شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
تحريك خطوط النار غرباً... تنظيم ولاية سيناء يموت ببطء

تحريك خطوط النار غرباً... تنظيم ولاية سيناء يموت ببطء

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والتطرف

الثلاثاء 23 أغسطس 202210:57 ص

"جميع الطرق مفخخة". "باقية وتتمدد رغم أنف الجيش والصحوات الملاعين". العبارات السابقة تركها عناصر تنظيم ولاية سيناء التابع لتنظم داعش على جدران قرية جلبانة، بعد اشتباكات مفاجئة في القرية التابعة إدارياً لمحافظة الإسماعيلية، غرب قناة السويس، لكنها تقع جغرافياً في شمال سيناء.

وأشارت تقارير إعلامية وحقوقية إلى أن الهجوم بدأ من يوم 11 آب/ أغسطس 2022، عندما شنّ عناصر من التنظيم هجوماً مفاجئاً على منطقة جلبانة الواقعة على بعد 20 كيلومتراً من قناة السويس، وبالقرب من شركة كهرباء "قنطرة شرق" التي تبعد خمسة كيلومترات عن المجرى الملاحي للقناة، وفخخ مداخل القرية ودخل في اشتباكات مع الجيش والمسلحين الموالين له من اتحاد قبائل سيناء ومجموعات قبلية أخرى من قبائل غرب سيناء مثل البياضية والدواغرة والأخارسة.

ربما هذا الهجوم يُعَدّ المحاولة الأقرب للمجرى الملاحي العالمي وشريان التجارة العالمي الأهم، بعد هجمات سابقة في كانون الثاني/ يناير وأيار/ مايو 2022 عندما هاجم التنظيم نقطة رفع مياه "عرام 2"، في مناطق تبعد 30 كيلومتراً عن قناة السويس.

ورد الجيش المصري عن طريق القصف الجوي بطائرات الأباتشي وتدخُّل على الأرض من المسلحين التابعين لاتحاد قبائل سيناء والمجموعات القبلية الموالية له.

محاولة السيطرة على جلبانة تتشابه مع محاولة سابقة للسيطرة على المثلث الأخضر في قرى قاطية وإقطية والمريح والجناين، جنوب بئر العبد، في عام 2020، وذلك لكسر الحصار عن عناصر التنظيم بعد فرض حصار على معاقله في ما يُعرف باستراتيجية التجويع التي دفعت كثيرين من المسحلين إلى الاستسلام لاتحاد القبائل ولعناصر القوات المسلحة.

ولاية سيناء يطلق النيران على قدمه!

مثّل إعلان تنظيم أنصار بيت المقدس ولاءه لتنظيم داعش وتغيير اسمه إلى "ولاية سيناء"، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، نقطة تحول هامة في تكتيكاته وعلاقته بالبيئة المحلية. فقد أسهمت محاولات استنساخ تجربة داعش في فرض سلطة أمر واقع وإنشاء مؤسسات موازية مثل محاكم شرعية وشرطة "إسلامية"، إضافة إلى محاولات السيطرة على الأرض في مناطق محيطة بالشيخ زويد ورفح وريف العريش، بل ومحاولة السيطرة الفاشلة على مدينة كبيرة نسبياً في سيناء وهي مدينة الشيخ زويد في تموز/ يوليو 2015، ومحاولات أخرى أفقدت التنظيم حياد البيئة المحلية تجاهه.

فإلى درجة كبيرة، لعبت البيئة المحلية سابقاً دوراً في مد التنظيم بعناصر بشرية وإمدادات لوجستية، خاصة في مراحل التمرد السابقة التي جرت بين عام 2011 حتى عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي في تموز/ يوليو 2013. فقد كانت أغلب عمليات التنظيم موجهة إلى إسرائيل أو إلى مصالحها مثل تفجير خط الغاز المصري إلى إسرائيل وتتجنب الدخول في مواجهات مفتوحة مع عناصر الجيش المصري بشكل مستمر.

"تبدو عملية جلبانة التي بدأها تنظيم ولاية سيناء محاولةً للهروب إلى الأمام لكنها على أغلب الظن ستضعه بين فكي كماشة تغلق عليه تدريجياً"

لكنّ تغيّر التكتيكات على الأرض وفرض سلطة أمر واقع أدخل التنظيم في مواجهات بدأت تتصاعد تدريجياً مع البيئة المحلية، فظهر كمَن يطلق الرصاص على قدمه بتصعيده التوترات مع السكان المحليين وخرقه للكود الأخلاقي المنظم للعرف القبلي السائد في المنطقة. فقد قام باختطاف شيوخ عشائر وإعدامهم، واختطاف نساء وقتلهنّ بزعم تعاونهن مع قوات الأمن المصرية، بل والدخول في اشتباكات مباشرة مع عناصر قبلية من قبيلة الترابين، إحدى أكبر قبائل سيناء. وتزامن كل هذا مع هزيمة التنظيم الأم في معاقله في العراق والشام وتراجع الدعم العابر للحدود بعد ضبط الجيش المصري الحدود بالتعاون مع حركة حماس وتجفيف مسارات التسليح القادم من ليبيا.

ولعل أبرز نقاط التحوّل في علاقة التنظيم مع البيئة المحلية هو الهجوم الدموي على مسجد قرية الروضة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017 والذي أدى إلى مصرع 305 من السكان المحليين في واحدة من أكثر الحوادث الإرهابية دموية في التاريخ المصري.

استغلت الحكومة المصرية تكتيكات التنظيم الدموية في استمالة القبائل وتشكيل مجموعات قبلية مسلحة تنشط في شرق سيناء في جنوب رفح وشرق بئر العبد، أهمها "اتحاد قبائل سيناء" التابع لقبيلة الترابين و"اتحاد مجاهدي سيناء" التابع لقبيلة السواركة ومجموعات تابعة لقبائل البياضية والأخارسة والدواغرة غرب سيناء وقبائل أخرى.

هل فقد التنظيم عقله أم أصبح أكثر فاعلية؟

أسهمت المجموعات القبلية المسلحة التي تقاتل بإسناد ناري توفّره لها القوات المسلحة المصرية في تكثيف عمليات التعقب والمطاردة على الأرض ودخلت قرى كانت تُعَدّ معاقل للتنظيم وطردته منها مما أسهم في عودة تدريجية للسكان الذين اضطروا لمغادرة منازلهم إثر الاشتباكات.

تراجُع التنظيم في الشرق دفعه للبحث عن موطئ قدم في الغرب خاصة في المناطق الزراعية، بحثاً عن إمدادات غذائية ودعم لوجستي، بعدما فقدها في قرى الشرق التي كانت تُعتبر مناطق نفوذه. حاول مدّ نفوذه باتجاه مدينة بئر العبد وجنوبها، مروراً بجبل المغارة ومحيطه في وسط سيناء، وصولاً إلى بعض القرى التي تتبع إدارياً لمحافظات في غرب القناة مثل محافظة الإسماعيلية (قرية جلبانة ومحطة رفع المياه عرام 2) أو محافظة بورسعيد (سهل الطينة)، في محاولة لنقل الصراع إلى مستوى آخر هو مستوى استهداف المصالح الحيوية لمصر.

"على خلاف الشعارات المكتوبة على جدران قرية جلبانة، لا تبدو داعش في سيناء باقية وتتمدد، بل يبدو أنها تموت ببطء وتنكمش رغم محاولاتها المستميتة للبقاء"

وفقاً لتقارير حقوقية وإعلامية، استهدفت عناصر التنظيم القادمة من الشرق جلبانة للتوطن فيها وليس لمجرد تنفيذ عملية خاطفة، وأفادت شهادات للسكان المحليين بأن عناصر التنظيم أحضروا معهم عائلاتهم بهدف السيطرة على المناطق الزراعية والتوطن فيها.

لا تظهر استراتيجية التنظيم الجديدة في نقل الصراع إلى الغرب على أنها استراتيجية مستدامة قادرة على الاستمرار بقدر ما هي محاولة للهروب من الضغط في الشرق. فعلى رغم محاولة التنظيم السابقة السيطرة على منطقة المثلث الأخضر إلا أن مقاومة العناصر القبلية المسلحة وضغط الجيش عليه أديا إلى طرده من أغلب معاقله في الشرق. لذا، فأن أي محاولة للتمدد في الغرب ستضعف التنظيم أكثر نظراً إلى وجوده في أماكن تبعد عن خطوط إمداده الرئيسية في الشرق، واقترابه أكثر من معاقل قبائل معادية للسلفية الجهادية من ناحية، واقترابه أكثر من شريان استراتيجي لن يسمح الجيش المصري ولا العناصر القبلية الموالية له بأي تقدم نحوه أو بأي توطن لعناصر جهادية فيه من ناحية أخرى.

تبدو عملية جلبانة كمحاولة من تنظيم ولاية سيناء للهروب إلى الأمام لكنها على أغلب الظن ستضع التنظيم بين فكي كماشة تغلق عليه تدريجياً. وعلى خلاف الشعارات المكتوبة على جدران قرية جلبانة، لا تبدو داعش في سيناء باقية وتتمدد، بل يبدو أنها تموت ببطء وتنكمش رغم محاولاتها المستميتة للبقاء.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

جميعنا عانينا. عانينا كثيراً، ولا نزال نعاني، من انتشار الجماعات المتطرفة والأفكار المتطرفة، ولذلك نحرص في رصيف22 على التصدي لها وتفكيك خطاباتها، ولكن نحرص أيضاً، وبشدّة، على عدم الانجرار إلى "شرعنة" ممارسات الأنظمة التسلطية، لأن الاستبداد أحد أسباب ظاهرة التطرّف، ولا يمكن التصدي لها بمزيد من الاستبداد. لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard