شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
ما نعرفه ولا نعرفه عن

ما نعرفه ولا نعرفه عن "بيتهوفن" الموسيقى التصويرية للأفلام المصرية... علي إسماعيل

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الاثنين 15 أغسطس 202211:00 ص

طلبت مني الصديقة الناقدة رانيا يحيى، كتابة شهادة حول ملحن مصري، واضع موسيقى تصويرية لأفلام سينمائية شهيرة، لتضمها إلى كتاب تُعدّه. وقبل أن أبدأ، فكرت أن أسأل عنه من في محيطي من شخصيات عامة، ومنشغلة بالثقافة، وحتى من يعملون في حقل الدراما، شباباً ومخضرمين.

هل تعرفون علي إسماعيل؟

المفاجأة أن قليلين جداً ممن سألتهم قد عرفوه أو سمعوا به، ما أثار في نفسي الكثير من الشجون، كيف ضاع اسم ذلك العبقري رغم إرثه الفني الذي يعرفه القاصي والداني، ويحفظه عن ظهر قلب؟ وهل فعلاً يلعب الإعلام الحديث دوراً في إغفال بعض من الفنانين الحقيقين؟ أم من طبيعة الأمور أن من يعمل خلف الشاشة لا يمكن أن ينال شهرة من يتصدر واجهتها؟

فمن هو الفنان الذي أطلق عليه بعض النقاد لقب "بيتهوفن مصر"؟

صورة علي إسماعيل

بدايات كلاسيكية

علي إسماعيل، موسيقي مؤلف وملحن مصري (1922-19)74، وهو الشقيق الأكبر للممثلين أنور وجمال إسماعيل، أما والده إسماعيل خليفة، فكان موسيقياً أيضاً، وقد شغل منصب قائد فرقة الموسيقى الملكية، الأمر الذي كان له أثر في طفولته، فأحب الموسيقى، ليلتحق وهو شاب بالدراسة في المعهد العالي للموسيقى (معهد فؤاد الأول).

في المعهد تعلم الموسيقى الغربية، وأتقنها على يد أحد أساتذة الموسيقى الأوربيين الكبار، القادمين إلى مصر مع جملة من قدموا، واستقروا بها بعد الحرب العالمية الثانية، إلى أن أصبح لاحقاً عازفاً للساكسفون والكلارنيت في الملاهي الليلية، ثم رئيساً لفرقة الأختين رتيبة وإنصاف رشدي، فملحناً للعديد من المونولوجات الموسيقية.

لحن ووزّع علي إسماعيل العديد من الأغاني الشهيرة للإذاعة المصرية، وخاصة مع زميله في الدراسة، عبد الحليم حافظ، كما لحن لشادية، لكن أغنية "أنا أم البطل" التي غنتها شريفة فاضل، زوجته، فتعتبر واحدة من أشهر الأغنيات الوطنية التي ما زالت رائجة إلى يومنا الحالي

لحّن علي إسماعيل ووزّع العديد من الأغاني الشهيرة للإذاعة المصرية، خاصة مع زميله في الدراسة، العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، كما لحَّن للفنانة شادية، لكن أغنية "أنا أم البطل" التي غنتها شريفة فاضل، من كلمات نبيلة قنديل، زوجته المنولوجست التي اتجهت لاحقاً لكتابة الشعر الغنائي، فتعتبر واحدة من أشهر الأغنيات الوطنية التي ما زالت رائجة إلى يومنا الحالي.

ويبقى الجانب الهام في مسيرته الفنية كملحن، على الأقل بالنسبة لي كناقدة ومتذوقة للفيلم السينمائي بكل تفاصيله، وهو الموسيقى التصويرية.

قدّم علي إسماعيل، ولحّن مئات الأفلام السينمائية، بداية من فيلم "الزوج المتشرد" إنتاج 1960 للمخرج حسن الصيفي، ويقال إن عدد الأفلام التي وضع لها الموسيقى التصويرية قد تجاوز 300 فيلماً، اعتبر بعضها دُرراً خالدة في السينما العربية، خاصة الاستعراضية منها.

 تميزت كتابة علي إسماعيل للألحان الموسيقية التصويرية، فهي أشبه بالتعبير الدرامي الذي لا يمكن تجاهله أو حتى تجاوزه في متن الفيلم، لأنه يضيف معانٍ جديدة؛ فطريقة إخراجه للقطع الموسيقية غالباً ما تكون مدروسة، لتأتي بشكل متوافق ومتزامن مع المشهد والحدث الدرامي.

من منا ينسى تلك الجمل الموسيقية لمشهد محمود المليجي في نهاية فيلم "الأرض"؟... تعرفوا على ما لا تعرفونه عن "بيتهوفن" الموسيقى التصويرية للسينما المصرية علي إسماعيل

ورغم أن علي إسماعيل كان قد قدم الموسيقى التصويرية للعديد من الأفلام السينمائية المعروفة، كفيلم "عروس النيل" و"زقاق المدق" و"بين القصرين"، فإن تجربته مع يوسف شاهين في فيلم "الأرض" (1969)، الذي لعب بطولته النجم محمود المليجي، اعتُبرت حينها قمة أو ذروة أعماله الموسيقية الدرامية، وربما الأكثر تأثيراً على الجمهور، خاصة حين جسّد موسيقياً  المشهد الأخير من الفيلم، أي لحظة انتهاء مرحلة كفاح الفلاح أبو سويلم الذي كان متمسكاً بالأرض، وسحله بتلك الطريقة العنيفة التي ترافقت موسيقياً مع الكلمات التي كتبتها أيضاً زوجته نبيلة قنديل، والتي يقول مطلعها:

"الأرض لو عطشانة، نرويها بدمانا، عهد وعلينا أمانه، هتصبح بالخير مليانة"، لتشكل قيمه درامية مضافة للمشهد، أكثر تعزيزاً وإحساساً به، كما أن تجربته مع فيلم "الاختيار" (1970) الذي أخرجه أيضاً يوسف شاهين، ولعب بطولته كل من عزت العلايلي وسعاد حسني، والتي حاول من خلال موسيقاه المرافقة بث القلق والتوجس لدى الجمهور، والإيحاء بالغموض بشكل متزامن مع الأحداث الدرامية، شكلت عاملاً معززاً وداعماً للفيلم وأحد أركانه الرئيسية.

كما أن محطة تعاونه السينمائي مع عبد الحليم حافظ، وخاصة في فيلمه الشهير "أبي فوق الشجرة" (1969)، تعتبر نقطة علّامة في تاريخه الفني، إذ تحول من مجرد ملحن وموزع للموسيقى التصويرية إلى فنان قادر على توليف الألحان المناسبة للرقصات الاستعراضية التي ملأت الفيلم، من منا لا يتذكر أغنية "دقوا الشماسي" الشهيرة.

عدد الأفلام التي وضع لها علي إسماعيل الموسيقى التصويرية تجاوز الـ300 فيلم، اعتبر بعضها دُرراً خالدة في السينما العربية وخاصة السينما الاستعراضية 

توليفة موسيقية

جمع علي إسماعيل ما بين حبه للموسيقى العربية بشكل عام، والمصرية الشعبية بشكل خاص، وما بين الغربية منها التي كان قد تعلمها بشكل شخصي وأحبها، لكنه لم يكن يوماً مُقلداً أو حتى مُقتبساً منها أو عنها، بل كان جامعاً و"موالفاً" لها ضمن أسلوبه الموسيقي الخاص ونغماته المميزة، مما جعل من تعاونه الفني مع "فرقة رضا للرقص الاستعراضي" علامة بارزة، ليس فقط في مسيرة حياته الفنية، وإنما في مسيرة السينما المصرية الاستعراضية نفسها، لم ولن يتكرر حتى اليوم.

كان علي إسماعيل منذ بداية عمله كملحن، مهتماً بموسيقى التابلوهات الغنائية والدرامية، وكان حظه طيباً، أو ربما حظ فرقة رضا نفسها، حين تعاون الفريقان معاً في فيلمي "إجازة نص السنة" و"غرام في الكرنك".

غرام في الكرنك

وفيلم "إجازة نص السنة" من بطولة الفنانة ماجدة وفرقة رضا، عن نص كتبه محمد عثمان وأخرجه علي رضا، وهو فيلم تدور أحداثه الرئيسية حول زملاء الجامعة الذين يذهبون في إجازة نصف السنة لزيارة منزل صديقهم في الريف، وهناك سيقومون بالتدرب على الرقصات، التي سيشاركون بها حين عودتهم للقاهرة، نشاهد في العمل الرقصات الاستعراضية، أشهرها تلك التي في مشهد وصول الفرقة إلى القرية، والتابلو الاستعراضي الشهير "عاوزين ناكل... هم... هم".

أما فيلم "غرام في الكرنك" (1967)، الذي لعبت بطولته فرقة رضا الراقصة بشكل مطلق، فجدير أن نقف عنده.

تدور أحداث الفيلم حول فرقة استعراضية راقصة، يومياتها، وتدريباتها، وسفرها لإحياء حفل استعراضي في مدينة الأقصر، وعن قصة الحب التي ستجمع ما بين مدرب الفرقة محمود رضا، وفريدة فهمي، إحدى الراقصات المنتسبات حديثاً للفرقة.

رغم أن علي إسماعيل كان قدّم الموسيقى التصويرية للعديد من الأفلام السينمائية المعروفة، كفيلم "عروس النيل" و"زقاق المدق"، إلا أن تجربته مع يوسف شاهين في فيلم "الأرض" اعتبرت قمة أعماله الموسيقية الدرامية

الفيلم يظهر براعة الموسيقى، وقدرة علي إسماعيل على صياغتها بشكل لا يتناسب فقط مع التابلوهات الاستعراضية وإنما أيضاً مع المواقف الدرامية، كمشهد بناء المسرح في الأقصر، الذي شيّد على إيقاعات الموسيقى التي توافقت مع ما يحصل من طرق مسامير على الألواح الخشبية، ومشهد البداية، حين تتقدم فريدة فهمي لفحص قبول الانتساب للفرقة، فتبدأ رقصتها بدون أي إيقاع موسيقي، باستثناء بندول الساعة، لتبدأ لاحقاً وبشكل مبرر درامياً الآلات الموسيقية بالدخول التدريجي، والتابلو الختامي للفيلم بعنوان "هلا هالله على الليمونة، ودي بصة المجنونة هلا هالله على الليمونة"، والذي ماتزال فرقة رضا تقدمه حتى يومنا الحالي، كجزء من عروضها الأساسية.

ورغم أن الاستعراض الغنائي الراقص شكل الجزء الأكبر من الفيلمين، فإن على إسماعيل لم يكتف بوضع موسيقى التابلوهات الغنائية الراقصة، وإنما قام بتلحينها كموسيقى تصويرية للفيلمين من البداية وحتى النهاية، أو كما يقال بالعامية "من الجلدة للجلدة".

أما أهم ما يميز تجربة علي إسماعيل مع فرقة رضا فكان طريقته في تلحين تلك التابلوهات الراقصة بطريقة مميزة وفريدة، فلقد جرت العادة على تصميم الرقصات بإيحاء من الموسيقى الجاهزة، لكنه كان متفرداً وجريئاً في اختياره الطريق العكسي، إذ كان يضع الموسيقى بعد تصميم محمود رضا للرقصات.

يقول علي إسماعيل في أحد حواراته عن تلك التجربة: "في بداية تعاوني مع محمود رضا كنا نختار الموسيقى، ونضع عليها الخطوات، وهذه الطريقة تعتبر سهلة، ولكننا لاحقاً قررنا أن نقوم بعمل أصعب لتظهر التابلوهات الراقصة بشكل متكامل أكثر، حيث نقوم بوضع الفكرة الأساسية، ومن ثم أقوم بدوري بالتعايش مع تلك الفكرة  فنياً وموسيقياً، ومن ثم تأتي مرحلة وضع الخطوات مع الأستاذ محمود رضا، ثم أعود بدوري لقياسها بالميزور (القياس الموسيقي) ووضع الموسيقى أو اللحن عليها، لتظهر بطريقة أفضل مما لو كانت الموسيقى قد سبقت الخطوة".

شكّل هذا التعاون المميز والفريد نوعاً من الهارموني المميز ما بين الملحن علي إسماعيل ومحمود رضا رئيس الفرقة وعلي رضا المخرج، ولكنه لم يستمر طويلاً، ربما بسبب تأميم الفرقة.

وبالرغم من أن علي إسماعيل كان قد عمل في أجواء موسيقية مخلفة ومتباينة إلا أنه نجح في معظمها، وكان آخر أفلامه "مولد يا دنيا" التي وضع له موسيقى المقدمة إلى جانب الموسيقى التصويرية.

ترجل ذلك الفنان العبقري مبكراً عن حصانه، حين توفي في عام 1974 نتيجة نوبة قلبية انتابته بعد بروفة عمل كان يقوم بها مع العرض المسرحي "كباريه" لفرقة "المتحدين"، ويقال إنه سقط ميتاً أثناء اللقاء الذي جمعه مباشرة بعد البروفة بالموسيقار بليغ حمدي، والمحامي مجدي العمروسي، والمخرج حسين كمال، أصحاب فيلم "مولد يا دنيا"، الذي كان حينها يجهز له الموسيقى.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard