شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
الصيف

الصيف "خريف" موريتاني... موسم الهجرة إلى مواطن الجمال

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 1 يوليو 202204:06 م

حين ينزل المطر في داخل موريتانيا، وتبدأ الناس بالتحلل من التزامات المدارس والجامعات والعمل، تغادر أرواحها قبل أجسادها نحو أماكن الانتجاع في الداخل، ويحدث ما يشبه الهجرة الجماعية من العاصمة، بحثاً عن مواطن الجمال في موريتانيا ذات الأراضي الفسيحة والزاخرة بالأماكن الأخّاذة، ويخلق هذا الحال نقاشاً ونوعاً من التباري حول أجمل المناطق، وتكتسح الملاذات الطبيعية في الداخل شبكات التواصل الاجتماعي.

موسم الهجرة إلى الداخل

يتجول المصطفى ولد أحميد، هذه الأيام، في ولاية (محافظة) تگانت وسط موريتانيا، وقبلها بأيام كان في ولاية آدرار الواقعة في الشمال الموريتاني، حيث يستكشف كعادته مناطق موريتانيا السياحية لقطف فرص للاستجمام والراحة، فهو كثير الأسفار بين ولايات موريتانيا المتنوعة، وذلك بسبب طبيعة عمله، وتُعدّ هذه الفترة من أنسب فترات التمتع بطبيعة البلاد، أي موسم الأمطار أو ما يسميه الموريتانيون فصل "الخريف".

تحدث المصطفى إلى رصيف22، قائلاً: "حسب تجربتي في موريتانيا وزيارتي إلى مختلف مناطق الدولة، فغالبية الولايات فيها مناطق سياحية باذخة وساحرة، ففي شمالها مثلاً نجد آدرار وأيضاً ولاية تگانت وفي الشرق هناك الحوض الغربي وولاية لعصابة وفي الجنوب گيدي ماغا وولاية الترارزة، فهذه هي أبرز الولايات من ناحية المناطق السياحية".

في موسم الأمطار داخل موريتانيا، يغادر السكان العاصمة والمدن الكبرى  نحو أماكن الانتجاع في الداخل، ويحدث ما يشبه الهجرة الجماعية من العاصمة، بحثاً عن مواطن الجمال 

وأشار إلى أنه في "فترة الخريف يبدأ الناس بالتوافد إلى هذه المناطق وإلى داخل البلد بشكل عام، حيث يحل فصل الخريف، خصوصاً سكان العاصمة نواكشوط وتحدث عملية نزوح منها نحو الداخل، وذلك بعد انتهاء السنة الدراسية وبسبب حر العاصمة، وتختلف أسباب الناس كما تختلف أذواقهم وأغراضهم من السياحة الداخلية والواجهات التي يفضلون".

المدير العام المساعد للمكتب الوطني للسياحة محمد الأمين ولد سيدينا، شرح لرصيف22، طبيعة السياحة الداخلية في البلاد، "مع حلول فصل الخريف تبدأ رحلات الأسر الموريتانية إلى الداخل، إذ يتزامن هذا الفصل مع فترة العطل المدرسية وهي فرصة للأسر الموريتانية للبحث عن متنفس عن المدينة واكتظاظها، وبالرغم من أن وجهة جل الأسر مسقط رأسها، فإن ذلك لا يمنع من عدّ هذا التدفق سياحةً داخليةً لما يوفره من زيادة في حجم التبادل التجاري داخل المناطق، وانتعاش للأسواق (الحيوانات، المواد الغذائية، محطات الوقود..... إلخ)، وكذلك اليد العاملة المحلية التي تنتعش هي الأخرى في هذه الفترة".


مدينة الرشيد، تصوير: عبد الرحمن ودادي

أكد المتحدث على أن "أهم مميزات هذه السياحة الداخلية هي أنها من جهة تنعش الأسواق وتشجع اليد العاملة المحلية، ومن جهة أخرى هي فرصة للعودة إلى الجذور وتلاقح ثقافات مختلفة خلقت إحداها ضرورات المدينة وحافظت أخراها على نفسها بالرغم من كل المؤثرات الخارجية".

وجهات متنوعة ومنافسة

تتعدد أغراض الناس في فصل الخريف والوجهات التي تجذبهم وكل ولاية يعدّها أهلها أبهى الأماكن في البلاد، ولا استجمام يحلو في غيرها، وقال محمد الأمين ولد سيدينا: "أعتقد أن الوجهات المفضلة لأغلب السياح الوطنيين إن جاز التعبير، هي مناطق الواحات في موسم الكيطنة والمناطق الرعوية في فترة الخريف".

ونبّه المصطفى ولد أحميد، إلى أن "هناك من يبحث عن اللحم واللبن والمناظر الخلابة، أو ما يسميه البعض 'گيطنة لْخريف'، وهؤلاء وجهتهم الأساسية هي ولاية لعصابة والحوض الغربي، وهناك من يبحث عن الاستجمام والمناظر الخلابة والأماكن الأثرية، ومن وجهة نظري إن أرض آدرار تتميز بجبالها ووديانها خاصةً وديان النخيل والمواقع الأثرية الكثيرة والناس يذهبون بحثاً عن ذلك، وهذا حال أرض تگانت التي تتميز بالشيء نفسه، الوديان والجبال والبطاح والمواقع الأثرية السياحية الجذابة والمدن القديمة مثل تشيت والرشيد، أما ولاية كيدي ماغا فتتميز بوديان المياه التي يتدفق فيها الماء وتُعدّ أكثر ولاية توجد فيها تلك الوديان، وهي جذابة للزوار فترة الخريف وغطاؤها النباتي كثيف فيه أساساً، وجبالها وهضابها أكثر تميزاً إذ تغطيها النباتات في الخريف، وتالياً تكون غايةً في الروعة والجمال، والحوض الغربي كذلك فيه الكثير من المناطق الأخّاذة خريفاً، وفي ولاية الترارزة نجد حظيرة جاولينغ، التي تحتضن الكثير من الحيوانات والطيور المتنوعة والنادرة".

بعد صعود نجمه حيكت حوله نكات وطرائف وقصص وكانت سبباً للتندر، وقال البعض إن سكان منطقته كانوا يحجبونه عن بقية الموريتانيين

واصل الخبير بالجغرافيا الموريتانية، الحديث عن ولاية الترارز قائلاً: "في فترة الخريف يقصدها الناس وتضم الولاية منتجع جوخة، وهو منتجع يتميز بكثرة الأشجار، فهي منطقة غابات شجرية متنوعة، وفي فترة الخريف يزداد غطاؤها النباتي وهذا يجذب الزوار، ويأتيها الناس للمقيل والذهاب عنها لأن السكن عندها مستحيل بسبب البعوض، وفي النهاية تبقى ولاية لعصابة من وجهة نظري هي اللوحة الفنية الجامعة الشاملة لمختلف المناظر السياحية في البلد، إذ تضم الجبال والوديان والبطاح الجميلة، باختصار فيها كل ما في الولايات الأخرى".

صعد نجم منتجع جوخة  في السنتين الأخيرتين بين الموريتانيين وذلك بسبب أزمة كوفيد19 وسياسات إغلاق المطارات، وقربه من العاصمة إذ يُعدّ أقرب أماكن التنزه إلى نواكشوط، فتبعد 212 كلم عنها، وبعد صعود نجمه حيكت حوله نكات وطرائف وقصص وكانت سبباً للتندر، وقال البعض إن سكان منطقته كانوا يحجبونه عن بقية الموريتانيين، وإن أهل تلك المنطقة، أي الجنوب أو ما يُعرف محلياً بمنطفة "الگبلة"، عُرفوا بالكتمان، وكانوا يكتمون طوال السنين الماضية أمر هذا المكان الجميل ولا يستمتع به غيرهم، وتساءل البعض إن كان هناك مكان غيره ما يزال محجوباُ عن غير سكان تلك المنطقة.

أكثر المواطنين من العاصمة وحتى عواصم الولايات الأخرى يتوجهون إلى ولاية لعصابة، لأنها هي الأكثر جذباً للناس في فترة الخريف

وأما جاولينغ، فهي محمية طبيعية تأسست سنة 1991، من أجل إعادة تأهيل النظام البيئي في منخفض نهر السنغال بعد التدهور الكبير الذي شهدته المنطقة خلال سنوات الجفاف، ولتخفيف الانعكاسات البيئية السلبية لاستصلاح حوض نهر السنغال.

تقع المحمية في مقاطعة كرمسين في الجنوب الغربي من موريتانيا، وتضم أكثر من 250 ألف صنف من الطيور الزائرة سنوياً، إلى جانب 110 أصناف من طيور الماء المهاجرة والمحمية دولياً، هذا مع كمّ كبير ومتنوع من الحيوانات الممنوع صيدها، وتمتاز الحظيرة بجمال المناظر الطبيعية وتنوعها.


ولاية كيدي ماغا

يرى المصطفى ولد أحميد أن "أكثر المواطنين الذين يذهبون من العاصمة وحتى عواصم الولايات الأخرى يتوجهون إلى ولاية لعصابة، لأنها هي الأكثر جذباً للناس في فترة الخريف، ففيها ما يُسمى إريجي (النبع)، وهناك قرية اسمها أم أشغلان، فيها مناظر عجيبة من أريجي مستمرة في كل المواسم".

يُعدّ منتزه أم لعبر أحد أشهر المزارات السياحية في ولاية لعصابة وكذلك بحيرة كنكوصة، وفي تكانت نجد تامورت النعاج والحسينية و بحيرة مطماطة، وفي آدرار نجد ترجيت والمداح والكثير والكثير من الأماكن، وهناك أماكن سياحية أيضاً ومنتجعات جاذبة في ولاية لبراكنة، مثل التامورت الخضراء وأگرارت ألاگ، وفي تيرس الزمور وغيرها من ولايات موريتانيا أماكن جميلة وجاذبة للناس.

عوائق البنية التحتية وضعفها

بالرغم من فرح الموريتانيين بفصل الخريف وأجوائه ونشاطه، غير أن نقاش ضعف البنى التحتية في البلاد وخاصةً في الداخل يفرض نفسه، ولا يؤدي إلى خفوته الزهو بالجو العام للخريف، إذ إن كل منطقة سياحية وأخرى تفصل بينهما مساحات شاسعة، والطرق المؤدية إليها سيئة جداً، فحال الطرق في موريتانيا ليس على أحسن ما يرام، وكذلك البنى التحتية والخدمات الموجودة فيها رديئة في الغالب، وقال ولد سيدينا: "لا ينكر غير مكابر أهمية البنية التحتية الإيوائية في تنمية السياحة بشكل عام والسياحة الداخلية بشكل أخص، إلا أن المواطن الموريتاني لا يهتم كثيراً لمناطق الإيواء، نتيجةً للجوء أغلب المتنزهين إلى مساقط رؤوسهم، ومع ذلك، أهيب من خلالكم بكل الفاعلين الاقتصاديين من أجل الاستثمار في هذا المجال لما يوفره من قيمة مضافة".


المحمية الطبيعية جاولينغ

وأكد ولد أحميد قائلاً: "لدينا الكثير من المناطق السياحية وللأسف الشديد لا توجد صيانة، وهذا ما يسبب تلاشيها وإفسادها، بسبب ضعف الصيانة، ولو كانت تجد اهتماماً كبيراً لكانت تجذب العالم بأسره".

وحسب ولد سيدينا، هناك خطط وطنية لخلق سياحة وطنية منظمة، وقال: "في هذا الإطار قمنا بإعداد دراسة لخلق مسارات سياحية جديدة تركز على موروثنا الثقافي وسلّمناها للفاعلين في المجال ونسعى في هذا الموسم إلى تجريب أحد هذه المسارات لإقناع الفاعلين الاقتصاديين بجدواه، وتشجيع السائح المحلي على تجريب المسارات المشتركة".

وخلص المتحدث قائلاً: "في الإطار نفسه، شاركنا كفاعل وشريك رئيس في مهرجان موسيقى الرعاة الذي أقيمت نسخته الأولى في الطينطان في شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وحضره عدد كبير من المواطنين وممثلو البعثات الدبلوماسية، وهو ما سيكون له الأثر الكبير على واقع السياحة في المنطقة وسنواصل خطواتنا في هذا المجال للترويج للسياحة الداخلية".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard