اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي المصرية هجوماً وسخريةً وفي بعض الأحيان تأييداً على خلفية تصريحات الدكتورة هبة قطب، استشارية العلاقات الأسرية، بعد أن قالت خلال لقاء تلفزيوني مع الإعلامي عمرو أديب، في برنامجه "الحكاية" عبر قناة MBC مصر، "إنه لا يوجد نص سواء في الدين أو القانون يلزم المرأة بالطهي لزوجها دون أن يكون هناك أدوار متبادلة بين الزوجين، وأن بعض النساء يشترطن على أزواجهن أن يتولوا هم مهمة الطهي".
اللافت أن الهجوم توجه إلى قطب وليس إلى الدين، وأن الردود الرافضة والممتعضة سواء في المنشورات أو في التعليقات لم تسعَ لمحاججة النصوص والفتاوى عملاً بمبدأ "من فمك أدينك" بل إلى التشكيك في قطب وفي نواياها شخصياً.
الفتوى: يحق للزوجة الغنية أن تطلب مساعدة منزلية
يمكن القول ببساطة وبتحليل سريع لردود الأفعال إن ما فعلته قطب هو أنها وضعت النص الديني الذي لا يفرض على المرأة الخدمة في بيتها في مواجهة العرف المجتمعي الذي يجبرها على خدمة زوجها ثم خرجت من القصة.
اللافت أن الهجوم توجه إلى قطب وليس إلى النص الديني، وأن الردود الرافضة والممتعضة سواء في المنشورات أو في التعليقات لم تسعَ لمحاججة النصوص والفتاوى عملاً بمبدأ "من فمك أدينك"
على الرغم من كل النجاحات التي تحققها المرأة المصرية إلاّ أن غالبية المجتمع لا يزال مصراً على أن خدمة الزوج وتربية الأبناء ومهام المنزل هي من مسؤوليتها وحدها.
فإذا شاركها الزوج في تحمّل أعباء المنزل فسيؤثّر ذلك على مكانته كرجل داخل المجتمع بمرجعياته العُرفية، لكن ماذا عن الدين كمرجع لا يقل قوةً وتأثيراً، وماذا إذا قال الفقه إنّ على الزوج أن يقدم المساعدة لزوجته؟
الدين وضع تصنيفاً يمكن وصفه بالطبقي، فللمرأة الغنية ألا تخدم في منزلها وتلزم زوجها بمساعدتها أو إحضار "خادمة" لها حسب ما ذهب إليه جمع الفقهاء، أما الفقيرة فليس لها أن تطلب المساعدة، نرى الفتوى التالية في صفحة الشيخ إبن باز حول هذه الإشكالية:
السؤال: إذا كانت المرأة تقول أنا لست بخادمة عندك، وتقول لا بدّ أن تأتيني بخادمة، هل تلزم زوجها بأن يأتيها بخادمة؟
ابن باز: حسب العرف؛ إن كان مثلها يُخدم يُخدِمها، وإن كان مثلها لا يُخدم لا يُخدِمها، لا يلزمه، وإذا تطوع وسمح لا بأس، الناس أقسام والبلاد تختلف.
سؤال: لكن إذا كان مثلها لا يُخدم؟
ابن باز: ما يلزمه أن يأتيها بخادم.
سؤال: وعليها أن تخدمه؟
ابن باز: عليها تخدمه إذا كان مثلها يَخدِم.
للمرأة الغنية ألا تخدم في منزلها وتُلزم زوجها بمساعدتها أو إحضار "خادمة" لها حسب ما ذهب إليه جمع الفقهاء، أما الفقيرة فليس لها أن تطلب المساعدة إذا كان "مثلها لا يُخدم"
لكن قبل هذه الأسئلة يجوز التساؤل عمّا إذا كانت المرأة تحتاج إلى نص ديني أو تشريع دستوري أصلاً لتحصل بمقتضاه على مساعدة زوجها في أعمال المنزل؟
المصريون يُرحلّون النقاش إلى النكتة
نقل مغردون عبر تويتر في تدوينات ساخرة تصريحات هبة قطب، حيث قالت هبة مجدي، وهي ناشطة نسوية: "صحيح أنا فمينست بس بلاش نأفورها، فيها إيه لمّا نسلق بيض ونعمل ساندويتش جبنة".
وفي تغريدة أخرى كتبها أحمد الشافعي، تعليقاً على تصريحات هبة قطب، يقول فيها "كل فتاة لا ترغب في طهي الطعام لزوجها عليها أن تخبره من البداية وإن شاء الله تتجوز في الجنة".
وعبر موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، كتب الكثيرون تعليقات بين النقد والسخرية، إذ علق ساخراً أحمد بن الشحري: "الست دي خلصت الكلام في العلاقات الزوجية وهتخش على شغل خالد الجندي"، فيما علق هشام البريشي: "بس لما تطبخ لنفسها أكيد مفيش سند شرعي يمنعني أكل معاها من باب إطعام مسكين يعني".
وكتبت صفحة zombagi: "ماشي بس لما تطبخ أكيد هاكل معاها حسب اتفاقية جنيف البند الخاص بإطعام الأسير".
"تصريحات هبه قطب كلام فاضي" بهذه العبارة علقت د. فريدة الشوباشي، الكاتبة الصحافية ورئيسة جمعية حقوق المواطن في مصر خلال حديثها لرصيف22، على تصريحات د. هبة قطب، وبحسب رأي الشوباشي "الحياة الزوجية تقوم على أساس المشاركة المتقاسمة بين الزوجين، في مختلف المسؤوليات الحياتية، لا نقول إن الزوجة واجبها القيام بمهام المنزل والأبناء أما الزوج فإن دوره تأمين هذه الحياة مادياً بل كل هذه المهام هي مسؤولية الزوجين معاً"، موضحةً أن العلاقات الزوجية التي تهمش دور المشاركة الثنائية تكون علاقات بلا حب.
هل المطلوب مشاركة أم مساعدة؟
أما محامية الاستئناف العالي ومجلس الدولة والناشطة الحقوقية أميرة أبو العز فصرّحت لرصيف22: "الزوجة غير مكلفة شرعاً بخدمة زوجها والزوج مسؤول مسؤولية كاملة عن وجود من يخدم زوجته سواء في نظافة المنزل أو الأولاد أو إعداد الطعام"، وتضيف: "نسبة النساء العاملات زادت وبالتالي صارت المرأة مسؤولة عن العمل وعن بيتها، فمن الطبيعي زي ما في مشاركة في العمل والأمور المادية، يكون في مشاركة في البيت والزوج يساعد في الأعمال المنزلية".
من المنشورات: "بس لما تطبخ لنفسها أكيد مفيش سند شرعي يمنعني أكل معاها من باب إطعام مسكين يعني"
وبحسب رأيها "ذكورية المجتمع تحتاج إلى معجزة كي نتخلص منها". وترى أن هذه النظرة تتعلق بشخصية الرجل بالأساس، وتضيف: "الراجل طول ما شخصيته ضعيفة حيحاول يكسر الست عشان ميظهرش ضعفه ويثبت إنه الأقوى، عشان كدا مبيحاولش يساعد في محاولة منه للتشويش على قصور في شخصيته".
أما أميرة وخطيبها فاتفقا على أن يتشاركا في مهام العمل والمنزل بعد الزواج بحيث تكون أدوارهما متساوية، تقول: "خطيبي محام وأنا محامية، لما ارتبطنا قالي أنا عاوزك تشاركيني فضحكت، فقالي تشاركيني وأشاركك أنا عارف إن المحاماة صعبة وأنا محتاج أم لأولادي تكون قوية وفي نفس الوقت لأني مقدر تعبك فأنا معاكي سواء في الشغل أو في المحكمة أو في أمور البيت أو في أي حاجة".
الفراعنة كانوا يساعدون زوجاتهم
كبير الأثريين في وزارة الآثار المصرية د. مجدي شاكر أدلى هو أيضاً بتصريح لرصيف22 معلقاً على تصريحات قطب، فأشار إلى أن المصريين اليوم يجب أن يتعلموا من أجدادهم، إذ كان المصري قديماً يساعد زوجته في كل شيء، فكان لكل منهما دورة الواضح في أمور الحياة والمعيشة.
يقول: "بحسب المظاهر التي نُقلت عن القدماء سنجد المرأة والرجل يعملان سوياً في الحقل، هو يحفر وهي ترمي البذور، فالتأريخ البصري لمصر القديمة يظهر الشراكة والعدالة بين الزوجين في مختلف مجالات الحياة سواء في المعبد أو مصانع النسيج أو في تصنيع العطور أو صناعة الخمور، وكذلك في عزف الموسيقى وفي وقت الصيد".
التأريخ البصري لمصر القديمة يظهر الشراكة والعدالة بين الزوجين في مختلف مجالات الحياة سواء في المعبد أو مصانع النسيج أو في تصنيع العطور أو صناعة الخمور، وكذلك في عزف الموسيقى وفي وقت الصيد
ويرى أن مشاركة الزوج لزوجته في المنزل لا تقلل من قيمته بل إن هذا واجبه ويجب أن يؤدي هذا الواجب، ويضيف: "أنا بساعد مراتي، هي ست موظفة ولازم أشاركها، رغم إني كنت ولد متدلع لأني وحيد على أربع بنات زي ديك البرابر".
يطرح شاكر تساؤلات تبدو بسيطة وعفوية لكنها غاية في الأهمية إذ يقول: "هيجرى إيه لو الراجل شرب الشاي وغسل الكوباية أو ساعد زوجته في الغسيل، أو كوى هدومه بنفسه، إيه المشكلة؟".
ويؤكد على أهمية ظهور تعاون الرجل مع المرأة في المنزل في خلق صورة جيدة عند الأطفال داخل الأسرة عن قيم المشاركة ويضيف: "النهاردة رجعت من الشغل عملت الغدا وغسلت المواعين بعدها".
أما مدربة الوعي الأنثوي وأخصائية علم اجتماع المرأة أسماء مراد فتقول لرصيف22 إنّ بعض الرجال تحولوا لشخصيات اعتمادية "بعض الرجالة بيلاقوا ستاتهم بتشتغل بيقعدوا في البيت ويخلوا الستات هي اللي تصرف عليهم ومع ذلك برضه الست تقوم بمسوؤليات البيت وواجباته ودا اللي دفع ستات كتير للطلاق، تلاقي الراجل ينام في البيت ويخليها تنزل تشتغل وتصرف عليه ودا منتشر في الأماكن الشعبية والأقاليم".
ما فعلته قطب هو أنها وضعت النص الديني الذي لا يفرض على المرأة الخدمة في بيتها في مواجهة العرف المجتمعي الذي يجبرها على خدمة زوجها ثم خرجت من القصة
يقول الروائي والسيناريست ماجد إبراهيم: "الحياة الزوجية لازم تتبني على شراكة مفيش حاجة اسمها إنت عليك كذا وانا عليّ كذا، كل واحد يقدم اللي يقدر عليه، وضروري يكون فيه تبادل للأدوار بين أي شريكين، أنا عمري ما استعرّ من نفسي لو طبخت، لما كانت والدتي تعبانه اتعلمت الطبخ عشان أساعدها حتى لو فيه حاجات صعبة زي المحشي كنت بحاول أزبطها".
يعتبر بعض الرجال بالفعل أن الطبخ مهمة أنثوية أصيلة، حتى أن بعضهم عندما يريد السخرية من امرأة يقول له : "على المطبخ" يقصد من ذلك أن رأيك وحديثك وفكرك ليس له قيمة وأنها خلقت فقط من أجل الطهي، محاولاً بذلك التقليل من شأنها ولا يعيب المرأة الناجحة في عملها أن تكون محترفة في مطبخها، ولا يعيب الرجل إن شارك زوجته في طهي الطعام وغسل الأطباق ولا يفعل هذه الأشياء إلا الرجال الحقيقيون.
من جهتها تتساءل الشاعرة المصرية فاطمة الناعوت إن كان طهو الطعام مسؤولية الزوجة بالقانون وأوامر الشرع السماوي أم أنه تَفضُل منها على أسرتها فإن شاءت لا تفعله؟! تقول: "مثل هذه الأسئلة تكتب على شاشة عقلي كلمة error ولا يستطيع عقلي التعامل معها والإجابة عليها! مثل هذه الأسئلة، يلقي بها عقلي في خانة "سؤال الشغف" ليجيب عنها، الذي هو سر الحياة الأول ومفتاح النجاح والسعادة".
وتضيف: "يتكون شغف الطفلة في سنين عمرها الأولى بالجمال، فتقف أمام المرآة تمشط شعرها وتتزين وتتعطر، هي تتزين لأجل عيون الجمال والشغف به، وليس من أجل عيون أحد. وحين تحمل دميتها وتبدل لها ملابسها وتحتضنها حضن الأم لطفلتها وتطعمها بيدها، هي هنا قد استسلمت لشغف الأمومة الخبيء في قلبها. كذلك الحياة الزوجية، ليست إلا شغفًا بصناعة قيمة ساحرة آسرة اسمها "الأسرة". ومن أجل تشييد تلك القيمة الجديدة الجميلة لابد أن نستسلم لسلسة من الشغوفات، كالشغف بالعطاء والمنح والتضحية والإيثار والحب والمسؤلية والاحتواء والانتماء والخوف على الآخر والدهشة مع مفاجآت الحياة الوليدة".
وترى الناعوت أن ما سبق من معان دافئة وجميلة لا يحتاج إلى قانون يُلزمنا به ولا إلى تشريع سماوي يعلمنا كيف نصنعه، تقول: "حبي لزوجي وأطفالي وبيتي ورعايتي لهم لم يرغمني عليه قانون ولا تشريع سماوي بل هو لؤلؤة "شغفي" الخبيئة في قلبي. كذلك الخال بالضبط لدى زوجي الذي يفعل كل ما بوسعه ليرسم الفرح على وجوهنا. الأمر لا يحتاج إلى قانون ملزم ولا تشريع ربوبي علوي لكي نخدم أسرتنا".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...