شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"إذا بتفتحي تمك برميكي في الشارع"... العنف والذكورية المستفحلة تجاه النساء العاملات في غزة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 22 أغسطس 202202:33 م
Read in English:

"Open your mouth, and I will throw you to the dogs", violence towards Gaza’s working women

تفضي الظروف المعيشية في قطاع غزة إلى المزيد من السقوط والتهاوي، في ظل قلة فرص العمل لدى الشباب ومعيلي الأسر، إذ يمر القطاع منذ بدء الانتفاضة الثانية عام 2001، بأشكال متنوعة من المعاناة، شملت خسائر كبيرة في الجانبين البشري والاقتصادي، ما أثر على عجلة الحياة الطبيعية.

شهدت الحياة الاجتماعية والاقتصادية الغزية تقلبات ذات أثر متراكم خلال عقدين من الزمن، فكانت نهاية سيطرة حكم حركة فتح على غزة، بعد فلتان أمني شمل حوادث قتل واغتيال بين أفراد فتح وحماس، تبعته معارك دموية في عام 2007، أنتجت سيطرة حكم حماس على القطاع.

وخلال حكم حماس، خاض المواطن الغزي خمس حروب منذ عام 2008 حتى 2021، راح ضحيتها آلاف الشهداء، ما يعني كثرة عدد الأرامل والأطفال اليتامى، بالإضافة إلى آلاف الإعاقات والمصابين ببتر الأعضاء، وهذا ينبىء بعدم قدرتهم على العمل.

وارتفعت خلال هذا التدرج نحو العنف نسبة الفقر المدقع بين الأفراد وفقاً لأنماط الاستهلاك الشهري في قطاع غزة بلغ 33% حتى آخر إحصائية لمركز الإحصاء الفلسطيني، حتى عام 2017، ولربما ستكون أكبر بعد تحديثها كل خمسة أعوام.

في غزة ازدادت نسبة توجه النساء إلى العمل بسبب جملة الظروف التي أنتجت آباءً عاطلين عن العمل وأطفالاً لا يجدون مصروفهم اليومي. وبعد الظروف المعقدة التي تعيشها المرأة خلال العقود الماضية، وتشديد العائلات، وتحفظها على عمل المرأة، وبفعل زيادة نسبة تعليم المرأة في الجامعات، تمكنت المرأة من إيجاد مساحة أكبر لها في سوق العمل، بل أصبحت نسبة النساء المعيلات لعائلاتهن حوالي 25% بعد أن كانت 7% عام 2005.

ويفيد الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني للعام 2019 أن نسبة نساء غزَّة المشاركات في سوق العمل بلغت 30%، كأعلى نسبة تصلها العمالة النسوية، لكن عمل النساء الغزيات فتح الباب على شكل آخر من أشكال المعاناة للمرأة، وعملها هذا لم يجعلها أكثر حرية، بل في حالات كثيرة، جعلها أكثر خضوعاً وإذلالاً.

عنف وتنمر

تقول ت. ش. التي تعمل في شركة كبيرة في غزة في مجال المحاسبة، وقد تحفظت على ذكر اسمها خوفاً من الإيذاء: "وافق أبي على عملي، بعدما تعهدت بدفع نصف راتبي له، بحجة أن دخله لا يكفي".

تكمل الشابة العشرينية: "كنت أعطيه النصف، وأكمل الشهر بمبلغ قليل، ومطلوب مني من خلاله أن أشتري ملابس جديدة تليق بعملي، وأدفع مواصلات التنقل، لكن المبلغ في كل مرة كان لا يكفي، مما يجعلني أضطر للاستدانة من زميلاتي".

وتعرضت الشابة للعنف والتنمر من والدها بمجرد اعتراضها على نسبة الدفع، ومحاولتها تخفيضه، وحين طلبت ذلك، أجابها الأب: "إذا بتفتحي تمك برميكي في الشارع".

وتضيف: "لدي أخ صغير معاق، كنت أتمنى أن أقف بجانبه، لكن والدي يضربني ويدفعني بيديه حين أخبره بهذا، ويقول: لن نستطيع تغيير قدر الله".

وتستكمل حديثها فيما يتعلّق بالوضع المعيشي: "لم أشعر بتحسن وضع عائلتي المعيشي، بالرغم من انتظامي في دفع الراتب لأبي، كنت دوماً متوجسة من مصير النقود، وكان أبي يشتكي، الحياة صعبة".

وتكمل: "بعد سنتين من التعب وتحمل الصعاب، ودفع نصف راتبي لأبي، فوجئت في يوم من الأيام بأنه يرغب في الزواج من جارتنا، بحجة أن أمي لا تستطيع إرضاء رغباته، لقد كنت مصدر مهر العروس الجديدة، ضرة أمي".

وحين سألنا الشابة عن البكاء، قالت: "أعتذر لأني بكيت، فلا أستطيع فعلها أمام أحد أفراد أسرتي، سيخبرون أبي بهذا، وسأخضع لتحقيق لا طائلة منه، ولن أستطيع إخباره بأنه السبب، وعليّ إذن إيجاد مبرر، ليكف عن الشك بي واتهامي بِتهم قد تصل إلى الشكّ الأخلاقي".

فقدت ثلث وزني

أما هناء، 29 سنة، فحين وجدت أن سوق العمل في غزة شبه متوقف، ولا مجال لفرص جديدة، التحقت بركب العاملات على الإنترنت، واجتهدت في مجال تصميم المواقع الإلكترونية، لعدة سنوات، حتى بدأت تشعر بقيمة عملها، لكنها واجهت مشكلة أكبر.

تقول لرصيف22: "عملي شاق جداً، يتطلب مني السهر إلى الفجر حتى أتممه، ويكون عليّ في الصباح أن أنجز مهام المنزل كاملة، لدرجة أني فقدت ثلث وزني. زوجي يعمل في البناء بشكل متقطع بعد توقف سنوات طويلة في غزة، بفعل الحصار من قبل الاحتلال، وكان يتوجب العمل لتفادي خراب بيتي".

بعد سنتين من التعب وتحمل الصعاب، ودفع نصف راتبي لأبي، فوجئت في يوم من الأيام بأنه يرغب في الزواج من جارتنا، بحجة أن أمي لا تستطيع إرضاء رغباته، لقد كنت مصدر مهر العروس الجديدة، ضرة أمي

وحينما أصبح المعيل لهذا البيت امرأة، لم تتوقف عنجهية الذكورة عند هذا الحد، فيتمادى الزوج في طلب النقود من زوجته، ليعطي أهله، فكان لدي ثلاثة أخوة بلا عمل، ووالده ووالدته".

تضيف هناء: "كنت آمل أن أعيش حياة طبيعية، خالية من الأزمات، لكن زوجي اعتدى عليّ بالضرب المبرح، أثناء حملي بالشهر السادس، لرفضي إعطاءه النقود لأهله، فولدت طفلة تعاني الإعاقة البصرية".

وتنهي هناء حديثها: "كل ما أحلم به الآن هو علاج ابنتي، ففي كل يوم أبكي حين أراها تكبر أمامي بتلك الإعاقة".

مستقبل غامض

أما سهاد، 36 سنة، فتبيع الحلويات والمأكولات عبر الإنترنت، واتجهت لهذه المهنة لمساعدة زوجها، وقد أرهقته الديون بفعل بناء شقة في بناية أهله، بناءً على رغبتها، فلم تعد الغرفة التي يعيش فيها مع أهله، تكفي لاحتواء خمسة أطفال وزوجين. تقول سهاد لرصيف22: "بعد البناء صار زوجي عصبياً، وفي كل مرة يكيل لي الاتهامات بأبشع الألفاظ، بأنني سبب بؤسه وشقائه".

كنت آمل أن أعيش حياة طبيعية، خالية من الأزمات، لكن زوجي اعتدى عليّ بالضرب المبرح، أثناء حملي بالشهر السادس، لرفضي إعطاءه النقود لأهله، فولدت طفلة تعاني الإعاقة البصرية

وتضيف سهاد:" بعد تمكني من العمل، صار زوجي يعتمد على مصدر رزقي، ويتأفف من فكرة العمل"، وحسبما أوردت السيدة سهاد فإن الزوج يخرج لعمله كسائق بعد الساعة الثانية عشرة ظهراً، وكلما طالبته بضرورة العمل لسد الديون، يجيبها: "أنتِ سبب كل هذا الفقر، وعليك تحمّل المسؤولية كاملة".

تضيف سهاد: "ما أبيعه على الانترنت بالكاد يكفي لمتطلبات الأطفال، إنني شديدة الحزن عليهم، بسبب غموض مستقبلهم، وعدم قدرتي مع أبيهم على تحقيق أدنى متطلباتهم".

وتستدرك الشابة الثلاثينية: "لو كنت أعلم أن هذا سيكون مصيري لما تزوجت، لقد أضحينا نحن النساء نعيش في مجتمع ذكوري يزيد من الضغط علينا من أجل العمل وإعالة الأسرة، وصار الكثير من الشباب في المجتمع الغزي، فاقدي القدرة على التكيف، بفعل صعوبة الظروف".

وتختم سهاد: "لا أفكر في الطلاق، لأن تبعاته في مجتمع غزة، شديدة الخطورة، ويجب عليّ أن أخوض حرباً اجتماعية من نوع جديد بعده، تتعلق بالقمع والمنع والتنمر والشك والطعن بالشرف في حال اتجهت للعيش في بيت أبي".

المرأة في غزة خاضت حروباً مختلفة، لسنوات طويلة وبشكل متقطع، لكنها تخوض حرباً اجتماعية دائمة مع الهيمنة الذكورية التي لها أصولها القديمة كنقوش مقدسة، بحيث يسقط من يخرج عنها في مستنقع الشذوذ وعدم الفهم، فلا مساحة لأحد في مثل هذه المجتمعات الذكورية سوى للسيطرة الذكورية التي تقف وراء إنتاج مستمرّ للضحايا من النساء.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard