شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"إن ضلّ العود اللحم بيعود"... الأسير عواودة و30 كيلوغراماً في مواجهة إسرائيل

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الاثنين 29 أغسطس 202205:47 م

أشكال مختلفة من الألم يتكبدها المواطن الفلسطيني بسبب ممارسات الاحتلال الإسرائيلي المستمرة لأكثر من سبعة عقود متواصلة. ويبدو الألم عنواناً كبيراً لهذه الرواية، رواية شعب أنهكه فقدان الأرض، وتزايد أعداد الشهداء والاعتقالات المتتالية يوماً بعد يوم، بالإضافة للخسارات المتواصلة في المال والأملاك والأرواح، وقتل أي أمل ممكن للحياة. أنواع كثيرة من الكوارث، لا يتردد الاحتلال الإسرائيلي في تمريرها على الجسد والوعي الفلسطيني، من أجل فرض سياساته العنصرية الاحتلالية ضد شعب مدني.

اعتقال لسبب مجهول

في كانون الثاني/ ديسمبر من عام 2021، أقدمت قوات الاحتلال على اعتقال الشاب الفلسطيني خليل عواودة من بيته في مدينة الخليل في الضفة الغربية، وتم الاعتقال في سجن الرملة، دون إبداء أسباب لهذا الاعتقال ودون توجيه أيّ تهم. هذا الإجراء المتداول من قبل قوّات الاحتلال، وفي حالات متكرّرة، يعرف باسم "الاعتقال الإداري"، ولا يستند إلى أي دليل أو ميثاق قانوني، ولا يمكن تعريفه إلا بمصطلح البلطجة واستخدام القوة ضد المدنيين. فلم يخضع خليل عواودة لأي صورة من صور الاتهام بفعل جنحة، أو ارتكاب جريمة، ويستمر اعتقاله لمدة تسعة أشهر دون أي إخطار بموعد انتهاء الحبس أو حتى محاكمة.

وهو ما دفع الأسير عواودة بعد ثلاثة أشهر من اعتقاله الجائر، لبدء رحلة إضراب عن الطعام مقرراً أنها لن تتوقف حتى نيل حريته، بالكامل، والعودة لحضن بناته الأربع، اللواتي يمضين جميعهن في عمر الطفولة، لتصل مدة الإضراب الفعلي عن الطعام إلى 180 يوماً لا يتذوق فيها أي شكل من أشكال الطعام، ويتمسك بالحياة، عبر تلقيه رشفات من الماء.

هذه الرحلة الشاقة وصلت به لمرحلة شديدة الخطورة، حتى صار يواجه شبح الموت في أي لحظة، جراء فقدانه ثلثي وزنه، الذي يراوح عند 30 كيلو غراماً، في وقت لا تتنازل دولة الاحتلال الإسرائيلي عن موقفها الجائر بحقه، وترفض إلغاء قرار اعتقاله، وإطلاق سراحه، إذ تم نقله من سجن الرملة إلى مستشفى "أساف هاروفي" الإسرائيلي بسبب شعور إدارة السجن بتعاظم الخطر حول حياته.

ومع اشتداد الخطر على حياة عواودة، أطلقت عائلته مناشدات عدة على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، مطالبة بالتدخل الفوري من المسؤولين في السلطة الفلسطينية والمجتمع الدولي لإنقاذ حياته.

مشاعر مختلطة

يقول إياد عواودة وهو الشقيق الأكبر للأسير خليل لرصيف22: "تتملكنا مشاعر مختلطة، نحن نرى ابننا يصارع الخطر مع الموت، إذ يدفع جسده خسارة وتلفاً، مقابل نيل حريته، والعودة إلى بيته كما كان، يحتضن بناته الأربع، فلا أخفي عليك أننا نشعر جميعاً بالخوف والقلق على حياة خليل، وقد وصل إلى مرحلة متأخرة في صحته جراء إضراب دام ستة أشهر".

ويضيف: "في الوقت الذي يمتنع خليل عن الطعام بكافة أشكاله، وكذلك المكملات الغذائية والفيتامينات، فإنه في كل يوم يخسر جزءاً من صحته، ويقترب أكثر من حافة الموت… لا شيء أمامنا نفعله سوى أن نتظاهر بأننا أقوياء أمام خليل، لكن بحالته الصحية المتردية هذه، يبدو أقوى منا جميعاً، لكننا نشعر بالحزن الشديد على حالته، ونمتلئ بالخيبة من الظروف اللاإنسانية التي أجبر على المرور فيها بسبب ظلم الاعتقال غير المبرر، وتعنت إسرائيل بعدم الإفراج عنه لمدة تزيد عن تسعة أشهر".

وردة ذابلة

بدا خليل عواودة بحالة صحية صعبة للغاية، حسب الصور التي نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل إعلامية مختلفة، والتي التقطها أفراد من عائلته، حيث توضح ما وصلت إليه حالة الأسير، إذ تحوّل إلى وردة ذابلة تواجه الموت في أيّ لحظة.

في الوقت الذي يمتنع خليل عن الطعام بكافة أشكاله، وكذلك المكملات الغذائية والفيتامينات، فإنه في كل يوم يخسر جزءاً من صحته، ويقترب أكثر من حافة الموت…

يتابع إياد عواودة: "نفاجأ بتعليقات الأطباء كل يوم، حول دهشتهم بما وصل إليه أخونا، واستغرابهم من قدرته على الاستمرار بالحياة، فيجمع الأطباء على أن خليل قد وصل لقدرة صحية متدنية، فقد من خلالها جزءاً كبيراً من بصره، بالإضافة إلى أوجاع مختلفة في أنحاء جسده، الذي ضمر جراء الجوع، إذ كان وزنه 90 كغم، وانخفض إلى 30".

يرى عواودة أقرباءه بكل ذلك الغبش جرّاء فقدان بصره، لكنه ربما وكما وصفت عائلته، يرى حريته بوضوح شديد، وتدلل الجسارة التي يتحدث من خلالها، على أنه لم يفقد وعيه بعد. يتابع إياد: "في كلّ لحظة يتألّم أخي، أشعر بالوجع يسري في جسدي، بالإضافة إلى أصوات من الداخل أعجز عن الحديث عنها أو وصفها، تجاه مشهد جسد أخي المتآكل".

يجمع الأطباء على أن خليل قد وصل لقدرة صحية متدنية، فقد من خلالها جزءاً كبيراً من بصره، بالإضافة إلى أوجاع مختلفة في أنحاء جسده، الذي ضمر جراء الجوع، إذ كان وزنه 90 كغم، وانخفض إلى 30

ويستطرد: "كلمة خوف أو قلق، تبدو مألوفة ومبتذلة في هكذا حالة، فإنني أعتصر من داخلي على حالة أخي، وكذلك، حينما أرى بناته الأربع أمام عيني".

مشهد صادم

أما محمود عواودة، الشاب الثلاثيني، وابن عم الأسير خليل عواودة وصديقه الذي يداوم على زيارته في المشفى، فيقول لرصيف22 :"لقد كان المشهد صادماً، حينما رأيت خليل لأول مرة بعد فترة إضرابه عن الطعام، لنيل حريته، لقد نظرت إليه بحسرة على ما آل إليه جسده من الهزال والضعف، بعد أن كان رجلاً "بصحة بتهد جبال"، والسبب في ذلك هو تعنت الاحتلال الإسرائيلي في منحه حريته التي يكفلها القانون الدولي والمواثيق الدولية، فلم يرتكب ابن عمي جرماً ولا يتم توجيه أي تهمة له حتى الآن".

ويضيف:" حينما رأيت خليل، أخبرني بأنه لم يكن يرى نفسه في المرآة طوال فترة الإضراب المفتوح عن الطعام، وأن الصدمة تملكته حينما رأى وجهه وجسده لأول مرة".

ويكمل: "إننا ندخل للمستشفى بنفسية سيئة، لكننا نرى القوة في عينيْ خليل، ونستمد صبرنا من رؤية كلمة الحرية مكتوبة على جبينه، وهذا لا يخفي الشكل المثير للشفقة الذي وصل إليه جسده".

الطريق الأصعب

ولطالما كانت رحلة الحرية محاطة بكل أنواع الصعاب، وهذه الطريق التي مضى من خلالها خليل عواودة، كانت هي الأكثر صعوبة وخطورة، فذهب نحو تساقط عضلاته ولحمه، ولا يتبقى من جسد خليل عواودة الآن، سوى عظامه اللينة جراء الجوع الشديد لما يقارب 180 يوماً، حتى ظهرت عظام عموده الفقري واضحة، يغطيها الجلد لا أكثر، وصار من السهل عدّ عظام قفصه الصدري، التي تبرز دون مواربة، وعند عنقه يظهر الضعف الشديد والوضع الهزيل لجسده، وتبدو عروقه فارغة من الدم، وأعصابه منسابة، مثل خيوط مترامية.

لقد كان المشهد صادماً، حينما رأيت خليل لأول مرة بعد فترة إضرابه عن الطعام، لنيل حريته، لقد نظرت إليه بحسرة على ما آل إليه جسده من الهزال والضعف، بعد أن كان رجلاً "بصحة بتهد جبال"

يقول محمود عواودة: "حاورت خليل حول وضعه الصحي، وقد بدا مركوناً في زاوية من السرير، متكوماً على ما تبقى من جسده، وحينما أوضحت له صعوبة حالته، وتآكل لحمه، أجابني وقد فتح عينيه بقوة: "إن ضل العود… اللحم بيعود". ويضيف: "هذه الصلابة التي بدت على روح خليل، معاكسة تماماً لحالة جسده، وتنبئ بعودة الحرية له قريباً، فلا يستطيع الاحتلال الصمود أمام هكذا نوعية من القوة، إنه أضعف من هذا الجسد الضعيف".

ويتابع: "لا أخفي عليكم مدى الخوف الذي ينتابنا على حياة ابن العم، فمن الممكن أن يتسبب المزيد من الامتناع عن الأكل بخسارة حياة الأسير، وقد دخلنا في مرحلة شديدة الخطورة، في الوقت الذي لا نجد من يساندنا بالموقف أو الإجراءات من قبل المسؤولين الفلسطينيين".

خدعة

وفي الوقت الذي تستمر حالة خليل عواودة الصحية في التراجع، يحاول الاحتلال العمل على المزيد من المراوغة والتضليل والتحايل، إذ تسعى إدارة المستشفى جاهدة باتجاه إنهاء إضراب الأسير، عبر الضغط عليه لإنهاء إضرابه، لكنه في كل مرة يرفض طلبهم، ويخبرهم : "إما الحرية وإما فليذهب جسدي وليتساقط".

وكنوع من من التحايل، عزمت إدارة المستشفى على وضع الفيتامينات في الماء المقدم لخليل عواودة، كما قال ابن عمه، لكنه بعدما شك في الأمر، طلب الزجاجات البلاستيكية للمياه المعدنية، لضمان بقاء إضرابه على الماء وحده، ليشكل المزيد من الضغط على إدارة الاحتلال، الذي يعلم أن موت الأسير، بهذه الوضعية سيشكل أزمة غير محسوبة التبعات.

خليل الذي يرقد في العناية المركزة، يمنع الاحتلال مغادرته المستشفى، بعدما تم تعليق القرار الإداري بالاعتقال، وبعد تدهور حالته الصحية، لكن كما يفيد أقرباؤه، فإن هذا الإجراء ما هو إلا خدعة جديدة يضعها الاحتلال الإسرائيلي في طريق حرية خليل، إذ سبق أن تم تعليق القرار، بعدما علق إضرابه ثمانية أيام، تناول خلالها أقراص الفيتامين، بعد منحه وعداً بخروجه خلال أيام، وما إن تحسنت صحته، حتى تم استئناف قرار الحبس الإداري في حقه.

هدية عيد الميلاد... حضن ونظرة

أما تولين عواودة (9 سنوات)، ابنة الأسير، فتذهب لزيارة أبيها يوم عيد ميلادها، وتفاجئه داخل المشفى بسؤالٍ: ماذا يصادف اليوم يا أبي؟ فيجيبها: "إنه اليوم الذي رزقنا الله بضحكتك يا حبيبتي".

لقد أرادت تولين أن يكون حضن أبيها هو الهدية المنتظرة في عيد ميلادها، وأن تجذب من عينيه بعضاً من الأمان، الذي يفتقده هو في حالته هذه، إذ تخرج تولين لمواجهة وسائل الإعلام بصوت حر، لكن بنبرة حزينة، معبرة عن استغرابها من فعلة الاحتلال ضد أبيها، ومتمسكة بنفس الصفة التي ترثها عن أبيها، وهي السعي للحرية مهما كلف الثمن.

يذكر أنه، منذ عام 2015، أصدرت قوات الاحتلال 8700 قرار بالاعتقال الإداري بحق الفلسطينيين، تشمل النساء والأطفال، وكبار السن، وقد دعمت المحاكم العسكرية الإسرائيلية هذه القرارات، بحيث تطول مدة الاعتقال هذا لسنوات.

والاعتقال الإداري هو قرار اعتقال بأمر عسكري إسرائيلي، يتخلله التكتم والسرية، وإخفاء الملفات المتعلقة بالاعتقال، دون توجيه لائحة اتهام، لمدة ستة أشهر قابلة للتمديد، ويبقى المعتقل معلقاً دون قدرة على اتخاذ اجراءات قانونية عبر المحامين لحماية حقه في الحرية.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard