بعد زيارة خاطفة، مؤخراً، إلى العاصمة الأمريكية واشنطن، حذّر الملك الأردني عبد الله الثاني من الفراغ الذي قد يشكله غياب الدور والوجود الروسيين في الجنوب السوري، ومن ملء طهران الفراغ عوضاً عن موسكو، في منطقة حساسة لكل من سوريا والأردن، سيما أن الأردنيين على حد وصف ملكهم، استفادوا من تهدئة عسكرية عمرها سنوات على حدودهم الشمالية، بفعل وجود الروس في المنطقة.
يعيش الأردن هذه الأيام على وقع تخوفات جيو-سياسية، نقلها الملك الأردني إلى الرئيس الأمريكي جو بايدن. عنوان هذا الخوف هو اللاعب الإيراني في الملف السوري.
وفي مقابلة أجراها الملك مع معهد هوفر في جامعة ستانفورد، قال إنّ الوجود الروسي في جنوب سوريا "كان يشكل مصدراً للتهدئة، وهذا الفراغ سيملأه الآن الإيرانيون ووكلاؤهم. وللأسف، أمامنا هنا تصعيد محتمل للمشكلات على حدودنا".
وكانت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، قد قالت في 26 أيار/ مايو، إنّ روسيا بدأت بسحب قواتها من سوريا لصالح تدعيم جبهة أوكرانيا. وسبقتها تقارير صحافية أفادت بأن الحرب الأوكرانية التي شغلت العالم، دفعت بروسيا إلى سحب جزء من قواتها من سوريا إلى جبهات القتال في أوكرانيا، وتالياً بدأت روسيا بالتنسيق مع دمشق وطهران لسد الفراغ الحاصل في بعض الاتجاهات، وأبرزها الجنوب السوري، خاصةً بعد زيارة الرئيس الأسد الأخيرة إلى طهران.
استدعت هذه الأنباء ردوداً من أنقرة وتل أبيب، تمثلت في استهدافات متنوعة في الداخل السوري، كاستهداف حافلة مقاتلين في ريف حلب، وضربات جوية إسرائيلية على مواقع عدّة داخل سوريا، بشكل متزامن تقريباً.
ذلك كله جاء مع خطوات أمريكية تعفي مناطق في شمال شرق سوريا، وشمال غربها، من حزمة عقوبات قيصر، ما يجعل تلك المناطق متهيئةً لنمو وتطور متسارعين بالمقارنة مع دمشق التي لن تستطيع اللحاق بركبها، بفعل حزم العقوبات المتتالية، ما سيعمّق الهوة بين العاصمة والمناطق المعفاة من الحصار والواقعة خارج سلطتها.
وتعزز هذه المتغيرات فرضية توجه المناطق المعفاة من الحصار نحو الابتعاد أكثر عن دمشق، بشكل كامل أو شبه كامل، هذا إذا لم تتغير المعطيات الدولية بسرعة.
وسيعني تحقيق نوع من الاستقلال لهذه المناطق، حرماناً أكبر للسوريين المقيمين في مناطق سيطرة النظام، من موارد النفط والغاز والقمح وما إلى هنالك من ثروات وخيرات في الأطراف، سواء التي يسيطر عليها حلفاء واشنطن في شمال شرق سوريا، أو التي يسيطر عليها حلفاء أنقرة في شمال غربها.
قلق أردني
وبالعودة إلى الأردن، يخشى الجار الجنوبي لسوريا من أي تصعيد متجدد على حدوده الشمالية الشرقية، وهي خشية قد تراها دمشق مبالغاً فيها، فالوجود الإيراني في المنطقة الجنوبية، في حال تم بالصورة العسكرية التي يُحكى عنها، بحسب دمشق، سيكون حاله من حال الانتشار في مناطق أخرى، وسيساعد في مكافحة ما تبقّى من خلايا داعش.
تصريحات ملك الأردن تأتي في وقت لا تشهد فيه بلاده الاستقرار المطلوب، خصوصاً بعد ما حدث مع الأمير حمزة، المدعوم من عشائر لا يستهان بها، والمشكلات المالية الداخلية، فضلاً عن انكشاف حدوده الشمالية التي تمتد على طول نحو 370 كيلومتراً مع سوريا، إذا لم تقُم روسيا بتغطيتها بالتنسيق مع الجانب السوري.
يعيش الأردن هذه الأيام على وقع تخوفات جيو-سياسية عبّر عنها الملك عبد الله الثاني، عنوانها سيطرة اللاعب الإيراني على حدوده مع سوريا في حال دفعت الحرب الأوكرانية الروس إلى الانسحاب
وبيّنت حركة التهريب بين البلدين، أن الأردنيين لا يمكنهم ضمان ملف الحدود من دون التنسيق مع دمشق. ولا تزال أجزاء من الحدود مكشوفةً بشكل شبه يومي أمام حركة تهريب المخدرات.
ويبدو أن ملك الأردن، وما يمثله من تحالفات سياسية في موازين قوى الإقليم، ينظر إلى وجود إيران هذه المرة بدلاً من روسياً، من منطلق أنه خطر سياسي يخلق مصاعب لوجستيةً على أرض الواقع، بحسب ما يمكن الاستنتاج من تصريحاته، خاصةً أن الأردنيين يتخوّفون من تجاهلهم في اتفاق يُعقد مع إيران، في السياق الدولي العام، ومن وجود مشاريع إسرائيلية تتجاوز الأردن.
صمت دمشق
لم تعلّق دمشق على تصريحات ملك الأردن، أو حتى على الملف بصورة عامة حتى الآن. ويقول مصدر مطلع لرصيف22: "في مطلق الأحوال، وأياً يكن مَن معنا من الحلفاء في الجنوب السوري أو غيره، فإننا لن نسمح لداعش بالعودة مهما كلّف الأمر، وهو ما نعمل عليه في هذه الأوقات، من خلال مكافحة بقايا التنظيم في مناطق البادية والحدود ومهاجمتها، وما يشغلنا هي أولوية الحفاظ على أمننا ووحدة أراضينا وسلامتها من القوات غير الشرعية. أما الروس والإيرانيون فإنّ وجودهم شرعي طالما أنّه بطلب من الدولة السورية صاحبة الحق بالأمر".
يمكن فهم مخاوف الجانب الأردني في ما خص عملية التنسيق، وتُضاف إليها خشية الملك مما قد يستتبعه وجود إيران على حدود بلاده من تفاهمات وبروتوكولات أمنية في ملفات متنوعة، أبرزها ملف معبر نصيب-جابر الحدودي.
قد تتجه الأمور نحو تصعيد دبلوماسي يلعب فيه الأردن دور رأس الحربة الذي يخشى أن يتحوّل إلى معبر للسلاح والمخدرات إلى الخليج، ليقول الملك مرةً جديدة إنه حامٍ لظهر الخليج من فوضى المواد الممنوعة
دمشق التي لم تعلّق على الأمر، يبدو أنّها تعمل على قراءة الرسائل الخفية في تصريحات الملك الأردني، خاصةً أنّ المتخوف هذه المرة من طريقة تعاملها مع أراضيها، هو جارٌ لا يمكن وصف ماضيه معها بالجيد.
يمكن أن يستثمر الأردن في مخاوفه من ملفَّي تهريب السلاح والمخدرات، وأن يحذّر من نوايا إيران والمجموعات المقاتلة التابعة لها، ويقول إنّ إمساك إيران بالأمن أو بجزء منه في الجنوب السوري، سيحمل ضرراً لبلده.
والجدير بالذكر أن ملك الأردن كان أول مَن أطلق مصطلح "الهلال الشيعي"، وذلك عام 2004، واصفاً إياه حينذاك بالخطر على المنطقة.
تشير مصادر متقاطعة لرصيف22، إلى إمكانية أن يكون قد جرى حديث بين الإيرانيين والأردنيين حول ملف الجنوب السوري، ولكن من دون نتيجة تُذكر على الأرض، لذا قد تتجه الأمور نحو تصعيد دبلوماسي يلعب فيه الأردن دور رأس الحربة الذي يخشى أن يتحوّل إلى معبر للسلاح والمخدرات إلى الخليج، ليقول الملك مرةً جديدةً، إنه حامٍ لظهر الخليج من فوضى المواد الممنوعة.
وكان الأردن يرمي إلى إقحام جيشه في إنشاء منطقة عازلة في درعا، في جنوب سوريا، قبل أن تتغير المعادلات بعد دخول الجيش الروسي على خط الحرب السورية، أواخر عام 2015. و"غرفة الموك" لا زالت تحتفظ ببعض ما لم يروَ عنها حتى اليوم.
وكانت المعارضة السورية أكثر مَن تلقّف حديث الملك لتروّج له وتبني عليه معطيات وتحليلات تدفع أكثر في اتجاه تحريض الأردن على إيران، وتحشيد الرأي العام الدولي في مواجهة "مخاطر" التواجد الإيراني على حدود الجار الهاشمي.
ويعاني الأردن، على الأقل منذ عام 2018، من فوضى تهريب المخدرات على حدوده، ويتّهم بشكل مباشر إيران وحلفاءها بالوقوف وراء ذلك، ما دفع مدير أمن الحدود في الجيش الأردني العميد أحمد خليفات، قبل أيام، إلى إطلاق تصريح علني يتهم فيه إيران وحزب الله والنظام السوري بدعم التهريب وإحداث القلق والبلبلة لبلده.
ولكن يبقى الأهم: هل فعلاً ستسحب روسيا قواتها من الجنوب السوري، مع الأخذ في الحسبان أنّها سيّرت في الأيام الماضية دوريات جوالةً تابعةً لها على طول الحدود الأردنية؟ وهل الحاجة إلى مقاتلين على الجبهة الأوكرانية ستتفوّق على الخصوصية الجيو-سياسية للتموضع الروسي في الجنوب السوري؟ حتى الآن، لا إجابات حاسمة على ذلك.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون