شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
الرياضة والرياضيون السوريون في زمن الانتداب الفرنسي

الرياضة والرياضيون السوريون في زمن الانتداب الفرنسي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الجمعة 26 أغسطس 202212:35 م
Read in English:

Syrian athletes and sports during the French Mandate

انتهى العام الدراسي وعاد الطالبان حسين ونوري إبيش إلى دمشق من جامعة بيروت الأميركية، التي كان اسمها آنذاك "الكلية السورية البروتستانتية"، لقضاء الإجازة من عائلتهم. كان ذلك عام 1910، وقد حملا معهما رياضة جماعية جديدة، كانت دخيلة على المجتمع السوري، مختلفة جداً، وبعيدة عن الجري والسباحة وركوب الخيل، وهي كرة القدم (الفوت بول). تهافت عليها شباب دمشق بسرعة، وبعدها بثلاث سنوات، قاموا بتأسيس أول فريق كرة قدم محلّي، سمّي بنادي الهلال. لم يكن في دمشق أي ملعب رياضي حينها، وكانت مبارياتهم تُقام في منطقة عرنوس السكنية.

مؤسس لعبة كرة القدم في سوريا نوري إبيش

ولكن تطور الرياضة ظلّ محدوداً بسبب اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914، التي سيق إليها آلاف الشباب فيما عُرف بالأخذ عسكر، وتوارى الكثير منهم عن الأنظار هرباً من التجنيد الإجباري في صفوف الجيش العثماني. بعد انتهاء الحرب وسقوط الحكم العثماني عام 1918، أُسّس في دمشق حكم عربي بقيادة الأمير فيصل بن الحسين، نجل قائد الثورة العربية الكبرى الشريف حسين بن علي، الذي قدّم دعماً كبيراً للأخوين إبيش، وشجعهما على احتراف هذه الرياضة في منطقة مرج الحشيش (أرض معرض دمشق الدولي اليوم)، والتي أمر فيصل بإقامة ملعب أخضر كبير في وسطها.

انتهي العام الدراسي وعاد الطالبان حسين ونوري إبيش إلى دمشق من جامعة بيروت الأميركية، عام 1910، وقد حملا معهما رياضة جماعية، كانت دخيلة على المجتمع السوري، مختلفة جداً، وبعيدة عن الجري والسباحة وركوب الخيل، هي كرة القدم

ولكن هذه الرياضة "المستوردة" لم تُعجب الكثير من رجال الدين، نظراً لسراويل اللاعبين القصيرة "الشورت،" وقد اعترضوا على انتشارها السريع بين شباب دمشق، قائلين إنها تُلهي اليافعين عن الصلاة والعبادة. في إحدى المباريات، سقطت الكرة على رأس الشيخ نعيم الغزي، وضغطت عمامته على رأسه، ما زاد من غضب المشايخ، الذين اعتبروا أن الحادثة لم تكن صدفة بل مقصودة، بسبب موقف المشايخ من "الفوتبول".

تم تأسيس النادي الشرقي بدمشق عام 1919، الذي نظّم أول مباراة ضد فريق الجيش البريطاني، المرابط في سورية منذ نهاية الحرب العالمية الأولى. أجريت المباراة في سهل المزّة، وحضرها الأمير فيصل مع أركان حكمه كافة. فاز الفريق السوري يومها على منافسه الإنكليزي بأربعة أهداف مقابل هدفين، وكافأهم الأمير فيصل بتقديم ساعة ذهبية لكل لاعب. تطورت الأندية بشكل سريع من بعدها، مع تراجع اعتراض المشايخ، الذين قبلوا بلعبة كرة القدم نظراً لفوائدها البدنية وشدّة تعلق الناس بها.

طالبات المدارس خلال دروس الرياضة

كرة القدم، هذه الرياضة "المستوردة"، لم تُعجب الكثير من رجال الدين نظراً لسراويل اللاعبين القصيرة "الشورت" وقد اعترضوا على انتشارها السريع بين شباب دمشق، قائلين إنها تُلهي اليافعين عن الصلاة والعبادة

جاء بعدها نادي بردى الذي شَيّد ملعباً خاصاً به في شارع بغداد، وكان بين صفوفه عدد من اللاعبين الشباب الذين وصلوا إلى مناصب رفيعة في حياتهم، مثل الدكتور رشاد فرعون، الذي أصبح طبيباً لملوك السعودية ووزيراً للصحة في الرياض. ومعه كان الدكتور بشير العظمة، الذي أصبح رئيس وزراء سوريا في مرحلة الانفصال، والمهندس أحمد الشرباتي، وزير دفاع سوريا خلال حرب فلسطين الأولى. أما عن الأخوين إبيش فقد انشغلا عن الرياضة في سنواتهما  اللاحقة، حيث تفرغ حسين للصيد وأصبح أحد أشهر صيادي سوريا، وعمل نوري في الزراعة والسياسة، وعين وزيراً عام 1949.

وفي عام 1928، ظهر فريق قاسيون الرياضي، تلاه نادي الفيحاء ونادي معاوية الذي أسسه السياسي الشاب خالد العظم، قبل سنوات طويلة من تعيينه رئيساً للوزراء. وفي عام 1932، ظهر نادي الشرطة المدنية وفريق الشرطة العسكرية، التابعان حينها إلى سلطة الانتداب الفرنسي.

الملعب البلدي في دمشق في زمن الانتداب الفرنسي

أشهر رياضيّي سوريا في مرحلة الانتداب الفرنسي كان الوجيه الشاب صائب مؤيد العظم، الذي درس المصارعة الرومانية والحرة في باريس ونال لقبها في سوريا

وفي عام 1928، ظهرت الكتلة الوطنية في سوريا التي قادت النضال ضد الفرنسيين واستثمر زعماؤها في مجال الرياضة والشباب. أبدى زعماء الكتلة اهتماماً كبيراً بالرياضة عموماً، وبكُرة القدم خصوصاً، حيث استثمروا بها كثيراً لأنها كانت ملتقى شباب دمشق، يجتمع لأجلها الكبير والصغير، والغني والفقير. وكانت الملاعب، بعد المسجد، هي الأكثر قدرة على حشد آلاف الشباب في مكان واحد.

نظراً لنجاح تجربة خالد العظم مع نادي معاوية، أخذ نائب دمشق، فخري البارودي يحضر كل مباريات المدارس الثانوية، ويقدم دعماً معنوياً ومادياً لفرق مدارس التجهيز واللايك والكلية العلمية الوطنية. وفي إحدى مباريات نادي بردى في مطلع الثلاثينيات، تبرع زعيم حلب، إبراهيم هنانو،  بالكأس الفضي هديّة للفائزين، وقدمه لهم زميلُه في الكتلة الوطنية، المحامي فائز الخوري، شقيق الرئيس فارس الخوري.

نادي مدرسة التجهيز الأولى بدمشق بعد فوزه بكأس بطولة المدارس سنة 1947

كما نشط سهيل الخوري، ابن فارس الخوري، في المجال الرياضي قبل دخوله عالم السياسة، وانتخابه نائباً في الخمسينيات، وتعيينه وزيراً في مرحلة الانفصال، فكان رئيساً للجنة الألعاب الأولمبية واتحاد كرة القدم الذي أُنشئ عام 1938. وتسلّم قائد الكشّاف علي عبد الكريم الدندشي رئاسة اللجنة الأولمبية حتى قيام الوحدة مع مصر عام 1958، عندما انتقل المنصب إلى وزير الشؤون الاجتماعية المصري حسين الشافعي، وأصبح وزير الداخلية السوري عبد الحميد السراج نائباً لرئيس اللجنة الأولمبية.

وفي عام 1941، ظهر ملحق رياضي في جريدة "الأيام" اليومية، كان يحرره اللاعب الشاب كامل البني، أحد نجوم نادي بردى. نظراً لشعبية المواد الرياضية وإقبال المعلنين عليها. انفصل البني عن جريدة الأيام عام 1955 ليؤسس أول مطبوعة رياضية في سوريا، وهي جريدة "الأسبوع الرياضي" التي تخرّج منها عدد من الحكّام والرياضيون، مثل الفارس معتز قباني والإعلامي عدنان بوظو.

كانت زوجة أحمد الشرباتي بطلة سورية في رياضة الفروسية، تعود من التدريب مرتديةً لباس ركوب الخيل، مع قبعة وبنطال ضيّق، لتكون أول سيدة في دمشق تظهر بهذا الشكل الغريب أمام الناس

الوصول إلى العالمية

إضافة لكرة القدم، ظهرت عدة أنشطة رياضية في عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين، مثل الجمباز ورفع الأثقال وكرة السلّة، التي أخذت طابعها الرسمي عام 1947. أشهر رياضيّي سوريا في مرحلة الانتداب الفرنسي كان الوجيه الشاب صائب مؤيد العظم، الذي درس المصارعة الرومانية والحرة في باريس ونال لقبها في سوريا.

الأنشطة الرياضية في دمشق في الخمسينيات

وقد ظل لقبه الاجتماعي يرافقه إلى الأندية والمباريات العالمية، حيث يتم التعريف عليه باسم "اللاعب صائب لك مؤيد العظم"، وكان معه محمود البحرة، الذي شارك بمباريات عالمية لرفع الأثقال عام  1930، وعز الدين السمّان، الذي قرر امتهان عروض الجمباز الاستعراضية.

الملاكم السوري سعدي القنواتي عام 1929

في عام 1922، حضر السمّان عرض "سيرك الجمباز" المقام بدمشق، والتحق به وهو في الثانية عشرة من عمره، ثم سافر إلى البرازيل لممارسة هوايته، التي أصبحت مهنة يكسب منها قوت يومه. ولكنها كانت مهنة شاقة، ليس لها مورد مُرضٍ، ما أجبره على العمل بحاراً في إحدى السفن البريطانية (وهو شاب ثري من عائلة تجارية معروفة) قبل العودة إلى دمشق لمتابعة حلمه، حيث توّج بطلاً للجمباز في كل من سوريا ولبنان.

بطلة الفروسية سكايدرا فابا حرم الوزير والنائب أحمد الشرباتي

وفي عام 1948، شاركت سوريا وللمرة الأولى في دورة الألعاب الأولمبية في لندن، ممثلة بالسبّاح زهير الشربجي، الذي حلّ في المرتبة السادسة في مباريات الغطس، وعاد إلى دمشق ليتم استقباله في القصر الجمهوري في منطقة المهاجرين، من قبل الرئيس شكري القوتلي. وكان مدير البروتوكول في قصر القوتلي، المحامي عصام الإنكليزي، ابن الشهيد عبد الوهاب الإنكليزي، بطل سوريا في كرة المضرب (التنس). وكانت زوجة أحمد الشرباتي بطلة سوريا في رياضة الفروسية، تعود من التدريب مرتديةً لباس ركوب الخيل، مع قبعة وبنطال ضيّق، لتكون أول سيدة في دمشق تظهر بهذا الشكل الغريب أمام الناس.   


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image