شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
لن يحبني المطبخ أبداً

لن يحبني المطبخ أبداً

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة

الأربعاء 20 أبريل 202208:34 ص

"أشم رائحته قبل دخول البيت"، هكذا كان يعلّق جدي على طبيخ جدتي ومثله يفعل أبي تعليقاً على أكل أمي. كنت أظن أن الأمر سهل. أجلس مرات مع والدتي لتمنحني سرّ خلطاتها الخاصة، فأصبح "بريمو" مثلها. ولكن مع مرور الوقت، اكتشفت أن الموضوع صعب جداً، وأن المطبخ لن يحبني أبداً.

أشعر طوال الوقت أنّ المواعين تشنّ هجوماً علينا، نحن النساء.

بداية الخصام

ربما شعر المطبخ قبل سنوات بأنّي لا أحبه ولا أطيق المكوث فيه لدقائق. لذلك خاصمني، ولم يفك هذا الخصام رغم كل محاولاتي للصلح. في المرحلة الإعدادية، كانت زميلاتي تتباهى بدخولهن إلى المطبخ وإعداد الطعام ومساعدة والداتهن، بينما كنت أفضل أن أقضي الوقت بين الكتب والمذاكرة ومشاهدة التلفاز. لم أقتنع يوماً بأنّ المطبخ مكان مناسب لي، وكنت أتعجب من تلك التي تقول إنّ الطبخ سهل وذو متعة كبيرة.

"ركزي على المقادير". مع بداية دخول الجامعة، كنت أسمع هذه الجملة باستمرار من صديقتي المقربة، وبخاصة أنها قادرة على صنع مختلف أنواع الطعام. لم أهتم كثيراً، فأنا أعيش مع أهلي وأتناول الطعام معهم، ولن أكون مضطرة للطبخ. ولكن، بعد سنوات، عندما حملت حقيبتي وسافرت للقاهرة لأعيش في مسكن الطالبات ووجدت نفسي دون أمي، اكتشفت أنه ينبغي أن أطبخ، ولا سيما أنّ النقود التي كنت أحصل عليها من عملي لا تكفي لشراء الطعام الجاهز يومياً.

بدايةً، ساعدتني بعض زميلاتي في السكن، وكان بعضهنّ يسخرن مني لأني لا أجيد سلق الأرز، وكانت تلك بالنسبة لهما كارثة. كيف يمكن لفتاة تخرجت من الجامعة فعلاً ألا تعرف أبسط قواعد الطبخ؟

ربما شعر المطبخ قبل سنوات بأنّي لا أحبه ولا أطيق المكوث فيه لدقائق. لذلك خاصمني، ولم يفك هذا الخصام رغم كل محاولاتي للصلح

ولأن الحاجة أمّ الاختراع، بدأت في طهو بعض الأنواع الخفيفة من الطعام، لم أدّعِ بأنّي قادرة على صنع المخبوزات أو غيرها من المأكولات المعقدة ذات الوصفات المركبة، ولكنّي أصبحت قادرة على أن أُشبع نفسي. وكان ذلك كافياً لي، وكانت تلك اللحظات التي أقضيها في المطبخ ثقيلة جداً. وحتى هذا الوقت، لم أعترف بأنّي عاجزة عن هذه المهارة أو أنّ لدي مشكلة ما. كنت أقنع نفسي فقط بأنّ الطبخ ليس هوايتي، وأّني لو أردت، لصنعت العجائب. وكانت الصدمة الحقيقية عندما قررت أن أصنع البسيط، فلم يكن الناتج مرضياً.

مُعضلة الملوخية

بدءاً، عندما ارتبطت بزوجي، أخبرته أنّي لا أحب المطبخ ولا أجيد صنع الكثير من أنواع الطعام. لم يهتم لأنّه يفوقني مهارة في هذا الجانب. بدأت والدتي بإعطائي بعض النصائح حتى أتجاوز هذه المشكلة قبل الزواج. كانت كثيراً ما تردّد على مسمعي هذه الكلمات: "حبي المطبخ ليحبك... الطهي محتاج نفس". لم تكن هذه المرة الأولى التي أسمع كلمة "نفس"، فذات مرّة كانت ابنة عمتي تتباهى بأنّ نَفَسَها في الأكل حلو، ولكنّي لم أفهم تلك الكلمة ولم أقتنع بها.

لم أعرف السر الذي جعل الملوخية لا تبدو كما ينبغي، بينما قمت بكل ما قالته أمي لي. اتصلت بها مجدداً، فلن تهزمني الملوخية ولن أتزحزح حتى أطبخها بالشكل المناسب. سألتني أمي: "هل شهقت عليها؟"

زوجي من عشاق الملوخية وأنا أيضاً أحبها. تصنعها والدتي ببراعة شديدة تجعلك تأكل أطراف أصابعك كما يُقال. في المرة الأولى التي دخلت المطبخ بعد الزواج لإعداد الملوخية، قلت بيني وبين نفسي: "هذا أمر هيّن". اتصلت بوالدتي وأخذت منها الوصفة بدقة. فهي سهلة ولا تحتاج "فذلكة"، وقمت بها على أكمل وجه، ثمّ جاء زوجي ليقول إنّ الملوخية "ساقطة".

لم أعرف السر الذي جعل الملوخية لا تبدو كما ينبغي، بينما قمت بكل ما قالته أمي لي. اتصلت بها مجدداً، فلن تهزمني الملوخية ولن أتزحزح حتى أطبخها بالشكل المناسب. سألتني أمي: "هل شهقت عليها؟". فكرت في الكلمة لثوان، ثم تذكرت "الشهقة"، هذا الفعل الذي تقوم به النساء عندما يأخذن شهيقاً عالياً أثناء طبخ الملوخية.

لن أقوم بهذا الفعل غير المنطقي، لم أفهم ما علاقة هذه الحركة الجنونية غير المفهومة التي ترهق الجهاز التنفسي بطعم الملوخية، وما الذي يجعل العقول تقتنع بذلك بل وتقوم بها فعلاً دون أي حساب.

وقتذاك فقط عرفتُ معنى أن تكون الملوخية "ساقطة"، فتضطر حينذاك إلى أن تقلبها بالملعقة لتستطيع أن تأكلها بالخبز، فيصبح الأمر مرهقاً جداً.

لف المحشي والمستحيل

من لا يحب المحشي؟ لا أنكر أنّي آكله بشهية كبيرة، ولكن عندما يأتي الوقت لأشارك في لفه، أكون على لقاء مع المستحيل الذي لم أستطع يوماً أن أتجاوزه.

السهولة التي تقوم بها شقيقة زوجي بلف المحشي تلفت انتباهي كثيراً وتجعلني أقف في ذهول أنظر إلى يديها وهي تعدّ هذه القطع الصغيرة المحكمة التي لا تجعل حبات الأرز تفلت منها، بينما أحاول جاهدةً لألحق بها دون جدوى.

ابنتي ذات الست سنوات سألتني يوماً عن الأكل الصحي، فأخبرتها أنه ما يتم صنعه في البيت بمكونات لا تضر بأجسادنا. بدأت بعد ذلك تقدم لي قائمة بالأطعمة التي ترغب بها. تقول لي: "ماما، والدة زميلتي تخبز لها العيش في المنزل، كما أنها تصنع الحلاوة في البيت، والزبادي والبيتزا ولا تشتري كل شيء مثلك". مع الوقت بدأت طلبات ابنتي تزيد لدرجة تجعلني أتساءل: إذا كانت والدة زميلتها تفعل كل شيء في المنزل، فلماذا إذاً اخترعوا السوبر ماركت؟

مع الوقت بدأت طلبات ابنتي تزيد لدرجة تجعلني أتساءل: إذا كانت والدة زميلتها تفعل كل شيء في المنزل، فلماذا إذاً اخترعوا السوبر ماركت؟

هجوم المواعين

أشعر طوال الوقت أنّ المواعين تشنّ هجوماً علينا، نحن النساء. هل المواعين تلد؟ بالطبع لا، ولكن هكذا أشعر طوال الوقت، بل أشعر بأنها تلفّ حبالها حول يدي حتى لا أنسحب من المطبخ وأتركها. ومع الوقت، أصبحت هي من أهم أسباب كرهي للمطبخ وإحساسي بأنه ليس المكان الذي أكون فيه على حقيقتي.

تقول قريبتي إنها تحب غسيل المواعين وتعتبرها فرصة لالتقاط الأنفاس والتفكير في شتى الأمور. في الحقيقة، لم أصدقها. ولكن لا أستبعد ذلك من أشخاص يؤمنون بـ "النفس في الأكل"، وبالـ "الشهقة" للملوخية.  


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image