قاربت الأزمة السياسية العراقية على إتمام سنتها الأولى، بعيداً عن الحلول، ويرافقها الكثير من المتغيرات السياسية والتقلبات الأمنية، وفي ظل ذلك كله، يبرز اسم زعيم ائتلاف الفتح المنضوي ضمن الإطار التنسيقي، هادي العامري، كلاعب رئيسي لإنهاء الخلاف بين التيار الصدري والإطار التنسيقي.
طبيعة الخلاف السياسي لا تزال متعلقةً بمنهج الاحتكام إلى الجمهور والذي يعتمده مقتدى الصدر من أجل فرض وجوده السياسي، كبديل عن الوجود النيابي الذي انسحب منه في حزيران/ يونيو الماضي.
العامري، يحاول إبراز دوره من خلال الإصرار في أكثر من مرة على لقاء الصدر، وهو ما وافق عليه الأخير بشكل مبدئي، ويرجّح أن يتم لقاء الطرفين خلال الأيام القليلة القادمة.
من هو العامري؟
هادي فرحان عبد الله العامري، سُجّلت ولادته كمعظم العراقيين سابقاً في الأول من تموز/ يوليو عام 1954 (قبل أرشفة سجل الولادات)، في محافظة ديالى، حيث أنهى دراسته، قبيل انتقاله إلى بغداد لإكمال دراسته الجامعية في كلية الإحصاء في جامعة بغداد.
تأثر العامري بشكل كبير بفكر محمد باقر الصدر، وهو ما جعله عرضةً للاتهام الأمني وقتها، لا سيما بعد مطالبة الصدر عام 1980 بمواجهة نظام صدام حسين
تأثر العامري بشكل كبير بفكر محمد باقر الصدر، وهو ما جعله عرضةً للاتهام الأمني وقتها، لا سيما بعد مطالبة الصدر عام 1980 بمواجهة نظام صدام حسين، والتي أدت لاحقاً إلى إعدامه، وشن حملة أمنية لاعتقال المقربين منه ومن فكره.
على الأثر، غادر العامري العراق إلى سوريا عام 1980، وتمكن خلالها من الاتصال بزعيم "المجلس الإسلامي الأعلى" المتواجد في إيران، محمد باقر الحكيم، ليغادر سوريا إلى إيران عام 1981، للمشاركة في أول تنظيم عراقي مسلح برعاية إيرانية.
شارك العامري ضمن قوات الشهيد الصدر التي شكّلها الحكيم لدعم القوات الإيرانية في حربها ضد العراق، وهو تشكيل مسلح يتبع لحزب المجلس الأعلى الشيعي الإسلامي في العراق.
في عام 1982، أمرت القوات الإيرانية بضم فوج الصدر إلى اللواء 9 بدر، والذي عُرف لاحقاً بقوات بدر، والمكون من المعارضين لنظام صدام، وبعض الجنود الهاربين، بالإضافة إلى التابعية الإيرانية المرحّلة من العراق وهم مجموعة من ذوي الأصول الإيرانية القاطنين في العراق ورحلهم صدام حسين بعد بدء الحرب بين البلدين، واتخذ هذا اللواء من مناطق الأحواز العربية المحتلة منطلقاً لنشاطه العسكري.
قويت شوكة العامري داخل المجلس الإسلامي والحرس الثوري في آن واحد، ورُشّح على الأثر خلال العام 1986، للدراسة في كلية القيادة والأركان "دافوس"، في جامعة الإمام الحسين التابعة للحرس الثوري الإيراني، ويُعتقد أن زواجه من إحدى الإيرانيات المقربات من طهران، ساهم في سرعة تدرجه الوظيفي، إذ أشرف على ملفات "التوابين"، وهم الأسرى العراقيون المتعاونون مع الجانب الإيراني.
بالإضافة إلى ذلك، تولّى مسؤولية شؤون الأمن والاستخبارات ضمن فيلق بدر، الذي تتهمه المنظمات الدولية باستخدام العنف والتعذيب ضد الأسرى العراقيين.
مع بدء حرب الخليج الثانية عام 1991، كلّفه محمد باقر الحكيم بقيادة عملياتهم العسكرية ضمن الانتفاضة الشعبانية، التي شنتها الفصائل المسلحة في جنوب العراق ضد نظام صدام حسين، وتمركزت قواته، بالقرب من المناطق الحدودية والأهوار، وهو ما دفع النظام السابق إلى شن حملة تجفيف الأهوار.
رُقّي عام 1997 إلى منصب رئاسة هيئة أركان بدر، وتولّى في عام 2002، قيادة فيلق بدر، بدلاً من أبي مهدي المهندس، الذي قُتل لاحقاً مع قائد فيلق القدس قاسم سليماني، بضربة جوية أمريكية، استهدفتهما قرب مطار بغداد الدولي مطلع عام 2020.
عاد العامري إلى العراق بعد احتلاله عام 2003، وسرعان ما قرر زعيم المجلس الأعلى الإسلامي تحويل جناح حزبه العسكري "بدر" إلى منظمة مدنية، ولكن الأخيرة لم تهمل نشاطها المسلح، إذ عمدت إلى زج عناصرها ضمن وزارة الداخلية التي كان يترأسها زميله في الحزب بيان جبر صولاغ، مستغلةً القانون رقم 91 الذي أصدره الحاكم الأمريكي بول بريمر عام 2004، وسمح فيه بدمج الفصائل المسلحة ضمن القوات الأمنية.
يُتّهم العامري بالتورط في عمليات القتل الطائفي التي قادتها فرق الموت وبعض عناصر الشرطة عام 2006، بالإضافة إلى اتهامه بقتل النخب العلمية والأكاديمية العراقية
ويُتّهم العامري بالتورط في عمليات القتل الطائفي التي قادتها فرق الموت وبعض عناصر الشرطة عام 2006، بالإضافة إلى اتهامه بقتل النخب العلمية والأكاديمية العراقية، فيما يتهمه جهاز المخابرات بقتل 10 عناصر مخابراتية، خلال شهر واحد في عام 2004.
الحياة السياسية
بدأت حياة العامري السياسية عام 2005، في أول انتخابات تشريعية كجزء من المجلس الأعلى الإسلامي، والذي ترأسه عبد العزيز الحكيم خلفاً لأخيه باقر الحكيم بعد مقتله في انفجار سيارة مفخخة قرب مرقد الإمام علي في النجف عام 2003.
في آذار/ مارس عام 2012، أعلنت منظمة بدر انشقاقها عن المجلس الأعلى، وبالرغم من تأكيد الطرفين على سلمية علاقتهما، لكن يرى مراقبون أنه نتيجة لخلاف بين الطرفين على خلفية ترؤس عمار الحكيم الحزب خلفاً لأبيه الذي توفي عام 2009. واتضحت معالم هذا الخلاف على إثر دعم العامري لترشيح نوري المالكي رئيساً للوزراء عام 2010، على عكس حزبه المؤيد لتولي إياد علاوي لهذا المنصب.
مُنح العامري وزارة النقل كمكافأة على دعمه، وطالته خلال فترة توليه للوزارة شبهات عدة بالفساد، كما منع في عام 2014 هبوط طائرة تابعة لخطوط الشرق الأوسط اللبنانية في مطار بغداد، وإجبارها على العودة إلى بيروت لنقل ابنه العالق هناك.
وفي انتخابات عام 2014، تأهّل العامري أيضاً ضمن ائتلاف دولة القانون لحيازة 5 وزارات بعد فوزه بـ22 مقعداً، ومنها وزارة الداخلية والرياضة والبلديات والاتصالات، بالإضافة إلى منح وزارة حقوق الإنسان إلى قائد لواء المصطفى المشارك في الحرب العراقية الإيرانية ضمن فيلق بدر، محمد مهدي البياتي.
في عام 2014 أيضاً، وعلى إثر إعلان فتوى الجهاد الكفائي لمحاربة تنظيم داعش، قاد العامري فصائل مسلحة عدة ضمن قوات الحشد الشعبي، وهو ما جعله عرضةً لاتهامات منظمة العفو الدولية عام 2014، باستهداف المواطنين على أساس طائفي تحت مسمى مكافحة الإرهاب في أثناء محاربة التنظيم.
وبعد وفاة المهندس، تولى العامري منصب نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي عام 2020، واتهمه وزير الخارجية الأمريكي حينها مايك بومبيو، بالمشاركة في الهجوم على مبنى السفارة الأمريكية عام 2020.
كما طالب النائب الجمهوري وعضو لجنتي العلاقات الخارجية والقوات المسلحة في مجلس النواب الأمريكي جو ويلسون، نهاية عام 2020، بوضع منظمته بدر ضمن قوائم الإرهاب، بسبب علاقتها بالعمليات الإرهابية وبدعم من إيران وحزب الله اللبناني.
هادي العامري الآتي من خلفية عسكرية، ومن ولاء مطلق لإيران، يحاول اليوم أن يُقرّب وجهات النظر مع مقتدى الصدر، لا من أجل مصلحة العراق العليا، فعلى ما يبدو، فإن إيران تريد أخيراً إزاحة المالكي من طريقها ومن غير العامري تثق به للقيام بما تريد؟
منظمة بدر والعامري لا يخفيان ولاءهما لإيران، ولطالما تميزت مقراتهم بصور القادة الإيرانيين، وجدير بالذكر أن أكثر من 41 فصيلاً تابعاً للحشد الشعبي، ومنها منظمة بدر، أعلنت بشكل أو بآخر مبايعتها لمرجعية المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي.
العامري والأزمة الحالية
تغيّر مسار العامري السياسي منذ عام 2018، بعد تأسيسه ائتلاف الفتح، وحاز في انتخاباته التشريعية الأولى على 47 مقعداً، ولكن مشاركته الثانية في عام 2021، حملت ما لا تشتهيه سفنه، بعد تناقص عدد مقاعده إلى 17 فقط، ما دفعه إلى تبني موقف الإطار التنسيقي الداعي إلى إعادة الانتخابات النيابية، ما شكّل بداية الأزمة السياسية المستمرة حتى هذه اللحظة.
يلفت مصدر في التيار الصدري، إلى أن العامري كان أحد أوجه الأزمة، وساهم في وصولها إلى هذا الوضع، خاصةً أنه من أبرز المعارضين لتشكيل حكومة الأغلبية التي طالب بها الصدر.
ويضيف في حديثه إلى رصيف22، أن "هذا العداء بين الطرفين ليس بجديد، إذ تُعدّ منظمة بدر المتهم الأول عن مقتل مدير مكتب الصدر في النجف رياض النوري، عام 2008، في أثناء مساهمتهم ضمن القوات الحكومية في قتال جيش المهدي".
إصرار المالكي على موقفه الحالي، سيشكل بلا شك خطراً على معسكر إيران ووجودها في العراق، لذلك فإنها عمدت إلى عزل المالكي ضمنياً
يحاول العامري على ما يبدو اليوم، طي صفحة الماضي وبدء علاقة جديدة مع الصدر، وهو سبب دعواته المستمرة منذ انسحاب التيار الصدري إلى الحوار أو دفعه إلى العودة.
من جهته، يوافق الصدر على هذا الاتجاه ولكن بشروط، عبّر عنها صالح محمد العراقي والمعروف بوزير الصدر، في تغريدة على صفحته في تويتر، بيّن فيها قبول التفاوض مع العامري بعد انسحابه من الإطار التنسيقي واستنكار تصريحات "سبايكر مان"، في إشارة إلى دور المالكي في مجزرة سبايكر التي نفذها تنظيم داعش بالجنود المتواجدين في قاعدة سبايكر منتصف حزيران/ يونيو 2014.
كما قال العراقي: "كنت من ضمن الموقعين على الوثيقة الإصلاحية، ولم تنفَّذ، فمن الضامن لتطبيق الحوار الإصلاحي؟"، ودعاه إلى تحديد شخصية لضمان الحوار بينهما.
مساعي العامري لا تندرج ضمن محاولاته إنهاء الأزمة بقدر رغبته في حماية مصالحه في العملية السياسية، كما أنه من غير الممكن أن يتخذ مثل هذه الخطوة من دون مباركة إيرانية، والتي بدأت تبدي رغبةً في إزاحة المالكي من الواجهة بسبب اعتراض الصدر التام عليه أو التوافق مع حلفائه.
لكن لماذا تخلّت إيران عن حليفها المالكي؟ يرى الباحث السياسي غانم العابد، أنها "وصلت إلى قناعة بأن إصرار المالكي على موقفه الحالي، سيشكل بلا شك خطراً على معسكرها ووجودها في العراق، لذلك فإنها عمدت إلى عزل المالكي ضمنياً، من خلال منح الثقل الإطاري إلى العامري، والذي استغل هذا الأمر للتحرك بحرية من أجل حل الأزمة مع الصدر".
ويقول العابد لرصيف22، إن "هذه الرؤية ليست جديدةً، بل تنبع من خلافات سابقة بين قادة الإطار وإيران والمالكي من جهة أخرى، ولكن تم تأجيلها بسبب حاجة الإطار التنسيقي إلى مقاعد ائتلاف المالكي النيابية لمواجهة الصدر، وبعد انسحاب الأخير، انتهى هذا المانع".
شيخ الإطاريين
كان قيس الخزعلي قد نشر تغريدةً على صفحته الشخصية، قال فيها: "يبقى الحاج أبو حسن العامري شيخ المجاهدين الذي شهدت له ساحات البطولة بالمواقف المشرفة"، وختمها بـ"العامري شيخ الإطاريين".
تسمية العامري بشيخ الإطاريين، تؤكد المزاعم بقرب استبعاد المالكي من الإطار التنسيقي أو عزله سياسياً، خاصةً أن العامري أصغر سناً من المالكي. ويذهب مصدر مقرب من قوى الإطار التنسيقي إلى القول إن "استبعاد المالكي سيكون إجبارياً، وبأي وسيلة، لتفادي ضياع جهود السنوات السابقة"، وهو ما سيضع قوى الإطار كافة محل الاستهداف الشعبي والإقليمي.
إستراتيجية العامري في التفاوض مع الصدر، لا بد أن تتضمن تنازلات معيّنةً، وهو ما لا يُعرف عن العامري، إلا في حال وجود إشارات واضحة، وفي هذه الحال، فالإشارة هي رغبة إيران في ذلك، وكذلك انسحابه من المشاركة في الحكومة المقبلة
ويضيف المصدر في حديثه إلى رصيف22، أن "الصدر تلقّى هذه التطمينات عبر الوسطاء، ووافق تالياً على التفاوض مع العامري، وهو ما سيتم خلال الأيام القليلة القادمة، بشكل سرّي أولاً، ثم علني".
لقاء الطرفين سيكلل مساعي العامري بالنجاح بلا شك، وسيؤدي إلى إعادة الانتخابات البرلمانية لتفادي الغضب الشعبي، أو على الأقل إعادة الصدر إلى العملية السياسية من خلال الالتفاف على القانون.
شخصية العامري وبالرغم من كل الغموض الذي يحيط بها وبماضيه، إلا أنها معروفة بولائها لإيران، وتالياً فإن أي خطوة لاحقة، لابد أن تحظى بموافقة طهران، فهو لا يزمع السيطرة على الحكومة، كما أن لا طموح سياسياً شخصياً يرتجيه كما يزعم مقربون منه، باستثناء طموحاته العسكرية، ضمن فصائل المقاومة أو الحشد الشعبي.
يُذكر أن المالكي قد تطرق إلى العامري ضمن التسجيل الصوتي المنسوب له، وأكد أنه لا يملك أي قوة على أرض الواقع، ويتسلم مخصصات مالية لآلاف عدة من الجنود الوهميين.
في المحصلة، إستراتيجية العامري في التفاوض مع الصدر، لا بد أن تتضمن تنازلات معيّنةً، وهو ما لا يُعرف عن العامري، إلا في حال وجود إشارات واضحة، وفي حال تفاوضه مع الصدر، فالإشارة هي رغبة إيران في ذلك، وكذلك الحال في انسحابه من المشاركة في الحكومة المقبلة، والذي عدّه البعض محاولةً للإيحاء بوجود خصومة مع المالكي، وقد تمهد لتحقيق مساعيه لبدء المفاوضات بين الإطار التنسيقي والتيار الصدري.
مثل هذه التوجهات السياسية تؤكد أن الأزمة العراقية لن تنتهي، وكل ما يتم طرحه مجرد حلول ترقيعية للحفاظ على الوجوه الفاسدة ذاتها، ولتحقيق طموحات سياسية متناقضة مع رغبات العراقيين في الديمقراطية أو السلام على الأقل.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...