"الفزعة" هي مصطلح شعبي أردني يُستخدم للتعبير عن استنجاد شخص بآخرين لمعاونته في حل مشكلة ما. وهي صفة تلتصق بسيكولوجية الأردنيين الذين يُطلق عليهم اسم "النشامى" أي الأشخاص الذين تجدهم حاضرين دائماً في المواقف الصعبة.
للرد على "الفزعة" يستخدم الأردنيون والأردنيات مفردات كثيرة من أبرزها: "أبشر/ ي" والتي تحمل معنى بشارة الخير لمن يطلب الدعم.
ليس أدل على جدوى "الفزعة" و"البشارة" في المجتمع الأردني مما حدث مع الشابة الأردنية رُبى سامي عبد الله، التي طلبت الدعم فجاءها الأردنيون والأردنيات بما فاق سقف طموحها.
"فضفضة" تتحول إلى "نفير شعبي"
بدأت القصة حين طلبت رُبى، بطريقة عفوية في منشور عبر إحدى المجموعات على فيسبوك، مساعدة والدها الذي كان مهدداً بخسارة مطعم أسسه حديثاً لعدم إقبال الزبائن عليه. في غضون ساعات، تحوّل منشور الفتاة، وقد كان أقرب إلى "الفضفضة" أو "صرخة يأس"، إلى ما يُشبه النفير الشعبي وجذب آلاف المواطنين إلى المكان.
تحدثت رُبى في المنشور عن أبيها الذي كان يعمل "معلم (شيف) شاورما" منذ عام 2003 قبل أن يقرر استغلال كل ما يملك ويقترض من أحد البنوك لتأسيس مطعم شاورما خاص به في منطقة سحاب على أطراف العاصمة الأردنية عمّان بعدما "كبر بالعمر وما حدرضي يشغله عنده".
"البنت هي رزقة أبوها"… "فزعة النشامى" لدعم صاحب مطعم #سهول_سحاب تُثير نقاشاً مهماً حول "خلفة البنات" و"الاستخدام الإيجابي لمواقع التواصل الاجتماعي" في #الأردن
وعبّرت عن حزنها على حال والدها بعدما عجز المطعم عن استقطاب الزبائن، وعدم قدرتها على مساعدته، مبرزةً أنه "صار يبكي" و"إله تلات أيام ما بيروح ع البيت" بينما وصفت حالها بـ"والله بكتب ودموعي على خدي".
وشددت الشابة الأردنية على أن "بابا مش قاعد يبيع منيح" لأن "المحل جديد وما حد بيعرفه" برغم أن "دايماً الكل بمدح بالخلطة والشاورما تاعته" و"أسعاره أبداً مش غالية" و"ما يقصر مع أي حد بيجي عنده"، مضيفةً أن لجوئها للكتابة عن هذه التجربة على فيسبوك لعدم قدرتها على الترويج للمطعم بسبب غلاء أسعار الإعلانات.
ويعاني الكثير من المطاعم السياحية والشعبية في الأردن من حالة من الركود بسبب موجة ارتفاع الأسعار التي عصفت بالبلاد خلال الأشهر الماضية. بحسب نقيب أصحاب المطاعم في الأردن، عصام فخر الدين، في تصريح سابق، ارتفعت أسعار المطاعم السياحية والشعبية بما يتراوح بين 10 و15% إثر موجة الغلاء الأخيرة وارتفاع الكلف التشغيلية وغيرها من المواد الرئيسية التي تدخل في عمل المطاعم.
وختمت رُبى منشورها بقولها: "بالله ساعدونا. بابا هاي رزقته الوحيدة. أقسم بالله ما دخل من أول شهر ع دارنا دينار… صدقوني رح تحبوا الشاورما منه كتير"، موضحةً وسيلة التواصل مع والدها وأسعار السندوتشات فيه.
"فزعة نشامى"
ما أن نشرت رُبى مناشدتها، حتى تفاعل معها الأردنيون على نطاق واسع حتى تصدر اسم مطعم والدها -"سهول سحاب"- قائمة المتداول في البلاد عبر موقع تويتر خلال اليومين الماضيين، مع دعوات كثيرة لزيارة المكان.
وبعد ذلك، ملأت الصور ومقاطع الفيديو التي تُظهر التهافت الشعبي على المطعم مواقع التواصل الاجتماعي، بمن فيهم من محافظات بعيدة عن مثل عمّان، وإربد، والرمثا.
"لا ينبغي أن تموت"... تحولت "الفضفضة" أو "صرخة اليأس" التي أطلقتها الشابة رُبى إلى ما يُشبه النفير الشعبي لدعم والدها، ما حفّز معلقون على المطالبة بتعميم التجربة ومساعدة جميع المتعثرين في #الأردن عبر التوظيف الإيجابي للسوشال ميديا
واكتسب "معلم الشاورما" سامي عبد الله، والد رُبى، الشهرةً واسعة، سيّما مع قيام وسائل الإعلام المحلية والعربية بإعداد تقارير عنه. مع إشادة كبيرة بموقف المجتمع الأردني كـ"شعب صاحب نخوة".
في تصريحات لرصيف22، قال المعلم سامي: "الله يجبر بخاطر الأردنيين مثل ما جبروا بخاطري"، موضحاً أن مشهد توافد آلاف الأردنيين والأردنيات على مطعمه "حوّل دموع قهري على حال مطعمي وهو بلا زبائن إلى دموع فرحة غطت وجهي".
"البنت رزقة"
وأردف المعلم سامي: "هؤلاء هم النشامى والنشميات، هذا هو الأردن الذي بفضل فزعة شعبه وأهله ما يزال صامداً أمام كل تحديات الحياة". وعن رأيه بخطوة ابنته الدعائية، قال: "البنت هي رزقة أبوها، ونيال اللي عنده بنات".
واستغل معلقون ما حدث، ودحضوا الأمثال والعبارات والأفكار النمطية التي تُشوّه إنجاب الإناث واعتبار الفتاة "عبئاً على أهلها" على غرار: "هم البنات للمات". شارك أحمد الزغبي صور رُبى وهي تساعد والدها في عمله وعلّق عليها: "والبعض يزعل بس تجيه بنت!".
تعقيباً على ذلك، قال المختص في علم الاجتماع والتاريخ الأردني، الدكتور نايف النوايسة، لرصيف22: "‘البنت تجلب الرزق‘ هذه ثقافة مترسخة في التاريخ الأردني، كما أن البنت في ذات الثقافة ‘صاحبة نخوة وحاضرة في أولى صفوف المعارك‘".
ودلل على ذلك بأن "التاريخ سجّل قبل نحو 700 عام أن جنان الكنانية، الشابة الكركية، حين سمعت بالنفير العام الذي انطلق مع صلاح الدين الأيوبي من محافظة الكرك بالأردن في معركة ‘حطين‘، شمال فلسطين، كانت في طلائع المقاتلين وكانت حينها حاملاً وعمرها 20 عاماً، وسقطت أول شهيدة في المعركة".
وهذا إن دل -والكلام ما يزال للنوايسة- يدل على "فزعة" النساء الأردنيات عند حدوث الأزمات، وما حدث في سحاب بفضل الشابة ربى سامي وتهافت الأردنيين لمساعدة أبيها "إثبات على إيثار الأردنيين واهتمامهم بالقضايا العامة على حساب القضايا الخاصة برغم معاناتهم في ظل الوضع الاقتصادي الصعب الذي يمرون فيه". وأيضاً "دليل على أن الفتاة ليست عبئاً على أهلها بل هي رزق".
"ابتسامة صاحب المطعم علمتني أن المحتوى الرقمي قادر على انتشال من يغرقون في مياه العوز والفقر"... دعوات إلى تحويل تجربة #سهول_سحاب العفوية إلى "حملة منظمة" لمساعدة المتعثّرين في #الأردن
تعميم المبادرة
في غضون ذلك، حفّزت قصة مطعم الشاورما بعض مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي الذين دعوا إلى تحويل التجربة العفوية إلى "حملة منظمة" تتبنى مساعدة المحلات والمطاعم والمشاريع الصغيرة في الأردن إذا كانت متعثرة أو عاجزة عن استقطاب الزبائن من منطلق "الفزعة"، تحت اسم "رزّقوه"، أي ساعدوه لكسب رزقه.
وهو ما فسره صانع المحتوى الأردني، عمر جهاد، لرصيف22 بقوله: "بشارة خير استثمار وسائل التواصل الاجتماعي من أجل إحداث التغيير الإيجابي. تجربة مطعم سهول سحاب لا ينبغي أن تموت، بل أن تترجم لشكل مؤسسي أو تنظيمي يساعد المتعثرين من جهة، ويخلق حالة من الوعي في طريقة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي لأجل التغيير الإيجابي للمجتمع".
وأضاف جهاد أن منشور رُبى الذي كلفها نقرة واحدة استطاع أن يستقطب مئات الأردنيين والأردنيات من محافظات مختلفة لمطعم أبيها. كما تساءل: "فزعة الشعب الأردني في المواقف الصعبة هي صفة متأصلة في شخصية الأردنيين. فلماذا لا نجعلها صفة متأصلة في مواقع التواصل الاجتماعي؟".
وختم عمر: "ابتسامة صاحب المطعم علمتني أن المحتوى الرقمي قادر على انتشال من يغرقون في مياه العوز والفقر… أهم شي الحج يكون مبسوط".
ويُقدّر عدد مستخدمي منصة فيسبوك في الأردن بأكثر من سبعة ملايين شخص، وأكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون مستخدم لتطبيق انستغرام، و4.4 ملايين شخص عبر "تيك توك"، وثلاثة ملايين مستخدم لتطبيق سناب شات، وفق إحصاءات موقع داتا بورتال مطلع العام 2022.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
عبد الغني المتوكل -
منذ 10 ساعاتوالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ 11 ساعةرائع
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت