهة مع النظام كان هو متواطئاً معه ويأكل من موائده.

خارج المعادلة السياسية

بقيت المحكمة الإدارية عصيّةً ومستقلةً وخارج المعادلة السياسية حتى في فترة نفوذ المجلس الوطني التأسيسي وبرلمان 2014-2019.

وأكد الكاتب السياسي والمختص بالشأن البرلماني سرحان الشيخاوي، أن هذا الهيكل بقي شوكةً في حلق السلطة، وانتقاد الرئيس لمراقبة هذه المؤسسة "للسلطة التأسيسية" ممثلةً في شخصه، يوحي بإمكانية تقليم أظافرها، ويمكن أن يكون هذا انطلاقاً من التضييق على مجال تدخّل سلطتها في العملية الانتخابية، ويكون ذلك عبر القانون الانتخابي الجديد، أو ربما سنرى رؤيةً جديدةً لعمل هذا الهيكل.

وقال الشيخاوي، لرصيف22، إن القرار الذي تحدث عنه قيس سعيّد والذي له علاقة بالمجلس التأسيسي، هو القرار الصادر في 26 حزيران/ يونيو 2013، تحت عدد 415936، ويتعلق بقضية قدّمها النواب للطعن في اختصاص لجنة التشريع العام في النظر في مقترح قانون تحصين الثورة الذي قدّمته النهضة، وعدّت الرئيسة الأولى للمحكمة الإدارية حينها، أن هذه المهام تخرج بطبيعتها عن "ولاية القاضي الإداري"، عملاً بمبدأ الفصل بين السلطات.

المحكمة الإدارية التزمت طوال السنوات التي أعقبت الثورة التونسية بمهامها التي تخص الشأن الإداري أساساً، ولا تتدخل في العملية السياسية كما أوحى بذلك الرئيس التونسي

تابع المتحدث أن المحكمة الإدارية قد نظرت في قضية ثانية، بعد شكوى تقدّم بها رئيس لجنة السلطتين عمر الشتوي، في حزيران/ يونيو 2013، نيابةً عن 22 نائباً، وطالبت بإيقاف تنفيذ قرار رئيس المجلس الوطني التأسيسي المتعلّق بختم مشروع الدستور المؤرّخ في 1 حزيران/ يونيو 2013. وتعلقت الشكاية أيضاً بعدم إصدار قرار إداري بخصوص تعيين الخبراء الذين تم انتدابهم لمراجعة الدستور، كما لم يتم تعويض من استقال منهم، لترفض المحكمة الإدارية هذه الشكوى أيضاً وتقدّم الحجة نفسها.

وكانت القضية الوحيدة التي بتت فيها المحكمة الإدارية في علاقة بالبرلمان، بحسب المتحدث، هي إيقاف الزيادة في منح النواب التي أقرّها رئيس المجلس التأسيسي.

وهذا تالياً يؤشر على أن المحكمة الإدارية التزمت طوال السنوات التي أعقبت الثورة التونسية بمهامها التي تخص الشأن الإداري أساساً، ولا تتدخل في العملية السياسية كما أوحى بذلك الرئيس التونسي. لكن انتقاده لها يوحي بأنه قد يستهدفها بقرارات جديدة تقوّض استقلاليتها، كما فعل مع مؤسسات قضائية وسياسية أخرى عقب قراراته المثيرة للجدل التي تمخّض عنها دستور 2022، الذي أعاد البلاد إلى حقبة الرئيس الذي يستفرد بصلاحيات واسعة.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image