شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
أقلّ من 30 دولاراً شهرياً للأبناء... أحكام

أقلّ من 30 دولاراً شهرياً للأبناء... أحكام "النفقة" المصرية لا تعرف التضخّم

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الاثنين 25 يوليو 202206:15 م

يشيع في العالم العربي، وفي مصر على وجه خاص، أن يصبح الطلاق بداية رحلة عذاب جديدة للنساء. تتعدد أوجه التنكيل بالمطلقات، بدءاً من  النبذ الاجتماعي والتشكيك في السلوك الشخصي، وصولاً إلى الاضطرار إلى خوض معارك قضائية مكلفة للحصول على فتات يعين المرأة على نفقات الأبناء.

تلجأ المطلقات المعيلات إلى التقاضي من أجل الحصول على نفقة شهرية للأبناء، وبدل إيجار للمسكن الذي يؤويهم في حال لجوء الزوج السابق لألاعيب تحرمها وأولادها من الإقامة في مسكن الزوجية.

عندما سُنّ القانون 1 لسنة 2000، كانت نفقة الصغار المقدرة بـ500 جنيه مصري تعادل 133 دولار أمريكي، الآن بات المبلغ نفسه تقل قيمته الشرائية عن 27 دولار، في وقت تضاعف فيه التضخم في مصر خلال السنة المالية الأخيرة، مرتين على الأقل   

وبحسب قانون الأحوال الشخصية المعمول به وتعديلاته (أحدثها القانون 1 لسنة 2000)، يتعين على الزوجة أو المطلقة الحصول على ثبت قانوني يفيد بدخل الزوج أو الطليق، أملاً في أن تقدر المحكمة نفقة شهرية لائقة للأبناء، وهو ما تعجز عنه النساء لامتناع جهات العمل عن التعاون معهن بتقديم مستندات تذكر دخل الزوج الحقيقي، وهنا تلجأ المحكمة إلى وضع مبلغ تقديري يبلغ 500 جنيه (نحو 26 دولاراً أمريكياً) بدل نفقة شهرية للأبناء مهما بلغ عددهم، على الأم أن توفر منها المأكل والملبس والعلاج والترفيه وتكلفة فواتير الخدمات والانتقالات التي باتت تتزايد في مصر وفق قفزات واسعة تتفق ومعدلات التضخم المتفاقمة التي تترافق مع انخفاض مطرد في قيمة العملة المحلية وقيمتها الشرائية.

وسجل معدل التضخم في يونيو/ حزيران المنقضي نسبة 14.7% مقابل 5.3% للشهر نفسه من العام الماضي. أي أن الأسعار تضاعفت مرتين على الأقل خلال عام واحد.

وبينما كانت القيمة الشرائية لمبلغ 500 جنيه تعادل نحو 133 دولاراً، بسعر 3.75 جنيه مقابل الدولار الواحد في يناير/ كانون الثاني 2000، بقي المبلغ ثابتاً في الأحكام القضائية في حين انخفضت قدرته الشرائية إلى أقل من 27 دولاراً في يوليو/ تموز 2022.

في مصر، تتعدد أوجه التنكيل بالمطلقات، بدءاً من  النبذ الاجتماعي والتشكيك في السلوك الشخصي، وصولاً إلى الاضطرار إلى خوض معارك قضائية مكلفة للحصول على فتات يعين المرأة على نفقات الأبناء

الأوراق لا تفيد

تلجأ المطلقات إلى المحاكم بعد امتناع أزواجهن السابقين الإنفاق على الأطفال المولودين للطرفين. منهن أميرة محمد* التي رفض والد ابنتيها الإنفاق عليهما عقب الطلاق، فلجأت إلى المحكمة وتمكنت – على غير المعتاد- من الحصول على ثبت بدخل زوجها الشهري أملاً في الحكم بنفقة عادلة للطفلتين، إلا أن الحكم جاء مخيباً لآمالها: "قدّمت إلى المحكمة جميع الأوراق التي تثبت أن راتب زوجي السابق يتخطّى حاجز سبعة آلاف جنيه شهرياً (369 دولاراً) ولكن كانت النتيجة صدور حكم بتخصيص مبلغ 600 جنيه (31.6 دولار) لطفلتين". مثل نساء كثيرات، تهرّب والد ابنتيها من مسؤولياته وتوقف عن الإنفاق عليهما، من أجل الضغط على أميرة ومساومتها للتنازل عن حقوقها المتعلقة بمؤخر الصداق وقائمة المنقولات الزوجية.

رئيس محكمة الأسرة السابق: قضايا النفقة تصل إلى 80% من نزاعات الأحوال الشخصية في مصر

وتتعدد القضايا الشبيهة حتى وصلت قضايا النفقة إلى 80% من النزاعات المنظورة أمام محكمة الأسرة في مصر، بحسب تصريحات رسمية للمستشار عبدالله الباجا، رئيس محكمة الأسرة السابق.

تقول أميرة إن زوجها السابق يعمل في وظيفة حكومية مرموقة، كما يعمل بشكل حر لزيادة دخله الشهري، إلا أن المحكمة لم تحكم لها بنفقة أكثر من 600 جنيه شهرياً من أجل الإنفاق على طفلتين في مراحل التعليم، لافتة إلى أن زوجها توقف عن الإنفاق على ابنتيهما عامين، بمجرد أن طلبت منه الحصول على حقوقها المالية الشرعية بعد الطلاق، كما أوضحت أنه رفض إعطاءها هذه الحقوق ودفعها لتحريك دعاوى قضائية من أجل الحصول على قائمة المنقولات ومؤخر الصداق، "ولم يكتف بذلك بل امتنع عن الإنفاق على ابنتيه ليزيد من أعبائي المالية اللازمة لتوفير الأموال اللازمة لحياة كريمة للطفلتين، بالإضافة إلى مصاريف التقاضي لتحريك دعوى نفقة للصغير"، بحسب قولها

تمكنت محمد في وقت لاحق من إقناع زوجها بزيادة النفقة الشهرية إلى ألف جنيه (نحو 54 دولاراً)، على أن تمتنع عن مطالبته بأية أموال لتعليم الطفلتين أو علاجهما أو أية نفقات أخرى لهما.

أما ولاء عبدالله*، فقد استطاعت بعد نحو عامين بين أروقة المحاكم أن تحصل على حكم بألف جنيه كنفقة لأطفالها الأربعة، بالإضافة إلى 800 جنيه كأجر للحضانة والمسكن، موضحة أنها هربت بأطفالها من جحيم زوج تفنن في إيذائها وأطفالها، فلم تجد أمامها إلا طلب الطلاق وبدء رحلة طويلة في ساحات القضاء للحصول على مبلغ هزيل من المفترض أن يوفر حياة كريمة لأربعة أطفال في مراحل التعليم المختلفة، "من دون مراعاة مستوى المعيشة الذي اعتاده الأبناء والأسعار التي باتت ترتفع يوماً بعد آخر لكل السلع والخدمات"، وفق تعبيرها.

تضطر ولاء إلى التغيب عن أبنائها طوال النهار لأنها تعمل في وظيفتين في الصباح وبعد الظهر كي تتمكن من توفير الأموال اللازمة للحفاظ على مستواهم التعليمي، في الوقت الذي ينشغل فيه والدهم في رفع الدعوات القضائية التي يطالب من خلالها بخفض النفقة الشهرية، بدعوى أنه تزوج بأخرى ولا يستطيع الجمع بين الإنفاق على زوجته الجديدة وأطفاله من زواجه الأول.

لكن يبقى حالها أفضل من هبة محمود*، التي واجهت سلسلة من المتاعب عقب الطلاق لعجزها عن إثبات دخل زوجها، لأنه لا يعمل في وظيفة حكومية، وبالتالي لا تستجيب لمطالب المحكمة إلزام جهة عمله بالكشف عن مفردات راتبه. فلم يبق أمامها سوى التفاوض معه لدفع نفقة لإعالة صغيرتهما، وتمكنت بعد جهد من إقناعه بتخصيص مبلغ لم يتجاوز 150 جنيهاً (نحو 8 دولارات) شهرياً، إلا أن الزوج لا يلتزم بدفع ذلك المبلغ الزهيد بشكل منتظم. ومع عدم قدرتها على تحمل أعباء التقاضي المالية، اضطرت للقبول بهذا الوضع.

وبعد سنوات قابلت السيدة الشابة زوجها الثاني، ولم تكن الأمور أفضل من سابقه، لتنتهي حياتها معه أيضاً بالطلاق بعد إنجاب طفل أنكر الأب في البداية نسبه إليه، ولكن في هذه المرة قررت ألا تكرر خطأها السابق، فاتجهت إلى محاكم الأسرة تطلب نفقة لصغيرها وتطمح في أن تحصل على مبلغ يناسب ارتفاع تكاليف المعيشة، ويتناسب أيضاً مع دخل زوجها الذي تمكنت من إثبات أنه يتخطّى حاجز الـ13 ألف جنيه شهرياً، إلا أنها فوجئت بعد سنوات من التقاضي أنها حصلت على مبلغ 300 جنيه (نحو 16 دولاراً) كنفقة للصغير، بالإضافة إلى 50 جنيهاً (أقل من 3 دولارات) كمصاريف "فرش وغطاء" للإنفاق على كساء طفلها.

ألاعيب الرجال

وعن أزمة ضعف قيمة نفقة الصغار التي تحصل عليها الأم المعيلة، يقول الخبير القانوني خالد رجب، المحامي المتخصص في قضايا المرأة وشؤون الأسرة: "الله تعالى فرض على الأب الإنفاق على أولاده حسب قدرته المالية، كما نص القانون في المادة 18 مكرر ثانياً من القانون رقم 100 لسنة 1985، أنه (إذا لم يكن للصغير مال فنفقته على أبيه، وتستمر نفقة الأولاد على أبيهم إلى أن تتزوج البنت أو تكسب ما يكفي نفقتها، وإلى أن يتم الابن الخامسة عشر من عمره قادراً على الكسب المناسب، فإن أتمها عاجزاً عن الكسب لآفة بدنية أو عقلية أو بسبب عدم تيسر هذا الكسب استمرت نفقته على أبيه. ويلتزم الأب بنفقة أولاده وتوفير المسكن لهم بقدر يساره وبما يكفل للأولاد العيش فى المستوى اللائق بأمثالهم)" .

وأضاف أن القانون ترك تقدير نفقة الصغار للقاضي حسب دخل الأب، ولم يحدد نسبة معينة من دخله لنفقة الصغار، وهنا تكمن أول مشكلة إذ يرجع تقدير النفقة للقاضي، في حين أن المشكلة الثانية هي أن السيدة يكون عليها إثبات دخل الأب وقدرته ويساره للحكم عليه بنفقة مناسبة، ولكن تواجهها العديد من المشاكل، فإذا كان الأب يعمل في وظيفة حكومية، يمكن إثبات دخله، "وإن كانت بعض الجهات ترفض الإفصاح عن مفردات مرتب الأب بكامل ما يتقاضاه من حوافز وبدلات، وتكتفي بالإفصاح عن مرتبه الأساسي فقط".

وواصل رجب أن بعض الرجال ممن يعملون في القطاع الخاص يتفقون مع جهة العمل على إصدار مفردات مرتب موجهة للمحكمة بمرتب قليل جداً، ويتضامن الموظفون بعضهم مع بعض في إصدار بيانات غير دقيقة، "بل في بعض الأحيان يقوم باستصدار أمر فصل وهمي ليثبت للمحكمة أنه بلا عمل على خلاف الحقيقة، أمّا إذا كان الزوج هو صاحب العمل، فقد يلجأ إلى نقل أمواله بشكل وهمي باسم أحد أقاربه ليثبت أنه بلا مصدر رزق ينفق به على أطفاله، وبالتالي تعجز الزوجة عن إثبات دخله".

واستكمل الخبير القانوني أن بعض الرجال يتفقون مع أمهاتهم أو أخواتهم على رفع قضية نفقة موازية، حتى يقدمها للقاضي من أجل تقليل المبلغ الذي تحصل عليه مطلقته للإنفاق على أطفاله، أو أن يتزوج زوجة ثانية ويقدم عقد الزواج للمحكمة من أجل تقليل مبلغ النفقة.

وطالب رجب بإقرار بعض التعديلات في القانون لسد تلك الثغرات، ومنها أن يكون هناك نسبة محددة في القانون لنفقة الصغار ولا تترك لتقدير القاضي، وكذلك إقرار عقوبات رادعة لكل شخص أو شركة تتلاعب في إثبات دخل الأب، بالإضافة إلى إنشاء إدارة داخل المحكمة يترأسها أحد المستشارين مهمتها إثبات دخل الأب.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard