شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
هندسة أمنية للشرق الأوسط... مَن معنا ومَن علينا؟

هندسة أمنية للشرق الأوسط... مَن معنا ومَن علينا؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

السبت 30 يوليو 202211:10 ص

يقولون إن ثمة وحشاً ما في الغابة، علينا أن نستعد لمواجهته. وإن لم يكن ثمة وحش في الغابة، إذاً فلنتعاون جميعاً على خلقه.

في التاسع من حزيران/ يونيو الماضي، تقدّم عدد من أعضاء الكونغرس من الحزبين بمشروع قانون غامض وغير محدد المهام. التشريع غير موجه إلى الداخل الأمريكي، ويبدو أن المواطن الأمريكي غير معني به، إذ يتوجه المشرّعون إلى دول أجنبية في الأساس.

يطالب التشريع، المقترَح من الحزبين، والذي أطلق العمل عليه كل من السيناتور الجمهوري جوني إرنست والسيناتور الديمقراطي جاكي روزن، وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، بالمساعدة في دمج الدفاعات الجوية في الشرق الأوسط بين إسرائيل والدول الخليجية ومصر والأردن والعراق، لتحفيز التعاون الأمني ضد تهديدات محتملة من إيران.

يبدو التشريع المقترح توجيهاً إستراتيجياً أكثر من كونه قانوناً بالمعنى المباشر للكلمة، كما يبدو منه أن دمج إسرائيل هدف أكثر إلحاحاً من مواجهة إيران.

"الوحش" الإيراني

في زيارته الأخيرة إلى الشرق الأوسط، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن، موافقة إسرائيل على الترتيبات الأمنية لتسليم جزيرتي "تيران وصنافير" للسيادة السعودية، وأعلن سحب قوات حفظ السلام من الجزيرتين الإستراتيجيتين في البحر الأحمر. تبدو الأمور غامضةً للمتابع، فلماذا يعلن رئيس الولايات المتحدة نقل سيادة جزيرتين من مصر إلى السعودية بموافقة إسرائيلية؟

تدخل السعودية اتفاقات السلام مع إسرائيل، لكن من بابها الخلفي، وهو باب الجزيرتين المتنازَل عن سيادتها من مصر التي سبقتها إلى توقيع معاهدة سلام كانت الجزيرتان جزءاً منها، كما كانت الشرارة الأولى لاشتعال حرب الأيام الستة وهزيمة حزيران/ يونيو 1967، بعدما أغلق الرئيس المصري جمال عبد الناصر الملاحة في خليج العقبة الذي تتحكم تيران وصنافير بمدخله الجنوبي.

تظهر الجزيرتان كمدخل جيد لإعلان ترتيبات أمنية بين السعودية وإسرائيل، وهي ترتيبات ربما يتبعها المزيد في القادم من الأيام وفقاً للتطلعات الأمريكية.

نحن إزاء هندسة أمنية جديدة في الإقليم يجري تصميمها على مهل برعاية الولايات المتحدة. وتقوم الهندسة الأمنية لأي إقليم كاستجابة للتهديدات الأمنية المتصورة الموجهة إلى الإقليم أو الدولة. فكما صُمّمت الهندسة الأمنية لأوروبا كرد فعل على التهديد السوفياتي/ الروسي، يبدو أن ثمة هندسةً أمنيةً تُصمَّم في الشرق الأوسط، هدفها دمج إسرائيل أمنياً في منظومة أمنية كبيرة على غرار ناتو شرق أوسطي.

وإيران هنا تلعب الدور نفسه الذي لعبه الاتحاد السوفياتي ومن بعده روسيا في تماسك الناتو، لكن في الشرق الأوسط. وبالفعل، ساهمت سياسات طهران في الإقليم، والقائمة على تصدير الثورة وخلق شبكة موالية لعقيدة ولاية الفقيه، في تشكيلها تهديداً حقيقياً لعدد من عواصم الدول العربية، وعلى رأسها الرياض وأبوظبي. ومع قليل من التضخيم لمخاطرها يمكن أن تلعب دور وحش قابع في الغابة على الجميع التشارك لمواجهته.

يبدو أن الولايات المتحدة اتّخذت سلسلةً من الخطوات الإستراتيجية بهدف معلن، وهو الانسحاب من الشرق الأوسط والتركيز على الصين وروسيا. غير أن هذه الخطوات لم تكن تسير في الفراغ، إذ يبدو أن واشنطن كانت ترغب في أن تملأ إسرائيل، كقوة عسكرية ذات عقيدة غربية، الفراغ الذي ينشأ عن انسحابها. واتخذت الولايات المتحدة سلسلةً من الإجراءات لدمج إسرائيل في المنظومة الأمنية الشرق أوسطية، بهدف تحقيق الردع ضد خصم رئيسي هو إيران.

خطوات أمريكية لخلق الفراغ

بينما تقطع صواريخ إيران وطائراتها المسيرة الشك السعودي بيقين النيران التي تلتهم محطات النفط التابعة لأرامكو في بقيق، وتستهدف القصور الملكية في الرياض، كانت الولايات المتحدة، مؤسساتٍ وإعلاماً، تستثمر في حالة الفزع السعودي.

كتبت صحف أمريكية كبرى أن الولايات المتحدة والسعودية ليستا حليفتين ولم تكونا كذلك في يوم من الأيام. وتزامن ذلك مع سحب الولايات المتحدة، إبان إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، عدداً من الطائرات المقاتلة واثنتين من أهم بطاريات صواريخ الباتريوت الدفاعية المنصوبة حول مصافي النفط السعودية للدفاع عنها.

تقوم فكرة التحالفات على وجود ثقة متبادلة بين الأطراف بأن أياً منهم لا يشكل مصدر تهديد للآخر بما يسمح لهم بتبادل معلومات إستراتيجية بأريحية، وهي شروط لا تتوفر في علاقات كثير من الدول العربية

لم يُبدِ ترامب أي رغبة في مساعدة السعودية أو ردع إيران. كانت رسالة الإدارة الأمريكية بسيطةً: نعرف مَن الفاعل لكننا لا نهتم. استقبل الإيرانيون الرسالة بمزيد من الهجمات، من الشمال أحياناً، ومن الجنوب أحياناً أخرى. السعودية إذاً أصبحت في مرمى النار الإيرانية. الأمر واقع وليس افتراضات مبنيةً على المبالغة في الخوف. والإدارة الامريكية تقول بلغة واضحة: نأسف لكم لكن لا نرغب في مساعدتكم.

لم تختلف إدارة بايدن التي سارت على الخطى نفسها لخلق فراغ يُحدث مزيداً من الرعب لدى السعوديين ويفتح شهية الإيرانيين لمزيد من الهجمات في الفضاء السعودي الذي يتعرض لمزيد من الانكشاف. قامت الإدارة الحالية في حزيران/ يونيو الماضي، بخفض حاد لعدد الأنظمة الأمريكية المضادة للصواريخ، في إعادة تنظيم تهدف إلى تقليص التواجد في الشرق الأوسط والتركيز على التحديات من الصين وروسيا. فقد سحب البنتاغون ثماني بطاريات باتريوت مضادة للصواريخ من الشرق الأوسط، وكذلك نظاماً آخر مضاداً للصواريخ يُعرف باسم نظام دفاع مناطق الارتفاعات العالية THAAD، ثاد، سُحب من السعودية، ويجري تقليص أسراب المقاتلات النفاثة.

شعر السعوديون بخذلان شديد بسبب توقيت سحب المنظومات الدفاعية في أوائل عامي 2020 و2021، في أثناء تصاعد هجمات الحوثيين المنطلقة من اليمن والمدعومة من إيران على منشآتهم النفطية.

لم يكن التغيير مجرد تغيير في مزاج الإدارات المتعاقبة، بل كان توجهاً إستراتيجياً لثلاث إدارات مختلفة: باراك أوباما، وترامب، وبايدن، وهو ما أشار إليه كريستيان أولريتشسن، الباحث في معهد جيمس بيكر التابع لجامعة رايس، بقوله: "من وجهة النظر السعودية، فإنهم يرون الآن أوباما وترامب وبايدن، ثلاثة رؤساء متعاقبين، يتخذون قرارات تدل إلى حد ما على التخلي".

رد السعوديين كان بالاتجاه شرقاً للتسلّح. تعاقدت السعودية مع الصين لشراء منظومة صواريخ هجومية بهدف إحداث توازن رعب مع إيران. كان الهدف من الصواريخ الهجومية الصينية هو إرسال رسالتين، إحداهما لإيران تؤكد أن السعودية قادرة على استهداف العمق الإيراني كخطوة تحذيرية ربما تكبح جماح طهران المنتشية بانتصاراتها التكتيكية، إذ استطاعت استهداف العمق السعودي وضرب عصب اقتصاد الرياض من دون خسائر تلحق بها، وهو ما يعني انهياراً كاملاً لإستراتيجية الردع السعودية في مواجهة إيران.

أما الرسالة الثانية، فكانت للولايات المتحدة نفسها، وهي أنها ربما تخسر أهم مستورد للسلاح الأمريكي في العالم، ما دفع مشرّعين أمريكيين للتهديد بوقف التعاون الدفاعي مع السعودية إذا ما استمرت في تعاونها مع الصين.

تراكَمَ الشك المتبادل بين الطرفين، ووصلا معاً إلى حافة الهاوية، قبل أن تتدخل الحرب الروسية في أوكرانيا التي ظهرت ككنز إستراتيجي مفقود، ظهر لترميم العلاقات.

الولايات المتحدة تعرض بديلاً من الفراغ

تزامنت خطوات الانسحاب الأمريكي مع خطوات أخرى لتشجيع طرف خليجي آخر، هو الإمارات، على خلق شراكات أمنية مع إسرائيل وتشجيع عدد من الدول العربية للدخول في تنسيقات أمنية وعسكرية مع إسرائيل. ففي كانون الثاني/ يناير عام 2021، أعلن البنتاغون تحويل التنسيق مع إسرائيل من القيادة الأمريكية في أوروبا إلى القيادة المركزية المعروفة اختصاراً باسم CENTCOM. وجمعت الخطوة الجيش الإسرائيلي مع أعدائه السابقين من الدول العربية تحت مظلة التنسيق الأمريكي المشترك مع الشركاء في المنطقة، بما في ذلك السعودية ودول أخرى.

كان هذا الإعلان إحدى الخطوات الأخيرة التي قامت بها إدارة ترامب، لترسيخ الاتفاق الإبراهيمي بين إسرائيل والدول الخليجية، ولتنظيم التعاون العربي الإسرائيلي ضد إيران، وتشجيعه.

تظهر جزيرتا تيران وصنافير كمدخل جيد لإعلان ترتيبات أمنية بين السعودية وإسرائيل، وهي ترتيبات ربما يتبعها المزيد في القادم من الأيام وفقاً للتطلعات الأمريكية

أثمرت الخطوة عن تنظيم عدد من المناورات المشتركة بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، تحاكي عملاً عسكرياً مشتركاً ضد خصم محتمل يتمثل في إيران. ففي تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، نُظّمت مناورات في البحر الأحمر هي الأولى من نوعها برعاية أمريكية ومشاركة كلٍّ من إسرائيل والإمارات والبحرين. وفي شباط/ فبراير 2022، شاركت السعودية وعمان في المناورات البحرية المعروفة باسم (IMX 22)، أو المناورات الدولية البحرية التي تقودها القيادة المركزية للجيش الأمريكي والأسطول الأمريكي الخامس، وذلك بمشاركة إسرائيل.

وفي آذار/ مارس الماضي، أعلن عن بنية جديدة للأمن يتم تدشينها بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، وجاء على لسان وزير الخارجية الإسرائيلي في أثناء اجتماعه مع وزراء خارجية الولايات المتحدة ومصر والإمارات والبحرين والمغرب في قمة النقب: "هذه البنية الجديدة، والقدرات المشتركة التي نبنيها، ترهب وتردع أعداءنا المشتركين، وفي مقدمتهم إيران ووكلاؤها".

وفي حزيران/ يونيو الماضي، أعلنت الحكومة الإسرائيلية على لسان وزير دفاعها بيني غانتز، أن التعاون مع الدول العربية لمواجهة إيران حقيقة على الأرض من خلال مبادرة "تحالف الدفاع الجوي للشرق الأوسط"، وجاء على لسان غانتز: "هذا البرنامج يعمل بالفعل وقد مكّن بالفعل من الاعتراض الناجح للمحاولات الإيرانية لمهاجمة إسرائيل ودول أخرى".

تُقابَل التصريحات الأمريكية والإسرائيلية بنفي عربي، فبعد رفض مصر ونفيها مشاركتها في أي تحالف عسكري في الشرق الأوسط، صرح وزير الخارجية السعودي بأن لا تعاون عسكرياً مع إسرائيل، ولا نية لإنشاء "ناتو" للشرق الأوسط. يعزو البعض تضارب التصريحات إلى رغبة كثير من الحكومات العربية في إبقاء ترتيباتها الأمنية، خاصةً مع إسرائيل، خارج نقاشات الرأي العام المتحفز ضد أي تنسيق مع إسرائيل.

عقبات في طريق الخطط الأمريكية

تبدو الخطط الأمريكية كمَن يحاول القفز على دروس التاريخ، فقد فشلت كل المحاولات السابقة لإنشاء تحالف عسكري إقليمي بدءاً من حلف بغداد في خمسينيات القرن الماضي، انتهاءً بدعوة ترامب لإنشاء ناتو عربي تحت اسم تحالف الشرق الأوسط الإستراتيجي MESA.

نحن أمام تركة مثقلة بالفشل في التحالفات العربية-العربية، وتركة من انعدام الثقة المتبادل بين الأطراف. لكن تبقى الدعوة الأخيرة بإعادة هندسة الإقليم، بدءاً من دمج التنسيق مع الجيش الإسرائيلي في المنطقة المركزية الأمريكية اتنهاءً بدعوات تأسيس منظومة دفاع جوي موحدة بين دول عربية وإسرائيل، أكثر هذه الدعوات فاعليةً. إلا أن هناك عقبات أساسيةً ربما تلحق هذه الدعوات بسابقتها:

أولاً: إيران لا تمثل تهديداً أمنياً لكل الدول العربية المنضوية في المنظومة. ربما تشكل إيران تهديداً حقيقياً لدول غرب آسيا، لكن محاولات دمج مصر في هذه المنظومة محكوم عليها بالفشل. فالمصريون لا يرون في إيران تهديداً أمنياً واضحاً لهم، لذا فحماستهم لحضور مثل هذه القمم والفاعليات هي حماسة المشارك بالكلام لا بالفعل على الأرض. والعراقيون منقسمون حول دور إيران، بعضهم يراها حليفاً أقرب إليهم من أي بلد عربي. إذاً، نحن أمام منظومة لا يتفق فيها المشاركون على مصدر التهديد.

ثانياً: الانتماء إلى حدود ثقافية مختلفة. ربما تقوم التحالفات الأمنية المؤقتة بين دول مختلفة في ثقافتها السياسية، لكنها لا تستمر إلا بين دول تتشارك ثقافةً سياسيةً واحدةً، وهو ما جعل الناتو أكثر قابليةً للبقاء إذ تتشارك أغلب دوله الأعضاء (باستثناء بسيط في تركيا)، قيماً سياسيةً وثقافيةً تقوم على الديمقراطية والثقافة المؤسسية الصارمة. تأسيس التحالفات الأمنية الفعالة يحتاج إلى بنية سياسية أكثر انفتاحاً وعقلانيةً وكفاءةً في نقل المعلومات ومشاركتها بشكل مؤسسي واضح، وهو ما لا يظهر في حالة الشرق الأوسط الذي تنتمي فيه إسرائيل إلى منظومة ثقافية مختلفة عن الدول العربية.

ثالثاً: أزمة الثقة بين الدول العربية ستمنعها في المستقبل القريب من التنسيق في أي تحالف، بشكل يجعلها تتبادل معلومات إستراتيجيةً مع بعضها البعض أو مع إسرائيل. تقوم فكرة التحالفات على وجود ثقة متبادلة بين الأطراف بأن أياً منهم لا يشكل مصدر تهديد للآخر بما يسمح لهم بتبادل معلومات إستراتيجية بأريحية، وهي شروط لا تتوفر في علاقات كثير من الدول العربية. كما أنها لا يمكن أن تتوفر بين دول عربية وإسرائيل، خاصةً تلك الدول التي لا تزال قطاعات في أجهزتها الأمنية تنظر إلى إسرائيل كمصدر تهديد أول.

رابعاً: إسرائيل لم تزَل مصدر التهديد الأساسي في مخيلة أغلب الرأي العام العربي، وأي تحالف معها يحسم من شرعية حكومات عربية تؤسس شرعيتها إما على أسس قومية أو دينية، لطالما استخدمت الصراع مع إسرائيل كأداة للحشد والتعبئة. كما أن الممارسات الإسرائيلية تجاه القضية الفلسطينية لا تنبئ بأن صورة إسرائيل ستتغير في الضمير الجمعي العربي المناصر للقضية الفلسطينية. تظهر الدول العربية التي تنسّق مع إسرائيل على أنها في أزمة أمام الرأي العام الداخلي الذي ربما يبدو أقل فاعليةً في ظل الحكم الأوتوقراطي لأغلب الدول العربية، لكن لا أحد يودّ أن يخاطر باستفزازه علناً.

خامساً: اختلاف العقيدة العسكرية والتسليح ونظم التحكم والسيطرة بين الجيوش الغربية (الولايات المتحدة وإسرائيل)، والجيوش العربية، يجعل أي تنسيق عسكري طويل مهمةً صعبةً يسيطر فيها الطرف الأكثر كفاءةً وفاعليةً، وهو ما يضع الجيوش العربية المتحالفة تحت عبء مقارنات غير مستحبة، كما يخلق تفاوتاً كبيراً في مستويات الفاعلية بين جيوش الدول المتحالفة يصعب معه التنسيق طويل الأمد.

سادساً: الأزمات السياسية للمؤسسة العسكرية العربية التي تظهر في بعض الدول كأزمة الدور السياسي للجيوش، وتظهر في دول أخرى على أنها أزمة ثقة في ولاء المؤسسة العسكرية. تقوم بعض الجيوش العربية بدورين أساسيين، الأول دورها العسكري كمؤسسة دفاع، والثاني هو دورها كحزب حاكم لديه شرعية قائمة على كفاءته المهنية. لذا تشكل المشاركة في تحالف عسكري عبئاً على هذه الجيوش التي ربما تضطر إلى المشاركة في عمليات عسكرية غير مهيأة فنياً لها فتفقد جزءاً من شرعية الحكم بمعناه السياسي. وتظهر أزمة العسكرية العربية بشكل آخر في البلاد ذات الطبيعة الملكية، فأي تحديث للجيش بشكل يجعله أكثر كفاءةً واحترافيةً ربما يحوله إلى مصدر تهديد للأسر الحاكمة، لذا فإن الجيوش في هذه البلاد هي مؤسسات تخضع لتوازنات الولاءات السياسية للأسر الحاكمة، الأمر الذي يؤثر على كفاءتها بشكل كبير.

نعم نحن في صدد محاولات أمريكية لإعادة صياغة هندسة الإقليم الأمنية بحيث تتحول إسرائيل من خصم إلى حليف عسكري، وتقوم إيران بدور العدو. غير أن هذه الهندسة ستواجَه بعقبات ربما تعصف بالمشروع كله كما عصفت بكل مشاريع التحالف السابقة. فالتاريخ يقول دوماً إن المعطيات نفسها ستؤدي حتماً إلى النتائج نفسها، حتى لو تبدّل الأشخاص وتغيرت الأزمنة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image