"من الروضة نبدأ إلى الجنة ننتهي"، شعار اختارته إحدى روضات الأطفال في عمان الشرقية، ترويجاً لنفسها على أنها مدرسة دينية تركّز على تعليم القيم الإسلامية للطلبة. وسرعان ما انهالت الانتقادات على هذا الشعار الذي اتّخذته الروضة على صفحتها على Facebook، من قبل خبراء تربويين، معتبرين أن "شعاراً من هذا النوع لا يتناسب مع الفئة العمرية التي تتعامل معها الروضة، أي بين 3 و6 سنوات"، خصوصاً أن الأصل في هذه المرحلة العمرية أن يستمتع الطفل بطفولته وليس التفكير في مرحلة ما بعد الحياة.
في المقابل، ذهب البعض الآخر الى اعتبار أن شعارات من هذا النوع باتت نوعاً متعارفاً عليه لدى الترويج للمدارس الخاصة، خصوصاً بعد أن بلغ عددها 1055 إلى جانب 1657 روضة أطفال.
يرى تربويون أنه "يوجد اتجاه قوي لدى أولياء الأمور لدمج أبنائهم في مدارس تعزز الجانب الديني في تكوينهم. لذلك تبقى المدارس الدينية خياراً مفضلاً لديهم". في وقت لا تميّز وزارة التربية والتعليم في تصنيفها للمدارس بين دينية وغير دينية.
منى هي أمّ اختارت دمج طفلها في مدرسة إسلامية أملاً في "أن يتعلم القيم الأخلاقية والدينية". تقول لرصيف22: "لم تكن رحلة البحث عن مدرسة مناسبة لطفلي أمراً سهلاً، كنت أبحث عن مدرسة تركّز على القيم التربوية والدينية، وتمتاز بنظام تعليمي قوي". وتضيف: "علمت أن إحدى المدارس الحديثة العهد تعتمد نظاماً تعليمياً بريطانياً وحصص دين وتحفيظ قرآن، فبدت خياراً معقولاً رغم أن أقساطها مرتفعة نوعاً ما، نحو 4200 دولار في الروضة، لكنني شعرت أنّها المكان المناسب لتنشئة طفلي".
وتشير إلى أنه "مع بداية الفصل الأول، اتضحت لي أمور لم أنتبه إليها، فرغم أن المدرسة تحتوي على مجمع رياضي مزود بمسبحين وصالات رياضية، كان الأطفال يقضون وقت حصة الرياضة جالسين، ومعلمة الرياضة ترتدي الجلباب، وهو زي ديني، لكنه غير مناسب لممارسة الرياضة".
وتتابع: "تعتمد المدرسة منهاجاً مكثفاً في تحفيظ القرآن. كنت سعيدة بداية، لكن في الفصل الثاني لاحظت أن ابني بدأ ينفر من هذه المادة. كانت النصوص صعبة الحفظ، ولا تتناسب مع طفل يبلغ الخامسة من العمر. في كل مرة كنت أراجع معه المادة، كان ينهار باكياً ويرفض إكمال الدرس. شعرت أن الضغط الكبير في التحفيظ والتلقين كان له أثر سلبي على مشاعر طفلي تجاه المواد الدينية".
بعد نحو عامين من تسجيل طفلها في المدرسة الدينية، اتخذت منى قراراً بضرورة البحث عن مدرسة أخرى أكثر اعتدالاً. تقول: "دفعتني حادثتان إلى اتخاذ هذا القرار. في إحدى المرات، عاد ابني إلى المنزل مرتعباً، بعد أن سردت لهم المعلمة قصة طفل فضّل أن يمارس هواية السباحة في وقت صلاة الظهر، ونتيجة لذلك عاقبه الله بأن سقط وأصيب بشلل رباعي كامل". كانت هذه القصة جزءاً من سلسلة من قصص التخويف والترهيب التي تمارسها المعلمة لحث الأطفال على الصلاة والالتزام بالواجبات الدينية، إضافة إلى استخدام كلمات الكافر والكفار بشكل مبالغ فيه، فكل من لا يلتزم بتعاليم الدين، هو كافر وكل المختلفين كفار".
الموقف الآخر كان احتفالاً مدرسياً أقامته المدرسة للأهالي، تقول منى: "فوجئت في الحفل عندما تم فصل الأمهات عن الآباء، لم أتمكن وزوجي من الاستمتاع بأداء ابننا في الاحتفال. ورغم أن الحفل كان ملتزماً بشكل كبير، استشاط أحد أولياء الأمور غضباً بسبب حلقة دبكة لأطفال لم يتجاوزوا سن السادسة باعتبار أن الدبكة حرام".
"في وقت كنت أرى أن المدرسة تبالغ في التشدد، بدا أن بعض الأهالي كانوا يسعون إلى بيئة أكثر تشدداً ومحافظة. بصراحة لم تكن بيئة المدرسة مناسبة لطفلي بتاتاً"، تضيف منى.
مقابل تجربة منى، لدى علا تجربة مختلفة تماماً. تقول: "سجلت أبنائي في مدرسة قريبة من المنزل باعتبارها مدرسة إسلامية، كان التوجه الإسلامي ظاهراً في اسم المدرسة، وفي الشرح الذي قدم لنا الإداريون هناك". وتتابع: "لم يكن للمدرسة علاقة بالدين إلا بالاسم. لم ألمس أي مجهود للتركيز على الجوانب الأخلاقية والدينية لدى الأطفال، حتى المعلمات كن يعتمدن أسلوب الكذب في التعامل مع التلاميذ. لا يخفى أن إرفاق كلمة إسلامية باسم أي مدرسة، بات وسيلة للترويج والدعاية لجذب عدد أكبر من الطلبة".
وتتابع: "بعد ذلك ألحقت أطفالي بمدرسة أخرى، لا يحمل اسمها كلمة إسلامية، لكنها تركز بشكل كبير على المفاهيم الدينية والأخلاقية، وعلى تعليم الأطفال مفاهيم كالزكاة، الصوم، الصدق، البر بالوالدين، فضلاً عن دروس تحفيظ قرآن تتناسب مع أعمارهم".
قضت علا فترة طويلة في البحث عن مدرسة مناسبة لأطفالها، وتقول: "في الظاهر، يوجد العديد من الخيارات للمدارس الإسلامية، بعضها مدارس تتاجر بالدين، والبعض الآخر يبدو خطيراً من حيث الترويج لأفكار دينية غريبة، تعتمد على الغلو والتطرف، وبالتأكيد هناك مدارس جيدة تسير وفق مناهج الوسطية والاعتدال".
من جهتها، تقول الخبيرة التربوية رولا أو بكر: "تلقى المدارس الدينية إقبالاً كبيراً من قبل الأهالي، إذ ترغب الأسر في غرس المبادئ والقيم الدينية لدى أبنائهم. لكن واقع الحال أن التربية الدينية والأخلاقية للطفل تبدأ في الأساس في المنزل، وإن لم تكن تلك التنشئة قائمة أساساً في العائلة، يصعب على الطفل اكتسابها في مكان آخر".
وتلفت أبو بكر إلى أن "منهج التدريس في بعض المدارس منفر لا يتناسب مع عمر الأطفال"، وتوضح أن "الأصل أن تعتمد المدارس في التعليم على غرس القيم الدينية بطريقة مبسطة ومحببة، وليس التركيز على كم الآيات التي يحفظها التلميذ".
وتضيف: "للأسف بعض المدرّسين يقومون بزرع أفكار غريبة عند الطلبة لجهة الغلو في الدين أو التطرف ورفض الآخر. المشكلة الكبرى هنا أن كلام المدرّس في الغالب مهم ومقدس لدى التلامذة، الأمر الذي سيتطلّب الكثير من الأهل لتصويبه في حال وجدوا أن ما يكتسبه الطفل يُخالف القيم التي يريدون أن ينشأ عليها".
وترى رضا الخصاونة، مديرة إحدى مدارس الزهراء الإسلامية، أن "هناك حاجة ماسة لإعادة مراجعة الأساليب التعليمية للأطفال، وإحداث نقلة نوعية في المناهج الدينية، وطريقة تقديم مواد التربية الدينية للأطفال". وتعتمد الخصاونة غير المحجبة في مدرستها على فلسفة تقوم على زرع قيم العروبة والإسلام بطريقة صحيحة لدى الأطفال بعيدة عن التشدد. وتقول: "الأطفال اليوم أكثر ذكاءً، واعتماد أسلوب الترهيب والتلقين من دون توفير إجابات لاستفساراتهم قد يقودهم إلى البعد عن الله".
عاد ابني إلى البيت مرتعباً، فقد حكت لهم المعلمة قصة طفل فضل السباحة في وقت الصلاة، فعاقبه الله بأن سقط وأصيب بشلل
وتوضح: "في مدرستنا يتلقى الأطفال أسبوعياً ساعتين لدراسة وفهم القرآن، ونعتمد على تحفيظهم الآيات البسيطة، التي تتناسب مع أعمارهم، لكن الأهم هو الفهم الصحيح للدين". وتضيف: "نحن شعب متدين بطبيعتنا، لذلك يسعى الأهالي إلى إدماج أبنائهم في مدارس توفّر لهم قدراً من التعليم الديني. هذا الأمر لا يقتصر فقط على المدارس الإسلامية، هناك أيضاً مدارس الطوائف المسيحية، التي توفّر تعليماً دينياً".
ومعروف أن عدد مدارس الطوائف المسيحية في الأردن 51، تندرج ضمن الأمانة العامة للمدارس المسيحية. وتقدّم خدماتها التعليمية للأطفال بغض النظر عن ديانتهم، لكنّها توفر حصص الدين المسيحي، في وقت لا تدرس المدارس الحكومية وغالبية المدارس الخاصة الأخرى مناهج الدين المسيحي.
تتحدث نتالي عن تجربتها مع مدارس الطوائف: "سجلت طفلي في إحدى المدارس القريبة من مكان عملي، وهي لا تحمل أي فكر ديني معين، بل هي أقرب لأن تكون مدرسة علمانية التزاماً بمنهاج وزارة التربية والتعليم، ويدرس الطلبة المسلمون الدين الإسلامي، أما الدين المسيحي فيعتمد تدريسه على التلامذة المسيحيين في الصف".
وتكمل: "على مدار عامين، كان ابني المسيحي الوحيد في الصف. في حصة الدين كان يتم إخراجه من الصف، فيمضي وقته في المكتبة أو في الصالة الرياضة. وقد تسببّ ذلك بطرح تساؤلات عدة لديه: لماذا أخرج من الصف، ما معنى الدين، ولماذا يوجد مسيحيون ومسلمون؟".
وتختم نتالي: "أمام تلك التساؤلات وعدم قدرتي على الإجابة، وجدت نفسي مضطرة إلى إعادة تسجيل طفلي في إحدى مدارس الطوائف المسيحية، وهي بعيدة عن بيتي وعملي، تختلف أيام العطل الأسبوعية فيها عن أيام العطل الأسبوعية في مكان عملي ومكان عمل والده، لكنني في الأخير لا أريد لابني أن يشعر أنه الوحيد المختلف".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...