شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
السعودية وإيران تصعدان في اليمن... صراع الغلبة قُبيل المفاوضات

السعودية وإيران تصعدان في اليمن... صراع الغلبة قُبيل المفاوضات

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 19 يناير 202205:15 م

مثّل الهجوم الجوي الذي تبنّته جماعة "أنصار الله" الحوثية، بصواريخ باليستية وطائرات مسيّرة على الإمارات، تحولاً مهماً في الصراع الدائر في اليمن بين الجماعة المتمردة المدعومة من إيران، ودول التحالف التي تحاربها، الأمر الذي يلقي بظلاله أيضاً على مسار المفاوضات الجارية بين الجانبين السعودي والإيراني، ومستقبلها، سواء أكان ذلك في الجولات الأربع السابقة، أو خلال الجولات القادمة التي من المعتقد أن يتم عقد الجولة الخامسة منها، خلال الأسبوعين القادمين مجدداً في العاصمة العراقية بغداد.

وأعلن الحوثيون أنهم استهدفوا مطار أبو ظبي، ومنشآت "حساسة" في الإمارات، بخمسة صواريخ باليستية، وعدد "كبير" من المسيّرات، إذ شهدت أبو ظبي، الإثنين 17 كانون الثاني/ يناير 2022، انفجار ثلاثة صهاريج نقل محروقات بترولية، ووقوع حريق في منطقة الإنشاءات الجديدة قرب مطار أبو ظبي، وأسفر أحدهما عن مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة ستة آخرين.

يشهد اليمن منذ نحو ثلاثة أسابيع، تصعيداً كبيراً من قبل قوات التحالف السعودي الإماراتي، ويظهر ذلك ميدانياً من خلال الهجوم المركز على صنعاء ودخول قوات العمالقة على خط معارك شبوة، ومأرب

يشهد اليمن منذ نحو ثلاثة أسابيع، تصعيداً كبيراً من قبل قوات التحالف السعودي الإماراتي، ويظهر ذلك ميدانياً من خلال هجوم قوات التحالف على صنعاء بتوجيه سعودي، فيما دخلت قوات العمالقة المدعومة إماراتياً وسعودياً على خط المعارك على جبهات شبوة، ومأرب، الإستراتيجيتين، وهو ما عدّه الحوثيون تصعيداً غير مسبوق من الجانب الإماراتي.

وكانت الإمارات قد أعلنت في تموز/ يوليو من العام 2019، إعادة انتشارها في اليمن، في خطوة قدّرها محللون على أنها انسحاب مُبطّن، فلم تُقحم نفسها في معارك الشمال اليمني، وركّزت جهودها على الجنوب، من خلال دعم الانفصاليين الجنوبيين المتمثلين على وجه الخصوص في المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يتمركز وينطلق من العاصمة المؤقتة عدن، بقيادة محافظ المدينة السابق، عيدروس الزبيدي، إذ تأسس المجلس المدعوم من الإمارات، في أيار/ مايو 2017، كحركة سياسية تسعى إلى فصل الجزء الجنوبي من البلاد عن شمالها.

ويُعدّ الملف اليمني أحد أبرز الملفات الرئيسية التي دار حولها الخلاف بين الرياض وطهران، في أثناء الجولات التي عُقدت في وقت سابق، إذ وحسب المعلومات المتوفرة، فإن السعودية لا تزال تصرّ على أنّ الملف اليمني مفتاحه السحري لدى إيران، وأنّ الأخيرة هي من تملك زمام الأمور في اليمن، وتالياً طلبت الرياض من طهران الضغط على الحوثيين في اليمن، للوصول إلى تسوية سياسية، وإنهاء الحرب هناك.

في المقابل، يتردد الإيرانيون في ممارسة أي ضغوط على حليفهم "الحوثي"، بذريعة أنّهم "لا يمارسون الضغوط على حلفائهم في المنطقة، وأنّ على السعودية أن تذهب لمفاوضة الحوثيين مباشرةً حول الملف اليمني، من دون أن تكون هي طرفاً رئيسياً، على الرغم من دعمها للجماعة"، الأمر الذي عدّه السعوديون مراوغةً من قبل الجانب الإيراني لكسب الوقت في مفاوضاته مع الجانب السعودي.

يتردد الإيرانيون في ممارسة أي ضغوط على حليفهم "الحوثي"، بذريعة أنّهم "لا يمارسون الضغوط على حلفائهم في المنطقة، وأنّ على السعودية أن تذهب لمفاوضة الحوثيين مباشرةً حول الملف اليمني"

يؤكدّ المحلل السياسي د. وحيد حمزة هاشم، لرصيف22، أنّ هناك تجاذباتٍ إقليميةً ودوليةً في ما يتعلق بتطور الأحداث بصفة عامة، وفي اليمن بصفة خاصة، مشيراً إلى أنّ "الحوثيين يرفضون أي مبادرة من مبادرات السلام، سواء الدولية، أو حتى من قبل قوات التحالف وقياداته السياسية، وهذا الأمر لا يروق ولا يخدم مصلحة الكثير من الدول، خصوصاً أنّ إيران الآن في مرحلة حرجة حالياً في حوارها في ما يتعلق ببرنامجها النووي مع الدول الكبرى (5+1)، والضعوط التي تمارسها واشنطن على إيران من ناحية، والتهديدات الإسرائيلية لها من ناحية أخرى".

وعليه، فإنّ إيران، حسب رؤية هاشم، بحاجة ماسة إلى "شكل من أشكال التقارب مع بعض الدول في المنطقة، وخاصةً السعودية، بالإضافة إلى ذلك، فإنّ معظم الشحنات العسكرية والأسلحة إلى الحوثيين، قد ثبت أنّها مرسلة من إيران، مما أدى إلى ضغوط كبيرة على طهران من قبل المجتمع الدولي".

طرحت إيران قبل سنوات عدة، مبادرةً من عدة بنود، لحل الأزمة اليمنية، تشمل وقف إطلاق النار، ورفع الحصار، وإعادة فتح المعابر البحرية والجوية والبرية

من جانب آخر، فإنّ تصعيد السعودية للعمليات العسكرية ضد الحوثيين، وخصوصاً دعمها المباشر لقوات "العمالقة"، وقصفها المركّز لصنعاء، هدفهما الأساسي هو وضع الحوثيين في موضع المدافع، وتالياً الدخول في مفاوضات السلام من موقع الضعيف، وليس من موقع القوي.

يقول العميد ركن المتقاعد، والمحلل العسكري السعودي، حسن بن ظافر الشهري، لرصيف22: "السعودية تردّ على التهديد اليمني، وهي قدّمت مبادرة سلام كاملةً، ورفضتها إيران وميليشياتها، واختارت الحرب بديلاً عن سلام يرضي كافة المكونات في اليمن الشقيق"، عادّاً أنّ "تحرير محافظة شبوة من قبل ألوية العمالقة، نقطة تحوّل لتوحيد جهود الشرعية اليمنية، وتوجيه الحرب نحو ميليشيات إيران، والسعودية باتت تملك زمام المبادرة في جميع الأوقات، ومع كافة الأطراف".

في المقابل، يُشير المحلل السياسي الإيراني حسن رستمي، لرصيف22، إلى أنّ "إيران طرحت قبل سنوات عدة، مبادرةً من عدة بنود، لحل الأزمة اليمنية، تشمل وقف إطلاق النار، ورفع الحصار، وإعادة فتح المعابر البحرية والجوية والبرية، كما كان الدخول في مفاوضات سياسية للاتفاق على مرحلة انتقالية بعد وقف الأعمال القتالية، وتشكيل حكومة توافقية، بنداً آخر من بنود المبادرة".

تصعيد السعودية للعمليات العسكرية ضد الحوثيين، هدفها الأساسي هو وضع الحوثيين في موضع المدافع، وتالياً الدخول في مفاوضات السلام من موقع الضعيف، وليس من موقع القوي 

يضيف: "إيران أعلنت خلال اللقاء مع المسؤولين الإماراتيين، وحتى السعوديين، أنّه يجب على اليمنيين أنفسهم التحدث عن اليمن، والتوصل إلى اتفاق، وإيران في الوقت الراهن لم تقدّم مبادرةً جديدةً لحل الأزمة اليمنية، لكنّها أكدت مراراً على الحل السياسي لإنهاء الحرب في اليمن، منوّهاً بأنّ "إعلان السعودية والإمارات في وسائل الإعلام أنّهما تعتزمان ممارسة الضغوط على إيران في المفاوضات، من خلال تصعيد الاشتباكات في اليمن، بما في ذلك جبهة شبوة ومأرب، للحصول على تنازلات منها".

تشهد إيران نوعاً من الضياع في المنطقة سببه مقتل قاسم سليماني الذي ترك فراغاً كبيراً، لم تستطع طهران حتى هذه اللحظة ملأه.

ويتابع رستمي حديثه مشيراً إلى أن الضغط على إيران لن يُحقق أي نتيجة، لأنّ ذلك أولاً وقبل كل شيء، سيزيد معاناة الشعب اليمني، وإيران أكدت مراراً على ضرورة التحدث مع اليمنيين حول هذا الأمر، وترحّب بأي قرار من شأنه أن يؤدّي إلى إنهاء الحرب في اليمن".

ويبدو أنّ المحور الإيراني بات يشهد فراغاً كبيراً بعد اغتيال قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني، وهذا ما يؤكدّ عليه السياسي العراقي انتفاض قنبر، المقرّب من رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، مؤكداً أنّ هناك تغيّراً كبيراً في كل المنطقة، والسبب يُعزى إلى مقتل قاسم سليماني الذي ترك فراغاً كبيراً، مشدداً على أنّ إيران لم تستطع حتى هذه اللحظة ملأه.

ويضيف قنبر لرصيف22: "لا يُعرف إنّ كان في استطاعة إيران أن تملأ الفراغ مستقبلاً أم لا، وكم تحتاج من الوقت، كل هذا نتيجة لغياب القيادة القوية لسليماني، وعلاقاته وشبكاته وتمويله، فمن أتى مكانه لا يرقى إلى مستواه على الإطلاق".

وفي ما يتعلق بالسعودية والإمارات، فإنّ الغالب في المعركة وفي الميدان، حسب رؤية قنبر، يستطيع أن "يتفاوض من موقع قوّة، ولذلك تحصل معارك تكسير عظام، وهذا ما حدث مؤخراً بين الطرفين، لكن في الوقت نفسه، يتحتم على الحوثيين الانسحاب من كل المناطق التي ليست لهم أرضية وجذور فيها، وهذا ما سيحصل حين سينحصرون في المناطق التي هم منها، ولديهم جذور فيها".

يغيب الدور الأمريكي بشكل ملموس في الصراع الدائر في اليمن، بالرغم من سعي إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للوصول لاتفاق نووي جديد مع طهران

بالإضافة إلى ذلك، فإن وفاة سفير طهران لدى اليمن، حسن إيرلو، الذي قيل إنه مات نتيجة إصابته بكورونا، لكنّ ثمة اعتقاد بأنّه قد قُتل، وهذه ضربة كبيرة، ساهمت، حسب قنبر، في رجحان كفّة التحالف السعودي-الإماراتي على حساب إيران، كما أنّ هناك تقهقراً لإيران في العراق من خلال الانتخابات الأخيرة، وخسارة شخصيات وميليشيات تابعة لها.

واللافت في كُل ذلك، غياب الدور الأمريكي الملموس في هذا الصراع الدائر،بالرغم من سعي إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للوصول إلى اتفاق نووي جديد مع طهران، بعكس ما كان عليه أيام ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب، ويقول قنبر: "لا يجب أيضاً إغفال العامل الإسرائيلي، فلإسرائيل علاقات متينة مع الإمارات والسعودية، وهي تعطيهم الاستشارة والمشورة والتدريب، وخصوصاً للإماراتيين".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image