شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
ماتت الحقيقة معه... موت المتهم باغتصاب الطفلة السورية جوى استانبولي وقتلها

ماتت الحقيقة معه... موت المتهم باغتصاب الطفلة السورية جوى استانبولي وقتلها

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والحقوق الأساسية

الأربعاء 31 أغسطس 202202:26 م

موت مفاجئ في ساعة مبكرة من فجر الاثنين، هو المصير الذي لاقاه المتهم بقتل واغتصاب الطفلة جوى استنابولي (4 سنوات) في مدينة حمص، وتقول المعلومات التي حصل عليها رصيف22 إن المتهم الذي ظهر بصحة جيدة في شريط الاعتراف الذي بثه التلفزيون السوري، نُقل من مكان وقوع الجريمة في مدينة حمص، إلى العاصمة دمشق ليودع السجن بغرض المحاكمة، لكنه تعرض لـ"نكسة صحية" نُقل على أثرها إلى أحد مستشفيات العاصمة، وقبل خضوعه لعمل جراحي إسعافي، فارق الحياة.

الرواية الرسمية متناقضة منذ البداية

الصور التي نشرها التلفزيون السوري سابقاً لمنزل المتهم تُظهر وجود كميات كبيرة من القمامة التي كان يجمعها ليبيعها على ما يبدو، ذهب البعض على فيسبوك للمقاربة بين حياته قبل الجريمة وبعدها مثل "سنين عايش بين الزبالة بصحته، وكم ساعة بالمشفى موتته"، وفي ذلك سخرية من واقع المستشفيات السورية والقطاع الصحي من جهة، وتشكيك بآلية موت المتهم من جهة ثانية.  

المتهم الذي ظهر بصحة جيدة في شريط الاعتراف الذي بثه التلفزيون السوري، نُقل من مكان وقوع الجريمة في مدينة حمص، إلى العاصمة دمشق لكنه تعرض لـ"نكسة صحية" نُقل على أثرها إلى أحد المستشفيات وقبل خضوعه لعمل جراحي، فارق الحياة

التقارير تقول إنه عانى من "حالة صحية سيئة"، فيما تقول معلومات إضافية إن تشخيصاً طبياً أكد وجود "انسداد أمعاء مع قصور حاد في الوظائف الحيوية للكبد والكلى والرئتين".

وفاة المتهم فتحت باب الجدل حول مصداقية الاعترافات التي أدلى بها أمام الكاميرات، إذ أن عدداً كبيراً من ناشطي مواقع التواصل الاجتماعي لم يصدقوا ما جاء على لسان المتهم الذي لم يبدُ خائفاً أو نادماً وهو يروي ما فعله تفصيلاً.

بحسب المعلومات المتعددة المصادر فقد نُقل جثمان المتهم من مستشفى ابن النفيس، في دمشق إلى حمص، وذلك بعد إعداد تقرير الطب الشرعي حول سبب وفاة المتهم الذي بقي تحت الحراسة المشددة لثلاثة أيام في المستشفى الذي توفي فيه فجراً قبل خضوعه للعملية الجراحية ويسلّم لذويه وفق الأصول.

وفاة المتهم فتحت باب الجدل حول مصداقية الاعترافات التي أدلى بها أمام الكاميرات، إذ أن عدداً كبيراً من الناشطين  لم يصدقوا ما جاء على لسان المتهم الذي لم يبدُ خائفاً أو نادماً وهو يروي ما فعله تفصيلاً

في اليوم التالي أعلن عن إخماد حريق في غرف مكتبية في نفس المستشفى الذي تواجد به المتهم، وهنا عاد الجمهور ليلمح إلى ربط فرضته الصدفة بين وفاة المتهم والحريق لكونه وقع بعد الوفاة بنحو 24 ساعة، لكن هذه الصدفة ونتيجة لعدد الأحداث والمعلومات غير المترابطة في هذه القضية زادت يقين الجمهور بأن المتهم تمت تصفيته، فكتب أحدهم مذيلاً خبر الحريق بـ"هل تفكرون بما أفكر"، وثان كتب "سبحان الله، الحريق إله توقيت مدروس يصير فيه مو فوضى القصة".

هل هو المتهم الحقيقي؟

الحكاية من بدايتها تقول إن ذوي الطفلة جوى أعلنوا عن فقدانها بتاريخ 8آب/ أغسطس2022، وتحول الأمر سريعاً لحملة تداول من خلالها رواد مواقع التواصل صورة الطفلة للمساعدة في البحث، فيما عرض البعض مكافآت مادية لمن يساعد في إيجادها، وبتاريخ 20 من الشهر عينه، تم العثور على جثمان طفلة في نفس العمر مرميّ في مكب للنفايات بالقرب من مقبرة تل النصر في مدينة حمص، ليتم التعرف على جوى من قبل ذويها من خلال ملابسها، فالجثة كانت قد تحللت، وقال تقرير الطب الشرعي الأول إن الوفاة ناجمة عن الضرب بأداة حادة على منطقة الرأس، نافياً وجود اعتداء جنسي، ما فتح الباب امام التكهنات.

البعض ذهب نحو التلميح لعمل انتقامي نفذه والدها المتطوع في الجيش، والبعض الآخر ذهب نحو إضفاء البعد الطائفي لكون الفتاة من عائلة شيعية، فيما ربط الآخرون الجريمة بحوادث قتل أطفال وقعت في مناطق متفرقة من المحافظات الشرقية لازمتها شائعات تقول إنها بداعي ممارسة السحر الأسود، وغيرهم رأى أن الجريمة نتاج طبيعي لتغير بنية حي المهاجرين في حمص وارتفاع نسبة الجريمة فيه.

كل التكهنات التي افترضت أن الجريمة انتقامية بُنيت على خلفية عمل والد الطفلة كعسكري، وتحدره من المذهب الشيعي، ولم تكن مبنية على أي وقائع

لكن كل التكهنات التي افترضت أن الجريمة انتقامية بُنيت على خلفية عمل والد الطفلة كعسكري، وتحدره من المذهب الشيعي، ولم تكن مبنية على أي وقائع.

بدأت التحقيقات وانتهت سريعاً بإعلان القبض على شخص وصفه بيان وزارة الداخلية بأنه "يعاني من ظروف نفسية ومادية سيئة"، وكان قد أوقف سابقاً بسبب "ممارسة الجنس خلافاً للطبيعة"، كما أن له سوابق في تعنيف أسرته التي كان يعيش بدونها حين وقوع الجريمة التي قال خلال اعترافاته إنها كانت بقصد ممارسة الجنس مع الطفلة.

شرح المتهم مفصلاً أمام الكاميرات كيف أقدم على خطف جوى واغتصابها ومن ثم خنقها بقصد القتل، لينهي الأمر بلف الضحية بأكياس بلاستيك ورميها في حاوية لجمع القمامة، ولتفتح الاعترافات جدلاً واسعاً بين مصدّق ومكذّب لها، لكونها تتعارض مع تقرير الطبيب الشرعي في أمرين، الأول عدم وجود اعتداء جنسي في التقرير، والثاني سبب الوفاة، فالمتهم لم يذكر شيئاً عن الأداة الحادة.

اعتبر كثيرون أن تعارض الاعترافات مع تقرير الطب الشرعي معناه أن المتهم يعترف بجريمة لم يرتكبها وكثُرت التعليقات من قبيل "شايلها عن حدا تاني"، و"دافعين له مصاري ليغطي ع حدا"، و"القصة كبرت ولازم تنلف.. جابوه وشالها غصب"، فيما قال رابع "بدن يبيضوا وجه وجابوا هالغبي ليعترف".

منذ متى يستقيل المسؤول السوري بسبب التقصير؟

بعد يومين من بث الاعترافات، أعلن الطبيب الذي أعد التقرير الأول استقالته من منصبه بسبب التقصير، وهو ما يحدث للمرة الأولى في سوريا بأن يستقيل شخص من منصبه أياً كان هذا المنصب لعلة التقصير.

في اليوم التالي أعلن عن إخماد حريق في غرف مكتبية في نفس المستشفى الذي تواجد به المتهم، وهنا عاد الجمهور ليستغرب من حريق وقع بعد الوفاة بـ24 ساعة 

صدر تقرير طب شرعي ثانٍ من خلال لجنة ثلاثية، أكد حدوث الاعتداء الجنسي، وأن سبب الوفاة نجم عن نزف شديد من العضو التناسلي للضحية مع نقص أكسجة شديد نتيجة الخنق، وخَلُص التقرير ذاته إلى أن أثر الضرب بالأداة الحادة جاء بعد الوفاة وهو ناجم عن "مكبس" سيارة نقل النفايات التي أفرغت الحاوية التي بقي فيها الجثمان نحو 24 ساعة. 

المفارقة أن أجهزة الشرطة استخدمت الكلاب المدربة في عملية البحث وقد تجولت هذه الكلاب في حيهم دون أن تصل لرائحة الجثمان الذي كان مرمياً في الحاوية.

وهنا عادت تعليقات التعليقات والتغريدات لتظهر عبر مواقع التواصل مشككة بالتقرير الجديد، من قبيل: "فيلم هندي.. ما بقى تعرفوا تزبطوا القصة"، أو كقول احدهم: "يا جماعة نحن بسوريا مو بأوروبا، من وين هي الموضع تبع استقالة بسبب التقصير واعتذر عن خطأ، طيب عمموها ع بقية المقصرين والمخطئين".

وفي نفس يوم إعلان التقرير المتوافق مع اعتراف المتهم، بث التلفزيون السوري بياناً اعتذر فيه عن بث الاعترافات كاملة بما فيها ألفاظ شرح عملية الاغتصاب، وهي من المرات النادرة التي يعتذر فيها الإعلام الرسمي عن خطأ مهني، لكن أحداً لم يعتذر عن الخطأ القانوني الذي ارتكب بنشر اسم وصورة المتهم ووصفه بكلمة قاتل قبل محاكمته، خاصة أن القانون السوري يمكن أن يلغي الاعتراف كقرينة إذا ما عاد عنها المتهم أمام القضاء لأي حجة، كاعترافه تحت التهديد أو التعرض للعنف أو ما شابه. 

من مغبات هذا الخطأ أن رد الفعل من بعض أبناء الحي الذي وقعت فيه الجريمة، كان حرق المنزل الذي يسكنه المتهم، إذ لم يفكر مروجو الاسم والصورة بحجم الكراهية التي ستواجهها عائلة المتهم.

تسابقت وسائل الإعلام لقطف ثمار التريند من خلال عداد مشاهدات، منها من سارع لأخذ لقاء مع والد الطفلة، وآخر مع والدتها، إضافة لموجات انتقاد إهمالهما لوجود ابنتهما البالغة من العمر ثلاث سنوات في الشارع حتى مغيب الشمس.

هذا بالإضافة إلى التحليلات التي بحثت فيما يسمى بـ"لغة الجسد" الخاصة بالمتهم أثناء اعترافه، وموجات تكذيب التقرير الطبي الثاني وسرعة الانتهاء من القضية، وصولاً إلى نبأ موت المتهم الذي قد يعتد به البعض ليعتبره عملية تصفية جسدية مقصودة لإخفاء حقيقة.

اعتبر كثيرون أن تعارض الاعترافات مع تقرير الطب الشرعي معناه أن المتهم يعترف بجريمة لم يرتكبها وكثُرت التعليقات من قبيل "شايلها عن حدا تاني"، و"دافعين له مصاري ليغطي ع حدا"

دفن السر مع صاحبه أكد شكوك من لم يصدقوا صحة اعترافاته، بينما ذهب آخرون إلى أن الموت المفاجئ قد يكون ناتجاً عن فعل قتل بداعي الانتقام والثأر من المتهم، ومجموعة ثالثة قالت إن الموت "انتقام إلهي" من المتهم، وأياً كان تقرير الطب الشرعي أو البيان الرسمي حول حادثة وفاة المتهم، فإن الشارع السوري لن يصدق.

اغتصاب الأطفال والتحرش بهم جريمة تحدث في كل العالم، لا فرق هنا بين بلد آمن وآخر مزقته الحرب، فالـ"بيدوفيليا"، ليس محدودة الجغرافيا، لكن ما يختلف من بلد لآخر هو الإحصائيات ومصداقيتها، والتقصي الحقيقي والمحاسبة الكاملة وعدم التهاون في سيادة القانون وإنفاذه، والشفافية الكاملة مع المواطنين.  



رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard