تتداخل أصوات طَرق كؤوس المشروبات الكحولية مع موسيقى الـ"تكنوهاوس" المنبعثة من الحفلات "الأسطورية"، كما يصفها البعض، والتي تقام في خان أسعد باشا العظم في دمشق. وبالرغم من احتراق غرفة في الخان، إلا أن تصاريح إقامة الحفلات لا تزال مستمرةً حتى اليوم. الحادثة وقعت مطلع عام 2022، في إحدى المناسبات الاجتماعية التي تقام في هذا المكان، عندما صادف وجود مدفأة كهربائية مع بخاخ ((spray، الأمر الذي تسبب بحريق تمت السيطرة عليه لاحقاً وسط محاولات لإخفاء القصة، واستمرت مديرية الآثار والمتاحف في منح التصاريح لإقامة الحفلات في الخان وفي الأماكن الأثرية التراثية الأخرى.
كما هو معروف، فإن الأماكن الأثرية لها حصانة من المجتمع المحلي والدولي تحفظها من العبث والإهمال، لكن بحسب بعض الشركات التي تنظّم هذا النوع من الحفلات في الأماكن الأثرية القديمة، تتم مخالفة الشروط المتفق عليها علناً وبمعرفة مديرية الآثار التي تشجع على إقامة هذه الحفلات لرفد خزينة الدولة، وليس على الراغب في إقامة حفل زفافه في إحدى المباني الأثرية في دمشق سوى تقديم طلب إلى مديرية الآثار والمتاحف، وتسديد الرسوم المحددة لدى وزارة المالية، ثم التوقيع على ورقة يتعهّد بموجبها بالحفاظ على سلامة المكان.
هناك 20 شرطاً لاستئجار الأماكن الأثرية، منها منع إشعال النار أو استخدام المكبرات الصوتية ذات الاهتزاز العالي التي ستؤثر على البنيان، بحسب كلام المسؤولين في مديرية الآثار والمتاحف. لكن شركات تنظيم الحفلات التي تواصل معها رصيف22، أكدت عدم وجود شروط محددة أو مكتوبة يوقّع عليها المنظّمون، وإنما هي ورقة يتعهدون بموجبها بالمحافظة على المكان وتسليمه من دون أضرار.
تتم مخالفة الشروط المتفق عليها علناً وبمعرفة مديرية الآثار التي تشجع على إقامة الحفلات في الأماكن الأثرية لرفد خزينة الدولة
الوجه الآخر لدمشق
تالة، شابة سورية مقيمة في دمشق، تؤيد بشدة إقامة الحفلات الاجتماعية ضمن الأماكن الأثرية في حال توفر القدرة المادية على ذلك، فهذه الحفلات من وجهة نظرها، تُظهر الوجه الآخر لدمشق بشكل إيجابي، خاصةً بعد سنوات الحرب الطويلة.
تقول: "أنا شخصياً أحب الحفلات التي تقام ضمن الأماكن الأثرية، وأعتقد أن هناك كثيرين مثلي قد ألفوا الاحتفال في الفنادق وصالات الأعراس التقليدية، وباتوا يبحثون عن كل ما هو مميز وجديد، خاصةً أن صور الحفلات أصبحت تُشارَك اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي ويصل صداها عالمياً".
وخلال حديثها، تُشدد تالة (33 عاماً)، على أن يكون لدى الشباب حس المسؤولية الاجتماعية تجاه تراثهم، بحيث لا يهملون أو يتسببون في أي أذية لهذه الأماكن خلال الاحتفال بمناسباتهم فيها.
تُبرر جويل شامي، مديرة شركة لتنظيم الحفلات والمناسبات الاجتماعية، إقبال الشباب على الأماكن الأثرية للاحتفال بمناسباتهم الاجتماعية، بأنه مدفوع بـ"الحنين إلى الماضي وإلى رائحة الشام المتجلية في الأماكن القديمة، بالإضافة إلى دوافع جمالية من ناحية تصميم المكان وتنسيقه باستخدام النباتات الخضراء والأزهار المستوحاة من طبيعة البيئة الشامية، وهو ما يضفي مظهراً جمالياً مميزاً قد يصعب تطبيقه في الفنادق وصالات الأفراح التقليدية المعروفة".
وتتابع: "مديرية الآثار هي من يشجع على إقامة الحفلات في الأماكن الأثرية، وتعلم بوجود منسقي الإضاءة والصوت وكذلك موسيقى الـ’دي جي’، في تلك الحفلات، حيث تتم مشاركة الصور على مواقع التواصل الاجتماعي، ويشاهدها الجميع".
شامي لم تُخفِ حدوث بعض المبالغات أحياناً في الحفلات، كما أوضحت أن المنظّم هو من يتحمل أي ضرر يصيب المكان الأثري، وكذلك هو المسؤول عن تنظيف المكان قبل تسليمه إلى إدارته.
تتداخل أصوات طَرق الكؤوس مع موسيقى الـ"تكنوهاوس" المنبعثة من الحفلات "الأسطورية"، والتي تقام في خان أسعد باشا العظم في دمشق والذي عمره مئات السنين، فيما لا أحد يبدو مكترثاً بما سيحلّ بالمكان نتيجة هذه الحفلات
تقول شامي، لرصيف22، إن "الحصول على ترخيص لإقامة حفل في قصر العظم أصبح اليوم صعباً جداً، كونه يحتوي على معروضات أثرية، على عكس خان أسعد باشا الذي تشجع إدارته على تأجيره، لكن الأمر لن يقف عند هذين المكانين، إذ ستكون الوجهة المقبلة لإقامة الحفلات في متحف خالد العظم أو كما يُعرف بالبيت الشامي أو الدمشقي".
والبيت الشامي هو منزل قديم في حي ساروجة، تحوّل مع الزمن إلى متحف يأتيه الزوار ليطّلعوا على حياة الدمشقيين القديمة داخل منازلهم. وستقام أول حفلة في هذا المكان في آب/ أغسطس المقبل، "لأن خان أسعد باشا وقصر العظم أصبحا مكانين معروفين"، بحسب شامي.
أصوات منددة
في الوقت الذي تتعالى فيه بعض الأصوات لاستثمار المواقع الأثرية وجلب العائدات من خلالها، على النقيض، هناك أصوات تعارض تحويل هذه الأماكن إلى صالات لإقامة المناسبات الاجتماعية، وترى في ذلك مخاطرةً وتهديداً لسلامة تراث يتجاوز عمره 269 عاماً.
بعض الآثاريين الذين تحدث إليهم رصيف22، وكانوا من الأصوات المعارضة لاستثمار المواقع الأثرية، أكدوا فقدانهم الأمل من تجاوب الجهات المسؤولة مع دعوات إيقاف الحفلات في هذه الأماكن، في الوقت الذي يصعب فيه إجراء أعمال الصيانة والترميم، ورأوا أنه في حال كانت الغاية من هذه الحفلات رفد خزينة الدولة، فإنه يمكن الاكتفاء بمعارض الحرف اليدوية، والندوات الحوارية والثقافية، بدلاً من تعريض هذه الأماكن للخطر بحجة إظهار صورة مختلفة عن البلد.
الحفلات التي تقام ضمن الأماكن الأثرية تشكّل خطراً عليها، خاصةً مع عدد الزوار الكبير واستخدام الموسيقى ذات الاهتزازات العالية، فيما هذه الأمكان بحاجة إلى ترميم أصلاً، واللافت أيضاً أن عائدات هذه الحفلات تذهب إلى وزارة المالية وليس إلى مديرية الآثار
تقول الدكتورة عزة آقبيق، الباحثة المتخصصة في تراث دمشق وتاريخها، لرصيف22: "الحفلات التي تقام ضمن الأماكن الأثرية تشكّل خطراً عليها، خاصةً مع عدد الزوار الكبير واستخدام الموسيقى ذات الاهتزازات العالية، وهذه الأماكن -حالها حال البلد بأكمله- بحاجة إلى ترميم لوجود تصدعات وشقوق فيها".
كلام آقبيق، أكده مصدر آخر في خان أسعد باشا فضّل عدم كشف اسمه، كاشفاً عن رفع كتب عديدة إلى مديرية الآثار والمتاحف لترميم التشققات الموجودة في قبب الخان، لكن لم يتم الاستجابة لها حتى الآن لعدم وجود ميزانية كافية للترميم، مؤيداً منع تشغيل موسيقى الـ"دي جي" في الأماكن الأثرية نهائياً.
وحول حادثة الحريق التي سببتها إحدى الحفلات، لم ينف المصدر وقوعها، مؤكداً محاسبة منظمة الحفل حينها وتغريمها بترميم الغرفة ورفع آثار الحريق وإعادة الوضع إلى ما كان عليه.
العائدات صفر
القائمون على حماية الأماكن الأثرية لا يرون في تلك الحفلات أمراً يتعارض مع قيمة المكان الأثري، بل هو شيء مشجع للسياح لزيارة هذه الأماكن، كما يقول مصدر مسؤول عن شؤون المتاحف في مديرية الآثار والمتاحف لرصيف22، مفضلاً عدم ذكر اسمه.
يشرح المصدر أن إقامة الحفلات في المواقع الأثرية يسهم في إبرازها والتعريف بها، كما يرفد خزينة الدولة بالنفع المادي، ويتابع موضحاً: "كثيرون لا يعرفون متحف الطب والعلوم (البيمارستان النوري)، في الحريقة في دمشق، بينما الجميع يعرفون بائع الفلافل الشهير الملاصق للمتحف"، رافضاً عدّ الأمر تشويهاً للأماكن الأثرية، وإنما "دعاية غير مباشرة ساهمت في زيادة أعداد الأجانب الذين يقصدون الخان بمجرد الوصول إلى دمشق".
لم ينفِ المصدر مخالفة بعض الأشخاص لشروط إقامة الحفلات في الأماكن الأثرية، لكن عدّها محدودةً جداً ومقتصرةً على الصخب وترك الأوساخ وليس الإساءة إلى المكان أو إيذاء حجارته، وأكد تقليص الأذونات الممنوحة لإقامة المناسبات وإلغاء الحفلات الغنائية نهائياً، مضيفاً: "ليست من مصلحة المتعهد أو منظم الحفلة مخالفة الشروط العشرين الموضوعة لإقامة الحفلات في الأماكن الأثرية، لأن أي مخالفة ستمنعه من دخول المكان بشكل نهائي".
تحوّل الأماكن الأثرية إلى صالات لإقامة حفلات المناسبات الاجتماعية للعائلات الراقية، ليس أمراً جديداً، فهذا النمط من الحفلات يُقام منذ عام 2010
ولعل المفاجأة في كلام المصدر كانت في أن عائدات تأجير الأماكن الأثرية لا تستفيد منها المديرية على الإطلاق، وإنما تذهب جميعها إلى وزارة المالية، وفي حال كانت هناك حاجة إلى تنظيف حجارة المكان الأثري أو إجراء بعض أعمال الصيانة فإنه يُطلب من مقيم الحفل إتمامها على نفقته الشخصية مقابل تخفيض كلفة استئجار المكان.
بين الماضي والحاضر
تحوّل الأماكن الأثرية إلى صالات لإقامة حفلات المناسبات الاجتماعية للعائلات الراقية، ليس أمراً جديداً، فهذا النمط من الحفلات يُقام منذ عام 2010، إلا أن الأمر أصبح ملفتاً مع استمرار مخالفة شروط إقامة تلك الحفلات جهاراً، وكذلك تضخم كلفتها.
في السابق، أي قبل 11 عاماً تقريباً، كان استئجار خان أسعد باشا ليوم واحد يكلّف 200 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل 4 آلاف دولار (عندما كان سعر الصرف 50 ل.س)، أما اليوم فالكلفة تتراوح بين 3 و5 ملايين ليرة، أي ما يعادل 1،250 دولاراً (سعر الصرف اليوم يعادل 4 آلاف ل.س)، لاستئجار المكان فقط.
أما كلفة ديكور الحفل، فإنها تبدأ من 15 مليون ليرة سورية وتزداد تبعاً للمواد التي يرغب الشخص في استخدامها، فهناك من يأتي بـ"دي جي" من بيروت، وهناك تكاليف أيضاً لمنسقي الإضاءة والصوت، وتكاليف محروقات المولد الكهربائي، وتكاليف الضيافة.
قد تستمر الحفلات في الأماكن الأثرية لأعوام عديدة قادمة، والشيء الوحيد الذي قد يختلف هو لائحة أسعار استئجارها، لكن أسوأ ما في الأمر هو تكريسها للطبقية في المجتمع، وتأثيراتها على الأجيال القادمة من ناحية التهاون في الحفاظ على هذه الأماكن، وعدّها ملكاً للدولة فقط وليس للمجتمع.
انضم/ي إلى المناقشة
jessika valentine -
منذ أسبوعSo sad that a mom has no say in her children's lives. Your children aren't your own, they are their father's, regardless of what maltreatment he exposed then to. And this is Algeria that is supposed to be better than most Arab countries!
jessika valentine -
منذ شهرحتى قبل إنهاء المقال من الواضح أن خطة تركيا هي إقامة دولة داخل دولة لقضم الاولى. بدأوا في الإرث واللغة والثقافة ثم المؤسسات والقرار. هذا موضوع خطير جدا جدا
Samia Allam -
منذ شهرمن لا يعرف وسام لا يعرف معنى الغرابة والأشياء البسيطة جداً، الصدق، الشجاعة، فيها يكمن كل الصدق، كما كانت تقول لي دائماً: "الصدق هو لبّ الشجاعة، ضلك صادقة مع نفسك أهم شي".
العمر الطويل والحرية والسعادة لوسام الطويل وكل وسام في بلادنا
Abdulrahman Mahmoud -
منذ شهراعتقد ان اغلب الرجال والنساء على حد سواء يقولون بأنهم يبحثون عن رجل او امرة عصرية ولكن مع مرور الوقت تتكشف ما احتفظ به العقل الياطن من رواسب فكرية تمنعه من تطبيق ما كان يعتقد انه يريده, واحيانا قليلة يكون ما يقوله حقيقيا عند الارتباط. عن تجربة لم يناسبني الزواج سابقا من امرأة شرقية الطباع
محمد الراوي -
منذ شهرفلسطين قضية كُل إنسان حقيقي، فمن يمارس حياته اليومية دون ان يحمل فلسطين بداخله وينشر الوعي بقضية شعبها، بينما هنالك طفل يموت كل يوم وعائلة تشرد كل ساعة في طرف من اطراف العالم عامة وفي فلسطين خاصة، هذا ليس إنسان حقيقي..
للاسف بسبب تطبيع حكامنا و أدلجة شبيبتنا، اصبحت فلسطين قضية تستفز ضمائرنا فقط في وقت احداث القصف والاقتحام.. واصبحت للشارع العربي قضية ترف لا ضرورة له بسبب المصائب التي اثقلت بلاد العرب بشكل عام، فيقول غالبيتهم “اللهم نفسي”.. في ضل كل هذه الانتهاكات تُسلخ الشرعية من جميع حكام العرب لسكوتهم عن الدم الفلسطيني المسفوك والحرمه المستباحه للأراضي الفلسطينية، في ضل هذه الانتهاكات تسقط شرعية ميثاق الامم المتحدة، وتصبح معاهدات جنيف ارخص من ورق الحمامات، وتكون محكمة لاهاي للجنايات الدولية ترف لا ضرورة لوجوده، الخزي والعار يلطخ انسانيتنا في كل لحضة يموت فيها طفل فلسطيني..
علينا ان نحمل فلسطين كوسام إنسانية على صدورنا و ككلمة حق اخيرة على ألسنتنا، لعل هذا العالم يستعيد وعيه وإنسانيته شيءٍ فشيء، لعل كلماتنا تستفز وجودهم الإنساني!.
وأخيرا اقول، ان توقف شعب فلسطين المقاوم عن النضال و حاشاهم فتلك ليست من شيمهم، سيكون جيش الاحتلال الصهيوني ثاني يوم في عواصمنا العربية، استكمالًا لمشروعه الخسيس. شعب فلسطين يقف وحيدا في وجه عدونا جميعًا..
محمد الراوي -
منذ شهربعيدًا عن كمال خلاف الذي الذي لا استبعد اعتقاله الى جانب ١١٤ الف سجين سياسي مصري في سجون السيسي ونظامه الشمولي القمعي.. ولكن كيف يمكن ان تاخذ بعين الاعتبار رواية سائق سيارة اجرة، انهكته الحياة في الغربة فلم يبق له سوى بعض فيديوهات اليوتيوب و واقع سياسي بائس في بلده ليبني عليها الخيال، على سبيل المثال يا صديقي اخر مره ركبت مع سائق تاكسي في بلدي العراق قال لي السائق بإنه سكرتير في رئاسة الجمهورية وانه يقضي ايام عطلته متجولًا في سيارة التاكسي وذلك بسبب تعوده منذ صغره على العمل!! كادحون بلادنا سرق منهم واقعهم ولم يبق لهم سوى الحلم والخيال يا صديقي!.. على الرغم من ذلك فالقصة مشوقة، ولكن المذهل بها هو كيف يمكن للاشخاص ان يعالجوا إبداعيًا الواقع السياسي البائس بروايات دينية!! هل وصل بنا اليأس الى الفنتازيا بان نكون مختارين؟!.. على العموم ستمر السنين و سيقلع شعب مصر العظيم بارادته الحرة رئيسًا اخر من كرسي الحكم، وسنعرف ان كان سائق سيارة الاجرة المغترب هو المختار!!.