في أطول يوم انتخابي شهدته تونس، واستمر من الساعة السادسة صباحاً حتى العاشرة ليلاً، شارك يوم أمس الإثنين 25 تموز/ يوليو، 27.54 في المئة من التونسيين في الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد الذي اقترحه الرئيس قيس سعيّد، وفق ما أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.
بلغت نسبة إقبال التونسيين المقيمين في الخارج الذين شاركوا في عملية الاقتراع، منذ يوم السبت الماضي 6.5 في المئة، بينما قُدّرت نسبة المقاطعين للاستفتاء على مشروع الدستور الجديد الذي دعا إليه رئيس الجمهورية بـ75 في المئة، بحسب المصدر ذاته.
أفاد رئيس الهيئة فاروق بوعسكر، خلال مؤتمر صحافي أعقب إغلاق مكاتب الاقتراع، بأن مليونين و458 ألفاً و985 ناخباً تونسياً أدلوا بأصواتهم مرجحاً ارتفاع النسبة نظراً إلى استمرار فتح بعض المكاتب الموجودة خارج البلاد.
وقال إن عملية الاقتراع جرت بصورة عادية، ومن دون تسجيل أي حوادث أو تجاوزات طوال ساعات التصويت، معلناً عن شروع هيئة الانتخابات في تجميع النتائج لاستقبال المحاضر من 33 هيئةً فرعيةً تابعةً لها، من بينها 27 هيئةً داخل البلاد، و6 خارجها.
رجح بوعسكر إمكانية إعلان الهيئة عشية اليوم الثلاثاء 26 تموز/ يوليو 2022، عن النتائج الأولية للاستفتاء نظراً لإمكانية تقديم الطعون لاحقاً.
وكانت الهيئة قد فتحت أكثر من 11 ألف مكتب اقتراع في كافة مناطق البلاد، لاستقبال أكثر من 9 ملايين ناخب تونسي للإدلاء بأصواتهم، بنعم أو لا، على مشروع الدستور الجديد.
ويُعدّ هذا الاستفتاء جزءاً من مسار سياسي تشهده تونس منذ إعلان سعيّد يوم 25 تموز/ يوليو 2021، عن إجراءات استثنائية أقال بموجبها الحكومة وعيّن أخرى وحلّ البرلمان والمجلس الأعلى للقضاء وأصدر قوانين بمراسيم رئاسية وحدّد تاريخ 17 كانون الأول/ ديسمبر 2022، موعداً لإجراء انتخابات برلمانية.
خروقات قانونية
في أول خرق شهدته عملية الاستفتاء، لم يلتزم الرئيس قيس سعيّد، بقانون الصمت الانتخابي واتّهم، في كلمة مطولة بثتها القناة الوطنية الرسمية الأولى إثر إدلائه بصوته صباح أمس، أطرافاً لم يسمّها "بمحاولة إفشال الاستفتاء".
ودعا سعيّد المصوّتين "إلى عدم الاستجابة لمن يغرونهم بالمال"، مؤكداً أن "هذه الأطراف تعمل على منع المواطنين التونسيين من المشاركة في الاستفتاء وعرقلة إرادتهم في بناء جمهورية جديدة".
في أول خرق شهدته عملية الاستفتاء، لم يلتزم الرئيس قيس سعيّد، بقانون الصمت الانتخابي واتّهم، في كلمة مطولة بثتها القناة الوطنية الرسمية الأولى إثر إدلائه بصوته صباح أمس، أطرافاً لم يسمّها "بمحاولة إفشال الاستفتاء"
النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين رصدت بدورها خروقات عدة شهدتها عملية التصويت تمحورت حول "عدم توفير الشارات المميزة من قبل الهيئة المركزية للانتخابات ومدها للصحافيين بوثيقة الاعتماد، ما وضع عوائق حقيقيةً أمام إمكانية تغطية العملية في ظل عدم تعميم الهيئة للمعلومة لدى هيئاتها الفرعية في مختلف المحافظات".
كما لاحظت في بلاغ لها "منع بعض رؤساء مراكز الاقتراع صحافيين/ ات ومصورين/ ات تونسيين/ ات وأجانب وأجنبيات من التصوير داخل مكاتب الاقتراع لعملية التصويت ما عطّل قيامهم بعملهم، ووصلت إلى حد استنجاد رؤساء مراكز اقتراع بالأمن للتدخل".
مضايقات أمنية
كما تحدّث بلاغ النقابة عن "مضايقات أمنية عبر محاولة منع الصحافيين/ ات والمصورين/ ات من العمل وتشديد إجراءات التثبت ما عطّل وصولهم/ ن إلى المعلومات".
بدورها، وقفت الجمعية التونسية من أجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات على تجاوزات عدة شهدتها عملية الاقتراع، من بينها "رصد عملية شراء أصوات لقاء بدل مادي من قبل ناخب يدعو إلى التصويت بـ"لا" في مركز اقتراع في منطقة الشابة في محافظة المهدية وتواصل الإشهار السياسي عبر معلقات إشهارية كبرى لم يتم رفعها في منطقتي بن عروس والمنار1".
بعد الاستفتاء الدستوري في تونس رأت الجبهة المعارضة أن "قيس سعيّد قد فشل فشلاً ذريعاً في نيل التزكية الشعبية لمشروعه الانقلابي، وفقد بذلك كل مبرر للاستمرار في الحكم"
كما تحدثت الجمعية عن "حضور ضعيف للملاحظين المحليين في عدد من مراكز الاقتراع وعن خرق رئيس الجمهورية للصمت الانتخابي من خلال تصريحه الإعلامي إثر التصويت، وتعرّض عبره لجملة من مضامين مشروع الدستور الجديد".
تشكيك في نسب المشاركة
على صعيد ردود الأفعال السياسية المعارضة للاستفتاء، شككت جبهة الخلاص الوطني المعارضة في الأرقام التي أعلنتها هيئة الانتخابات، وأكدت أن هذه الأرقام "جاءت بعيدةً كل البعد عما لاحظه المراقبون المحليون والأجانب من عزوف الناخبين عن مكاتب الاقتراع على مدى اليوم الانتخابي، وهو ما يعزز الشكوك في حياد واستقلالية هذه الهيئة ومصداقية الأرقام التي أعلنتها".
وتضم الجبهة كلاً من حركة النهضة وحزب الأمل وقلب تونس ومواطنون ضد الانقلاب، بالإضافة إلى هيئات وتيارات سياسية وشعبية تعارض وترفض مشروع دستور سعيّد الجديد.
وأكدت الجبهة في بيان لها، "رفض زهاء 75% من الناخبين التونسيين منح تزكيتهم للمسار الانقلابي الذي دشّنه قيس سعيّد على مدى السنة الماضية ورفض إضفاء الشرعية على مشروع دستوره الاستبدادي"، وفق نص البيان.
ورأت الجبهة المعارضة أن "قيس سعيّد قد فشل فشلاً ذريعاً في نيل التزكية الشعبية لمشروعه الانقلابي، وفقد بذلك كل مبرر للاستمرار في الحكم"، وطالبته "بناءً على ذلك بالاستقالة وفسح المجال لتنظيم انتخابات عامة رئاسية وتشريعية سابقة لأوانها".
بدورها، أدانت حركة النهضة بشدة خرق "رأس السلطة للصمت الانتخابي صبيحة يوم الاستفتاء"، ورأت أن "في تعمّد رئيس سلطة الأمر الواقع قيس سعيّد، عبر كلمة بثتها القناة الوطنية، توجيه الناخبين إلى التصويت بنعم على مشروع دستوره الذي أطال في مدحه مقابل تهجمه على معارضيه، خرقاً واضحاً وفاضحاً لفترة الصمت الانتخابي".
وعدّت الحركة في بيان لها "هذا السلوك مؤشراً إضافياً على صورية الاستفتاء".
مشروع استبدادي
من جهتها، انتقدت بشدة أحزاب "الحملة الوطنية لإسقاط الاستفتاء"، ما وصفته "بانتهاك قيس سعيّد للصمت الانتخابي وصمت الهيئة المنصّبة"، مؤكدةً في بيان لها أن "هذه التجاوزات تعبّر في حقيقتها (...) عن طبيعة المشروع الاستبدادي الذي يبشر به الحاكم بأمره الذي لا يقيم وزناً لا للدستور ولا للقوانين المنظمة للحياة السياسية التي يعتبر نفسه فوقها"، حسب تعبير البيان.
والحملة هي مجموعة من الأحزاب التقدمية الديمقراطية، من ضمنها "التيار" و"الجمهوري" و"التكتل" و"العمال" و"القطب"، التي توحدت لرفض ومعارضة إجراءات رئيس الجمهورية قيس سعيّد الذي تصفه "بالانفرادي والدكتاتوري".
صرح المتحدث الرسمي باسم الخارجية الأمريكية، نيد برايس، بأن الأمر متروك للتونسيين لتقرير مستقبلهم السياسي وبأنها تنتظر النتائج الرسمية التي ستعلنها هيئة الانتخابات
ورأت الحملة أن "الصمت المطبق للهيئة المنصّبة للانتخابات شاهد آخر على عدم استقلاليتها وعلى زور كامل المسار الانتخابي والنتائج التي ستتمخض عنها".
أما عن أول ردود الفعل الخارجية، فقد صرح المتحدث الرسمي باسم الخارجية الأمريكية، نيد برايس، بأن الأمر متروك للتونسيين لتقرير مستقبلهم السياسي وبأنها تنتظر النتائج الرسمية التي ستعلنها هيئة الانتخابات.
وأضاف خلال لقاء إعلامي يوم الإثنين 25 تموز/ يوليو 2022، أن بلاده ستواصل الوقوف إلى جانب الشعب التونسي في مطالبته بالعودة إلى حكم ديمقراطي يحترم حقوق الإنسان، على حد تعبيره.
سعيّد وأنصاره يحتفلون
عقب إعلان النتائج، خرج الرئيس التونسي قيس سعيّد، إلى الشارع الرمز الحبيب بورقيبة في العاصمة للاحتفال مع أنصاره.
وعن أول قرار مستقبلي سيلي الاستفتاء، قال في كلمة وسط مؤيديه إنه "لا بد من وضع قانون انتخابي جديد حتى لا تكون هناك انتخابات ظاهرية، ولكن من يتم انتخابه للأسف لا يستمد مشروعيته الوهمية من ناخبيه بل يستمدها ممن رشحه أول الانتخابات، وهذه الطريقة التي تم اعتمادها منذ سنة 2011، هي التي أدت إلى هذا الوضع إلى جانب عناصر أخرى".
وأضاف سعيّد: "انتقلنا من الحزب الواحد المهيمن إلى اللوبي الواحد، وعلى هؤلاء أن يفهموا أن الشعب التونسي دخل مرحلةً جديدةً في التاريخ ولن يعود إلى الوراء أبداً، نحن خطونا خطوةً عملاقةً نحو غد سيصنعه الشعب التونسي بإرادته حتى تكون التشريعات والإنجازات في مستوى ما يطالب به التونسيون".
وأشار في كلمته إلى "توافد كبير على مكاتب الاقتراع"، ورأى "أنه لو جرى الاستفتاء على مدى يومين لكانت نسبة المشاركة أعلى".
وأضاف قيس سعيّد، أن الدستور الجديد سيدخل في تاريخ 25 تموز/ يوليو، حيز التنفيذ إعلاءً للنظام الجمهوري الذي لن يتم المساس به وتحدث عن وجود "مغالطات وأراجيف كثيرة لم يعد يصدقها الشعب التونسي".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...