شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
لكلّ منا لغته في التواصل مع الله

لكلّ منا لغته في التواصل مع الله

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة

الخميس 25 أغسطس 202201:15 م


استوقفني منشور على فيسبوك لصديقتي هبة عبد العليم تقول فيه "الدين إيمان، والإيمان جزء كبير منه هو التسليم دون دليل أو إثبات". فأعجبت بكلماتها التي تصف علاقتي بالدين وصفاً دقيقاً. واستعنت بها أثناء نقاشي مع إحدى فتيات عائلتي المراهقات التي يشغل بالها العديد من التساؤلات حول الدين.

لم يكن بيتنا متشدداً دينياً، لكن كنا مثل الجميع.

الدين في طفولتي

لم يكن بيتنا متشدداً دينياً، لكن كنا مثل الجميع. تربيت على أداء الفروض الواجبة مثل الصلاة والصوم منذ الصغر. فأتذكر أني تعلمت الصلاة وعمري لا يتعدى الأربع سنوات. وفي عمر الثماني سنوات، كنت أصوم شهر رمضان كاملاً. لم يعنفني والداي بسبب التأخر في الصلاة مثلاً، أو كي نصوم شهر رمضان، لكنهما فقط كانا يحثانني وأخوتي على تنفيذ أوامر الدين وفروضه الواجبة.
وفي عامي الخامس الابتدائي، كان والدي يسألني كثيراً: "متى تتحجبين؟". رغم أنني لم أكن بلغتُ بعد، لكن في ذلك الوقت كانت كثيرات من زميلاتي قد تحجبن رغم صغر سنهن. فكانت موضة ذلك العصر أن تعج المدارس الابتدائية والإعدادية في أوائل الألفية الثالثة بطفلات صغيرات محجبات. فجاءت دعوة أبي لي بالحجاب من هذا المنطلق وليست زيادة تدين. وبالفعل، لم ينتهِ عامي الدراسي إلا وقد ارتديت الحجاب برغبة كاملة مني دون ضغط، إذا اعتبرنا أن وقتها كان يمكنني اتخاذ قرار كهذا وحدي.

كان والدي يسألني كثيراً: "متى تتحجبين؟". رغم أنني لم أكن بلغتُ بعد، لكن في ذلك الوقت كانت كثيرات من زميلاتي قد تحجبن رغم صغر سنهن

عندما كنت في الصف الرابع الابتدائي، كان لدينا أستاذ لمادة اللغة الإنجليزية يُضيع وقت الحصة في الحديث عن قواعد الدين الإسلامي فتصبح حصة دين بدلاً من حصة للغة الإنجليزية. وفي إحدى المرات، أعطاني هذا الأستاذ بطاقة تحثني على ترك لبس البنطال وتشرح لي مدى تحريم الأمر. وقتذاك، خفتُ كثيراً وبتُ أفكر في عقاب الله لي على ارتدائي البنطال وأنا طفلة لم يتعدّ عمرها الـ 10 سنوات. وقررتُ أن المرة القادمة التي سأذهب فيها لشراء ملابس جديدة سوف استبدل البنطال بلباس آخر فضفاض كما كانت تحثني بطاقة المُعلم. وأتت المرة القادمة بعد بضعة أشهر فذهبت مع أمي لشراء ملابس بمناسبة عيد الفطر، لكني كالعادة اشتريت بنطالاً رغم شعوري بوخز في ضميري يقول لي إن ما فعلته حرام.

في إحدى المرات، أعطاني هذا الأستاذ بطاقة تحثني على ترك لبس البنطال وتشرح لي مدى تحريم الأمر. وقتذاك، خفتُ كثيراً وبتُ أفكر في عقاب الله لي على ارتدائي البنطال وأنا طفلة لم يتعدّ عمرها الـ 10 سنوات

عندما كبرت

كبرتُ، وأصبحت لدي نظرة للدين أعمق وأنضج سأتحدث عنها في السطور القادمة. لكن، من حولي ما زالوا يضعون علاقتي مع الله والدين في صورتهم النمطية. وأعتقد أنهم يفعلون هذا إرضاءً لرغبتهم التنظيرية، ولنقل شعورهم بالتقصير إليَّ. ربما يشعرهم هذا أنهم أفضل مني أو أنهم ليسوا وحدهم المقصرين. قبل فترة قصيرة مثلاً، عاتبتني خالتي على تقصيري في الصلاة، قائلة: "ما هو عشان بتحبي إبراهيم عيسى" مستندة في حديثها إلى الفترة التي عملت فيها مع الصحافي والكاتب إبراهيم عيسى، وهو بالنسبة إليها رجل غير ملتزم، ويحارب الدين. 
وبخصوص الصلاة، أتذكر واقعة أخرى. فصديقي غير المؤمن سألني أكثر من مرة إذا كنت أصلي أم لا. وكانت إجابتي أن صلاتي متقطعة أغلب الوقت. كما أنه انطلق من نقطة الصلاة إلى نقاط أخرى مثل الصداقة التي تجمعني به وبرجال آخرين، قائلاً: "بالنسبة لله أنتِ مصيبة تسير على قدمين"، لأني لا أنفذ الأوامر التي ينص عليها ديني - كما يرى - رغم أنه غير مؤمن.
قبل فترة قصيرة مثلاً، عاتبتني خالتي على تقصيري في الصلاة، قائلة: "ما هو عشان بتحبي إبراهيم عيسى" 

الضمير والإيمان وجهان لعملة واحدة

في تعاملاتي مع الله، ضميري فقط هو الذي يحكمني ويسيّرني. فضميري وإيماني بالله وجهان لعملة واحدة. ورغم ذلك، لا أستطيع أن أضرب بتعاليم ديني عرض الحائط. كذلك، لا أختار منها ما يعجبني فقط فأصبح ممن يقول عنهم الله في قرآنه الكريم في سورة البقرة "أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض"، ولكني أحكّم ضميري وإيماني وقدرتي على فعل الشيء.

في تعاملاتي مع الله، ضميري فقط هو الذي يحكمني ويسيّرني.

بعد سنوات، بدلاً من خوفي من ارتداء البنطال بسبب ما قاله لي مُعلمي، أصبحت أرتديه دون خوف فقط لأنه مُريح، وخاصة أن عملي يعتمد على الحركة والتنقل كثيراً. وعندما حاولت ارتداء التنورة، كانت تربكني وتسببت حركتي غير المنضبطة بها في قطعها ذات مرة. وفي الوقت نفسه، ورغم ارتدائي للحجاب في سن صغيرة، لا أشعر الآن برغبة في خلعه، بل أشعر أنه شيء أستطيع فعله إرضاءً لله وسط تعاليم كثيرة للدين ربما أغفل القيام بها أو ليست لدي القدرة الآن على فعلها.

وعن صلاتي، وهذا ليس تبريراً لأي شيء لأني لست في حاجة إلى التبرير من الأساس، لكني أحببت ذكر تجربتي ربما تفيد غيري ممن يتعرضون لمثل ما أتعرض إليه. خلال فترة انقطاعي أو تقطعي في الصلاة، كنتُ في أقصى مراحل جهادي حتى أعود للانتظام في الصلاة لأن تركها كان يؤرقني كثيراً. فحاولت مرات، وفشلت كثيراً، حتى نجحت أخيراً وعدت أنتظم مرة أخرى. وسبب الإصرار والرجوع للصلاة هذه الأيام والتي لا أجزم أبداً بالاستمرار فيها فما زالت في مرحلة جهاد مع نفسي، أن الصلاة هي لغة من لغات تواصلي وحديثي مع الله الذي أشعر بالارتياح عندما انتظم فيها.

بعد سنوات، بدلاً من خوفي من ارتداء البنطال بسبب ما قاله لي مُعلمي، أصبحت أرتديه دون خوف فقط لأنه مُريح، وخاصة أن عملي يعتمد على الحركة والتنقل كثيراً

أرى أن كلاً منا له لغته في التواصل مع الله، لغة لا تنقص من إيمانه شيئاً، فمنا من ترتدي الحجاب ابتغاء مرضاة الله، وأخرى لا تستطيع التواصل مع الله من خلال الحجاب الآن لكنها تصلي وتصوم بانتظام. وهناك من لا يشرب الخمر إرضاءً لله، لكنه أقام علاقة جنسية من قبل، ولا أقصد من حديثي التقليل من شأن ذنب عن آخر، لكن ما أقصده أننا في حالة جهاد مستمر مع أنفسنا، وأن كلاً منا له خطوطه الحمراء مع الله وتحكمها درجة إيمانه وضميره. وليس من حق أحدهم الشعور بالأفضلية لأنه لا يفعل ذنباً معيناً وغيره ليست لديه قدرة التوقف عن فعله الآن، أو حتى الانتقاص من لغة تواصل كل منا مع الله.

هناك من لا يشرب الخمر إرضاءً لله، لكنه أقام علاقة جنسية من قبل، ولا أقصد من حديثي التقليل من شأن ذنب عن آخر، لكن ما أقصده أننا في حالة جهاد مستمر مع أنفسنا، وأن كلاً منا له خطوطه الحمراء مع الله وتحكمها درجة إيمانه وضميره

أتذكر أني قلت في إحدى مقالاتي أني لست ممن يستشعرون وجود الله أثناء أداء الفروض فحسب، وإنما أستشعر وجود الله عندما تتملكني مشاعر إنسانية قوية وحقيقية تجاه الناس والحياة والأشياء. فعندما أفرح بشدة، أو أخاف بشدة، أو أحزن بشدة، أشعر بوجود قوة أكبر مني تتحكم في الأمور من حولي، وتحرّكني إليها. وفي هذا الوقت، أذهب لأصلي للتقرب من هذه القوة، فهكذا أشعر بقربه، وهذه لغتي مع الله.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard