"أتلقى تلطيشاً ممن تتفوق ذكوريتهم على رجولتهم"؛ قد يخطر على بالك وأنت تقرأ هذه الجملة، للوهلة الأولى، أنك أمام بوست فيسبوكي لفتاة تشتكي من معاكسات شباب الحي، إلا أنك ما أن تعيد القراءة حتى تكتشف أنك تقرأ تغريدةً للنائبة في البرلمان اللبناني، سينتيا زرازير، تشتكي فيها من التلطيش المستمر والمعاملة السيئة التي تتلقاها من النواب الذكور، لتكمل شكواها بالحديث عن وجود مجلات الـ"بلاي بوي" والواقيات الذكرية في المكتب الذي تسلمته عن نائب سابق لم تذكر اسمه، وتنتهي سينتيا بالحديث عن تنمّر البعض على اسم عائلتها، وعدم حصولها على موقف لتضع سيارتها عند حضورها جلسات المجلس، إلى جانب مطالبتها بإبراز أوراقها قبل الدخول، في تصرفات وصفتها بالبلطجية، لتردّ عليها الأمانة العامة لمجلس النواب بالنفي جملةً وتفصيلاً، فهي "لا تميّز بين نائب وآخر".
ليست سينتيا المرأة الوحيدة في البرلمان، التي فرّغ فيها النواب فائض ذكوريتهم في جلسة يوم الثلاثاء 26 تموز/ يوليو الجاري، والتي كان من المفترض أن تكون مخصّصةً لدراسة قانون استقلالية القضاء وإيجاد حلول لأزمة الخبز التي تتصدّر قائمة هموم اللبنانيين اليوم، إلا أنّها تحوّلت إلى إسكات النواب النساء و"تكسير مقاديفهن"، بدايةً مع رأس الهرم، رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، الذي وبّخ النائبة حليمة قعقور في أثناء مطالبتها بالحديث خلال التصويت على مشاريع القوانين، قائلاً لها: "إنت اقعدي واسكتي"، وهي الطريقة الفوقية التي غالباً ما يعتمدها بري في الحديث مع النساء في البرلمان.
اعترضت قعقور: "أنا بعترض، هيدي طريقة بطريركية"، ليردّ عليها النائب فريد الخازن: "تركوا البطرك"، مثبتاً بذلك عدم وجود أدنى معايير الثقافة الحقوقية لدى الكثير من النواب المنتخبين عن الأمة، والذين من المفترض أن يقرّوا قوانين حماية حقوق المرأة اللبنانية والكوتا النسائية.
سينتيا زرازير لم تكن المرأة الوحيدة في البرلمان، التي فرّغ فيها النواب فائض ذكوريتهم في جلسة يوم الثلاثاء 26 تموز/ يوليو الجاري
التهميش والعوائق
ازدادت أعداد النساء المرشحات للدخول إلى المجلس النيابي الأخير، و8 نساء فقط منهن اخترقن صفوف المجلس النيابي، في تقدّم طفيف عن المجلس السابق عام 2018، إلا أن عوائق كثيرةً تحول دون تأثيرها على القوانين المقترحة، لا سيما تلك المتعلقة بحقوق النساء وحصتهن في البرلمان.
"لا شيء يجبر النواب التقليديين على تطبيق الكوتا النسائية، فالمرأة تأخذ مكانهم"، تلفت رئيسة جمعية "فيفتي فيفتي" جويل بو فرحات، في حديث إلى رصيف22، وتضيف: "تتذرّع الأحزاب بعدم وجود نساء مستعدات للعمل السياسي، وهذا ما كذّبته أعداد المرشحات هذا العام (157 مرشّحةً في جميع اللوائح)".
تكمل جويل حديثها عن أهمية المرأة في المجلس بقولها: "ما في سيارة بتنساق بعين وحدة، أي بمنظار واحد، والمجتمع مكوّن من رجل وامرأة، والمطلوب وجهات نظر المكونين الأساسيين على حد سواء. بالإضافة إلى ذلك، فقد أثبتت دراسات عدة أن المرأة تعمل بشكل مختلف عن الرجل، تنتقل من حاجة الفرد إلى حاجة المجتمع ثم حاجة البلد، وهناك مثل يقول إن الرجل في السياسة يسعى إلى السلطة، أما المرأة فتسعى إلى إحداث التغيير".
مع ذلك، ترى بو فرحات أن الكوتا لا تكفي لتمثيل المرأة، فالحاجة ملحة إلى توعية المجتمع، كي تصبح المرأة السياسية موضع ثقة وقبول لدى الرأي العام.
ذكورية النواب وتسلطهم
محطات كثيرة عبّرت عن نظرة النواب في الأحزاب التقليدية إلى المرأة، إما من خلال اللجوء إلى الحديث عن "شرفها" عند الوصول إلى نقطة محتدمة في النقاش، والافتقار إلى تبريرات سياسية مقنعة، أو من خلال الاستخفاف بوظائفها وحصرها بالإنجاب والتربية، وصولاً إلى إطلاق عبارات تحمل تلميحات جنسية. ففي عام 2017، وفي أثناء حوار تلفزيوني على قناة إن بي إن اللبنانية، طرحت المذيعة ليندا مشلب سؤالاً على النائب السابق في تيار المستقبل معين المرعبي، حول استقالة رئيس الحكومة آنذاك سعد الحريري، ووجوده في فندق ريتز كارلتون في الرياض، ليردّ عليها: "هيدا عازمك عليه وبعزم حدا معك إذا بدك".
تعليق مهين آخر، هذه المرة بطله نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي، حينما علّق على وزيرة العدل ماري كلود نجم، واعترضت نجم على صيغة تعديل قانون بعبارة: "بدنا نشيل هالجملة من فوق"، فأتاها الرد المقيت مباشرةً: "شيليه من فوق وحطيه تحت".
"شيليه من فوق وحطيه تحت"، "ما بعرف بحضن مين كنت قاعدة"، بعض العبارات التي يستخدمها نواب في البرلمان اللبناني لمواجهة زميلاتهن في التشريع، فيما البعض الآخر يبدو أنه يتلهّى بمجلات "البلاي بوي" أكثر من اهتمامه بالتشريع
توالت الممارسات الذكورية بعدها، واستقرّت عند النائب في التيار العوني حكمت ديب، فعندما كان يشارك في حوار عبر برنامج "صار الوقت" على قناة إم تي في، إلى جانب النائبة بولا يعقوبيان، انهال عليها بحديث مهين كـ"ما بعرف بحضن مين كنتِ قاعدة وقتها"، أو "ما تعصبي، مش حلوة لما تعصبي".
إهانة النساء سهلة
"عملت السلطة السياسية على مر السنوات على إقصاء النساء من المشاركة السياسية الفعالة"، تقول الناشطة ومؤسسة جمعية "في ميل" حياة مرشاد، لرصيف22، وتضيف: "بالرغم من أن لبنان هو من أوائل الدول العربية في انتزاع حق الاقتراع للمرأة، إلا أن نسبة مشاركتها لا تزال ضئيلةً جداً، وهذا ما أدى إلى خلق عدم جدية في التعاطي مع النساء في مواقع المسؤولية، وخصوصاً البرلمان اللبناني، هذا إلى جانب النظرة النمطية المسيطرة عن أدوار النساء وعدم فعاليتهن في المعترك السياسي، ففي كلّ مرة تحكي فيها النساء في القضايا المجتمعية، يردّ النائب معلّقاً على جمالها أو ‘شرفها’ أو دورها في تربية الأطفال".
تؤكّد حياة أنه "من السهل إهانة النساء في مجتمعنا، فالمجتمع ذكوري حاضن، وتالياً لن يتغافل عن خلق الأعذار للمتّهم وإدانة الضحية".
وعن تأثير العقلية السائدة على قوانين حماية النساء، تعلّق: "هذه النظرة كرّست التمييز ضد النساء في القوانين، وأخّرت من عجلة إقرار تعديل القوانين التمييزية، فمن لا يدعم هذه الحقوق ولا يؤمن بها لن يساهم في إقرارها".
سبب آخر تراه مرشاد مغذّياً للتهميش، وهو "تدخّل السلطات الدينية في السياسة، ففي لبنان تناغم واضح بين المرجعيات الدينية والشخصيات السياسية، ويتفقون جميعهم على تهميش حقوق النساء أولاً، والإبقاء على القوانين المجحفة كقانون الأحوال الشخصية".
المرأة والرجل اللذين ينتميان إلى المعارضة الحقيقية، أي من خارج التركيبة الحاكمة، لا مكان لهما في الساحة السياسية في لبنان
السؤال الذي يُطرح هو حول الفارق في التعامل بين النواب النساء من خلفية تقليدية، والنواب النساء المستقلات، تجيب عنه مرشاد قائلةً: "التعامل مع النساء لا يختلف بين من تنتمي إلى حزب تقليدي، أو تأتي من خلفية مستقلة، فالمحارَب دائماً هو المرأة، إلا أن الفارق الوحيد أن النائبات المستقلات يواجهن بمفردهن، أما الأخريات فأحزابهن تدعمهن في قراراتهن التي بالطبع ستتناسب مع عقلية الحزب الذي ينتمين إليه، أو من خلال جيوش إلكترونية على مواقع التواصل في حال التعرّض للإهانات".
النواب التغييريون
في تصريح سابق للنائبة المستقلة بولا يعقوبيان، التي عانت من تعليقات وقمع مستمر منذ انتخابها، خلال جلسة عن النساء في السياسة أقامتها المنظمة الدولية للتقرير عن الديمقراطية في لبنان، تحدّثت يعقوبيان عن كره السياسيين لرؤية النساء في المجلس: "ثمة من لا يريد أن يرى تاء التأنيث في المجلس"، مشيرةً إلى أنها "تشكّل مصيبةً على المافيا الحاكمة والنظام الحاكم"، مضيفةً أن الطبقة "لا تفضّل رؤية النساء في مراكز القرار كافة".
وفي تصريح آخر لوسائل إعلامية، أكّدت أن "المرأة والرجل اللذين ينتميان إلى المعارضة الحقيقية، أي من خارج التركيبة الحاكمة، لا مكان لهما في الساحة السياسية في لبنان، لكن لا شك أن الضغط على المرأة يكون مختلفاً، إذ تحارَب في حياتها الشخصية، ونتحدّث في السياسة فيجيبوننا في الشخصي".
يرى معظم السياسيين في الأحزاب التقليدية أن المقعد النيابي ملك خاص لهم، وهو مكان لزيادة النفوذ وليس أداةً للتشريع، وقد سيطر التوريث السياسي على المجلس منذ سنوات، وفي بعض الأحيان، يتمّ تجهيز النائب من عائلة سياسية قبل أن ينجح في اختبار الانتخابات، ما جعل الأخيرة حكراً على المنتمين إلى أحزاب وتكتلات سياسية بعينها. من هنا، أتت فكرة استنكار "الدخلاء" من النواب التغييريين، فكيف إذا كانت بينهم امرأة نجحت من دون طلب مساعدة منهم في اختراق برلمان ذكوري متسلط.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...