استضافت مدينة العلمين المصرية، في 23 آب/ أغسطس الجاري، لقاءً وُصف بالتشاوري بين قادة دول كل من مصر والأردن والإمارات والبحرين، وبمشاركة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الذي اضطر إلى المغادرة مبكراً بسبب تطورات الأوضاع السياسية الداخلية في العراق.
يفتح هذا اللقاء الباب أمام تساؤلات عدة، منها طبيعة الدول المشاركة في القمة وماهية أهدافها، ولماذا تغيبت دول مهمة عن حضور القمة، مثل السعودية؟ وهل الغياب هذا له علاقة بعدم رغبتها في التصعيد مع إيران التي على وشك أن تعود إلى الساحة الدولية مع افتراب رفع العقوبات عنها؟ وهل التباين السعودي-الأردني في المواقف السياسية له علاقة بغياب الرياض عن القمة؟ ولماذا لم يكن هناك حضور لقادة فلسطين واليمن وليبيا مع أنّ قضاياها كانت حاضرةً فيها؟
يقول المحلل السياسي الأردني عمر الرداد، إنّ هذه القمة هي امتداد لقمم سابقة عُقدت بين بعض الأطراف المشاركة واللافت دخول الإمارات والبحرين على الخط كدوليتين خليجيتين، وكذلك الأردن والعراق ومصر، مشيراً إلى أنّ هناك مشروعاً اقتصادياً كبيراً بينهم، يتمثل في الطاقة والكهرباء وحتى قضايا تعاون اقتصادي ودفاعي وتعاون في مجالات التدريب في ما يتعلق بالعراق.
وأتت قمة العلمين الأخيرة من دون عنوان واضح، إلّا أن الدول العربية، أو التي اجتمعت في مصر على وجه التحديد، تحاول بأكثر من طريقة إيجاد أرضية تكافل أو تعاون اقتصادي وازدادت هذه الرغبة مؤخراً لا سيما نتيجة تداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية وتأثيراتها على ملف الطاقة والغذاء.
استضافت مدينة العلمين المصرية، لقاءً وُصف بالتشاوري بين قادة دول كل من مصر والأردن والإمارات والبحرين والعراق
على سبيل المثال، فإنّ مصر على صعيد علاقاتها مع دول الخليج لم تكتفِ بالدعم الإماراتي والسعودي بل امتدّت أيضاً إلى دعم من قطر في ظل ظروف اقتصادية صعبة تعاني منها حالياً تتمثل في تراجع قيمة الجنيه، فضلاً عن مشكلات اقتصادية جمّة تتفاقم يوماً بعد يوم، والدول الخليجية في ظل علاقة سياسية مع الحكومة والقيادة المصريتين تريد أن تساهم في بناء مصر مجدداً وإنقاذها من هذه الأزمات، وهذا ما يذهب إليه الرداد، في رؤيته لأحد أسباب عقد القمّة.
مواجهة إيران المزعومة
هذا الواقع، لا ينفي وجود قضايا أخرى مثل التعاون والتنسيق بخصوص الملف النووي الإيراني إذ إنّ الوقائع والمفاوضات المتقدمة التي تحصل بين واشنطن وطهران، توحي بأن الاتفاق على الملف النووي الإيراني صار قاب قوسين أو أدنى من الإنجاز بالرغم من التحفظات الإسرائيلية عليه.
بحسب الرداد، فإن "الموقف العربي تجاه إيران لن يتجاوز ما أعلن عنه خلال القمة العربية التي عقدت في جدة، خلال زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، وهو عدم معاداة إيران وعدم التصعيد مع الجانب الإيراني الذي عليه تقديم ما يؤكدّ علاقاته الإيجابية مع العرب".
ويشير الرداد إلى أنّ إعادة سفراء الخليج تباعاً إلى إيران، بدءاً من الإمارات، تعكس حسن النوايا العربية تجاه طهران، ويبدو أنّ الرياض خلال فترة قريبة ستعيد سفيرها والعلاقات الدبلوماسية مع إيران، وهو ما يعطي مؤشرات على حسابات عربية مختلفة، جوهرها أنّها تريد أن تبني تفاهمات وتعاوناً إقليمياً مع إيران، لا سيما وأنّ هناك شكوكاً في أنّ واشنطن ستذهب في اتجاه الاستجابة للمطالب الإسرائيلية، وعلى رأسها أمن تل أبيب، من دون أن تأخذ بعين الاعتبار الأمن العربي والمطالب العربية بشكل دقيق.
الانقسام غير جديد
على صعيد آخر، فإنّ تصريحات العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، عن حلف الناتو العربي، والتي كانت بدافع من الدول العربية المطبعة، قابلها كلام معاكس تماماً لوزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، الذي أكدّ أنّه لا يوجد شيء اسمه "ناتو عربي"، وأشار إلى أنّه ليس هناك حديث عن تحالف خليجي مع إسرائيل.
الموقف العربي تجاه إيران لن يتجاوز ما أعلن عنه خلال القمة العربية التي عقدت في جدة، وهو عدم معاداة إيران وعدم التصعيد مع الجانب الإيراني الذي عليه تقديم ما يؤكدّ علاقاته الإيجابية مع العرب
هذا التضارب ألقى بظلاله على الواقع العربي، لهذا نشب الخلاف بحسب ما يذهب إليه المحلل السياسي رضوان قاسم بين السعودية والأردن لاختلاف وجهات النظر في الأمر، لأنّ التراجع السعودي أتى نتيجة تقدّم العلاقات نسبياً بين الرياض وطهران بوساطة عراقية، إذ تريد السعودية الحفاظ على الإنتاج النفطي، لأنّها تدرك تماماً أنّ أي معركة قادمة أو احتكاك عسكري سواء كان مع اليمن أو مع غيره، ستكون له تداعيات كبيرة على السعودية وخاصةً في الشق الاقتصادي، في ظرف دقيق يمرّ به العالم عموماً.
لهذا السبب فإنّ السعودية، بحسب تأكيدات قاسم، خرجت من نطاق ما يُسمى بـ"الناتو العربي"، وعليه فإنّ قمة العلمين التي عُقدت في مصر جاءت نتيجة ضغوط أمريكية لمزيد من التعاون الأمني والعسكري بين هذه الدول وإسرائيل من ناحية، وبين هذه الدول وأمريكا من ناحية أخرى.
تحالفات هشّة
قبل نحو شهرين، جرت مناورات تحت مسمّى "الأسد الإفريقي 2022"، وأقيمت في المغرب بقيادة القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا والقوات المغربية وبمشاركة أيضاً من إسرائيل، وكذلك المناورات العسكرية التي جرت مع 8 دول والتي عُرفت تحت مسمى "هرقل 2" في مصر، بمشاركة قوات خاصة من السعودية والإمارات واليونان وقبرص، بالإضافة إلى الأردن والولايات المتحدة والكونغو الديمقراطية والبحرين.
ويؤكد قاسم أنّ كل هذه التحالفات تعكس وجود تحالف عسكري بالتعاون مع واشنطن وإسرائيل من قبل الدول المطبعة مع تل أبيب، وهذا يؤكدّ على أنّ القادم من الأيام ستكون له تداعيات كبيرة في ما لو حدثت أي معركة عسكرية، مشيراً إلى أنّ أي معركة قادمة سيكون للحوثيين دور أساسي فيها، في حال تطوّرت الأمور والأحداث في المنطقة ووصلت إلى المحور الإيراني بأكمله، وهذا ما يفسر مناقشة قمة العلمين للملف اليمني وتداعياته.
قبل نحو شهرين، جرت مناورات تحت مسمّى "الأسد الإفريقي 2022"، وأقيمت في المغرب وكذلك مناورات "هرقل 2" في مصر
ويضيف: "التحالفات السياسية في المنطقة اختلفت بشكل كبير، فهناك روسيا وإيران والمحور المسمى بالمقاومة، في المقابل التحالف القائم الذي مثلته القمة العربية الأخيرة التي تتمثل في مصر، والأردن، والإمارات، والبحرين، والدول المطبعة مع إسرائيل".
لماذا تغيب السعودية؟
كان لافتاً خلال القمّة تغيّب السعودية عنها، خاصةً بعد الكثير من المعلومات التي رافقت قمة جدة التي انعقدت في 16 تموز/ يوليو الماضي، والحديث عن تطبيع وشيك مع إسرائيل وهو ما نفته الرياض التي عادت وأكدت على تمسّكها بحل عادل للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، والاستناد إلى المبادرة العربية التي صدرت عن القمة العربية المنعقدة في العاصمة اللبنانية بيروت عام 2002.
تغيّب السعودية، له أسبابه ومبرراته وهو يأتي لسببين بحسب ما يقول قاسم، الأول لأنّ السعودية لا تريد أن تكون في الواجهة اليوم في مواجهة إيران ومحورها من ناحية، ولتقدم العلاقات والحوار مع إيران من ناحية أخرى، وثانياً الخلافات غير المعلنة بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ورئيس دولة الإمارات محمد بن زايد، بسبب التنافس الشديد بين الرياض وأبو ظبي حول التطور والتوجه الاقتصادي، وذلك لأنّ الإمارات تسعى اليوم إلى أن تكون هي الدولة المستقطبة لكل ثروات العالم من أصحاب المليارات والأغنياء في العالم، كما الحال بالنسبة للسعودية.
قمة العلمين التي عُقدت في مصر جاءت نتيجة ضغوط أمريكية لمزيد من التعاون الأمني والعسكري بين هذه الدول وإسرائيل من ناحية، وبين هذه الدول وأمريكا من ناحية أخرى
كذلك، يرى قاسم أنّ التباين السعودي-الأردني بعد تصريحات العاهل الأردني عن تحالف الناتو ورفضها من الجانب السعودي، وتّر العلاقات بين الرياض وعمان. مشيراً إلى أنّ أي دولة تختلف مع السعودية، تقترب من الإمارات، والعكس صحيح فأي دولة تتقارب مع الإمارات تبتعد عن السعودية، وهذا بسبب التنافس في المصالح والنفوذ، لكن الدور الأكبر سيكون للسعودية في الأيام القادمة، بسبب إنتاجها الكبير من النفط والغاز الذي سيساعدها على أن تلعب الدور الأساسي، كما أنّ التقارب مع الجانب الإيراني من ناحية، والتركي من ناحية أخرى، سيقوّي ويعزز من دورها ووجودها في المنطقة.
وبحسب قاسم، فإنّ الأيام القادمة ستحمل تحالفات مختلفةً تماماً عما كان في السابق، وربما نشهد توترات على المستوى الأمني لأنّ إسرائيل تريد خلط الأوراق في المنطقة خاصةً في ما يخصّ الملف النووي الإيراني، لأنّه ليس من مصلحتها كما يعبّر القادة الإسرائيليون، وربما يذهبون إلى تصعيد أمني لإفشال الاتفاق النووي الإيراني، لكن لن يأخذ هذا التصعيد الطابع العسكري بسبب عدم قدرة إسرائيل على المواجهة، وعدم توفر الغطاء الأمريكي لفتح مواجهة أو معركة كبيرة مع إيران.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...