منذ مطلع أيار/ مايو 2022، لاح في الأفق "تفشٍ غير عادي" لفيروس جدري القرود في أوروبا، ولاحقاً الولايات المتحدة الأمريكية.
في 23 تموز/ يوليو 2022، أعلن المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس جدري القرود "حالة طوارئ صحية عامة تثير قلقاً دولياً".
وفي غضون ثلاثة أشهر، بلغ عدد الحالات الموثقة إصابتها بالمرض في أوروبا والأمريكتين أزيد من 41 ألف حالة، في 92 دولة تقريباً، وهو أكبر تفشٍ للمرض خارج موطنه الأصلي وسط وغرب أفريقيا.
برغم الاختلاف الكبير للتفشي العالمي لجدري القرود عن أنماط الانتقال السابقة، والعدد الضخم غير المعتاد من الإصابات، و98% منها لرجال يمارسون الجنس مع رجال وفق تقدير منظمة الصحة العالمية، كان أكثر ما يثير القلق ثبوت انتقال المرض من إنسان لحيوان لأول مرة. هذا الأمر الذي يرى خبراء أنه يهدد بـ"تفشٍ دائم" خارج موطنه الأصلي.
أكثر من 41 ألف حالة إصابة بـ #جدري_القرود في أوروبا والأمريكتين في غضون ثلاثة أشهر. لكن أول حالة انتقال للعدوى من إنسان لحيوان أليف تُثير مخاوف أكبر بمنح الفيروس "موطئ قدم دائم" خارج موطنه
انتقال العدوى من الإنسان للحيوان والعكس
قبل أسابيع في باريس، ظهرت أعراض الإصابة بجدري القرود على كلب سلوقي رمادي إيطالي (عمره أربع سنوات) بعد 12 يوماً من إصابة مالكيه، وهما زوجان مثليان، بحسب ما نشرت مجلة "ذا لانسيت" الطبية. أقر الرجلان بأنهما شاركا سريرهما مع كلبهما قبل ظهور الأعراض عليهما.
حركية ظهور الأعراض في الرجلين، ومن ثمّ في كلبهما، تشير إلى انتقال فيروس جدري القرود من إنسان إلى كلب. وهو ما أثار دعوات العلماء إلى ضرورة عزل الحيوانات الأليفة عن الأفراد المصابين بفيروس جدري القرود.
تعقيباً على تقرير "ذا لانسيت"، قالت الدكتورة روزاموند لويس، المسؤولة التقنية عن استجابة جدري القردة في منظمة الصحة العالمية: "هذه هي الحادثة الأولى التي نتعرف عليها حيث تنتقل العدوى من إنسان إلى حيوان".
وأردفت أنه في السابق سُجّل فقط انتقال الفيروس من حيوان إلى إنسان بالولايات المتحدة عام 2003، إذ انتقلت العدوى بالفيروس للناس عبر كلاب البراري الأليفة.
وحذّر العلماء من أن ثبوت قدرة الفيروس على الانتقال من الإنسان إلى الحيوانات والعكس "يجعل احتواء الفيروس والقضاء عليه أكثر صعوبة"، بل رأى البعض منهم أنه يهدد بـ"تفشٍ دائم".
تكمن المخاوف في أن إمكانية انتشار جدري القرود في الحياة البرية أو مجموعات القوارض، بالتزامن مع زيادة تفشيه بين البشر، وقدرة الفيروس على الانتقال ذهاباً وإياباً بين البشر والحيوانات، يمنحه "موطئ قدم دائماً" في البلدان التي لم ينتشر فيها تاريخياً.
كما أن انتقال الفيروس إلى مجموعات جديدة من الحيوانات التي لم يكن شائعاً انتقاله إليها يعكس قدرة الفيروس على التحور السريع، ما يزيد مخاطر زيادة تفشيه مستقبلاً.
ثبوت إمكانية نقل العدوى من الإنسان للحيوانات الأليفة "يجعل احتواء الفيروس والقضاء عليه أكثر صعوبة" لا سيّما أنه يسهل إصابتها ونقلها العدوى بفضل الاتصال الوثيق مع البشر، خلال المداعبة والعناق والتقبيل واللعق ومشاركتهم الطعام في أماكن النوم
في هذا الصدد، قال مايك ريان، مدير برنامج الطوارئ الصحية بمنظمة الصحة العالمية، في مؤتمر صحافي الأسبوع الماضي: "ما لا نريد حدوثه هو انتقال المرض من نوع (فصيلة حيوانية) إلى آخر ثم البقاء في هذا النوع. هذه العملية في حيوان واحد تؤثر على التالي والتالي ثم التالي، لنرى التطور السريع للفيروس".
ووفق عالم الفيروسات إسلام حسين، فإن "أكبر خطورة من التفشي الحالي هو تكوين ‘مستودعات فيروسية‘ في الحيوانات البرية أو الأليفة خارج أفريقيا، مما سيشكل وقوداً للمزيد من الإصابات البشرية في المستقبل!".
جدري القردة والحيوانات
وجدري القرود هو مرض حيواني المصدر، ما يعني أنه يمكن أن ينتشر بين الحيوانات والبشر. في حين أن الخزان الحيواني للفيروس لا يزال غير معروف، يُعتقد أن الثدييات الصغيرة (مثل سنجاب الحبال وسنجاب الشمس وأنواع من الفئران) تختزن الفيروس في بيئات غرب أفريقيا ووسطها.
وقد يُصاب الناس بالفيروس عبر الاتصال المباشر مع الحيوانات المصابة، غالباً أثناء الصيد، ومعالجة الحيوانات المصابة أو ملامسة أجزاء الجسم المصابة وسوائل الحيوانات.
وتؤكد المراكز الأمريكية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) أن الفيروس قد يصيب مجموعة واسعة من أنواع الثدييات، بما في ذلك القرود وآكلات النمل والقنافذ وكلاب البراري والسناجب والزبابات (تشبه القوارض). لكن لم يتضح إلى الآن إذا كانت الزواحف أو البرمائيات أو الطيور يمكن أن تصاب بجدري القرود. ويصعب اكتشاف إصابة الحيوانات بالمرض لا سيّما أنه قد لا تصاب جميع الحيوانات بطفح جلدي لدى إصابتها بجدري القرود.
"أكبر خطورة من التفشي الحالي هو تكوين ‘مستودعات فيروسية‘ في الحيوانات البرية أو الأليفة خارج أفريقيا، مما سيشكل وقوداً للمزيد من الإصابات البشرية في المستقبل!"
أحد أسباب القلق من انتقال العدوى للكلب السلوقي في فرنسا هو أنه لم يُبلغ عن إصابة الحيوانات الأليفة، مثل الكلاب والقطط سابقاً حتّى في البلدان الموبوءة به.
ويسهل على الحيوانات الأليفة المصابة نقل الفيروس إلى البشر، والعكس، بفضل الاتصال الوثيق، بما في ذلك خلال المداعبة، والعناق، والتقبيل، واللعق، ومشاركة أماكن النوم والطعام.
أمر آخر لا يقل خطورة هو احتمال انتقال العدوى للقوارض والحيوانات الأخرى التي تتغذى على القمامة، كالقطط والكلاب في العالم العربي، في حال لم يتم التخلص من مخلفات الأشخاص المصابين بالفيروس بشكل صحيح. علماً أن المغرب هو البلد العربي الوحيد الذي سجّل ظهور حالات إصابة بجدري القرود، آخرها لسائح أجنبي.
إلى ذلك، ينبه العلماء إلى أن الحيوانات الأليفة لا تُشكل خطورة على البشر راهناً، وأن إمكانية انتقال العدوى إليها ليس مفاجئاً تماماً، لافتين إلى أن المخاوف تتعلق بقدرة الفيروس على البقاء في هذه الحيوانات وتطوير قدرته على الانتقاء بينها.
وفق CDC، "يجب أن نفترض حالياً أن أي حيوان ثديي يمكن أن يصاب بفيروس جدري القردة" واتّباع أقصى تدابير الوقاية والاحتراز في التعامل معها خلال الإصابة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 4 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...