شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
الصوت الجريء الذي صرخ في

الصوت الجريء الذي صرخ في "ترانت سيس" العالم... مليكة مستظرف

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والنساء

الاثنين 21 نوفمبر 202212:17 م

"تحملين موتك بين يديك" هذا ما قاله الكاتب المغربي الراحل محمد زفزاف للراحلة مليكة مستظرف. مليكة: صاحبة الجسد الأسمر النحيل الذي أنهكه مرض الفشل الكلوي، بوجهها المبتسم البشوش على الدوام رغم "جراح الجسد والروح". استطاعت، في وقت قصيرـ مقارنة مع الكثير من كاتبات جيلهاـ أن تصبح واحدة من أهم الكاتبات المغربيات، رغم قلة اصداراتها، وانحصارها في عملين وحيدين: مجموعة قصصية ورواية.

أتاحت لي دراستي في ماستر الكتابة النسائية في المغرب هذا العام فرصة كبيرة لاكتشاف نصوص الراحلة مليكة مستظرف، وتقديم دراستين مكثفتين حول عمليها القصصي والروائي، إذ وقفتُ مذهولاً أمام العالم الأدبي لمليكة مستظرف؛ هذا العالم الأسود، المليء بالأسى والعنف والقسوة. عالم جسدت من خلاله مليكة مستظرف الألمَ الجسدي والنفسي الذي تعيشه شخصياتها، وهو نفس الألم الذي اشتركت فيه الراحلة مع شخصياتها بنفس القدر.

مليكة مستظرف... سيرة غير مكتملة

مليكة مستظرف من مواليد الدار البيضاء 1969. لا نعرف أي شيء عن نشأتها وتعليمها، سوى أنها ابنة تاجر كبير، وأنها عانت من عنفه وقسوته طويلاً، بالإضافة إلى كونها تعرضت لاعتداء جنسي من قبل أحد أقربائها وهي طفلة. هذان العاملان كان لهما أثر واضح على أعمالها، إذ نجد في كل نص لمليكة علاقةً مضطربة تجمع الأب بابنته أو بابنه، والذي تحقق في ذروته في روايتها" جراح الروح والجسد" ، التي تطرقت فيها بشكل صريح ومؤلم لتجربتها مع الاغتصاب.

"تحملين موتك بين يديك"، هذا ما قاله الكاتب المغربي محمد زفزاف لمليكة مستظرف. مليكة، إحدى أهم الكاتبات المغربيات، صاحبة الجسد الأسمر الذي أنهكه مرض الفشل الكلوي، بوجهها المبتسم البشوش رغم جراح الجسد والروح

بدأت مليكة الكتابة في وقت مبكر، وبدأت النشر في الجرائد الوطنية والعربية، لكنها كانت أنشط من خلال المنتديات الثقافية الإلكترونية التي ظهرت في نهاية التسعينيات وبداية الألفية، حيث وجدت فضاءً مريحاً، وأكثر تقبلاً لكتاباتها الفريدة والجريئة، كونت من خلاله الكثيرَ من الصداقات المتعددة مع كتّاب مغاربة وعرب، أحبوها وساندوها وشجعوها على الكتابة، بعيداً عن الدوائر الثقافية الرسمية الممتلئة بالرؤوس الكبيرة.

على الرغم من موهبة مليكة، وفرادة أسلوبها، وحبّ الناس لها، إلا أن نهايتها كانت محزنة؛ فقد توفيت نتيجة مضاعفات مرض القصور الكلوي الذي لازمها طويلاً، وقد طرقت الأبواب وناضلت وتوسلت لأجل العلاج، ولكن لم يستجب أحد لندائها، وظلت الراحلة تسير حاملةً موتها معها في كل مكان. هي التي اعتُبرتْ طويلاً صوتاً جريئاً ومقلقاً ومزعجاً يجب إسكاته، وبرغم الاستجابة لملكية في النهاية إلا أن ملفها الطبي وجواز سفرها اختفيا بطريقة غامضة، فقالت إن "الإنسان غير المسنود رخيص"، وكانت النهاية المميتة والأشد من الموت أن تنكّر لها اتحاد كتاب المغرب،  وألغى عضويتها وكأنها لم تكن يوماً كاتبة مغربية، بل ربما أهم الكاتبات المغربيات، لترحل وسط صدمة وعجز الكتاب المغاربة عام 2006 عن عمر 36، حاملة معها الكثير من الأحزان والآلام والأحلام.

مليكة وزفزاف... علاقة المعلم بالتلميذة النجيبة

جمعت مليكة مستظرف علاقةٌ وطيدة بالكاتب المغربي الراحل محمد زفزاف. مليكة كانت تقطن في نفس الحي (حي المعاريف) الذي يقطنه محمد زفزاف. كانت تراه وهو يسير بتؤدة، يوزع ابتسامته على أطفال الحي، وكانت مليكة واحدة منهم، ولم تعرف أنها سترعى في ما بعد، الراحلَ في آخر أيامه. فحين علمتْ بإصابته بمرض سرطان الحنجرة، ذهبت إليه من منطلق الإنسانية وحسن الجوار لترعاه وتنظف منزله وترتب أوراقه وكتبه وتستقبل زواره. مليكة كانت معجبة بزفزاف، قرأت كتبه، ورافقته إلى حصص العلاج الكيميائي، دون علم منه بأنها تكتب. حتى إنها عرضت عليه مخطوطة لروايتها لتأخذ رأيه فيها، لكنه قابلها بالصراخ والطرد.

اعتُبرتْ مليكة مستظرف طويلاً صوتاً جريئاً ومقلقاً يجب إسكاته. اختفى ملفها الطبي وجواز سفرها بطريقة غامضة، وكانت النهاية المميتة والأشد من الموت أن تنكر لها اتحاد كتاب المغرب وألغى عضويتها وكأنها لم تكن يوماً كاتبة مغربية، بل ربما أهم الكاتبات المغربيات

وبرغم هذا الموقف القاسي من زفزاف إلا أن حب وتعلق مليكة به لم يتغير، بل ظلّ بمثابة الأب بالنسبة لها، وكانت هي بمثابة الابنة بالنسبة له، بعد أن تخلى عنه الكثيرون في أواخر أيامه. وهذه العلاقة الوطيدة انتقلت إلى عالم الكتابة، إذ نلحظ تأثراً واضحاً بزفزاف في أعمال مليكة، من حيث اللغة والشخوص والأمكنة والتيمات، مع وضع اختلاف جنس الكاتبين في الاعتبار. فتجربة مليكة تشبه إلى حد كبير تجربة محمد زفزاف: اليتم، الطفولة الصعبة، التهميش، وتجربة المرض والموت التي عاشاها في أواخر حياتهما، وهي التجربة التي عمقت رؤيتهما الوجودية ونظرتهما للحياة والموت والله والعالم، بحيث لم يعودا يخافان الموت، بل اعتبراه جزءاً منهما، الموت النفسي وليس الجسدي فقط، وقد كتبت مليكة قصةً عن الموت، التيمة الأكثر تكرراً في أعمالمها.

الكاتب المغربي محمد زفزاف

ومثلما حمل الكاتب محمد زفزاف نصوصه الاستثنائية والخاصة إلى العالمية في وقت لم يكن أحد يعرف فيه كثيراً عن الأدب المغربي، واستطاعت نصوصه أن تُترجم إلى لغات العالم، وتدرس أعماله في جامعاته، مثله استطاعت مليكة، في وقت مبكر من حياتها ومن تاريخ الأدب النسائي المغربي، أن تبرز نصوصها، لتُترجَم إلى لغات متعددة، لتكون بذلك قد استوعبت بموهبتها الأدبية درسَ معلمها زفزاف، درس الوفاء للكتابة، وفاء الكاتب/ة لنصوصه/ا برغم المأساة التي يعيشها أو تعيشها.

"ترانت سيس" ذلك العالم المجنون الذي نحيا فيه

في مجموعتها القصصية الوحيدة المكونة من ست عشرة قصة، بعنوان "ترانت سيس"، أي "ستة وثلاثون" باللغة الفرنسية، وهي كنية مغربية لمستشفى الأمراض العقلية، تتطرق الكاتبة إلى مواضيع مختلفة: الأسرة، العنف، الاغتصاب، الشذوذ، العلاقات المتوترة، التدين الزائف، التسلط، الطفولة، الجسد، الموت، المرض، مما يضع قصصها ضمن أدب الهامش، الذي يتخذ من الشخصيات الهامشية والمنبوذة والمقصية أبطالاً، وقد استطاعت في مجموعتها القصصية تعريةَ الواقع المغربي وفضح تناقضاته.

تستعمل الكاتبة في هذه المجموعة لغةً واقعية، خشنة، عنيفة، متجردة، فظة، موحية، مليئة بالرموز والإيحاءات والدلالات، كما أنها تعمد على الدارجة المغربية في الحوارات، أو ما يعرف باللغة الثالثة، التي تقع بين اللغة العربية والدارجة المغربية، مما يمنح قصصها طابعاً مغربياً يقوم على رصد ما هو يومي ودارج.

برغم الألم والمرض والتهميش واصلت مليكة مستظرف الكتابة إلى آخر رمق، فقد كانت تعيش الكتابة وتحيا بها، الكتابة التي اعتبرتها المصلَ لمقاومة المرض والتهميش والتنكر و"مساحة للوهم المستحيل"

وبرغم البعد الواقعي الذي يسم هذه المجموعة القصصية، حيث تتطرق الكاتبة في قصصها إلى مواضيع اجتماعية محاولة من خلال ذلك رصد تحولات المجتمع المغربي في نهاية التسعينيات، إلا أن البعد الآخر الذي تحاول قصص مليكة مستظرف رصده هو العنف الممارس على المرأة، لا سيما المرأة المغربية؛ العنف الجسدي واللفظي والنفسي والاجتماعي والديني، والتسلط الممارس عليها من طرف الرجل، أو من طرف الأفكار الذكورية السائدة في المجتمع التي تسجن المرأة في دائرة مغلقة، وتضيق حولها الخناق، مما يقودها نحو امتهان مهن مُهينة لكرامتها وإنسانيتها مثل الجنس والتسول والشعوذة، أو نحو نهايات غامضة ومبهمة.

كما تقوم الكاتبة بالتطرق إلى تيمتيْ المرض والموت، وهذا نابع من تجربتها الشخصية في مواجهة مرض الفشل الكلوي، حيث نلاحظ حضوراً طاغياً للمرض والمستشفيات والأطباء والممرضين.

في هذه المجموعة القصصية صورت مليكة مستظرف المجتمع المغربي الذي تحيا داخله شخصياتُها القصصية على هيئة عالم مجنون، متناقض، ومتطرف، يقتل إنسانية البشر وأحلامهم، وكأنه "ترانت سيس" نحيا فيه جميعاً.

"جراح الجسد والروح"... عنف، اغتصاب، نسوية، وجراح غائرة

فتحت مليكة مستظرف أبواب الجرأة على اتساعها في روايتها "جراح الروح والجسد"؛ الرواية التي هي أقرب إلى السيرة الذاتية منها إلى الرواية، صدرت عام 1999، وهي روايتها الأولى والوحيدة.

كُتبت الرواية على طريقة السيرة الذاتية، فالكاتبة تروي باستخدام ضمير المتكلم (أنا)، على لسان بطلتها مجهولة الاسم، ما تعرضت له في طفولتها من اغتصاب وعنف، وكذلك عن علاقتها المضطربة بوالدها.

في حوار لها تقول مليكة مستظرف عن الكتابة :"الإبداع هو الخلق، هو الحياة نفسها"

نقف من خلال الرواية على صور ومظاهر كثيرة لامتهان المرأة واحتقارها وتعنيفها، ومحاولة تقييد حريتها وإخراس صوتها، سواء من طرف الرجل، أو من طرف شبيهتها المرأة، ابتداءً من الساردة إلى بقية الشخصيات النسائية في الرواية. وحدها الساردة من بين جميع الشخصيات النسائية الأخرى التي تدخل غمار التمرد على سلطة الرجل. تقول الساردة: "حان الوقت لكي تقولي (لا). حان الوقت لكي تثوري".

مقابل الشخصيات النسائية الحزينة والمقهورة والمهانة، وشخصية المرأة المتمردة التي تمثلها الساردة في الرواية، تحضر شخصيات رجالية، مستبدة، عنيفة، قاسية، مغتصبة، تمثل الصورة السلبية للرجل الذي يقف في وجه حريتها واستقلاليتها، والذي لا يتوانى في إيذائها نفسياً وجسدياً.

هذه الصورة السلبية للرجل حاضرة أيضاً في الرواية النسائية العربية، مغرباً ومشرقاً، حيث نجد شخصيات رجالية عنيفة، قاسية، متجبرة أو خائنة، بحيث تسقط الأعمال الروائية النسائية في غالب الأحيان في تقديم صورة متطرفة حول الرجل. وهذه الصورة السوداوية للرجل في هذه الرواية نابعة مما عاشته الساردة مليكة مستظرف، بدءاً من قسوة الأب (الحاج محمد)، الرجل الثري، زير النساء، الذي يقسو على أولاده ويعنفهم، والذي يريد تزويج ابنته (الساردة) من مغتصبها.

وإلى جانب الأب القاسي نجد "الرجل المغتصب" من خلال شخصيتين هما: الرجل الأسود ، وقدور القذر. الرجل الأسود: الرجل الذي قابل الساردة وهي طفلة أثناء لعبها واختطفها واغتصبها، وعندما أخبرت أمها قامت بحرق فخذها كنوع من العقاب، مما جعل الساردة ترى في نفسها "جانية" لا "ضحية".

أما " قدور القذر" فهو قريب الساردة الأكبر سناً، الذي اعتدى عليها مراراً أمام صمت العائلة، لأن الأب كان سيقف إلى جانب قريبه بدل تصديق ابنته. بعد سفر "قدور القذر" إلى فرنسا ظنت الساردة أنها انتهت من كابوس الاغتصاب، لتفاجأ به يطلب يدها، برغم أنه متزوج وله أبناء، وبشكل مفاجئ ينتحر قدور، لتعرف الساردة من خلال زوجته الفرنسية أنه كان يغتصب طفليه، وأنه انتحر بعد انكشاف بيدوفيليته.

الصورة الثالثة للرجل التي تقدمها الكاتبة مليكة مستظرف في روايتها إلى جانب صورة الأب المتسلط والمغتصب، هي صورة الرجل الحبيب، تثمثل في شخصية "نجيب"، الشاب الجزائري الذي تعرفت عليه الساردة، ودخلت معه في علاقة حب. هذه الصورة التي يمثلها الحبيب هي الصورة الأقل سوداويةً بين جميع الشخصيات الذكورية في الرواية، والتي تسمها الكاتبة بالقسوة والعنف والتسلط والاغتصاب. فشخصية نجيب تمثل بالنسبة للساردة النموذج الأمثل والكامل للرجل، والذي رغم حبها له، إلا أنها لم تستطع الإذعان لصوت القلب نظراً لتجربة الاغتصاب التي عانت منها.

في الفصل الخامس من الرواية ستأخذ علاقة الساردة بنجيب منعطفاً آخر بعد اكتشافها سبب انتحار قدور، وقرارها السفر إلى فرنسا، لتأسيس جمعية لضحايا الاغتصاب، لتقرر فجأة قطع علاقتها بنجيب، لسبب يبدو مجهولاً في نظره، لكنه عائد إلى ما عانته في طفولتها، لينكشف لنا أنها لا تريد الدخول في علاقة مع أي رجل، لأنها لا ترى نفسها زوجةً، ولا تريد لعلاقة الزواج أن تعيق وتلجم حريتها. فتظهر هنا الساردة في صورة المرأة المتحررة من كل القيود الاجتماعية التي تخنق أنوثتها، في حين تبدو شخصية نجيب في صورة الرجل المنغلق والمتزمت الذي سيعيق حريتها وآمالها مثلما فعل والدها معها. كأن الكاتبة تكسر من خلال ذلك، الصورةَ الوردية للحبيب/الحلم، وتحيلها إلى صورة سوداء ومشوهة للرجل، الذي يخنق المرأة ويعيق تحررها ويجعلها تابعة له، وهي صورة شكلتْها تجاربُها الأليمة السابقة مع الرجال.

يمكننا النظر إلى رواية "جراح الروح والجسد" كعمل أدبي نسوي بامتياز، تحقق من خلاله مليكة مستظرف رغبة المرأة في التحرر من سطوة الرجل وقهره وعنفه، فالساردة تتمرد على والدها، فتقرر استكمال دراستها الجامعية، ثم السفر إلى الخارج برغم عدم موافقته، ضاربةً بعرض الحائط أوامر والدها ونواهيه، فالسفر إلى فرنسا/الغرب، يمثل رغبتها في التحرر والتخلص من علاقتها بوالدها التي قيدتها وقيدت أحلامها ورغباتها لسنوات، فتغادر البيت بعد مشادة كلامية مع الوالد لأنه لم يوافق على رغبتها في السفر وهي لا تريد السفر وهو غاضب عليها، فيقوم بطردها من المنزل.

وبرغم طرده لها وتحطيم أحلامها وكل ماسببه لها من ألم نفسي ، فإن البطلة ـ ولسبب مجهول ـ تضع لروايتها نهاية متفائلة، لعلاقتها بوالدها، تتصالح خلالها مع ماضيها، وتحاول رسم صورة مثالية للأب، الذي أرادته أن يكون لها الأبَ المحب المتفهم والداعم لابنته وطموحاتها.

مليكة مستظرف... وفاء للكتابة برغم كل شيء

في حوار لها تقول مليكة مستظرف عن الكتابة: "الإبداع هو الخلق، هو الحياة نفسها". فلميكة شأنها شأن الكثير من الكتاب الحقيقيين والموهوبين كانت وفيةً لأدبها إلى أقصى حد. تحكي القاصة المغربية لطيفة باقا، إحدى صديقات الراحلة مليكة ومجايلاتها في كتابة القصة، أن أنثاء حضور أحد مؤتمرات القصة القصيرة النسائية في مدينة الصويرة، كانت الراحلة مليكة رفقة أختها وعلى عكازيها، بعد أن داهمتها أزمة الفشل الكلوي بألم فظيع جعل لونها يتحول إلى الأزرق من شدته.

وبدل الانسحاب أو الاعتذار قررت مليكة قراءة قصصها، وما أن صعدت المنصة، وبدأت القراءة، فوجئت لطيفة بأن الشحوب والازرقاق ذهبا عن وجهها، وعادت إليها سُمرتها المليحة، وصار شعرها كأنه مغسول وممشط للتو، لدرجة أن مليكة لم تعرف ما حدث لها أثناء القراءة، فقد كانت متوحدة مع نصوصها إلى درجة لا تصدق. وهذا ليس غريباً عن مليكة التي اقتطعت من مصاريف جلسات العلاج لطبع روايتها "جراح الروح والجسد" لتعاني بعد ذلك من هشاشة في العظام اضطرتها لاستعمال عكازين للمشي إلى أن توفيت.

برغم الألم والمرض والتهميش واصلت الراحلة مليكة مستظرف الكتابة إلى آخر رمق، فكانت تعيش الكتابة وتحيا بها، الكتابة التي اعتبرتها المصل لمقاومة المرض والتهميش والتنكر و"مساحة للوهم المستحيل"، فلا أحد كان يعرف أن هذه الفتاة السمراء النحيلة، ابنة حي المعاريف، ستصبح واحدة من أهم الأسماء القصصية والروائية في العالم العربي، بالرغم من رحيلها المبكر. 

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard