التجديف هي أول رياضة رسمية في مصر، وأول رياضة انضمت للألعاب الأولمبية، يتصدر مقعدها جميع الاتحادات الرياضية المصرية في اجتماعات اللجنة الأولمبية.
شهد عام 1907 إنشاء أول اتحاد رياضي مصري، كان الاتحاد الرياضي للتجديف، يضم أندية مصرية عدة، على رأسها النادي الملكي للتجديف، الذي أصبح بعد ثورة يوليو 1952، النادي المصري للتجديف، ونادي فؤاد الأول للتجديف، الذي تحول فيما بعد إلى جامعة القاهرة، إضافة إلى نوادٍ تابعة للجاليات الأجنبية في مصر، كاليونانية والإيطالية وغيرهما.
معلومات قدمها لنا الدكتور عمرو النوري، رئيس الاتحاد المصري للتجديف، والرياضي المجدف لأكثر من أربعة عقود، وفي جعبته المزيد حول شأن هذه اللعبة، التي نسج لاعبوها علاقة خاصة جداً مع نهر النيل والرياضة والحياة.
الرياضة المثالية
منذ تأسيسها، حضرت رياضة التجديف بقوة ولمعت فيها أسماء كثيرة شاركت في بطولات دولية وأولمبية، يؤكد ذلك الدكتور النوري، معتبراً إيّاها الرياضة المثالية، لما فيها من قيم ومبادئ تسمو باللاعب وتجعله دائماً في الطليعة، عبر كافة مجالات الحياة وليس فقط في الرياضة.
"البعض ممن لا يبالون بجمال النيل ودوره الجوهري في حياة المصريين، يلقون الكثير من المخلفات التي تعلق بمجاديف الرياضيين خلال ممارسة اللعبة"
يضيف النوري لرصيف22 أنها لعبة تنافسية، لكنها خالية من الاحتكاك الجسدي كرياضات أخرى، مثل كرة القدم والمصارعة. يستخدم فيها اللاعب جميع عضلات الجسم دون استثناء، فتزيد الجسد قوة والنفس جمالاً في ظل الروح الجماعية التي يلعب وفقها الرياضيون.
التناغم بين اللاعبين هو سيد اللحظة والعابر بالجميع إلى الفوز، تفرضه حركة المركب بدقة عالية كي يمشي في مساره الصحيح، وفي طريق الوصول للنهاية سيكون التنافس على أشده، خاصة أن الفروق النهائية قد لا تتعدى الـ"سم" الواحد. وهناك ما يسمى "Photo Finish" تظهر على كمبيوتر لتحدد بدقة السرعة قياساً بالثانية، بهدف تعيين الفائز، هذا الفوز الصعب يجعل من اللاعبين أكثر مثابرةً والتزاماً بالتمارين، يتشاركونها في أوقات مستمرة ومحددة.
يتابع رئيس الاتحاد أن رياضة التجديف تعلّم لاعبيها الجَلَد، القدرة على التحمل والتصميم على الاستمرار والفوز، الذي وإن لم يتحقق يكون اللاعب قد بذل أقصى جهده.
مجدفون ودبلوماسيون
يستحضر النوري عدداً من أسماء رياضيي التجديف الذين تركوا بصمات في اللعبة وفي الحياة العامة أيضاً، منهم زكريا محيي الدين، نائب رئيس الدولة خلال رئاسة جمال عبد الناصر، والذي تقلد رئاسة الاتحاد المصري للتجديف لأكثر من عقد، كذلك الدكتور مصطفى خليل، كان رئيساً للوزراء ووزيراً للخارجية بين عامي 1978 و1980، كما ترأس النادي المصري للتجديف.
مجدفون آخرون توهجت أسماؤهم في الحياة العملية، منهم السفير والدبلوماسي سميح أنور، الذي شغل منصب وزير الدولة للشؤون الخارجية في سبعينيات القرن الماضي، وكان رياضياً قوياً في التجديف، والدكتور فؤاد سلطان، الذي تولى وزارة السياحة بداية ثمانينيات القرن الماضي، كان رئيس الاتحاد المصري للتجديف فترة من الزمن.
"عاصرت عدداً من هذه الشخصيات المرموقة، التواصل معهم كان بمثابة مدرسة للحياة، تعلمت فيها من لطفهم وحزمهم وحرصهم في مرحلة تكوُّن شخصيتي، عندما التحقت بالنادي المصري للتجديف"، يقول عمرو النوري.
التجديف في صباحات ديسمبر
عبر سنوات ممارسته للتجديف، نجح الدكتور عمرو النوري في المواءمة بين دراسة الطب والمواظبة على التمارين الرياضية، متكئاً على المبادئ التي علمته إياها اللعبة، الالتزام والتنظيم والاستقلالية، لتكون الثمرة أن يتوهج اسمه في عالم الطب النسائي، وعلى ضفة أخرى مجدف قوي استحق أن يكون رئيس الاتحاد الرياضي للتجديف، ومحكّماً دولياً في بطولات عديدة.
عن هذه التجربة يقول النوري لرصيف22: "في سن الخامسة عشر شغفت برياضة التجديف، وثابرت لأبقى في الصدارة دائماً، غير غافل عن باقي نواحي الحياة، بل علمتني المسؤولية والقدرة على الاستمرار وإدراك أهمية الروح الجماعية في اللعبة لتحقيق النجاح. أحمل في وجداني ذاكرة ثرية ونابضة حول اللعبة وشخصيات عبرت حياتي لكن تأثيرها باق حتى الآن".
ينصحنا النوري بزيارة نهر النيل في صباحات شهر ديسمبر، حيث المياه في أصفى أشكالها، واستقلال مركب التجديف وقتها سيحسّن المزاج ويشفي الروح، تعزّزه المناظر الخلابة والهواء النقي، ورغم أن اللاعب سيكرر الحركات ذاتها خلال التجديف غير أن الملل لن يحضر بفضل أجواء اللعبة المليئة بالجمال والحماسة، حسب قوله.
المنتخب المصري للتجديف
رياضة التجديف لا تشيخ، تناسب جميع الأعمار، يستطيع ابن الـ99 اللعب فيها، يؤكد ذلك رئيس الاتحاد الرياضي المصري للتجديف، مضيفاً أن في النادي لاعبين ناشئين وناشئات، وسيدات ورجال، هناك أيضاً تصنيف يتضمن خفيف الوزن وعمومي أي ثقيل الوزن، وهذا ينطبق على السيدات والرجال.
يتابع لرصيف22 أن للمراكب أنواعاً، تبدأ من الفردي الذي يستقله لاعب واحد معه مجدافين، واحد على كل ناحية، وهو من يوجه حركة المركب دون قائد دفة. في القارب الزوجي يحمل كل لاعب مجدافين على الناحيتين، أو مجدافاً واحداً لكل لاعب يسير على ناحية واحدة. ذات الأمر في القارب الرباعي، إما أن يحمل اللاعب مجدافين على الناحيتين أو مجدافاً واحداً لكل لاعب يسير على ناحية واحدة. "عروس السباقات" هو لقب القارب الثماني الذي يأخذ 8 لاعبين، ومعهم قائد دفة يقود المركب.
اللاعب يجلس في القارب على كرسي متحرك، واتجاه المركب عكسَ اتجاه الراكب، بينما القوارب الأخرى يمشي بها الراكب إلى الأمام، بحسب قول النوري، مضيفاً أن الناشئين البراعم وكبار السن يقطعون مسافة 1000 متر، بينما يقطع الناشئون الشباب 2000 متر.
الدكتور عمرو النوري يؤكد أن المنتخب المصري للتجديف يضم لاعبين أقوياء شاركوا في بطولات كثير واستحقوا العديد من الجوائز والألقاب، من الأسماء اللامعة عباس خميس، أشهر قائد دفة، عبد المحسن اسماعيل، متولي عبد العزيز، حمدي القط، عبدو الكتف وغيرهم.
آخر الانتصارات التي حققها المنتخب المصري للتجديف، بطولة إفريقيا في اكتوبر 2019، التي استضافتها تونس، حاز فيها العدد الأكبر من النقاط، إضافة إلى عدد من الميداليات الذهبية. سبق ذلك بقليل، تأهل المنتخب إلى أولمبياد طوكيو المقرر العام المقبل، وقد بدأ البنك الأهلي المصري مؤخراً في دعم "اتحاد التجديف" كراعٍ.
تحديات اللعبة في مصر
إحدى جماليات رياضة التجديف أنها صديقة للبيئة، فليس فيها محرّك يلوث الماء أو الهواء، ما يعطي اللعبة مزيداً من الحب والتعلق بالنيل، غير أن البعض ممن لا يبالون بجمال النيل ودوره الجوهري في حياة المصريين، يلقون الكثير من المخلفات التي تعلق بمجاديف الرياضيين خلال ممارسة اللعبة، الأمر الذي يشكل تحدياً أمامهم، ويسعون عبر مبادرات عديدة للمحافظة على النيل نظيفا نقياً، بحسب النوري.
"ارتفاع أسعار القوارب أكبر تحدي للعبة".
تحديات أخرى تواجه اللعبة، يحدثنا عنها رئيس الاتحاد المصري للتجديف، لعل أهمها ارتفاع أسعار القوارب، خاصة خلال السنوات الأخيرة بعد ارتفاع سعر الدولار، ما أوقع بعض النوادي بالعجز عن شراء المراكب، وأدى إلى إيقاف نشاطاتهم أو تقليصها.
سعر القارب الفردي يصل إلى 10 آلاف يورو، ما يعادل 200 ألف جنيه مصري، بينما القارب الثماني فسعره حوالي 40 ألف يورو، ما يعادل 800 ألف جنيه مصري.
يعرّج النوري على أمر يعيق الإنجاز في اللعبة، خاصة لدى طلاب الجامعة، في ظل عدم تعاون الجامعة مع الطلاب وتشجيعهم بالصورة المطلوبة، أسوة بباقي جامعات العالم، آملاً أن تدرك الجامعات المحلية أهمية الرياضة، وتعطي الطلبة مزيداً من الوقت والمساحة للمتابعة في اللعبة والجامعة على ذات السياق.
سعر القارب الفردي يصل إلى 10 آلاف يورو، بينما القارب الثماني فسعره حوالي 40 ألف يورو، ما يعادل 800 ألف جنيه مصري، والسعر أكبر عائق لرياضة التجديف
ومن المعوقات التي أدت إلى تغيّرات في معطيات السباقات، التحولات التي حلت بمجرى السباق، بحسب قول النوري، "مضمار اللعبة كائن بين كوبري الجلاء وكوبري مايو، يبلغ طوله 2 كيلو متر و400 متر، وقد كان مجرى قوياً للسباق، استضاف الكثير من التدريبات والبطولات التي أقيمت عبر ستة خطوط دولية، غير أن هذه الخطوط تقلصت مع مرور الوقت، بعد إقامة الكثير من المطاعم العائمة على ضفتي المجرى، فأصبح لدينا اليوم 4 إلى 5 خطوط، بذلك بات المجرى غير صالح لإقامة بطولات دولية، نجري فيه تدريبات وبطولات محلية، راجين ألا تتقلص المساحة أكثر بفعل إقامة المزيد من العوامات".
تجديف الصالات المغلقة
"التجديف داخل الصالات المغلقة" شكل جديدة لرياضة التجديف، يتواءم والعالم الافتراضي، حيث يمكن إقامة اللعبة عبر الفضاء الإلكتروني، كل لاعب في بلد، بينما يتوصل جهاز التجديف بشاشة داخل قاعة يُنقل عليها قياس لعب الرياضيين.
رغم توقف النشاطات المقررة لرياضة التجديف في مصر بسبب ظروف "كورونا"، غير أن اللاعبين المؤهلين لأولمبياد طوكيو حصلوا على أجهزة تجديف داخل الصالات، وأجروا تدريبات بإشراف افتراضي مع مدرب المنتخب عمرو رجائي، بحسب النوري.
يضيف النوري لرصيف22 أن أول بطولة عالمية للتجديف داخل الصالات ستقام في فبراير 2021، ويجري التحضير لها الآن، كما قدم الاتحاد المصري للتجديف طلباً لاستضافة البطولة العالمية للتجديف داخل الصالات لعام 2022، أملاً في نيل شرف الاستضافة.
تجديف الشواطئ شكل جديد من أشكال لعبة التجديف، سوف تنطلق بطولته العالمية عام 2022 في داكار، سيشارك فيها منتخب الناشئين المصريين للتجديف، يؤكد الدكتور عمرو النوري أن هذه اللعبة في طريقها للدخول إلى مصر قريباً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.