توفي خالد حمود الصالح، البالغ من العمر 17 عاماً من مواليد حمص، نهار الثلاثاء في 19 تموز/ يوليو الماضي، إثر نزيف في الدماغ بحسب تقرير الطبيب الشرعي. حتى الآن، لم يُبتّ في القضية، لكن في تحرك قضائي لا يحصل عادةً، حُقق مع المتهمين واعتُقلا بعدما قدّم علي الصالح، شقيق الضحية، دعوةً ضدهما في مخفر مغدوشة في الجنوبي اللبناني بالقرب من مكان وقوع الجريمة في الصرفند. والمتهمان ما زالا موقوفين هناك قيد التحقيق ريثما يصدر قرار قضائي بحقهما.
بحسب شهود تحدثوا إلى رصيف22، استعار خالد عدة نرجيلة من صديقه. بعد فترة وجيزة، سأله صديقه عنها ليكتشف أن خالد أضاعها، فنشب خلاف بين الطرفين لأن خالد أضاع العدة وحصل تضارب بينهما ما دفع صديقه، البالغ من العمر عشرين عاماً، إلى أن يشتكي لوالده، البالغ من العمر خمسين عاماً. اتجه الاثنان ليضربا خالد، قبل أن يفضّ الناس النزاع بينهم. لكنهما لحقا به مرات عدة وحال الناس بينهما، إلى أن انتهى الأمر بالرجلين بأن يعتديا على خالد بالضرب ثلاث مرات خلال تلك الليلة.
يروي علي الصالح، شقيق خالد، لرصيف22، أن أخاه استيقظ في اليوم التالي بورم في رأسه لكنه أبى أن يخبر أخاه عما حصل معه. فأخذه إلى المستشفى حيث حدد الطبيب موعد عملية جراحية لخالد، لكنه أجّلها لأن وضعه الصحي لا يتحمل. وبقي خالد في المستشفى إلى أن توفي من دون إجراء العملية الجراحية بسبب وهن جسده إثر الضرب الذي تعرّض له.
استعار خالد عدة نرجيلة من صديقه. بعد فترة وجيزة، سأله صديقه عنها ليكتشف أن خالد أضاعها، فنشب خلاف بين الطرفين
كلّفت هذه الإجراءات الاستشفائية نحو 45 مليون ليرة لبنانية، أي ما يعادل 1،500 دولار، في بلد يبلغ الحد الأدنى للأجور فيه نحو عشرين دولاراً. تواصل علي مع مؤسسات عدة كي يرفع صوته إلا أن الجواب كان بأنها "لا تستطيع أن تذهب إلى الصرفند"، ونصحوه بأن يتواصل مع الدرك. وعندما تواصل مع السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي، اكتفى الأخير بالرد بعبارة "الله يرحمه"، يقول علي.
تضامن الأهالي
حرص أهالي الصرفند على إخفاء ما تعرّض له خالد عن شقيقه علي لبضعة أيام ريثما يستوعب هول الفاجعة. وعندما أخبروه، ذهب إلى المخفر ليقدّم شكوى ضد الشخصين المتهمين بقتل أخيه، فتضامن معه الأهالي وشهدوا معه في المخفر ما ساهم في تسريع عملية القبض عليهما. لكنها ظاهرة قلما تحصل في مجتمع مؤجج بخطاب الكراهية، حيث يُضرب فيه اللاجئ ويُقتل وتنتهي الجريمة من دون أن يتم الاقتصاص من المعتدين أو القتلى بما يتناسب مع الجرم المُرتكب.
توجه علي مرةً ثانيةً إلى مخفر مغدوشة، ليطلب شهادة وفاة أخيه ويتفاجأ بحجزه. احتُجز علي لأن أوراقه الثبوتية لم تجدَّد منذ 11 عاماً. ولولا تدخل أحد القضاة، لما استطاع تقديم الشكوى. القاضي أمهله قرابة الخمسة عشر يوماً ليجدد أوراقه قبل أن يُرحّل، لتضاف إلى عبء تكاليف المستشفى أعباء جديدة على كاهل علي الذي ما زال في طور البحث عن عمل وسط وضع لبنان المأزوم اقتصادياً.
مأزق الأوراق
كذلك، منعه افتقاده أوراقاً ثبوتيةً من تكليف محامٍ ريثما يصدر قرار ظني من القاضي في حال عُدّت الجريمة جنحةً أو يحوّل إلى الهيئة الاتهامية إذا عُدّت جنايةً، بحسب ما يقول لنا المحامي وسيم الناشف من كاريتاس، والذي تولى إحالة الملف إلى الأمم المتحدة. ويضيف: "القرار الظني لا يجب أن يأخذ وقتاً طويلاً، خاصةً أن هناك موقوفين، لكن الإضرابات وشح الموارد البشرية يمكن أن تؤجل المحاكمات ومن ثم القرار الظني. لكن من مصلحة محامي المدّعى عليه أن يضغط ليُبت بالقضية".
استيقظ خالد بورم في رأسه لكنه أبى أن يخبر أخاه عما حصل معه. فأخذه إلى المستشفى حيث حدد الطبيب موعد عملية جراحية لخالد، لكنه توفي قبل إجرائها بسبب وهن جسده إثر الضرب الذي تعرّض له
يشرح رئيس المركز اللبناني لحقوق الانسان، وديع الأسمر، لرصيف22، عن خطورة التفاوت في ديناميات القوة، ويقول: "غياب محامٍ للمدّعي يُمكن أن يؤثر في القرار الظني، خاصةً بعد تراكم ديون المستشفى ونقل الجثة، ويمكن أن يستغل المدعى عليه الوضع لدفع فدية مقابل إسقاط الحق الخاص ويُسجن ثلاثة أو أربعة أشهر فقط كحق عام".
كذلك، يتخوّف الأسمر من "تخفيف العقوبة أو عدّ ما حصل مجرد قضاء وقدر، أو أن يعدّها جريمة قتل عن غير عمد أو عنف أدى إلى قتل، ما يخفف العقوبة أو يبرّئ الأب لأنه ليس شريكاً مباشراً في الجريمة. الحصول على هذه المعلومات شبه مستحيل في ظل غياب محامي المدّعي".
بدعة الخلاف الشخصي
جميع أبواب العدالة سُدّت في وجه علي، بعد أن قُتل أخوه وأُطلق الأب المتهم كونه أحد أطراف الجريمة في بلد يدأب يومياً على التهديد ومحاولة إعادة اللاجئين إلى بلادهم بحجة انتهاء الحرب السورية وأن العودة إليها باتت آمنةً. واللافت أن أسرة الجاني وصفت الجريمة بأنها "خلاف شخصي"، إلا أن المشكلة ذاتها لم تكن لتنتهي بمقتل أحد الطرفين لو كانا لبنانيين، أو في الحد الأدنى كان القضاء تحرّك بطريقة مختلفة تماماً.
"الخلاف الشخصي" الناشب، أودى بحياة قاصر قد يُرحّل شقيقه قبل أن تتحقق العدالة أو قد لا تتحقق العدالة أصلاً وسط إضرابات لا متناهية للقضاة والقطاع العام مطالبين بزيادة الأجور. وقد يقبع هذا الملف في درج "الخلافات الشخصية" التي تظل محصورةً بين المرتكب والضحية والتي تُحلّ بالغفران والتسامح لأن الدولة اللبنانية كفّت يدها عن اللاجئين إلا في السعي إلى تأمين "العودة الآمنة" لهم أو لاستخدامهم ابتزازاً للمجتمع الدولي ليغدق على خزنتها المفلسة المنح والمساعدات.
وقعت الدولة اللبنانية على العهد الخاص للحقوق المدنية والسياسية سنة 1973، وعلى اتفاقية مناهضة التعذيب سنة 2000
تكفّ "المشكلات الشخصية" عن كونها مشكلات شخصية عندما يتم استحضار ملف اللاجئين عند كل مفترق طرق ويلامون لنقص الخبز وارتفاع سعر الصرف وشح المحروقات وتتكرر الجرائم ضدهم، ومنها الحرق المتكرر لخيم اللاجئين في عرسال والبقاع، وجرائم أخرى كمقتل سوريين في طوابير الخبز لعدّهم سبباً في الأزمة. عندما يلام اللاجؤون السوريون على مشكلات لبنان، ثم يُقتل أحدهم لأنه أضاع عدة النرجيلة، فمن الأكيد أنه ليس خلافاً شخصياً. شرارته قد تكون بسبب خلاف شخصي، لكن ما آلت إليه الأمور يوضح استفحال الكراهية، عدا عن نزعة العنصرية والتفوّق بالقوّة.
غياب "الأمم"
قصة خالد التي صعب على الإعلام التقليدي نقلها، تدحض جميع الصور النمطية والاتهامات التي تطال اللاجئين، وتبرهن أن الأمم المتحدة لا تغدق على اللاجئين المساعدات اللا نهائية المدفوعة بالعملة الصعبة كما يروج بعض الإعلام. يقول الأسمر: "الأمم المتحدة لا تعطي أرقاماً دقيقةً حول المساعدات المقدّمة للاجئين السوريين في لبنان. فبعض المساعدات تُدفع مباشرةً إلى اللبنانيين أنفسهم كأصحاب المحال التجارية والذين يؤجّرون بيوتهم للّاجئين، كما أنها قلما تأخذ على عاتقها توضيح المعلومات المغلوطة التي تنتشر عن اللاجئين في لبنان".
الأمم المتحدة والمخفر والسفارة السورية مؤسسات بالكاد مدت يد العون لعلي، الذي سيبكي شقيقه كثيراً، وسيقتنع بعد فترة وجيزة بأن العدالة مجرّد حلم يسعى إليه، سيصحو منه في وقت قريب
الحقيقة أن الكثير من اللاجئين ما زالوا يعيشون في ظل ظروف صعبة وهذا ما تأبى حملات "وظّف لبناني" و"خبزنا مش للسوري" وما شابههما الاعتراف به، إذ تعدّ أن كل اللاجئين يتلقون مساعدات هائلةً من الأمم المتحدة بشكل شهري ويمارسون حياتهم بشكل شبه مجاني، لذا يجب أن نؤثر اللبنانيين على اللاجئين.
"يحدث هذا كله في بلد يفتخر بمشاركته في كتابة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يضمن حق اللجوء، ووقع على العهد الخاص للحقوق المدنية والسياسية سنة 1973، وعلى اتفاقية مناهضة التعذيب سنة 2000. واجب حماية اللاجئين مذكور في كل المعاهدات الدولية التي صادق عليها لبنان، لكنه لم يصادق على الآلية التي طرحتها الأمم المتحدة، لكن ذلك لا يمنع لبنان من سنّ قانون لجوء في لبنان"، يقول الأسمر.
ويضيف: "يساعدنا قانون حماية اللاجئين في تحقيق بعض العدالة لهم، لكن المشكلة تكمن في بطء آليات تطبيق هذا القانون الذي يطبّق حسب اتفاقيات شفهية بين الأمن العام والأمم المتحدة ولا أعتقد أنها أصبحت عقداً مكتوباً".
تبيّن قصة علي وخالد الصعوبات التي يمرّ بها اللاجئ السوري فقط لأنه لاجئ سوري في لبنان. ليس فقط القتل مشروع، إنما أيضاً السعي وراء تحقيق العدالة ممنوع. وتُغلَق في وجه اللاجئ أبواب المؤسسات التي تقول إنها تساعده كونه سورياً يقيم خارج الأراضي السورية ولاجئ حرب في لبنان. الأمم المتحدة والمخفر والسفارة السورية مؤسسات بالكاد مدت يد العون لعلي، الذي سيبكي شقيقه كثيراً، وسيقتنع بعد فترة وجيزة بأن العدالة مجرّد حلم يسعى إليه، سيصحو منه في وقت قريب.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون