في بداية شهر حزيران/ يونيو الماضي، غادر محمد برفقة زوجته وأطفاله منزلهم المطل على البحر في مدينة المعمورة في محافظة نابل، بعد أن عرضه للإيجار، قبل أن ينتقل للعيش في منزل والده في مدينة مجاورة، حسب ما أكد لرصيف22.
يقول محمد: "اعتدت على تأجير منزلي للمصطافين منذ سنة 2008، وما زلت إلى اليوم أعرضه للإيجار كل صيف. هي فرصة ذهبية بالنسبة إليّ لكسب بعض المال في وقت قصير".
يضيف: "أعيش بالقرب من البحر سنةً كاملةً، واخترت الابتعاد عنه في فصل الصيف وتأجير منزلي للعائلات التونسية، والجزائرية أو الليبية لقاء مبلغ مادي جيد. وهكذا أكسب مالاً إضافياً لمجابهة مصاريف الحياة وأبتعد عن ضوضاء الشواطئ وفوضاها في فترة الاصطياف".
طريق للربح السريع
مع دخول فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة، تلجأ العديد من العائلات التونسية التي تعيش بالقرب من الشواطئ في المحافظات الساحلية إلى مغادرة منازلها وشققها وعرضها للإيجار بأسعار مرتفعة.
وتشهد المدن الساحلية في فصل الصيف إقبالاً كبيراً من المصطافين والسياح العرب والأجانب، ويختار الكثير منهم كراء منازل وشقق مؤثثة عوض البقاء في النزل والمنتجعات السياحية في ظل ارتفاع تكلفة الحجوزات خاصةً في النزل القريبة من البحر.
ومع بداية موسم الاصطياف، تنتشر إعلانات كراء المنازل والشقق في المناطق الشاطئية عبر مواقع التواصل الاجتماعي وعلى واجهات العقارات والمحال التجارية بكثافة، وعادةً ما تكون المنازل المعروضة للكراء مؤثثةً بالكامل بينما تختلف الأسعار حسب حالة العقار ونوعية أثاثه ومدى قربه من البحر.
يقر محمّد بأن عادة تأجير منزله المطل على البحر خلال فصل الصيف طريق مختصر لتحقيق "ربح مادي سريع"، إذ إنه يؤجر منزله المؤثث والمكيّف بـ150 ديناراً (49 دولاراً) ليوم واحد، وبـ600 دينار (200 دولار) في الأسبوع، في حين يطلب 4،500 دينار (1،441 دولاراً) للعائلة التي ستستأجر المنزل لمدة شهر كامل.
وبين الحاجة إلى المال والسعي إلى تحقيق الربح السريع والاستفادة من عقار مطلّ على البحر في فصل يهرب فيه التونسيون إلى الشواطئ، فإن لجوء مالكي الشقق والمنازل في المناطق الساحلية إلى مغادرة بيوتهم وتركها للمصطافين تحوّلت إلى ظاهرة مجتمعية لافتة وطريقة موسمية لكسب المال.
مع دخول فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة، تلجأ العديد من العائلات التونسية التي تعيش بالقرب من الشواطئ في المحافظات الساحلية إلى مغادرة منازلها وشققها وعرضها للإيجار بأسعار مرتفعة
اختار سالم بدوره تأجير منزله المطل على شاطئ البغدادي في محافظة المهدية في فصل الصيف، وانتقل للعيش في منزل شقيقه منذ بداية شهر حزيران/ يونيو الماضي، على أن يعود إليه بداية شهر أيلول/ سبتمبر المقبل، وهو موعد انتهاء فترة الاصطياف واستعداد العائلات التونسية لبدء العام الدراسي.
عن هذا الاختيار، يقرّ سالم في حديثه إلى رصيف22، بأن تأجيره منزله خلال فصل الصيف أصبح يدرّ عليه ربحاً وفيراً يمكّنه من مجابهة مصاريف أبنائه، خصوصاً عند العودة إلى المدارس والجامعات.
ويواصل حديثه قائلاً: "أغادر منزلي منذ شهر حزيران/ يونيو، وأعرضه للكراء حتى نهاية شهر آب/ أغسطس، أي أهجره فقط لمدة ثلاثة أشهر وهي مدة زمنية قصيرة، لكنني أحقق خلالها ربحاً مادياً لافتاً يساعدني على تجاوز المشكلات المادية التي أعاني منها'.
يضيف: "أعرض منزلي الذي يحتوي على أربع غرف وقاعة للجلوس بكل أغراضه للإيجار، وآخذ فقط بعض الأغراض الشخصية والقيّمة وأنتقل للعيش برفقة شقيقي طوال فترة الصيف وأفكر في أخذ قرض من البنك لبناء طابق علوي أستغلّه أيضاً لتأجيره وتحسين مدخولي المالي".
وتُقبل أغلب العائلات التونسية على كراء منازل أو شقق مفروشة ومجهزة بالكامل خلال فترة 'الخلاعة' (الاصطياف)، هرباً من أسعار الفنادق المرتفعة، وعادةً ما تلجأ العائلات خاصةً محدودة الدخل منها إلى تقاسم المنزل مع الأقارب أو الجيران لتخفيف مصاريف الإيجار.
ومثلما يكون فصل الصيف بالنسبة إلى التونسيين فرصةً للاستجمام والترفيه بعد سنة كاملة من العمل أو الدراسة، فإنه يكون بالنسبة للكثيرين فرصةً لكسب الأموال وتحقيق أرباح موسمية مهمة.
توفير مصاريف الدراسة
تقول منية (55 عاماً)، وهي متحدرة من مدينة الحمامات السياحية، إنها اعتادت بدورها على تأجير منزلها للسياح الجزائريين وهو ما يدفعها لتركه كل صيف والانتقال للعيش في بيت شقيقتها لمدة تتراوح بين ثلاثة وأربعة أشهر.
تضيف في حديثها إلى رصيف22، أنها تعيش في منزلها القريب من البحر برفقة ابنتها الوحيدة بعد أن فقدت زوجها في حادث مرور عام 2010، وأنها بدأت منذ تلك الفترة بعرض منزلها للإيجار في فصل الصيف لكسب بعض الأموال لتغطية مصاريف دراسة ابنتها.
"أعرض منزلي الذي يحتوي على أربع غرف وقاعة للجلوس بكل أغراضه للإيجار، وآخذ فقط بعض الأغراض الشخصية والقيّمة وأنتقل للعيش برفقة شقيقي طوال فترة الصيف"
وتتابع: "في بداية فصل الصيف استأجرت منزلي عائلات تونسية، وبعد فتح الحدود مع الجزائر أستأجرته عائلات جزائرية مقابل500 دينار (170 دولاراً)، في الأسبوع، بحكم أن منزلي يحتاج إلى العديد من الإصلاحات ولا يطل على البحر مباشرةً".
وتؤكد منية أنها تفكر في إدخال بعض الإصلاحات على بيتها، وتجديد أثاثها في السنة المقبلة، ما يمكّنها من رفع ثمن الإيجار سواء أكان لليوم الواحد أو لمدة أسبوع أو شهر.
أسعار الإيجار مرتفعة
أكدت منظمة الدفاع عن المستهلك في تونس، تسجيل ارتفاع في أسعار المنازل والشقق المعروضة للإيجار للمصطافين في فصل الصيف.
وقال رئيس المنظمة، عمار ضيّة، في تصريح إذاعي، إنه "مع بداية كل موسم صيفي تطغى إشكالية كراء شقق الاصطياف والمنازل القريبة من الشواطئ، على الحياة اليومية للمواطن"، مؤكداً أن "فريق المراقبين سجل شكاوى المصطافين من الارتفاع اللافت في الأسعار".
هذا القطاع غير منظم بقوانين، لذلك ترتفع الأسعار بصفة لا تتناسب مع القدرة الشرائية للمواطن
وأكد ضيّة، أن "هذا القطاع غير منظم بقوانين، لذلك ترتفع الأسعار بصفة لا تتناسب مع القدرة الشرائية للمواطن، خصوصاً أن تحديد السعر يعود أساساً إلى صاحب البيت وفي بعض الأحيان إلى الوسطاء".
ودعا رئيس المنظمة التونسية المواطنين "إلى برمجة عطلهم الصيفية مبكراً، وعدم الوقوع تحت ضغط إلزامية الكراء وارتفاع الأسعار، كما دعا إلى تنظيم قوانين كراء العقارات ووضع معايير للعرض مع تحديد سقف للأرباح ووضع أسعار كراء حسب مساحة البيت المعروض للإيجار".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...